الفصل 9 : “أنتَ لا تُحبّني، أليس كذلك؟”
عندما تلألأت عينا إيفَلين الخضراوان بتوقّعٍ مشرقٍ كحبات اللؤلؤ، ارتسمت ابتسامة هادئةٌ على وجه الفتى.
“لا يُمكِن ذلك.”
قالت وهي تعقِد حاجبَيها في حيرة:
“لِماذا؟ أنتَ لا تُحبّني، أليس كذلك؟”
“هذا أمرٌ يخصّ العائلة. لا علاقةَ له بمشاعري.”
ردّه الناضجُ على غير مظهرهِ الطفوليّ دفع إيفلين إلى أن تُخرج لسانها بشيءٍ من الضيق.
“أنا لا أُحبّ مَن لا يُعجبني بدوري. ويبدو أنّكَ لستَ تُعجبني.”
رغم أنّها كانت تعلم أن ذلك مُجرد أملٍ زائف، إلّا أنّها كانت تحلم بأن تحظى بحبٍّ كحبّ والديها الحقيقيّين.
فقصتهما تقول إنهما التقيا لأوّل مرةٍ في حفلةٍ على متن سفينة، وتخطّيا فوارق النسب، ليَقعا في الحُبّ.
لذلك، لطالما أرادت إيفلين أن تتزوّج، لا أن تخطب فقط، من شخصٍ تُحبّه.
بالطبع، والداها الحاليّان يرغبان على ما يبدو في ارتباطها بعائلة فالنتينو، لسببٍ ما.
وبينما كانت تتحدّث، بدت على وجه أكسيون ابتسامة باهتة كما لو أنّ كلامها أثار اهتمامه.
إيفلين، التي ظنّت أنّه يسخر منها، سألته بحذر:
“لِماذا تنظر إليّ بهذا الوجه؟”
“لديكِ جانبٌ بريء أكثر مما توقّعتُ.”
وجدت إيفلين أنّ قول مثل هذا الكلام بذلك الوجه البريء هو الأمرُ الغريبُ فعلًا.
‘على أيِّ حال، هو ليس طبيعيًّا.’
فكّرت بندمٍ عميق: أنّها قد عرَضت عليه صداقتها.
عندما لم تُخفِ انزعاجها من كلامه، سألها أكسيون بنبرةٍ باردة:
“أليس المهمُّ فقط أن تكون الشروَط مناسبة؟”
تنهدت إيفلين بانزعاَج وهزّت رأسها:
“أتعلم؟ أنتَ غريبٌ فعلًا.”
فرفع كتفيه بلا مبالاةٍ وابتَسم ابتسامةٍ خفي!فة منَ جانب فمه:
“وأنتِ لستِ سهلة أيضًا.”
ومنذ ذلك اليوم، تيقّنت إيفلين: أنّها لن تُصبح قريبة من هذا الفتى أبدًا.
* * *
ابتسمت إيفلين ابتسامة خفيفة وهي تسترجع ذكريات الطفولة التي لم تتذكَّرها منذ زمن.
رغم مرور عشر سنواتٍ على خطوبتها من أكسيون، إلّا أنّها ما زالت غير قادرةٍ على فهمهِ.
لكنها في المقابل، عرفت بعض الجوانب المخفيّة عنه رغماً عنها، لا لأنّها أرادتَ ذلك.
“هل سيبدأ الخَتْم بالظهور قريبًا؟”
نظرت إلى ظاهر يدها بتفكّر، وبلعت ريقها عند تذكّرها أنّ الأحداث تسير مختلفةً عن الروايةِ الأصلية.
في الآونة الأخيرة، بدأَت قوّتها العلاجية تُصبح غير مستقرة. ممّا يعني أنّ هناك “مُحدِّدًا” قريبًا منهَا على الأرجح.
‘يا ترى، مَن يكون؟’
هل هو فيليكس، أحد أعضاء مجلس الطلبة؟ أم دينيس، شقيق صديقتها كلوي؟
أم أنّه، لا يُمكن…!
