الفصل 3 : على أيّ حال، سنفعلها قريبًا
كان معنى كلماتها: ‘كفى لعبًا بالكلام، ولندخل في صلب الموضوع.’
إيفلين كانت تُريد أن تعرفَ حقًّا.
كيف انتشرت أخبار زواجها من أكسيون فجأةً بهذهٓ الطريقة؟
ابتسم الرجل بخفّةٍ، وكأنّه استمتعَ بكلِّ لحظة، ثم أومأ برأسهِ ببطء وقال:
“كما قلتِ تمامًا. لقد استمتعتُ بهذا.”
‘هاه…’
ضحكت إيفلين داخليًّا بسخرية. ‘ها هو يلعب لعبتهُ السخيفةَ مجددًا…’
لكن في اللحظةِ التالية، اختفى البَريقُ الطفولي من عينيهِ، لتتلألأ فيَهما ومضةٌ حمراء مُخيفةٌ.
“في الآونة الأخيرة، بدأتُ أشعرُ بتداخلٍ متكرّر في قواي السحرية.”
في تلكَ اللحظةِ، تجمّدتَ ملامحُ إيفلين من غيرِ قصدٍ.
“و… وماذا في ذلكَ؟”
“أنتِ تعلمَين جيدًا. في مرحلةِ بلوغَ سنّ الرشد، يظهرُ الخَتْمُ السحري على ظاهرِ اليد.”
عندها، مرت فكرةٌ خطيرةٌ في ذهن إيفلين كالبرقِ.
‘لا يُمكن…’
نظرت بقلقٍ إلى ظهر يدها.
في الأيام الأخيرة، كانت تشعر بألمٍ نابضٍ يشبه التواء الأفعى في مكانٍ معيّن.
لم يظهر أيُّ شيءٍ على جلدها بعد، لكنّها لم تكن جاهلة بما قد يعنيهُ ذلكَ الألم.
في إمبراطورية فالتيان، يظهر خَتْمٌ خاصٌّ على يد القليلين من ذوي القوى الخارقة في سنّ الرشد.
‘لا أحَد يعلمُ السبَب الحقيقي لظهور الخَتْم…’
لكن الاعتقاد السائد هو أنّها بقايا من سحرٍ قديمٍ اندثر منذ قروَن.
بعض من يملكون قوى هائلةً، لا يتمكّنون من السيطرةَ عليها، فيفقدون توازنهم… وكان أكسيون من بينهَم.
حين يبلغُ ذروتهُ، يُصبح غير قادرٍ حتى على مغادرةِ غرفتهِ.
والطريقة الوحيدة لاستعادة التوازن، هي أن يُجري “نقشًا” مع شخصٍ يحمل نفس الخَتْم.
بمجرد تلامس بسيط بين الطرفين، تتفاعل قواهم، وتُعيد ترتيَب ما اختلطَ في الداخلِ.
أما قوةُ الشفاءِ التي تمتلكها إيفلين، فكانت بِدورها قادرةً على تهدئةِ هذه الفوضَى.
وبهذا القدر من التلميح، كان من السهل عليها أن تفهمَ ما يُخطّط له خطيبَها.
‘أنتَ… أنتَ…’
ما هذه الأفكارُ المَجنونةُ؟!
فتحت إيفلين عينيها على اتساعهما، وحدّقت فيه بغضب.
“لا تُخبرني أنّك تعتقد أنّ الخَتْمَ نفسه سيظهر لي أنَا أيضًا؟!”
مال أكسيون برأسه قليلًا، وقال بصوتٍ هادئ:
“ولِمَ لا؟ ما الذي يجعلكِ متأكدةً أنّهُ لن يظهرَ؟”
“……!”
أصابها صداعٌ مفاجئ من وقاحتهِ.
‘لا أعلم، لا أريد أن أعلم! حتى لو كنتُ أعلم، فسأتظاهر بالجهل!’
لم تستطع حتى النظر في عينيهِ الحمراويَن مباشرةً.
رغم أنّها لا تملكَ طاقةً كـ أكسيون، إلا أنّها مؤخرًا بدأت تشعر بعدم استقرارٍ في قواها العلاجيةِ.
كما لو أنّ جسدها يُطالب بالتوازن مع شخصٍ يملك نفس النوَع من الخَتْم.
لكن، في الرواية الأصلية، لم يظهر أيّ خَتْمٍ لـ إيفلين. على عكس أكسيون الذي لم يجد من يُناسبه.
‘نعم، الأمرٌ سخيفٌ تمامًا.’
أدارت عينيها بتوتّر، ثم أجابتَ بصوتٍ مرتجفٍ:
“هاه… أنا لا. لا يُمكن أن يظهر خَتْمٌ لي. لا يُمكن أن يحصل هذا، صحيح؟”
عندها، راقبها أكسيون بصمتٍ للحظة، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ سلسةٌ.
كان فمه ذلك مصدرًا للرعب، يُنذر دائمًا بجملةٍ غريبةٍ قادمة.
“على الأقل، أنا أُؤمن بحدسي.”
توسّعت عينا إيفلين دهشةً.
“أيعني هذا أنّك فعلت كلَّ ما فعلت، اعتمادًا على… حدسك؟!”
رفع حاجبًا وكأنّه لا يرى في الأمر مشكلة.
‘يالَوقاحتكَ يا هذا…’
ماذا لو لم يكن الخَتْمُ متطابقًا؟!
