الفصل 28 : أوليسَ لأنهُ يُحبكِ حقًا؟
كادت ابتسامة إيفلين أن ترتسم على وجهها من غير وعي، لكنها قاومت وابتلعت ضحكتها بسعال خفيف.
“هممم، ليت الإصدار الجديد ينزل إلى السوق سريعًا.”
“بالتأكيد، فكتاب كهذا يستحق أن يُعجَّل بنشره.”
بدا أن الفتاة قد فهمت قصدها، فهزت رأسها مبتسمة برضا. ثم قالت إنها ستتدلل على جدها وتطلب منه ذلك، فما كان من البقية إلا أن أشرقت أعينهن بلهفة.
“بالمناسبة، هل قرأتن ‘الورد الذي يتفتح في النعيمِ’؟”
“طبعًا! إنه أشهر رواية رومانسية في هذه الأيام، أليس كذلك؟”
غطّت كلوي فمها بمروحتها وعيناها تلمعان بفضول، فأجابت أخرى بابتسامة خجولة.
“أي شخصية رجالية أعجبتكن أكثر؟”
كانت الرواية تحوي بطلين محتملين:
الأول، رجل حنون ودافئ مثل أشعة الشمس.
الثاني، رجل غيور مهووس بالبطلة إلى حد التعلق المرضي.
‘همم، لا شك أن كليهما كان جذابًا…’
وفي خضم اختلاف الآراء، وُجّه السؤال هذه المرة إلى إيفلين.
“آنسة إيناباسيل، من أعجبك أكثر؟”
“لنرَ… أظن أني أفضل رينوكس.”
‘نعم، فالثاني كان أقرب إلى ذوقي.’
[م.م : عندك واحد كذا بالواقع و جاحدتيه]
فقد كانت ميول إيفلين تميل إلى الرجل المهووس أكثر من الرجل الطيب الرقيق.
وخصوصًا أن رينوكس، رغم ادعاء البرود، كان يهتم بالبطلة في الخفاء… قصة يصعب أن تُمحى من الذاكرة.
لكن رينوكس لم يستطع أن يعبّر عن مشاعره في الوقت المناسب، فاختارت البطلة البطل الآخر في النهاية.
فالعلاقات العاطفية تقوم على الثقة بقدر ما تقوم على الحب.
‘والآن بعد أن أفكر بالأمر، الأمر يشبه ما سيؤول إليه حال أكسيون…’
نقطة التشابه بينهما أنهما لم يستطيعا الإفصاح عن قلوبهما أمام البطلة.
أما ما يبديه أكسيون نحوها، فما هو إلا عبث لا يحمل أي صدق.
‘سيتغير رأيه حين يلتقي بداليا.’
أخذت إيفلين تربت بخفة على وجنتيها، محاولة طرد ذلك الشعور المزعج في صدرها، لتلاحظ أن الفتيات ينظرن إليها بوجوه مفعمة بالرضا.
كأنهن كنّ يتوقعن منها هذا الجواب مسبقًا.
استغربت إيفلين الأمر فأمالت رأسها متسائلة:
“لماذا تنظرن إليّ بتلك العيون؟”
“لأن ذوقكِ جليّ يا آنسة.”
“ها؟ ماذا تعنين…”
لكنها لم تكمل كلامها، إذ فهمت فورًا قصدهن.
‘لا يعقل… هل قمن بمقارنة ذوقي بأكسيون؟’
فقد انتشرت في الآونة الأخيرة إشاعة غريبة في أوساط المجتمع المخملي:
أن الدوق فالنتينو يكنّ لعروسه أكثر مما يظهر للعامة.
وزاد من انتشار تلك الشائعة حادثة يوم ذهابها لدار الأيتام، حين حضر أكسيون بنفسه ليقلها.
لم تكن تدري كيف تسرب خبر كهذا من أطراف العاصمة حتى وصل إلى الصحف، لكنها لم تُعره اهتمامًا حينها وظنته مجرد خبر تافه.
لكن يبدو أن وقع الشائعة كان أكبر مما توقعت.
مع أن العلاقة بينهما لا تتعدى كونها كذبة…
‘إن كُشف لاحقًا أن علاقتنا مجرد عقد، فستكون العواقب جسيمة.’
ضغطت إيفلين على صدغيها بأصابعها لتخفف الصداع الذي بدأ يشتد.
فمهما يكن، ما دامت علاقتها بأكسيون مستمرة حتى لحظة فسخ الخطبة، فهي لا تريد إلا أن تمر الفترة القادمة بأقل قدر من الضوضاء.
* * *
انحرفت دفة الحديث شيئًا فشيئًا نحو شخصية أخرى بارزة.
“بالمناسبة، ماذا عن السيدة الجديدة في بيت الكونت؟”
“آه، تقصدين الآنسة لورينهام؟”
لم تتوقع إيفلين أن يُذكر اسم داليا، فارتجف بصرها لوهلة.
“يبدو أنها كاهنة مشهورة في الشمال، أليس كذلك؟”
وبالفعل، فبحسب الأخبار المتداولة، كانت داليا تتمتع بقوة قدسية هائلة جعلتها تحقق إنجازات كبيرة في الشمال.
حتى إن بعضهم أشاع أن “القديسة” التي اختفت منذ زمن بعيد قد عادت من جديد.
وهكذا ارتفع شأن داليا لورينهام يومًا بعد يوم في إمبراطورية بالتِيان.
