الفصل 4 : الأرتباطُ الأبدي بالخلاصِ
ما إن عادت إيفلين إلى قصر الماركيز، حتّى صعدت فورًا إلى غرفتها وألقت بنفسها على السرير.
‘آه، لقد استُنزفتُ تمامًا.’
بعد يومين قضَتهما في مواجهة أكسيون، اجَتاحها تعبٌ ثقيلٌ وكأنّه موجٌ متلاطِم.
حدّقت طويلًا في السوار الذي تلقّته منه، ثم أطلقت تنهيدةً عميقة.
“ما الذي يُفكّر فيهُ هذا الأحمقُ؟”
صحيح أنّ النقش يُمكنه تهدئة القوى المختلطة، لكن إيجاد الشريكِ المناسب لذلكَ النقش كان كالبحث عن نجمةٍ في السماءِ.
فمن ظهر له الخَتْم ولم يجد النقش، عاش حياته في عذابٍ مستمر.
القوّة الخارقة، التي استمرّت منذ أسطورةَ تأسيس المملكة، كانت تمنحهم قُدرات هائلة… لكن مقابل ألمٍ يفوق التصوّر.
‘حتى لو لم تكن تلك القوَّة مرغوبةً، لا فكاكَ من لعنَتها.’
في هذا العالم، كان الخَتْم يُشبه وصمة اللعنة.
وكما يُوحي عنوان الرواية “الأرتباطُ الأبدي بالخلاصِ”, فقد كانت البطلة دائمًا من تُنقذ البطل من تلك اللعنة.
ولهذا، كانت البطلة هي الخلاص الوحيد للبطل.
لكن، وعلى خلاف الجميع، لم يجد أكسيون شريكَ نقشٍ له، فعاش عُمْره يتقلّبُ في العذابِ.
ورغم أنّها كانت تعرفهُ منذ وقتٍ طويل، وأشفقَت عليه للحظةٍ، سرعان ما هزّت إيفلين رأسها نافيةً.
‘لا، لا. لِمَ أُشفقُ عليه أصلًا؟’
ليس وقت الشفقة على الآخرين، بل عليها أن تنجو أولًا من دورها كشريرةٍ ثانوية!
كون قوّتها “شفائية” وليس فيها جانبٌ قتالي، فحتى لو ظهر لها خَتْم، فلن تتأثّر كثيرًا.
لكن لو كان خَتْمها من نفس نوع خَتْم أكسيون، فهنا تبدأ المَصيبة.
‘في الرواية الأصلية، إن لم تخنّي ذاكرتي…’
أكسيون بدأ بالتخلّص من كلّ المحيطين بالبطلة واحدًا تلو الآخر.
رتّب الأمور كي يَجعلها معزولةً تمامًا.
وحين اكتشفت البطلة الحقيقةَ وغضبت، لم يُظهر ندمًا… بل اختَطفها وحبَسها.
ليكون وحده من يراها، وتكون هي لا ترى سواهُ.
‘والهرب لم يكن سهلًا على الإطلاق.’
بصفته زعيمًا للعالم السفلي، كلّف قادةَ النقابة بمراقبَتها.
تحت ذريعة “الحماية”، كان يُخفيها في قفصٍ ذهبيٍّ يُشبِه الجحيم.
“وأنا أعرف كلّ هذا… ويُريدون منّي الزواج بهِ؟”
تخيّلت للحظة كيف ستكون حياتها معه، فتغيّرت مَلامحَها إلى الاشمئزازِ.
لو تزوّجته، ثم ظهرَت المرأة التي يحبّها لاحقًا… فستُسرّع بذلك موعد موتها.
“لا، هذا مستحيلٌ. لن يحدثَ ذلكَ أبدًا.”
لا حاجةَ للقلقِ بشأن شيءٍ لم يحدث بعد.
ولأنّه لا تأكيد بعد على ظهور الختم، فلا فائدة من الخوفِ الآن.
رغم ذلك، ضغطتَ إيفلين على قبَضتها، وعزمت في سرّها أن تبقى على قيد الحياة مهما كلّفَ الأمرُ.
* * *
كان خدمُ قصر ماركيز إيناباسيل يتحرّكون بنشاطٍ غير معتاد.
فقد اقتربتَ مناسبة بلوغ سيّدتهم الوحيدة، واستعدّ لها الماركيز وزوجته بضجّةٍ لافتةٍ.
‘لو كنتُ أعلم، لكنتُ قد استعددتُ مسبقًا كما قال والدي…’
بعد أن انتهت من تجربة الفستان، تمدّدت إيفلين بإرهاقٍ على الأريكةِ.
لم يتبقَّ وقتٌ كثيرٌ على حفلة بلوغها، وكانت تعيش أيامًا لا تكادُ تجدِ فيها وقتًا للتنفّس.
وفي تلك اللحظة، سُمع طَرقٌ خفيف، لتدخل خادمتها الخاصة لاري إلى غرفة الزينة.
“آنستي، أعدتُ جميع الهدايا كما أمرتِ.”
أكسيون، كما وعد، نشر بيانًا تصحيحيًّا خلال يومٍ واحد فقط من انتشاِر خبر الزواج.
الخبر الجديد أوضح أنّ الزواج كان شائعةً مبالغًا فيها، وأنّهما سيكتفيان بالخطوبةِ مؤقّتًا.
لكن النبلاء، سريعو الحركة، أرسلوا هدايا زفافٍ فاخرةً قبل أن يَصلهم التصحيحُ.
