الفصل 8 : حتى لا تَهربي
شعرت إيفلين بتنهيدةٍ تتصاعد في صِدرها وهي تلتقط، دون وعي، نظرات النبلاء المحيطةَ بها.
كيف لها أن ترفضَ دعوة أكسيون العلنيّة لأولِ رقصةٍ؟
“لن أتحمّلَ مسؤوليةَ ندمكَ؟، مفهومٌ؟”
اكتفى هو بابتسامةٍ خفيفة دون أن يُجيب، أبتسامةُ تَرتسمُ ببراعةٍ على طرف شفتيهِ.
وفي رقصة التي بدأتَ على إيقاعِ اللحنَ المتبدّل، انسجم الثنائي بخطواتٍ متناغمةٍ.
كادت إيفلين تُصفّق إعجابًا بقيادتهِ الماهرةِ التي غطّت على رداءةِ أدَائها.
“واو، أظنّكَ أصبحتَ أفضلَ مما كنتَ عليهِ!”
رغم كُرهها له، لم تستطع إنكار براعتهِ في الرقِص.
فالحقّ يُقال، مهارتهُ لا غَبارَ عَليها.
فيما أكسيون يهزّ كتفَيهُ ببساطة، وكأنّه يقولُ “ليستَ مسألة كبيرة”.
“ليس أمامي خيار، عليّ أن أتجنّب أن تطئَي قدمي.”
وفي تلك اللحظة بالذات… اختفى كلّ أثرٍ من الصورة الجيّدة التي بدأت تتشكّلُ في ذهِنها عنهُ.
وبينما كانت تنظرُ إليهُ نظرةً لا تَخلُ من التسليةِ، لاحظَت تغيّرًا طفيفًا في وجههِ.
ما إن ثبتَ نظره على شيءٍ ما في القاعةِ، حتى قرّبها إليه فجأةً، ووضعَ يدهُ بإحكامٍ على خَصرها.
‘هل هذه الحركةُ كانت جزءًا من الرقصةِ؟’
رفعتَ حَاجبها بتساؤلٍ، ثمّ سارتَ بعينيها حيث كان ينظرُ.
‘……!’
ورأتهُ.
الإمبراطور… كان يُراقبهما عن كثبٍ من مكانٍ غيرَ بعيدٍ.
رغم شُعورها بالاشمئزاز، شعرتَ بشيءٍ من الارتياح بسبب دعم عائلةَ فالينتينو.
‘ما كنتُ أظنّ أنّ أكسيون قد يَهتم لهذا الحَد…’
تفاجأت بنظرتهُ الجانبية، فسألتهُ بتلميحٍ:
“لا تقل إنك دعوتنَي للرقِص… كي تُساعدني؟”
ضحكَ ضحكةً خافتةً، ثمّ انحنىَ نحو أذنها هامسًا:
“لا، فقط… حتى لا تتمكّني من الهرب.”
أنتَ فعلًا…
تنهدت، وأطلقتَ ابتسامةً بلهاءً على غير عادتها.
قد يكون شريكَ شدٍّ وجذب، لكنّه دومًا يُفاجئها.
( شد و جذب ، إي يتشجارُ دائمًا بصريحِ العبارةِ مرّةً هو من يدفع الكلامَ اللاذعُ ومرةً يستقبلهُ )
وربّما… كان هو وحدهُ القادرَ على جعلِ توتّرها يَتبخّر.
عادت إيفلين إلى قصر الماركيز في ساعةٍ متأخّرة من الليلِ.
وبعد حمّامٍ دافئ، وقفت عندَ النافذةِ، تَنظر إلى ظلامِ الحديقةِ.
لفّت الشال بإحكامٍ حول جَسدها، وهي تشعرُ بالبرودةِ تتسرّب من النَسيم الليلي إلى دَواخِلها.
‘كنتُ أظنّ أنّني بخيرٌ… لكن…’
يبدو أنّها بحاجةٍ لبعض الوقت لترتيب أفكارها بعدَ هذا اليومُ الطَويل.
أغمضتَ عينَيها، وفكّرت في أحداث الروايةِ الأصلية، حين تسبّب الإمبراطور في قتلِ مئاتَ من سكّان إيناباسيل.
حين استغلّ انشغال العائلة بالحزنِ، وزوّر أدلّة تُدينهَم بالخيانةِ.
نَسبَ إليهم أيضًا نشَر السمّ في الإقليمِ.
وانتهى الأمر بأنّ جميع أفراد عائلة إيناباسيل، بلا استثناء، أُعدَموا.
“لن أتركَ الأمور تَمضي دون ردّ.”
الآن، وقد أصبحتَ راشدة؟، لم تَعُد مقيّدة بقيودِ المجتمعِ النبيلٌ.
ولذلك، لم تَعُد تكتفي بأبحاثِ الترياق، بل ستبدأ بالتدخّل في شؤون العائلة، لشدّ الخناقَ على الإمبراطورِ نفسهِ.
ارتسمت ابتسامةٌ باهتةٌ على شَفتيها، وهي تفكّرّ في خطَطها الطويلةِ.
وفجأة، وقعَ بصرها على طاولةِ الزِينة.
كان سوار الياقوت الأحمر يلمعُ تحتَ ضوءِ القمرِ.
‘هل يُعقل أنني تلقّيتُ المساعدةَ من أكسيَون اليومَ؟’
حكّت خدّها بخجلٍ، وهي تتذكّرُ ما حدثَ في الحفل.
منذُ طُفولتها، لم يكنَ هناكَ من يعرفُ نقاطَ ضُعفها مثلهُ.
ثمّ، انجرفت ذاكرتها نحو سَنواتها الأولى.
