الفصل 29 : لأن خطيبتي هربت
“بُـف―!”
عند سماعها كلام صديقتها المفاجئ، لم تستطع إيفلين إلا أن تبصق الشاي الذي كانت تشربه.
قالت كلوي وهي ترفع زاوية فمها بينما تمد لها منديلاً:
“من ردّ فعلك، يبدو أن هناك شيئًا ما فعلاً.”
مسحت إيفلين فمها على عجل، وعبست قليلًا وكأنها سمعت كلامًا لا يجب أن يُقال.
“شيء ما؟ لا، أنت لا تعرفين فقط، نحن لسنا على تلك الدرجة من القرابة أصلًا.”
“من يدري؟ لا أحد يستطيع أن يجزم. انظري فقط إلى الطقس اليوم، تغيّر فجأة.”
رفعت إيفلين نظرها نحو النافذة حيث كانت كلوي تشير.
قبل قليل فقط كان الجو مشرقًا وصافيًا، لكن فجأة اختفى كل ذلك وحلّ محله مطرٌ رقيق يبلّل الأرض.
وكأن كلام كلوي يعني أن لا أحد يعرف ما الذي سيحدث بعد لحظة، فكيف يضمنان هما مصيرهما.
ومع أن كلامها لم يكن خاطئًا تمامًا، إلا أن إيفلين هزّت رأسها بإصرار.
“مع ذلك… مستحيل. مستحيل أن يحدث شيء كهذا.”
ظلت كلوي تحدق بعينيها الجادتين للحظة، ثم تمتمت بصوت يكاد لا يُسمع:
“يبدو أنها حقًا لا تعرف.”
“هاه؟ لا أعرف ماذا؟”
رفعت كلوي قطعة من الكعك بالشوكة وأطلقت كلمات مبهمة غامضة:
“على كل حال، يجب أن نأخذ تعب الدوق الشاب بعين الاعتبار.”
عبست إيفلين أكثر:
‘ما الذي تتحدث عنه بحق؟’
تحت المطر الخفيف، تصاعد بخار رقيق من الأرض، وحلّت أجواء دافئة في المكان.
جلست إيفلين على حافة نافذة غرفتها، تستمتع بالهواء العليل، وهي تتذكر ما حدث مع صديقتها فتبتسم برضا.
“أول مرة أرى كلوي وهي تتصرف بخجل هكذا.”
ففي حفل الشاي ذلك المساء، جاء خطيب كلوي في الوقت المناسب، ممسكًا بمظلّة حتى لا تبتل.
جميع الفتيات أرسلن نظرات إعجاب وحسد، أما كلوي فمع أنها حاولت التظاهر بالبرود، فإن احمرار وجنتيها فضحها، وكانت بالفعل في غاية الجمال.
‘هذا هو ما يُسمى بالحبِ، بلا شكٍ.’
تذكّرت إيفلين ملامح صديقتها السعيدة، فتلألأت عيناها.
فقد كانت كلوي قد بدأت علاقة مع صديق قديم لأخيها قبل ثلاث سنوات، والآن بدآ محادثات جديًا عن الزواج، خاصة وأن الروابط بين عائلتيهما وثيقة.
كان في عيني كل منهما دومًا خليط من الشوق والود العميق.
“أنا سعيدة جدًا من أجلها.”
فلها شخص تحبه بصدق، وله شخص يقف إلى جانبه دائمًا.
بريق السعادة الذي يحيط بصديقتها جعل قلب إيفلين يهدأ.
لكنها، في نفس الوقت، شعرت بشيء من الغبطة.
‘ليتني أجد يومًا ما شخصًا يحبني حقًا.’
[م.م : العمى بشحمه و لحمه]
كانت تعلم أن الحلم بحب يشبه القدر ضربٌ من الخيال، خصوصًا وهي ليست سوى شريرة ثانوية في القصة الأصلية.
لكنها كانت تتمنى أنها بعد أن تنفصل عن أكسيون وتحمي عائلتها، ستجد هي الأخرى نصفها الآخر.
‘شخص يكون إلى جانبي بلا قيد أو شرط…’
مثل والديها الحنونين، أو مثل صديقتها المقربة مع خطيبها.
غير أن ابتسامتها سرعان ما اختفت فجأة.
“انتظري لحظة، هل أنا عديمة الجاذبية إلى هذا الحد؟”
لم تستطع أن تتجاهل الحقيقة: لم يسبق أن اعترف لها أي رجل بحبه قط.
حتى وإن كانت مخطوبة، فالبقية عادةً ما يتلقّين اعترافًا واحدًا على الأقل.
[م.م : لأنك يا عبقرية عندك خطيب غيور لو واحد يفكر يقرب منك بيطير راسه]
‘هل هذا لأنني تصرفت بشكل مختلف عن النسخة الأصلية؟’
ففي القصة، كانت إيفلين الأصلية تستغل هذا الرجل وذاك دون تردد لتحصل على ما تريد.
أما هي، فلم يكن يخطر ببالها أن تتصرف بتلك الطريقة، لكن مع ذلك…
“ما هذا الشعور بالهزيمة؟”
راودها فجأة إحساس بالغيظ، وكأنها قد تخلفت حتى أمام عدوها اللدود.
والسبب أنها شاهدت بنفسها أكثر من مرة كيف تلقى أكسيون اعترافات غرامية في الأكاديمية.
“آهغ، كم يثير هذا الغضب!”
ركضت إلى السرير ودفنت وجهها في الوسادة، وهي تشد قبضتيها بإحكام.
“اللوم كله على أكسيون!”