وكان لزامًا إعادة كلّ هدية مع خطاب اعتذارٍ شخصي.
وحين تذكّرت عربات الهدايا المصطفّةَ أمام القصر، تنهدتَ إيفلين دون وعي.
“أحسنتِ، يا لاري.”
“لكنّ كلّها كانت تناسبكِ، آنستي… هذا مُحزن قليلًا.”
رفعت إيفلين حاجبًا وهي ترى شفتي لاريَ منكمَشتين بأسفٍ.
“هل الجميع يُريدني أن أتزوّج أكسيون فعلًا؟”
من الماركيز والماركيزة، إلى الخدِم جميعًا، بدوا حزينين عند صدور التصحيح.
لكن أكثر من حزن، كان شقيقها فياتون إيناباسيل.
قال بغصّة: “لو لم يأخذكِ أكسيون، فمن سيتزوّجكِ إذًا؟!”
تذكّرت أخاها الذي يجلبُ المتاعب، فضحكتَ بسخرية.
‘لا، لا يمكن أن يكون هذا هو الحلّ.’
لم تستطع فهم سبب رغبة الجميع في زواجها من أكسيون.
عندها، شبكت لاري يديها وقالت بابتسامةٍ عريضة:
“لأنّكما تبدوان رائعَين معًا!”
نَفَخَت إيفلين من أنفها ضاحكةً بسخرية:
“نبدو رائعَين؟ حتى قطةٌ عابرة ستضحكُ من هذا الكلام.”
“لكن علاقتكما جيّدةٌ، أليس كذلك؟”
قالتها لاري وكأنّها بديهيةً.
إيفلين حدّقت بها بذهولٍ.
‘من أين جاءت بهذا الاستنتاج؟!’
“ولِمَ تعتقدين ذلك؟”
أجابت لاري بلهفةٍ، وكأنّها تُخبرها بسرٍّ مقدّس:
“أيّ رجلٍ يُهدي فتاةً سوارًا مرصّعًا بالجواهر… لا بدّ أنه يحبّها كثيرًا!”
“……”
كانت إيفلين تشعرُ بالحزنِ أصلًا من هذه الجزئية.
ما إن شاهد النبلاء أكسيون وهو يُهديها السوار، حتى بدأَت الشائعات مجددًا.
تصرفاتهُ، المختلفةُ عن باقي الرجال، جعلت النساء يُعجبن به أكثر.
ووصل الأمر إلى أن وصفت بعض المجلاتِ أكسيون بـ “أكثر الرجال رومانسيّة في هذا العصر”.
ومع ذلك، والديها اللذان أُصيبا بخيبة أمل عند التصحيح، باتا يأملان في زواجٍ حقيقي لاحقًا.
تخيّلا ابنتهما وهي تُلقي نذور الزواج مع أكسيون في المذبح.
‘الذي خُدع في أكسيون هو أنا، لا هم.’
ذلك السوار، لم يكن هدية، بل ضغطًا صامتًا.
قدّمهُ أمام الجمِيع عن قصد، حتى لا تتمكن من رفضه علنًا.
تنهدت إيفلين بهدوءٍ، وقالت وهي تنظر إلى لاري:
“وضّحي للجميع أنّه لا يوجد بيننا شيءٍ، مفهومٌ؟”
“نعم، سأفعلُ.”
أومأت لاري برأسها بخفة، ثم خرجت من غرفة الزينةِ.
نهضت إيفلين من الأريكة، ونظرت للسوار اليّاقوتيَ الذي ارتدتهُ مع الفستان قبل قليل.
رغم مظهره الجميل، إلا أنّه كان يُشبهُ القيود.
‘ما زلتُ لا أُصدّق أنّ حياتي ترتبطُ بهِ.’
في عينيها، اشتعل التصميم.
حالما تنفصلُ عنه، سَتجدُ رجلًا أفضل منه بكثير.
فتحت أحد أدراج التزيين، وأخرجت صندوقَ مجوهراتٍ قديم، وضعت السوار فيه.
ثم تردّدت، قبل أن تلتقط قلادةً تحمل آثار الزمن.
“لم ألمسها منذ فترةٍ طويلة…”
أخذت تلمَسها برفقٍ، وفتحت غطاءها بابتسامة شاردة.
وبينما تحدّق في صورة زوجين داخل القلادة، بدأ بريق عينيها الأخضرتين يخفت شيئًا فشيئًا.
أغمضت عينيها بقوة، ثم فتحتهما ببطء.
تذكّرت الكارثة التي وقعتَ في طفِولتها.
اليوم الذي فقدتَ فيه والديها الحقيقيَّين إلى الأبد.
تلك المأساة التي ألمّت بعائلة إيناباسيل، لم تكن شيئًا يُمكن نسيانهُ.
حين كانت في الثامنة من عمرها، قُتل والداها وهم في طريق عودتهم من القصر الإمبراطوري.
سبَب الوفاةِ كان تسمّمًا شديدًا، وادّعت الأسرة الإمبراطورية أنّه حادث عربة.
لكنهم فشلوا في إخفاء آثار السمّ عن الأعين.
بين النبلاء، كان الجميع يعلم أنّ الجُناة الحقيقيّين هم من داخل القصر الإمبراطوري.
فذلك كان جزءًا من مخطّط الإمبراطور، لوقف توسّع فئة الإصلاحيِين.
❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً في واتباد وقناة الملفات،
حسابي واتباد : _1Mariana1_
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 4"