الفصل 30 : مؤسفٌ حقًا، بيننا نحن الاثنان…
“قد يظنّ الناس أنّكِ هربتِ وتركتِ خطيبكِ خلفكِ.”
انفلتت من إيفلين ضحكة قصيرة لا تخلو من الذهول، ثم سألت:
“إذن، أنتَ تقول إنني جئتُ إلى هنا من دون أن أتركَ لك كلمة واحدة؟”
كانت تحاول الحفاظ على هدوئها، لكن حاجبيها المرتفعين في العاشرة وعشر دقائق رفضا العودة إلى موضعهما الطبيعي.
[م.م : يعني كذا 🤨]
أما أكسيون، الذي كان يتأملها باهتمام، فقد رسم على شفتيه ابتسامة رشيقة، ممتزجة بالفضول.
“مستحيل. ولماذا أفتقدكِ أصلاً؟”
صرامته في قطع الكلام جعلت إيفلين تلتقط أنفاسها بارتياح.
لكن سرعان ما اعترتها الحيرة:
‘صحيح… ما الذي يجعله يفتقدني أصلاً؟ أم أنّ كلامه جارح أكثر مما ظننته؟’
جرحت كبرياءها تلك الجملة قليلاً، فحدّقت في خطيبها بنظرة جانبية غاضبة، لكنها لم تستطع كرهه حقًا.
ومع ذلك، كان من الصعب أن تفهم ما يدور في بال الرجل الذي يبتسم لها بتلك الخفة.
لذلك، وبشيء من العزم، أعادت سؤالها:
“إذن، ما الذي جاء بكَ إلى هنا؟”
أمال رأسه قليلًا وأجاب بصوت خالٍ من الانفعال:
“طبيعي… فأنا أيضًا طالب جديد هنا.”
“ماذا…؟”
تزلزلت عيناها الخضراوان كما لو صعقتها صاعقة.
أما هو، فقد ابتسم ببرود وكأنه كان ينتظر تلك الصدمة منها.
“لم تعرفي؟ نحن زميلان في الصف.”
“كفّ عن الكذب. لم يكن اسمك في قائمة القبول يوم حفل الافتتاح.”
شعرت وكأن السماء سقطت فوق رأسها، وضمّت أصابعها بغيظ، بينما رد عليها بوقاحة ظاهرة:
“كما ترين، أنا هنا الآن، أضيّع وقتي معكِ.”
“هيه! قل الأمور بوضوح!”
كانت تعض على أسنانها محاولة كبح غضبها، فهزّ كتفيه بخفة.
“اهدئي، لم أكن أرغب في المجيء أصلًا.”
“إذن لماذا التحقتَ بالمدرسة؟”
“لأنّ—”
دقّات الأجراس الرنانة انطلقت من برج الساعة، فقطعت كلامه، فزفرت إيفلين بضيق.
تأملها أكسيون طويلًا، ثم رفع زاوية شفتيه بابتسامة ساخرة:
“ألا يجدر بكِ الإسراع الآن؟”
لم تجب. كان واضحًا أنّ يومها لن يمضي على خير.
* * *
لم تدم طموحات إيفلين في تكوين صداقات كثيرة في الأكاديمية أكثر من يومين.
فالبرامج العامة التي تستمر بلا تغيير ثلاث سنوات كاملة… ضمّت إلى جوارها أكسيون، جالسًا مباشرة بجانبها.
أخفت اشمئزازها بالكاد وهمست له بحدة لا يسمعها غيره:
“ابتعد… أرجوكَ اجلس بعيدًا عني.”
كانت قد أوصته مرارًا:
“لا تتحدث إليّ! امشِ بعيدًا عني!”
لكن كعادته تجاهل كلامها تمامًا.
“مؤسف حقًا، ما يَحدثُ بيننا نحن الاثنان.”
رغم أنّه ادّعى الحزن، إلا أنّ بريقًا ماكرًا ارتسم في عينيه الحمراوين.
هل هذه ملامح إنسانٍ حزينٍ أصلًا؟!
جعلها ذلك تتمنى أن تهرب من المحاضرة كلها.
ضغطت أصابعها على صدغيها بقوة وأطلقت تنهيدة طويلة:
“ألا يمكنك أن تكفّ عن هذه الثرثرة السخيفة؟”
في تلك اللحظة، وصلتها همسات الزملاء من حولها:
“ما العلاقة بينهما؟”
“يُقال إنهما مخطوبان منذ الطفولة.”
تمنّت لو تعيش حياة أكاديمية هادئة، لكن وجود خطيبها إلى جانبها أفسَد كل شيء.
لم يقتصر الأمر على زملائها، بل شعرت أنّ قنفذ مدير المدرسة، سيباستيان، سيعلمُ بالأمر قريبًا.
لماذا يجب أن أتعرض لهذه الكارثة؟!
تمنت أن تمسكه من ياقة قميصه وتطرحه أرضًا أمام الجميع.
لكن أكسيون، غير مدركٍ لغليانها الداخلي، مال إليها قليلًا وقال بصوت منخفض:
“على أي حال، لديّ شيء لأعطيكِ إياه.”
“تعطيني… شيئًا؟”
ارتسمت ملامح الحذر على وجهها، فعبست في وجهه متسائلة.
حينها أخرج شريطًا مخمليًّا من جيبه وقدمه لها بخفة، ثم همس عند أذنها:
“لقد تركتِ هذا في بيتنا—”
“كفى! أرجوكَ، اصمت!”
