الفصل 5 : فلتُعتبَر تدريبًا تمهيديًّا
في ذلك الوقت، كان الإمبراطور قد اختارَ والدي إيفلين، اللذين كان لهما تأثيرٌ كبيرٌ من خلالِ مشروع إغاثة ثوريّ، ليكونا عبرةً للآخرين.
ولإخفاء الأدلّة، قيل إنّه قضى على جميعِ الخدَم الذين كانوا في موقعِ الحادثِ ذلكَ اليَوم.
إيفلين، التي أصبحت يتيمةً بسبب تلكَ الحادثة، جاءت إلى قصر الماركيز إيناباسيل برفقِة جدّها لأمّها، ماركيز إيناباسيل السّابقِ.
وأخو أمّها، الذي أصبح والدهِا بالتبنّي، قيدها رسميًّا كابنةٍ له، وربّاها بكلّ محبّةٍ ورعاية.
ولأنّها نشأت كأصغرُ الأبناء المدلّلين، أحبّت عائلتهاَ الجديدةَ من أعماقِ قَلبها.
“لهذا، لا أحدٌ يمكنهُ حمايةُ عَائلتي سواي.”
في الجزء الأخير من الرواية الأصلية، تُقتل إيفلين على يد خَطيبها، وتُباد عائلة إيناباسيل على يدِ الإمبراطور ضمن خطّةٍ سياسيّة.
ولأنّ عائلة فالنتينو كانت العائلةَ الوحيدة القادرة على الوقوف في وجهّ الحِكم الإمبراطوري، سَعى البلاط إلى كبح تصاعدِ نفوذهم.
ومن أجل ذلك، استهدَفوا عائلة الماركيز المتحالفة معهم عبر الخطوبةٌ.
وبهذا، أصبحت عائلة إيناباسيل ضحيةً في صراعِ السلطة، ومُحيت من تاريخ إمبراطوريّة فالتيان.
لقد بثّوا سُمًّا غامضًا في إقليم إيناباسيل، ما أدّى إلى وفاةِ العديد من سكّانه.
ورغم أنّ الأمر يبدو وكأنّه حبكة خياليّة سخيفةٌ، إلا أنّه لم يكن غريبًا أبدًا في عالم الروايةِ السوداويّة هَذهِ.
فكّرت إيفلين في هذه المجازر القادمةِ، فعضّت شفتيها بإحكامٍ، وقبضت أناملها المُرتجفةَ.
‘لا داعي للتوتّر الآن. لا يزال أمامي ثلاثُ سنواتٍ.’
منذ أن أدركت أنّها عادت إلى الحياةِ، بدأت في البحث عن مصلٍ مضادٍّ لذلك السمّ باستخدام قوّتها الشفائيّة.
قرّرت أن تُحرّف مجرى القصّة، لتكشفَ حقيقةَ َمقتل والديها، وتحمي عائلتها الحبيبةَ.
وبعد أن عزمت أمرها، أعادتَ إيفلين القلادةَ إلى صندوقِ المجوهرات العتيقِ.
“لا تقلقا، أمّي، أبي.”
لن أقف مكتوفة الأيدي وأراقب القصّة تتكرّرُ كما هي.
* * *
بدا التوتّر واضحًا على وجه إيفلين وهي تنظر إلى سلّم قاعةِ الحفل.
فاليوم هو يوم حَفل بلوغِها الذي يُقام في القصرِ الإمبراطوري.
كم من التحضيرات بَذلتها مع والديها والخدم الذين وقفوا بجِانبها!
‘أتمنّى فقط أن يمرّ الحفلُ بسلامٍ…’
“يبدو أنّكِ متوترةٌ جدًّا.”
قالها أكسيون، الذي كان يَقفُ بجُوارها، بصوتٍ باردٍ وجافٍ.
شعرهُ الأسودُ مُسرّح بعنايةٍ، عيناهُ الحادّتان تحملانِ بريقًا أحمَر مائلًا للخطر، وملابسهُ العسكريّة أنيقةٌ بلا أدنى عيب.
رغم أنّها لم تكن تُريد الاعترافُ بذلك، إلا أنّ وسامتهُ كانت تزداد يومًا بعد يوم.
حتى الصحف كتبت أنّه “لا يوجد هدف تصويرٍ أجمل منهُ على الإطلاقِ”.
شعرَت إيفلين بالضيقُ تجاهَ خطيبها الوسيم، فنظرتَ له بنظرةٍ مستاءةٍ.
“ومن قال إنّي متوترةٌ؟”
‘لماذا أتى مُبكرًا؟!’
رغم أنّه لا يزال هناكَ متّسعٌ من الوقتِ قبلَ بدءِ الحفل، حضر أكسيون إلى القصر منذ الصبَاح الباكر.
كانت تخطّط للذهاب بالعربةِ مع عائلتها اليوم، لكنّه أفسدَ كلّ شيءٍ.
‘لا شيء يعجبني فيه.’
تنهدت بخفة، ثم أمسكت يد خطيبها وصعدتَ الدرج، ليقوم الخادم بتأكيَد هويّتهما.
فتح الخادم أبواب القاعة بصوتٍ عالٍ، وأعلن دخولهما بفخر:
“سعادة نائب دوق فالنتينو، والآنسة إيناباسيل، قد دخلا!”
ومع فتح الباب، انهمر الضوء الساطع من الثريّات الكريستاليّة.
فأغمضتَ إيفلين عينيها تلقائيًّا، بينما ارتسمت! ابتسامة باهتةٌ على شفتي أكسيون.