وضعت إيفلين يدها على جبينها، متأفّفةً من طيشهِ.
‘ستدفع الثمن يومًا ما.’
صحيح أنّ الأحداث في الرواية على وشكِ البدَء، لكنّ الحديث عن خَتْمٍ مفاجئ هكذا… لم يكن منطقيًّا.
ربما كان واثقًا، لكن إيفلين تعرفُ مَسار الروايةِ جيدًا.
لذا، بدلاً من الجدل، قرّرت أن تثبَت له خطأهُ بالحجّةِ.
وبعد أن رتّبت أفكارها، سألتَ بنبرةٍ حازمة:
“إذا ثبتَ أن لا خَتْم بيننا، ستُوافقُ على فسخِ الخطوبةِ، أليس كذلك؟”
بدت على وجههُ ملامحُ غريبةٌ، لكنه هزَّ رأسه موافقًا.
“نعم، حينها سيكون كلُّ شيء حسبَ رغبتكِ.”
هكذا توصّلا إلى اتفاق:
سيُبقيان على الخطوبة مؤقتًا حتى تظهر الخَتوم. وإن لم تتطابق، فسيُنهيانها.
رغم أنّ ذلكَ جاء متأخرًا قليلًا، إلا أنّ إيفلين تنفّست الصعداءَ.
لكن داخلها كان يتساءل:
‘لو حدث وظهر نفس الخَتْم… ماذا سيكوَن مصيري؟’
‘رغم أنّ هذا الاحتمال ضعيفٌ جدًّا…’
ارتشفتُ القليل من الشايِ، وسألتُ بصوتٍ ناعم:
“ولو، فقط لو افترضنا أنّني كنتُ حقًّا كذلك َ… ماذا ستفعل؟”
“لو كتبَ نقشٌ وكنتِ لي…”
صمتَ أكسيون لثوانٍ، ثم لمعت عيناه بحالةٍ غريبة من الرضا.
وحين بدأ يتكلّم مجددًا، كانت كلماته بطيئة وواثقة:
“أعتقد أنّ الربيع سيكون أفضل وقتٍ لذلكَ.”
رفعت إيفلين حاجبيها، وقد أربكها هذا الجواب:
“هاه؟ ما علاقة الربيع؟”
تأمّلها بنظراتٍ ثابتة، وكأنّها تسأله عن أمرٍ بديهي.
بدأ القلق يتسلّل إليها، وحين كادت أن تفتح فمها، سبقها بابتسامةٍ خبيثةٌ:
“علينا أن نستعدّ.”
“لِماذا؟!”
“لحفلِ زفافنا، طبعًا.”
مـ… مجنون…
عبست إيفلين بشدّة، وحدّقت فيه بغضبٍ.
كان واضحًا أنّ أكسيون شخصٌ خارجٌ عن حدودَ المنطقِ.
“كفّ عن هذا الكلام المقرف.”
ضحكَ بخفّة، وكأنّه يستمتعُ تمامًا بما يَجري.
تنفّست إيفلين بعمقٍ، ثم قالت بصوتٍ ثابت:
“فهمتُ قصدكَ تمامًا. لكن، على الأقل، أصلح خبر الزواج المنتشر، أرجوكَ.”
أظهر وجهه تعبيرًا غير مُقتنع، ثم تمتم بنبرةٍ باهتة:
“على أيّ حال، سنفعلها قريبًا. لماذا أُتعب نفسي بتصحيح ما سَيحدثُ؟”
‘أنتَ… فعلاً…’
فكرة البقاء مخطوبةً لهذا الرجل لم تكن مُطمئنةً أبدًا.
أخذت نفسًا قصيرًا، وقرّرت أن تتحمّل للمرة الأخيرة.
“تصحيح خبرٍ بسيطٍ كهذا… لا يُفترض أن يكون صعبًا عليك.”
“حسنًا، ما دامت خطيبتي الجميلةُ تطلبُ.”
أومأ أكسيون بخفٍّة، ثم أخرج علبةً صغيرة من جيبه وقدّمها لها.
“ما هذا؟”
“افتحيها. هديةٌ لكِ.”
“هدية…؟ في هذا الوقتِ بالذاتِ؟”
رغم حيَرتها، فتحتَ إيفلين العلبة الصغيرة، لتجد سوارًا مرصّعًا بالياقوت الأحمِر الفاخر.
الياقوت، الذي يُشبه عيني أكسيون، بدا وكأنّه قد صُنع تَوًّا، وكان يلمع ببريقٍ خاطفٍ للنظرِ.
اهتزّت نظراتها، فقد بدا أنّ هذا السوار ليس عاديًّا على الإطلاق.
‘لكنني رفضتُ إرسال أيّ شيءٍ إلى منزل الماركيز بصرامةٍ…’
أعدَّه في يومٍ واحد؟ هذا مذهل.
لكن، بدا وكأنّ السوار يُشبه القيود…
‘لا يُمكن… هل وضع عليه سحرَ تتبّع؟!’
راقبت السوار بدقّةٍ، فما كان من أكسيون إلا أن ابتسم بسخريةٍ هادئةٍ:
“لا تقلقي. لم أضع عليه أيَّ سحر.”
هل يُمكنها تصديق ذلك؟
بعد تردّدٍ، وقفت من مقعدها.
“شكرًا… أراكَ في حفل بلوغي، إذن.”
❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً في واتباد وقناة الملفات،
حسابي واتباد : _1Mariana1_
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 3"