.:
الفصل 33 : أتمنّى أنْ تبقَ إلى جانبي
كان وجه أكسيون يحمل تعبيرًا ينمّ عن عدم الرّضا.
فوجئت إيفلين بردّ فعله، فرفعت عينيها قليلًا.
‘هل يظنّ أنّ هذا الفستان لا يناسبني؟’
تفقّدت زيّها بسرعة دون سبب واضح.
الفستان الذي عدّلته المدام أنجيلا لم يتغيّر كثيرًا، سوى أنّ عمق الشّق أصبح أقلّ.
على الأرجح، كان أكسيون يعتقد أنّ هذا الفستان لا يليق بخطيبته، لذا بدا متضايقًا.
من طلب منه إهدائي إيّاه إذن؟
‘من المؤكّد أنّه يريد أنْ يقول إنّ وضع خطوط على القرع لا يجعله بطيخًا.’
عبست إيفلين وهي تشعر بالضّيق، فشكّلت شفتيها بإنزعاج.
لكن، على عكس توقّعاتها، تصرّف أكسيون بطريقة غير متوقّعة تمامًا.
لمَ يقترب منّي؟
في موقف مفاجئ، ارتبكت عيناها وهي تتحرّكان يمنةً ويسرةً دون أنْ تستطيع التّراجع.
توقّف الرّجل أمام قدميها، ثمّ خلع جاكيته الصّوفيّ ووضعه على كتفيها.
بدأ يزرّر الجاكيت من الأعلى زرًّا تلو الآخر.
مع اقترابه الشّديد، شعرت إيفلين للحظة كأنّها نسيت كيف تتنفّس.
بعد مرور بعض الوقت، ارتخت شفتاه المغلقتان بإحكام.
“هذا المظهر يناسبكِ أكثر.”
“ماذا… تفعل الآن؟”
ردّ أكسيون على سؤالها المحيّر بابتسامة مائلة، رافعًا حاجبًا واحدًا:
“هل كنتِ تنوين الذّهاب بهذا الفستان وحده؟”
“تحدّث بوضوح! أنتَ من أهديتنيه!”
نظرت إيفلين إلى خطيبها بعينين غاضبتين.
لم يؤكّد الرّجل أو ينفِ، بل أطلق تنهيدة خافتة.
يبدو أنّه أدرك أجواء الحفل متأخرًا.
وإلّا لما نظر إلى الفستان الذي أهداه بعدم استحسان.
حدّق أكسيون فيها للحظة كمن يغرق في التّفكير، ثمّ قال بجدّيّة:
“لو كنتُ أعلم أنّ المكان هكذا.”
“…؟”
“ما كنتُ لآتي بكِ.”
ماذا، هل يشعر بالأسف تجاهي الآن؟
لكن إيفلين لم تكن تحمل أيّ ضغينة تجاهه.
كان لديها هدف خاصّ بحضور ‘مهرجان يتفتّح في منتصف اللّيل’.
‘من المؤكّد أنّ الدّكتور فابيان سيحضر هنا أيضًا.’
في الرّواية الأصليّة، ذُكر أنّ شخصيّة بارزة من معهد الأبحاث الحيويّة التابع لبرج السّحر ستحضر الحفل.
مثل أكسيون، جاء على الأرجح للتحقيق في تهريب أدوية محظورة.
‘للحصول على مورديان…’
كان عليها أنْ تتفاوض معه للحصول على السّماد الضّروري لأبحاث السّموم.
في الوقت الحالي، كان الاتّصال بأشخاص من برج السّحر هو الطّريقة الوحيدة للحصول على مورديان.
بينما كانت تعزّز عزيمتها، شعرت بقوّة متزايدة في يد أكسيون التي تقودها.
عندما أمالت إيفلين رأسها، همس أكسيون بهدوء:
“أتمنّى أنْ تبقي إلى جانبي اليوم.”
“ماذا…؟”
نظر أكسيون إليها وهي تعبس قليلًا، وتوهّجت عيناه بلمعان أحمر.
“لا تذهبي إلى أماكن غريبة دون داع.”
* * *
عندما وصلت إيفلين إلى مدخل قاعة الحفل، تبادلت النّظرات مع أكسيون دون كلام.
على أيّ حال، كانا شريكين كمن يركبان قاربًا واحدًا.
حضر خطيبها الحفل للقبض على زعيم عصابة تهرّب الأدوية المحظورة.
‘ارتكاب جرائم في مكان كهذا؟ يبدو أنّ جرأتهم تفوق الحدود!’
تذكّرت إيفلين التّاجر غير الشّرعي للأدوية في صالون اجتماعي، فأصدرت صوت استياء.
إنّ حدوث أنشطة غير قانونيّة في قلب العاصمة يعكس عجز الإمبراطور.
لذا، لم يسعها إلّا أنْ ترفع توقّعاتها من الحاكم القادم.
لكن، بالطّبع، ليس وليّ العرش، بل شخص آخر.
“فيمَ تفكّرين هكذا؟”
“آه، لا شيء.”
انتبهت إيفلين لسؤال خطيبها، فلمست قناعها بسرعة.
بما أنّ رمز الحفل كان ‘القناع’، لن يسهل على الحضور تمييز هويّات بعضهم.