لماذا يتعمد أن يجعل كلامه يبدو وكأنه اعتراف مشبوه أمام الجميع؟!
* * *
مع بداية خريف السنة الثانية
كانت إيفلين تعيش أيامًا مزدحمة لا تجد فيها وقتًا لالتقاط أنفاسها.
فقد عاد حالها مع أكسيون إلى الفتور المعتاد بعدما ملّ من هواية إغاظتها سريعًا.
“الآن حتى سيباستيان (القنفذ المدلل لمدير المدرسة) عرف بالأمر.”
تمتمت وهي تمرّر يديها على وجهها بتعب.
ظنّت أن بإمكانها التخرج بسلام، لكن اتضح أنّ ذلك مجرّد وهم كبير.
سنة كاملة قضتها في الأكاديمية من دون مشاكل، ثم ها هي المصاعب تعود من جديد.
“انظروا! الرئيسة تمرّ من هنا.”
“وكذلك حبيب الرئيسة معها دائمًا.”
لا، لا! ليس الأمر كما تظنون!
التفتت بغتة نحو الخلف، فوجدت ذاك الرجل يرافقها كظلّها.
زمّت شفتيها بغيظ وحدّقت فيه:
“أنت السبب! الكل يسيء الفهمَ بسببكَ!”
مؤخرًا انتشرت له صفة جديدة: حبيب رئيسة اتحاد الطلبة.
حاولت تكذيب الشائعة مرارًا، لكن لم يصدقها أحد.
الجميع افترض أنها فقط تخجلُ من الاعتراف.
لماذا يحدثُ هذا بحقٍ؟!
قبل فترة قصيرة فقط، لما أفلت زمامه من التعب، كانت هي من جلبت له جرعة لاستعادة طاقته.
وهذا جزاؤها؟!
بدل الامتنان، ها هو يردّ الجميل بالمتاعب.
وإلا، فما معنى أن يطاردها في كل مكان؟
أكسيون، وكأنه لا يفهم شيئًا، سألها ببرود ساخر:
“أوه؟ وأيّ سوءِ فهمٍ تقصدين بالضبطِ؟”
هذا الرجل… يا له من ماكرٍ أسود القلب!
شعرت بالغضب يشتعل في صدرها، لكنها كتمته وتكلمت بهدوء مصطنع:
“أتتظاهر بأنك لا تفهم؟ الشائعات لا تنتشر هكذا من لا شيء.”
“ومذ متى صرتِ تكترثين لمثل هذه الأمور؟”
“هاه―”
ما هذا النوع الجديد من التنكيل؟!
كان يكفي أن يتجاهل كل منهما الآخر كما اعتادا، لكنه فجأة بدأ يتصرف بغرابة.
يقحم نفسه في حديثها عمدًا، ويهديها حلوى فاخرة من صانع حلويات شهير بلا سبب.
حتى الآن، بينما كانت في طريقها إلى المختبر لاستعادة عيّنة نسيتها، وجدتهُ يُرافقها بلا دعوةٍ.
بات صبرها على وشك النفاد، لكنه … لم يُبدِ أي اكتراث، وكأن الأمر طبيعي.
بينما كانت تبحث في ذهنها عن طريقة لطرده من جوارها، انقطع حبل أفكارها بصوت مألوف:
“إيفلين، ما الذي تفعلينه هنا؟”
“آه، داميان…!”
كان هو الرئيس السابق لاتحاد الطلبة وأحد كبار زملائها في الكلية، دائم الابتسامة والعطاء.
ما زال حتى بعد تخرجه يساعد في شؤون الاتحاد، وله شعبية عارمة بين الجميع.
تبادلا تحية سريعة، ثم ابتسمت إيفلين ابتسامة مترددة وحكّت خدّها بخجل:
“نسيتُ عيّنة للبحث في المختبر، فجئت لأخذها.”
أفلتت منها تنهيدة أسى. لولا تلك الإشاعة الكاذبة عن أن المادة “سهلة”، لما سجّلت فيها من الأساس!
لو عرفت منذ البداية أنها عسل فاسد، لتجنبتها.
ابتسم داميان باهتمام وعرض:
“إنها حصة البروفيسور مايسون، أليس كذلك؟ صدفة جيدة، فأنا متجه إلى المختبر أيضًا. سأحضر لك بعض المراجع المفيدة.”
“واو، حقًا؟! أنقذتني، يا سينباي!”
اختفى قلقها من صعوبة المادة، إذ بدا أن المساعدة جاءت على طبق من ذهب.
إنه ملاك، ملاك متجسّد في هيئة داميان.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة مشرقة، واستعدّت لتلحق به بخطوات سريعة.
لكن فجأة، شعرت بقبضة قوية تمسك يدها، كالقيد الحديدي.
“……!”
ارتجف أنفها لا إراديًا من غرابة الإحساس.
فلم تعد يده كما عهدتها حين كان طفلًا طريّة الملمس، بل صارت خَشِنةً صلبة مليئة بالندوب.
تطلعت مندهشة إلى يدها العالقة بيده، وقالت بارتباك:
“أنت… ما الذي تفعله الآن؟”
وبلحظة عابرة، ومضة خطيرة تلألأت في عينيه القرمزيتين.
ثم تجمّد فمه تدريجيًا قبل أن يفلت يدها، ويقول بصوت جاف:
“…… لا شيء.”
حقًا… إنه شخص غريب الأطوار.
◇◇◇◇◇
ترجمةُ : أنفال
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 30"