خطرت في بالها صورة رجلٍ فجأة، فانكمشَت ملامح وجهها.
“لا، لا. لا يُمكن أن يكون هو.”
ثمّ رفعت ذراعيها وتمطّت، وأغلقت النافذة وتوجّهت إلى سريرها.
فابتداءً من الغد، سيكون يومها حافلًا أكثر، لذا قرّرت أن تخلد للنوم.
في بيتٍ زجاجيٍّ تغمرهُ أشعّة الشمس المنسابة من السقف العالي، وبين النباتات التي نَمَتْ بغزارة، كَانت إيفلين مشغولةً بتفقّد الأعشاب الطبية.
هذا المكان كان دفيئة نباتاتٍ أنشأها والدها الحقيقي بنفسه، وقد ورثته عنها.
وكان مشروعًا زاهرًا، أنشأه رجلٌ من طبقة العامة، وأصبح مقصدًا دائمًا للناس.
‘رغم أنّ كلّ هذا أصبحَ من الماضِي الآن.’
لم تمضِ فترةٌ طويلة على عودتها إلى هذا المكان.
فحتى قبل أن تُدرك أنها قد بُعثت من جديد، كانت قد قاطعت الدفيئَة تمامًا.
لأنّ زيارتها لهذا المكان كانت تُشعل شَوقها لوالديَها الراحلَين.
لكن بعد أن أدركت أن هذا العالم ما هو إلّا روايةٌ، وأنّ نهايتها فيه هي الموت، عادَت بلا تردّد.
لأنها أصبحت تملكَ أشخاصًا يَجبُ عليها أن تَحمِيهم.
ومنذ أن تذكّرت ماضيها، بدأت إيفلين في استخدام قوّتها العلاجية لإنتاج ترياقٍ مضادٍّ للسمّ.
‘في الروايةِ الأصلية…’
قيل إنّ السُّمّ الذي تسبّب في مقتل والديها الحقيقيّين، هو نفس السُّمّ الذي غطّى إقليم إيناباسيل.
لذلك، إنْ تمكّنت من تطوير الترياق، لن تتمكّن فقط من كشف الحقيقة حول وفاتهما، بل ستتمكّن أيضًا من حماية عائلتها.
ولهذا، قرّرت أن تُغيّر مجرى الرواية تمامًا.
بعيونٍ جادّة، توجّهت إيفلين نحو مختبرها في الدفيئة، والذي كان أشبه بسجلٍّ حيٍّ لثلاث سنواتٍ من محاولات النجاة والإصرار.
‘أُريد أن أُثبت أنّ جهدي ليس عبثًا.’
وبينما لمعَت في عينيها نظرة عزيمةٍ حقيقيّة، بدأت تُرتّب الأدوية على الرفوف.
لكن بينما كانت منهمكةً في تدوين قائمة الأعشاب التي تحتاج إليها، توقّف قلَمها فجأةً.
“بالمناسبة، لم أَرَ أكسيون هذه الأيام.”
خطر على بالها خطيبها، الذي لم تسمعَ عنهُ شيئًا منذ حفل البلوغ الأخير.
رغم أنّها تتلقّى أخبارًا غير مباشرةٍ عنه من فياتون، الذي ينتمي معه إلى نفس مجموعة التبادل.
إلّا أنّه من الغريب أنّه لم يظهر منذ قرابة الأسبوع.
‘مهلًا، لماذا أفكّر فيه أصلاً؟’
هل أصبتُ بضربة شمسٍ في الشتاء؟! تمتمت وهي تهزّ رأسها مستنكرة نفسها.
ثمّ عادت لتنهي ترتيب الأدوَية، ونهضتَ من مقعدها.
فلقد كانت هناك أعشابٌ أثبتت فعاليتها مؤخرًا، وقرّرت الخروج لَشراء المزيِد منَها.
توجّهت إيفلين إلى ساحة السوق المركزية، يُرافقها فارُسها الحارسُ.