فكّرت كيف أن حياتها المدرسية لم تكن هادئة أبدًا بسببه، إذ كان دائمًا بجانبها.
وهي تشعل نيران الغيظ في عينيها، عادت بذاكرتها إلى أيام الأكاديمية.
* * *
في قلب الربيع، حيث تناثرت بتلات الزهور الملوّنة في الهواء،
غصّت قاعة أكاديمية لوكسن بالطلاب المستجدين الذين جاؤوا لحضور حفل الالتحاق.
ورغم رهبة المكان الجديد التي خيّمت في البداية، إلا أن وجوههم بدت مشعة بالحماس والتطلّع.
كان يومًا مثاليًا لبداية جديدة، لولا أن خطاب العميد قد طال أكثر مما ينبغي حتى صار مملًا.
ومع ذلك، لفتت الأنظار عيون صافية تلمع بين الحشود، وكأن الملل لم يمسسها.
“يا للعجب، ألا تشعر تلك الفتاة بالضجر من هذا الخطاب الذي لا ينتهي؟”
“ربما لهذا السبب كانت الأولى على دفعتها.”
‘رائع، ممتاز!’
تظاهرت إيفلين بعدم الاكتراث، لكنها لم تستطع منع ابتسامة الفخر من التسلل إلى وجهها.
فقد التحقت بهذه الأكاديمية، التي تُعد من أعرق مدارس الإمبراطورية البالتية بل وحتى خارجها، كطالبة متفوقة على رأس دفعتها.
‘كل ذاك الاجتهاد طيلة الشتاء لم يذهب سدى.’
الدروس الخصوصية التي تلقتها من العبقري الغريب الأطوار فياتون أثمرت نتائج مبهرة.
‘من يدري؟ ربما أتخرج الأولى أيضًا!’
لكنها سرعان ما ضغطت شفتيها لتكبح ابتسامة لا مبرر لها.
في الحقيقة، كان مزاجها اليوم مرتفعًا أكثر من المعتاد لسبب آخر:
فالأكاديمية ستفصلها عن خطيبها البغيض لثلاث سنوات كاملة.
غير أن صورة أكسيون خطرت في بالها بلا استئذان:
“همم، لقد تم قبولي في أكاديمية لوكسن.”
“حقًا؟ هذا جيد.”
“هاه؟ أهذا كل ما لديك؟”
“لماذا؟ أكنتِ تنتظرين تهنئة مني؟”
يوم وصلها خطاب القبول، سارعت بإظهار الأمر لخطيبها وكأنها تستعرض إنجازها،
لكن أكسيون اكتفى بابتسامة هادئة، غير عابئ على الإطلاق.
‘تبا، لمَ يجب أن يظهر وجهه حتى في مثل هذا اليوم الجميل؟’
شعور غامض بالقلق تسلل إلى قلبها، رغم أنها كانت واثقة أن اسمه لم يكن مدرجًا في قائمة المقبولين.
‘إنها مجرد أوهام، لا أكثر. لن أسمح له بإفساد مزاجي الآن.’
“الطالبة الممثلة للطلبة الجدد، تقدمي لإلقاء كلمتك.”
“آه… نـ-نعم!”
كانت متماسكة قبل لحظات فقط، لكنها الآن وبعد أن أنهت خطابها أمام جميع طلاب الأكاديمية، أحست بساقيها ترتجفان.
اقترب منها أحد الأساتذة بوجه قلق عندما رآها شاحبة.
“عزيزتي إيفلين، هل أنتِ بخير؟”
“نعم، يبدو أنني توترتُ قليلًا فقط.”
“لا غرابة، الموقف صعب، لكنك أديتِ بشكل ممتاز.”
ونصحها بأن تخرج قليلًا لاستنشاق الهواء قبل استئناف البرنامج، فهزّت رأسها موافقة.
“سأعود بعد قليلٍ إذن.”
وبينما كانت وحدها في مكان هادئ تستمتع بنسمات الربيع، شعرت بأن توترها يتلاشى أخيرًا.
“آه… كمَ هو منعش.”
تذكرت كيف وقف فياتون على هذا المنبر العام الماضي، وكم بدا ذلك غريبًا في حينه.
لكنها لم تُكمل خواطرها، إذ قطعها صوت مفاجئ:
“بهذا الزفير، ستنهار الأرض تحتك قريبًا.”
شهقت. هل كان هناك أحد آخر في المكان؟
أدارت رأسها بابتسامة مرتبكة وقالت:
“هاها، ليس لدرجة أن تنهار الأرض…”
لكن فجأة اتسعت عيناها الخضراوان، وكأنها رأت شيئًا لا يُصدق.
هل تتخيل؟ هل هو وهم؟
ذلك الشخص الذي لا يفترض أن يكون هنا… كان واقفًا أمامها.
فركت عينيها مرارًا، لكن الحقيقة لم تتغير.
“ماذا؟ أنت… ماذا تفعل هنا؟!”
ابتسم أكسيون برد هادئ لا ينسجم مع وقع الصدمة التي سبّبها ظهوره:
“همم، ردّكِ هذا يجرحني قليلًا.”
لكن وجهه لم يحمل أي أثر للجرح أو الانزعاج.
‘كاذبٌ، منافقٌ!’
وضعت إيفلين يدها على جبينها وهي تحدجه بنظرات نارية.
“قلتُ، ما الذي تفعله هنا؟!”
فأجاب بابتسامة كسولة وكأن الأمر بديهي:
“لقد هربتْ خطيبتي دون أن تخبرني.”
◇◇◇◇◇
ترجمةُ : أنفال
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 29"