“ما رأيكِ أن تبدئي في حضور الحفلات؟”
“…ماذا؟”
“إن أردتِ، يمكنني الحضور معكِ.”
حدّقت به إيفلين بدهشةٍ ممزوجةٍ بالبرود، وقالت بحدّة:
“أرجوكَ، تجاهلني فقط.”
النبلاء من حولهم بدؤوا يتهامسون بفضولٍ ولهفة.
“يا إلهي، يبدو أنّ العلاقة بينهما مثاليّةٌ!”
“انظروا إليه، يكادُ يسيل العسل من عينيه.”
“كما تقول الشائعات… يبدو أنّه يـُحبّها كثيرًا.”
‘لا، لا، لا! أنتم تفهمون كلّ شيء بشكلٍ خاطئٍ!’
وحدها إيفلين كانت تنظر إليهم برعبٍ وهي تقول في سرّها، بينما كانت نظرةُ أكسيون توحي بأنّه يَستمتعُ بهذا الوضع بشدّةٍ.
وحين شعرت أنّهُ لا جدوى من تفسير أيّ شيء، أطلقت تنهيدةً طويلة ونظرت إلى خطيبها.
‘ما… ما هذا؟!’
فجأة، اقترب منها كثيرًا، فاهتزّت نظراتها وتعثّر تركيزها.
ووضع يده بخفة على كتفها، ثم همس بهدوء:
“فلتعتبريه تدريبًا تمهيديًّا.”
“تدريبٌ؟ تدريبٌ على ماذا؟”
نظرت إليه بارتيابٍ، فارتسمت على وجهه ابتسامة بطيئةٌ ساخرة.
“على زفافنا، طبعًا.”
‘ماذا يقول هذا المجنون؟!’
عقدت حاجبيها بضيقٍ، ثم ضربتَ يدهُ بالمروحةِ قائلة:
“توقّف عن هذا، حالًا!”
انسحب أكسيون بهدوء دون اعتراضٍ.
نظرت إليه بريبة، ثم عدّلت ملامح وجهها بابتسامةٍ مصطنعة وصوتٍ حادّ:
“ولِمَ قد أتزوّجك أنتَ بالتحديد؟!”
فأمال رأسه بخفّةٌ، بنظرةٍ جادّة:
“وأنا كذلكَ لا أفضّل الأمر… ولكن.”
“ولكن؟!”
“إن لم أتزوّجكِ، فمن سـأتزوّج؟”
كان يتكلّم وكأنّ جوابه منطقٌ لا جدالَ فيه.
ارتبكت إيفلين ولم تُخفِ دَهشتها.
صحيح أنّ زواج أصحاَب الأختام المتشابهة يُساعد في كبح قوّاتهم، وبعضهم يختار الزواج لأجلَ ذلكَ.
‘لكن، متى أصبحت أنتَ شخصًا أخلاقيًّا فجأةً لتطبقَ ذلكَ؟!’
زفرت بضيقٍ. لقد شعرت بهذا سابقًا… أكسيون يؤمنَ إيمانًا قاطعًا أنّها هي شريكتهُ.
‘ما الذي تنوي فعلهِ بي؟’
وإن ظهرت البطلة الحقيقيّة لاحقًا… سيبدأُ بالندمِ ويتوسّلُ الطلاق!
بينما كانت تَدور الأفكارُ في ذهِنها، قرّرت أخيرًا قول ما عندها.
“همم، أكسيون… بالنسبة لي، الزواجَ يَعني…”
رفع حاجبًا منتظرًا إكمال الجملة.
رغم أنّها لم تفهم سبب خوضها هذا النقاِش الغريب معه، إلّا أنّها عبّرت عن قناعتها:
“الزواج يجب أن يكون بين شخصين يُحبّان بعضهما بصدقٍ.”
تمامًا كما فعل والداها حين تخطّيا الفوارقَ الطبقيّةَ وتزوّجا.
أومأ أكسيون برأسهِ وكأنّه يُفكّرِ.
‘هل… فهَم قصدي؟’
ظنّت أنّه أدرك المعنى.
لكنّه قال:
“سآخذ ذلكَ بعين الاعتبار.”
“شكرًا على فهـ… مَاذا؟!”
تفاجأت من ردّه الخارج تمامًا عن السياق.
‘ماذا يعني “سآخذ ذلك بعين الاعتبار”؟!’
رفعت عينيها لتحدّقَ به، فإذا به يقتربُ منها خطوةً أخرى.
‘ما خطبهُ الآن؟!’
بينما كانت تراقبه متوجّسةً، مدّ يده ولمسَ خصلات شعرها المتدلّيةَ.
ثم أعاد خصلةَ شَعرها الكستنائيّةَ ذات اللّون الورديّ المحمرّ خلف أذنها بهدوءٍ.
شهقَت إيفلين من هذا التصرّفِ المُفاجئ، وقطّبتَ حَاجبيها بقوّةٍ.
“ما الذي تخططُ له الآن؟!”
لكن أكسيون لم يُخفِ ابتسامتهُ قطٌ.
عيناهُ الحمراوان اللّتان كانت دوما مليئتين بالمللِ، بدتا الآن كأنّهما تَلمَعان بشغفٍ.
كأنّه طفلٌ وجد لعبةً جديدةً للتَو.
‘ما هذه النظرة…؟!’
تجمّدت إيفلين وهي تحدّق فيه، ليهمَس أخيرًا:
“فقط… أحاولُ أن أُناسب ذوقكِ.”
❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً في واتباد وقناة الملفات،
حسابي واتباد : _1Mariana1_
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 5"