.:
الفصل 35 : إذا سمحتُ لنفسي بطمعٍ واحدٍ فقط
همم، هل فكّرتُ كثيرًا؟
تذكّرت إيفلين بطلي الرّواية الأصليّين، كاليد وداليا، اللذين كانا خلاصًا لبعضهما.
عند رؤية علاقتهما الحميمة، ربّما كانت تتوهّم أنّ كاليد يكنّ لها مشاعر، وقد سارعت في استنتاجاتها.
‘لا، لا يمكن أنْ يكون ذلك.’
هزّت إيفلين رأسها، ثمّ غيّرت الموضوع بسلاسة:
“هل تعرف أين يمكن أنْ يكون الدّكتور فابيان؟”
“سأذهب معكِ—”
“لا، لقد تلقّيتُ منكَ ما يكفي من اللّطف.”
ابتسمت إيفلين بلطف، معبّرة عن رفضها بأدب.
* * *
في الحديقة الواسعة خلف قاعة الحفل.
على عكس القاعة المليئة بالضّحكات والموسيقى الصّاخبة، كان المكان هادئًا ومسالمًا.
سمعَت أنّ منظّم ‘مهرجان يتفتّح في منتصف اللّيل’ أولى اهتمامًا خاصًّا بالحديقة.
كانت الحديقة تبدو كأنّها حديقة نباتيّة مُعتنى بها جيّدًا.
لكن، مع كثرة الأوراق الخضراء، ربّما بدت رائعة فقط لعشّاق النّباتات.
‘أين يمكن أنْ يكون الدّكتور فابيان؟’
بينما كانت إيفلين تتفحّص المكان، لمحت فجأة نبتة نادرة كالتي تُرى في كتب النّباتات.
توقّفت خطواتها، وعيناها تلمعان ببريق صافٍ:
“واه، هذه—”
“نبتة شوفايزر، أليس كذلك؟”
“يا إلهي!”
فاجأها ظهور رجل في منتصف العمر، فكادت تسقط على الأرض.
لحظة، قناع ثعلب وربطة عنق حمراء على شكل فراشة…
“هل أنتَ الدّكتور فابيان؟”
“كيف عرفتِني؟”
بدت تعابير الرّجل ذي الشّعر الأشيب متصلبة، وأرسل إليها نظرة حادّة.
شعرت إيفلين بالرّاحة داخليًّا للقائها به، فأدّت التّحيّة بأدب:
“أنا إيفلين إيناباسيل. لقد قرأتُ أطروحتكَ في الأكاديميّة بإعجاب كبير.”
بغضّ النّظر عن معرفتها بمعلومات فابيان من الرّواية، كان عالمًا بارزًا في إمبراطوريّة فالتيان.
“يبدو أنّكِ من خرّيجي أكاديميّة روكسن.”
لمس فابيان لحيته بعينين مهتمّتين.
بعد تأكّده من هويّتها، بدا أنّ حذره قد خفّ قليلًا.
ابتسمت إيفلين بحرج، ودارت عيناها قبل أنْ تتابع:
“نعم، في الحقيقة، كنتُ أرغب في لقائكَ.”
“أنا؟”
نظر إليها فابيان باستغراب، فأومأت إيفلين بهدوء:
“أنتَ تعرفُ الكثير عن مورديان، أليس كذلك؟”
“نعم، إنّه السّماد الذي يحتوي على الطّاقة السّحريّة.”
كان فابيان أحد الباحثين الذين طوّروا مورديان.
بسبب إنجازاته العديدة، لم يكن هذا العمل معروفًا مقارنةً بأبحاثه الأخرى.
لكن إيفلين كانت تعرف من الرّواية أنّ فابيان يفخر بتطوير مورديان أكثر من غيره.
نظرت إليه بعينين جادّتين وقالت:
“أتجرّأ على طلبٍ منكم دون خجل.”
“ماذا تقصدين؟”
“أريد الحصول على مورديان الذي طوّرته.”
لجعل ديركوورس تُزهر، كان ذلك السّماد ضروريًّا.
لكن برج السّحر كان مغلقًا، والتّواصل مع أعضائه لم يكن سهلًا.
لذا، لم ترغب إيفلين في تفويت هذه الفرصة.
لكن فابيان لم يبدُ مستعدًّا لتلبية طلبها.
“سأتظاهر بأنّني لم أسمع هذا.”
شعرت إيفلين بحرقة في صدرها من ردّه القاطع.
“دكتور، مرّة أخرى—”
“إذا كنتِ تعرفين أنّني شاركتُ في تطويره، فلا بدّ أنّكِ تعرفين سبب توقّف البحث.”
أومأت إيفلين برأسها وهو يضع حدًّا بتعابير قاتمة:
“لأنّه قد يُستخدم بشكل سيّء بقدر فائدته.”