“آنستي، نذهب فقط إلى المتجر ثم نعود فورًا.”
قال جيديون بصوتٍ مملوءٍ بالقلق، وهو خادمها القديم والمخلص.
رغم أنها أصبحت راشدة، إلّا أنّه كان لا يزال يُعاملها كطفلةٍ تحت حمايته.
“أتعلم، أصبحتَ تُشبه أمّي في كثرة الثرثرة.”
قالت له وهي تُضيّق عينيها، بينما أطلق هو نظرةً مصدومة، لكنّه لم يُجب.
بالطبع، كانت تتفهّم سبب قلقه.
فوجهتهما كانت شارعًا فرعيًّا بعيدًا قليلًا عن السوق الرئيسي، ويؤدي في نهايته إلى أحد أحيَاء الظلّ.
ولأنّ المكان مشبوه، كان من الطبيعي أن يقلقَ علَيها.
فابتسمت إيفلين محاولةً طمأنته:
“لا تقلق. سأشتري الأعشاب وأعود فورًا.”
وعندما وصلت أمام متجرٍ متداعٍ، ضغطت قبعة ردائها السحريّ على رأسها أكثر، حتى لا يُكشف وجهها.
فالأزقّة الخلفيّة لَيست مكانًا مناسبًا لسيّدةٍ نبيلة.
“ابقَ هنا في الخارج، جيديون.”
“أمرُكِ، آنستي.”
وبينما بقي جيديون خارج المتجر، فتحَت إيفلين الباب ودخلت بثقة.
رنّ الجرس المعلّق في الباب، فظهر البائع بابتسامةٍ لطيفة:
“أهلًا وسهلًا.”
“مرّت فترةٌ، أليس كذلك؟”
رغم أنّ واجهة المتجر بدت على وشك الانهيار، إلّا أنّ الداخل كان نظيفًا ومنظّمًا.
وكان يحتوي على أعشابٍ نادرة وأدويةٍ لا تتوفّر في الأسواق، ولهذا كانت إيفلين تزوره دائمًا.
خصوصًا أنّه المتجر الذي كانت تستخدمه بطلةُ الرواية الأصلية، وهذا زادَ من مَوثوقيّته.
وبينما كانت تتأمّل المكوّنات النادرة في المعروضات، صفّت ذهنها فجأة:
‘لا يجب أن أنسى سبَب زيارتي!’
فقالت بصوتٍ منخفضٍ يكاد لا يُسمع:
“جئتُ لأخذ الأعشاب التي طلبتها مسبقًا.”
فذهب البائع للحظات ثم عاد، ومعه صندوق صغير.
“هذه هي الأعشاب التي طلبتِها.”
عندما فتحت الصندوق وتفقّدَته، ارتسمَت على وجهها ابتسامةُ رضا.
ثم دفعت الثمن كاملًا، وناولته ورقةً جديدة:
“أرجو أن تُحضّر هذه الأعشاب أيضًا.”
تفحّصها التاجر بسرعة، ثم أومأ برأسه:
“حاضر. سأُجهّزها لكِ.”
لكن ما إن رتّبت عباءتها وهمّت بالخروج…
رنّ الجرس مجددًا.
رنــــــ
“آي، آي!”
اصطدم بأنفها بشيءٍ صلب، فأمسكت به بألمٍ.
لكن ما إن رفعت رأسها، حتّى ارتجفت عيناها الخضراوان بشدّة.
لم يكن من الممكن ألا تعرَف.
الرجلُ الذي أمامها هو أكسيون فالينتينو.
رغم أنّه كان يُخفي وجهه برداء، إلّا أنّ خصلات شعره السوداءَ كانت واضحةً تمامًا.
لكن لم تكن إيفلين وحدها مَن تعرّف عليهِ.
فالرجل الذي كان يُحدّق بها قال بصوتٍ خافت:
“ما الذي جاء بكِ إلى هَنا؟”
❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً في واتباد وقناة الملفات،
حسابي واتباد : _1Mariana1_
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 9"