“سمعت أنها خرجت مؤخرًا في مهمة إبادة الوحوش مع الدوق ريكران نفسه؟”
ففي تلك الحملة، شارك فرسان المعبد بقيادة كاليد، إلى جانب داليا والكهنة.
ومن الطبيعي أن وجود شخص يملك قوة قدسية عظيمة يعد أفضل دعم في حالات الخطر والإصابة.
‘الحق يُقال، من حيث الحبكة الأصلية فالأمر مترابط بإتقان…
وكأن الكاتب يتعمد دومًا إيجاد تقاطعات بين البطلة والبطل.’
“نعم، قيل إنهما يبدوان ثنائيًا رائعًا بحق.”
أومأت إيفلين بخفة موافقة، فالجمع بين شخصين يتمتعان بتلك الجاذبية والجمال كافٍ لأن يسعد كل من ينظر إليهما.
“بل وصل الأمر إلى أن قيل إنهما يتواعدان في أيام الأسبوع أيضًا!”
‘أوه، يبدو أن وتيرة الأحداث أسرع مما توقعت! لو أن بيدي كيس فشار بالكراميل الآن…’
‘على كل حال، مراقبة حب الآخرين دائمًا ما يكون أكثر متعة.’
ومهما تظاهرت إيفلين بعدم الاكتراث، كانت أذناها مشدودتين بتركيز.
“أهذا صحيح؟ وأين بالتحديد؟”
“في المكتبة الإمبراطورية… وأيضًا في مخبز ما.”
‘همم؟ ما هذا الإحساس المألوف؟’
طرفَت إيفلين ببطء وسألت صاحبة الخبر:
“أيمكن أن يكون مخبز مارون؟”
“بالضبط! هو ذاته!”
“ثم قيل إنهما ذهبا لرؤية القطط التي تعيش خلف المكتبة.”
صفقت الفتاة بيديها كمن أصابت الهدف، وأخذت تهز رأسها بحماس.
“يبدو أنكِ سمعتِ الأمر أيضًا يا آنسة إيناباسيل!”
وبدأ العرق البارد يتصبب من جبين إيفلين.
‘لا بد أن من رآني قد ظنني داليا… وإلا كيف تتطابق التفاصيل بهذه الدقة؟’
فقد كانت ترتدي غالبًا قبعة واسعة الحواف حين تخرج، فربما صَعُب التعرف عليها.
مسحت العرق بمنديل وهي تفكر: ‘لا أريد أن تتضخم شائعة جديدة حولي’.
لكن حينها، حدّقت فيها كلوي بهمّة وهمست بصوت لا يسمعه غيرها:
“إيفلين… كيف عرفتِ هذا؟”
فالصديقة المقرّبة لا يمكن خداع عينها بسهولة.
“ذاك… فقط، سمعتُه بالصدفة.”
“أنتِ؟ وأنتِ بالكاد تحضرين المناسبات الاجتماعية؟”
كانت كلماتها مؤدبة، لكن معناها الحقيقي:
“ليس لديكِ أصدقاء غيري وغير خطيبكِ، فمن أين عرفتِ؟”
لم تستطع إيفلين أن تجادل في ذلك، فاكتفت بإغلاق فمها بصمت.
‘تبًا… لماذا تصيبني دائمًا في الموضع الحسّاس عند اللحظات الحرجة؟’
لكن لحسن الحظ، لم تُرِد كلوي أن تضغط عليها أكثر.
فقد لاحظت ارتباكها، فغيّرت الموضوع بسلاسة.
“وماذا عن الدوق؟ كيف حاله مؤخرًا؟”
كانت كلوي لا تزال في غاية السعادة بعدما أهان أكسيون أخاها في ندوة علوم السحر والهندسة.
ففي صراع الورثة، تُعد أي سقطة للخصم بمثابة هدية من السماء.
صمتت إيفلين تفكر لحظة، ثم هزت كتفيها بخفة:
“أكسيون كعادته… لا، بل ربما صار أغرب قليلًا مؤخرًا.”
قطبت جبينها بارتباك وهي تتمتم، فأطلقت كلوي نظرة فضولية لامعة:
“غريب؟ بأي معنى؟”
“لا أدري… يفعل أشياء لم يكن يفعلها من قبل.”
صحيح أنه كان غريب الأطوار دومًا، لكنه صار مؤخرًا يقترب منها أكثر من اللازم.
وما زادها حيرتها أن تلك اللفتات اللطيفة كانت موجهة إليها بالذات، ما جعلها تشعر بالارتباك.
بطبيعة الحال، لم تشك لحظة أن وراء أفعاله غرضًا ما يريد تحقيقه.
“ولكن… أليس من الجيد أن يكون خطيبك حنونًا؟”
أمالت كلوي رأسها ونظرت إليها نظرة تقول:
“أي دلال هذا؟”
“ربما… لكن…”
‘في النهاية، سننفصل على أي حال’.
كادت أن تبوح بما في قلبها، لكنها كتمته، ثم ابتسمت ابتسامة باهتة وهي تغيّر الموضوع:
“لا شيء… فقط كان الأمر مربكًا قليلًا.”
وبينما ارتشفت قليلًا من الشاي محاولةً طرد أفكارها، اقتربت كلوي ثانية وهمست بابتسامة ماكرة:
“أوَليس لأنه في الحقيقة… يحبك؟”
◇◇◇◇◇
ترجمةُ : أنفال
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 28"