عندما طُرح مورديان أوّل مرّة، آمن الباحثون أنّه سيجلب تغييرًا إيجابيًّا.
لكنّه أُسيء استخدامه بطرق غير متوقّعة.
بسبب النّتائج السّلبيّة، حظر برج السّحر استخدامه ومنع بيعه.
ضيّق فابيان عينيه قليلًا أمام ردّها السريع:
“تعرفين ذلك ومع ذلك تبحثين عن مورديان؟ لا أفهم.”
كانت إيفلين تتوقّع ردّه إلى حدّ ما.
كيف يثق بشخص غريب ويعطيه سمادًا محظورًا؟
ومع ذلك، شعرت بالقلق يضغط عليها، فأمسكت يديها بقوّة.
بعد صمت قصير، قالت بصعوبة:
“…أريد حماية عائلتي.”
“حماية عائلتكِ؟”
تذكّرت المأساة في الرّواية، فأخفت يديها المرتجفتين:
“نعم، عائلتي الحاليّة ثمينة جدًا بالنّسبة لي.”
“….”
“ولحمايتهم، أحتاج إلى مورديان بالتّأكيد.”
بعد أن خسرت عائلتها مرّة، ناشدت بصوت مليء بالإلحاح.
نظر إليها فابيان بعينين لا يمكن تفسيرهما، وهو يلمس ذقنه.
بالطّبع، لم تكن إيفلين تنوي الطّلب بلا مقابل.
إذا قدّمت معلومات قيّمة، ربّما يغيّر رأيه.
“إذا كان هناك شيء تريده، سأكون سعيدة—”
“لا أعرف الى كم تريننيَ فاسدًا، لكن لا داعي لذلك.”
هل هذا رفض؟
شعرت إيفلين بمرارة في فمها من نبرته الحاسمة.
‘يجب أنْ أجد طريقة أخرى.’
قرّرت مواجهة الواقع والبحث عن بديل، فانحنت:
“فهمتُ كلامكَ، دكتور. شكرًا على وقتكَ الثّمين.”
“يبدو أنّكِ أسأتِ فهمي.”
“ماذا؟ ماذا تقصد؟”
اتّسعت عيناها الخضراوان، فضحك فابيان بهدوء:
“سأرسل مورديان إليكِ قريبًا.”
“شكرًا جزيلًا، دكتور!”
“لم أرَ عينين مليئتين بالإلحاح منذ زمن.”
“ماذا…؟”
نظر إليها فابيان بابتسامة مريرة وقال:
“والدكِ. كان تلميذي في الواقع.”
“والدي؟”
غرق فابيان في الذّكريات للحظة، ثمّ أومأ ببطء:
“كان موهبة رائعة. لكنّه اختار طريق الأعمال.”
سمعت إيفلين في طفولتها أنّ والدها عمل في معهد برج السّحر لفترة.
لكنّها لم تتخيّل أنّه كان تلميذًا لفابيان.
“لم أكن أعلم…”
كأنّه توقّع ردّها، لمس فابيان قناعه وقال بلطف:
“إذا احتجتِ إلى مساعدتي، اتّصلي بي في أيّ وقت.”
ربّما بدافع الحنين إلى تلميذه، أظهر لطفًا صغيرًا لابنته.
ابتسمت إيفلين بنعومة وأدّت التّحيّة بصدق:
“شكرًا جزيلًا، دكتور.”
لِسببٍ ما، شعرت أنّها لن تنسى هذا اليوم أبدًا.
* * *
هبّت نسمة خفيفة تحمل برودة ممتعة.
اتّكأت إيفلين على درابزين شرفة القاعة بوجه مرتاح.
‘لم أتوقّع أنْ يكون الدّكتور فابيان ودودًا لهذه الدّرجة.’
في الرّواية، كان فابيان متجهّمًا، لكنّه أصبح حليفًا للبطلة وأحبّها كحفيدته.
‘ربّما لأنّها تشبه حفيدته المتوفّاة.’
ربّما بسبب شعر داليا الأبيض كالقمر، كان فابيان يبدي أحيانًا نظرة حزينة.
لذا، توقّعت إيفلين أنْ يكون لطفه تجاهها مؤقّتًا.
كانت رواية ”الأرتباطُ الأبديَ بالخلاص.” تركز على للبطلة فقط.
كشريكة شرّ ثانويّة، لم تطمع إيفلين في شيء آخر.
لكن، إذا سمحت لنفسها بطمع واحد فقط…
“يكفيني أنْ أحمي عائلتي.”
نظرت إيفلين إلى السّماء اللّيليّة بتعابير مؤثّرة، ثمّ عزّزت عزيمتها.
بينما كانت تستعدّ للبحث عن خطيبها، تحرّكت الستارة فجأة.
سُحبت الستارة، ودخل شخص ما إلى الشّرفة.
التعليقات لهذا الفصل " 35"