في سنّ العاشرة، كانت إيفلين فتاةً مغرورةً بأنانيّةٍ واضحة.ٍ
وُلدت في كنفِ والدَينِ أحبّاها بصدقٍ مُفرِط، حتى أصبح غرورها يصل إلى السّماء.
كانت تعتقد أنّها الأذكى، والأفضل، وأنّ كلماتها لا تُخطئ أبدًا.
لذا، لم يكن غريبًا أن يهمس لها والدها بتوسُّل:
“تذكّري، إيفلين. عندما يأتي ابن دوق فالينتينو اليوم، كوني لطيفةً معهِ.”
لكنّها، كالعادة، لم تُعجَب بالنصيحة.
“أبي، لا أرغبُ بأن أكونَ لطيفةً مع ذاكَ الفتى.”
أكسيون فالينتينو، الذي التقت به قبل أيّام فقطٍ، كان مرشّحًا لأن يكونَ خَطيبها.
ولذلك، حاولت تخويفهّ ليرحلَ إلى قصرهِ بلا رجعةٍ.
“لماذا تُحدّق بي؟ انزل عينيكَ.”
“لماذا لا تنظرين أنتِ إلى الأرضُ أوّلًا؟”
كان ردهُ قاسيًا، حادًّا، أخَرسها تمامًا.
تلك كانت أوّل مرّةٍ تُجرَح فيها كَرامتها أمام فتىٍ من عُمرها.
وفوق ذلكَ، لم تكن تنتمي لعالم النبلاء حقًّا، بل ابنة أحد البرجوازيين الأثرياء الذي صعد فجأةً إلى طبقةِ النبلاء.
‘لكني لا أظنّ أنّ هذا هو ما أرادهُ والداي.’
لطالما قالا لها إنّها يجبُ أن تتزوّج َعن حبٍّ، ولكن… عالم النبلاء لا يعترفُ بذلكَ.
المجلات التي بدأت تقرأها مؤخرًا لا تتحدّث إلا عن فضائح حبّهم المزيّفة.
“هل حدث شيء بينكِ وبين الصغير فالينتينو؟”
سألها والدها، بوجهٍ فيه قلق.
هزّت رأسها نفيًا وقالتَ بهدوءٍ:
“لا، لا شيءَ بيننا.”
فكّرت في أن تُخبره بأنها لا تريد هذه الخطبة، لكنها لم تُرِد أن تُربكه.
ومع ذلك، لم تستطعَ منعَ نفسها من سؤالهِ:
“لكن لماذا بالتحديدِ… عائلة فالينتينو؟”
لماذا عليّ أن أرتبط بشخصٍ وقحٍ مثله؟
اختفى بريق عينَي والدها الأخضرَين لوهلة.
ثمّ، وكأنّه يزن كلماته، قال بتردّد:
“لا يمكنني إخباركِ بكلّ شيء، لكنّ ارتباطكِ به سيفيدكِ في المستقبل.”
‘سيفيدني؟’
انزعجَت من الفكرةِ، ولكنّها قررتَ، هذه المرّة فقط، أن تساير رغبةَ والديها.
توجّهتَ إلى الحديقةِ، حيث كان الفتى ينَتظرها على الشرفةِ.
حين أحسّ بوجودها، رفع عينيهُ إليها ببرودٍ.
تردّدت قليلًا، ثمّ حيته بتحفّظٍ:
“المجد الأبديّ لإمبراطوريّة فالتيان. تحيةٌ طيّبة، أيّها الصغير فالينتينو.”
نهض من مقعده، وردّ التحيّة بأدب:
“المجد الأبديّ لإمبراطوريّة فالتيان. تحية طيّبة، آنسة إيناباسيل.”
جلستَ بصمتٍ، وأمسكت بكوبَ الكاكاو أمامها، تحتسيهُ ببطءٍ.
ثم قالت:
“لقد أسأتُ الأدب في لقائنا السابق.”
رفع حاجبًا دون اهتمام، وردّ:
“لا داعي لأن تشغليَ بالكِ بذلكَ.”
بدا فتى راشدًا أكثر من عمره،ِ فأومأت له بخفةٍ.
‘أظنّ والديّ يرغبان بأن أتقرّبَ منهُ.’
ورغبةً منها في إصلاح ما فسَد سابقًا، قررت أن تمدّ يدها أولًا:
“هممم، سأكون صديقتكَ من الآن فصاعدًا. هديةٌ خاصّة منّي.”
فربما يكون ذلك مفيدًا في حال خُطبا رسميًّا.
لكنّه، وعلى غير المتوقّع، قال بهدوء:
“لا أريدُ.”
“…ماذا؟”
صُدمت. هل سمعت خطأً؟
لكن أكسيون أكدَ الأمر، وهو يسندُ ذقنهُ على كفِّه:
“قلتُ لا أريدُ.”
‘……!’
اتّسعتَ عينا إيفلين كالكرةِ الزجاجيةَ اللامعةِ.
لم يسبق أن رُفضت بهذا الشكل من قبلُ.
ولم تكن تنوي التوسّل إليهٌ، لكنها أرادتَ فهمَ السببِ.
قبضت على يديها الصغيرتين وسألته، بنبرةٍ حادّة:
“لِمَ لا؟!”
ردّ ببرود:
“لأنني لا أحتاجُ إلى أصدقاء.”
‘هذا ما أظنّهُ أنا أيضًا… لكن…’
برغم خيبة الأمل، راودها أملٌ صغير.
ربّما… كان يشعرُ مَثلها تمامًا؟
“إذًا، هل يعني هذا… أنّكَ لن توافقَ على خُطوبتنا؟
❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً في واتباد وقناة الملفات،
حسابي واتباد : _1Mariana1_
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 8"