أخرج أكسيون دعوة مكتوبة بحبر ذهبي على ورقة سوداء من جيبه.
بعد تفقّد الدّعوة، انحنى حارس الباب بأدب وفتح أبواب القاعة على مصراعيها.
“مرحبًا بكما في ‘مهرجان يتفتّح في منتصف اللّيل’!”
عند دخولهما، دوّى صوت بوق مبهج يعلن وصولهما.
ثمّ انفجرت ألعاب نارية سحريّة، متناثرة بأوراق زهور ملونة.
‘ما هذا؟ هل كان المكان دائمًا هكذا؟’
تفاجأت إيفلين بالاستقبال غير المتوقّع، فتراجعت خطوة إلى الخلف.
كأنّه يحاول دعم شريكته، أحاط أكسيون خصرها النّحيل بذراعه.
“ألم أقل لكِ؟ من الأفضل أنْ تبقي إلى جانبي اليوم.”
برزت شفتاه مع ابتسامة سلسة.
“بهذا الزّي، سيتجنّبني الجميع من تلقاء أنفسهم، أليس كذلك؟”
من سيجرؤ على الاقتراب مني وأنا أرتدي جاكيتك؟
ردّ الرّجل برفع زاوية فمه قليلًا دون أنْ يقول شيئًا.
على أيّ حال، كانت إيفلين مصمّمة على البحث عن الدّكتور فابيان بنفسها اليوم.
بما أنّ الرّواية وصفت القناع الذي يرتديه فابيان، شعرت أنّ لديها فرصة جيّدة.
كما أنّها لم ترغب في إعاقة تحقيق أكسيون السرّي.
‘ربّما أكشف عن قضيّة الأدوية قبل كاليد.’
شعرت أنّ الأمور ستمضي بسلاسة اليوم.
ابتعدت إيفلين خطوة عن خطيبها وقالت بنبرة هادئة:
“سأبقى هنا. أنتَ مشغول اليوم على أيّ حال.”
رفع أكسيون حاجبًا بميل واضح، وسأل بنبرة جافّة:
“هل تقولين لي أنْ أترككِ وأذهب؟”
لسبب ما، بدا أنّ هالة قاتمة تحيط به.
شعرت إيفلين بعرق بارد يسيل على ظهرها.
لم أفعل شيئًا سيّئًا، فلمَ أشعر بهذا التّوتّر؟
بلّلت شفتيها الجافّتين بلسانها وهزّت رأسها:
“لديّ شخص يجب أنْ أقابله اليوم.”
“هنا؟”
بدا أنّ أكسيون ينتظر تفسيرًا، فأضافت بإيجاز:
“نعم، أحتاج إلى الحصول على عيّنة مهمّة.”
بدت تعابير الرّجل وكأنّها تخفّفت قليلًا.
ربّما رأى في عينيه أنّ خطيبته مهووسة بالنّباتات.
حسنًا، ليس خطأ تمامًا.
شعرت إيفلين بالرّاحة داخليًّا وهزّت كتفيها برفق.
“خارج القاعة خطر، لذا حاولي—”
“تتصرّف وكأنّني طفلة! أنا بالغة أيضًا، أتعلم؟”
قاطعت إيفلين كلام خطيبها، ونظرت إليه بنظرة لطيفة.
أطلق أكسيون ضحكة خافتة، ثمّ أخرج قلادة من جيبه.
اقترب منها ببطء ومدّ يده نحو عنقها.
عندما لامست يده رقبتها البيضاء، شعرت برعشة خفيفة.
‘ما… ما هذا؟’
مع هذا الإحساس الغريب، شعرت بحرارة في رقبتها.
القلادة الأرجوانيّة بدت استثنائيّة من الوهلة الأولى.
“أكسيون، ما هذا؟”
حاولت إيفلين إخفاء ارتباكها وسألت بهدوء، فأجاب أكسيون وهو ينحني ويهمس:
“وضعتُ عليها تعويذة تتبّع.”
“ماذا…؟”
هزّ الرّجل كتفيه قليلًا وقال بلامبالاة:
“لا يجب أنْ تتورّطي في مشاكل غير ضروريّة.”
لمَ يقلق عليّ هكذا فجأة؟
ربّما شعر أكسيون بالمسؤوليّة لأنّه أحضر خطيبته إلى هنا من أجل هدفه.
‘على أيّ حال، لن يحدث شيء كهذا.’
في الرّواية، لم تحدث أيّ أحداث بارزة في الحفل باستثناء قضيّة الأدوية.
حتّى تلك القضيّة تمّت السيطرة عليها بسرعة بفضل كاليد، البطل الرّئيسي، واستمرّ الحفل بسلام.
ومع ذلك، كانت إيفلين فضوليّة.
ما الذي كان يفكّر فيه أكسيون ليمنحها قلادة تحمل تعويذة تتبّع؟
“على سبيل المثال؟”
عندما طرحت السّؤال الذي دار في ذهنها، لمعت عيناه الحمراوان ببريق غريب.
أجاب أكسيون بلهجة غير مبالية:
“يمكنني التّخلّص من الحشرات التي تقترب منكِ.”
‘هل يُفترض أنْ يقول شيئًا كهذا…؟’
أنتَ تبدو أكثر خطورة!
التعليقات لهذا الفصل " 33"