الفصل 27 : لأكون معكِ وحدك
ما أن عبرت عربة جاكتر بوابة الانتقال، حتى رمقت إيفلين خطيبها بنظرة جانبية.
“إذن… ما الذي أردت قوله؟”
كانت فضولية حقًا، لتعرف ما الذي كان مهمًا لدرجة أنه اختار عربة مغلقة ليقول كلماته، خاصة بعدما رأته يتلو تعويذة ليمنع تسرب الصوت إلى الخارج.
لكن أكسيون رفع طرف شفتيه بابتسامة واثقة:
“أردت فقط أن أكون معكِ… وحدنا.”
أوف… هذا اللسان المخيف.
كما توقعت، ذلك الرجل المزعج لا يمكن أن يبوح بمقصده دفعة واحدة.
[م.م: لا هو قاله بس انت متأثرة بنظرية المؤامرة]
“كف عن هذا الهراء!”
قالت إيفلين بضجر وهي تمس جبهتها، بينما تسللت إلى شفتيه ابتسامة ساخرة.
هل هو مجرد شعور، أم أنها بدأت تنساق فعلًا مع إيقاعه؟
شعرت ببعض الغصة في كبريائها، فأظهرت ملامح متبرمة.
مدّ أكسيون يده ليمرر أصابعه خلال شعره، ثم استند بيده إلى ذقنه وقال بصوت منخفض بلا مبالاة:
“هناك أمر عليّ أن أتعامل معه… وأحتاج مساعدتكِ.”
“أنت… تحتاج مساعدتي أنا؟”
أمالت رأسها بفضول يشوبه شك، فأخرج من جيبه بطاقة دعوة سوداء، كُتبت عليها بالذهب عبارة: “الوليمة التي تتفتح ليلًا”.
“ما هذا؟”
تساءلت وهي تتأملها، فرفع حاجبه قائلًا:
“توجد مشكلة مزعجة هناك.”
ثم أوضح بلهجة جافة أنّ إحدى نقابات عالم الجريمة متورطة في تهريب مادة محظورة.
عادة كان رجاله سيتكفلون بالأمر سريعًا وبذكاء، لكن لأن النقابة جديدة، قرر التدخل بنفسه.
الأمر أشبه بعملية تسلل أو كمين إذن؟
نظرت إيفلين مرة أخرى إلى بطاقة الدعوة، فقرأت أنّ إرتداء قناعٍ هو شرط الزي الرسمي للحفل.
قلبها خفق قليلًا؛ ربما بسبب ولعها السابق بمسلسلات التحقيق.
ومع ذلك، كان هناك ما يثير استغرابها.
ففي الرواية الأصلية، كان من المفترض أن يكشف البطل كاليد هذه القضية بنفسه.
وبينما هي غارقة في التفكير، قطع أكسيون شرودها بقوله مباشرة:
“إيفلين، أريدك أن تكوني شريكتي.”
فشرط الدعوة هو دخول ثنائي مع شريك، ومن الطبيعي أن يختار خطيبته.
لكنها لم تستطع التخلص من الريبة، فطلبه هذه المرة بدا متواضعًا مقارنةً بعادته في المساومة.
“هل هذا… كل شيء؟”
حدقتْ بهِ بعينيها بضيقٍ، بينما في عينيه الحمراء ومضة لامعة وهو يبتسم بهدوء:
“إذن، هل يمكنني أن أطلب أكثر؟”
“…!”
“لقد قلتِ بنفسك، وما قيل لا يمكن سحبه.”
تأججت عيناها غضبًا وهي تحدق به، لكنه اكتفى برفع كتفيه بلا مبالاة:
“يؤسفني أن هذا كل ما هناك.”
لكن وجهه لم يُظهر أي أسف.
أدارت إيفلين رأسها بتأفف، فابتسم من جديد:
“إيفلين… لقد قلتها بنفسكِ.”
“ماذا قلتُ؟”
“الآن لا يمكنكِ التراجع عن الوعد.”
ثم أضاف بنبرة هادئة:
“سأرسل لكِ قريبًا ثوبًا يليق بكِ.”
“كفى… لا أحتاج ثوبًا.”
اعترضت وهي تعبس قليلًا، فقال بثقة:
“إذن، سنذهب معًا لاختياره.”
“لا، لا، أرسله فحسب!”
سرعان ما غيرت رأيها بحدة، فارتسمت على وجهه ابتسامة أشرّ من ابتسامة شيطان:
“كما تشائين، ما دمتِ ترغبين بذلك.”
* * *
بعد أن أوصلها إلى قصر الماركيز، عاد أكسيون إلى بيت الدوق.
لكن رغم أنه خصص وقته لزيارتها بنفسه، بقيت إيفلين عاجزة عن فهم ما يدور في رأسه.
إذن، لماذا أتى أصلًا؟
وبينما كانت تهز رأسها لتطرد أفكارها، ظهر جاكتر أمامها بابتسامة مشرقة:
“لقد عدتِ يا أختي!”
“أجل… لم يزعجكَ أحد هنا، صحيح؟ لم يحاول أحد التنمر عليكَ؟”
فقد خطرت ببالها بعض الأسماء المريبة.
لكن الصبي أجاب بمرح:
“أبدًا! الجميع عاملوني بلطفٍ.”
بل وأخبرها أنّ لاري وجيديون أعدّا له مكانًا مريحًا ليقيم فيه.
ابتسمت إيفلين بخفة، ثم قالت بصوت يحمل بعض الاعتذار:
“إنشاء مختبر صغير في الملحق قد يستغرق بضعة أيام… هل يمكنك الانتظار؟”
فقد كان قصر الماركيز يفتقر إلى أماكن مخصصة للتجارب.
أما هي فكانت تستخدم مختبرها في حديقة النباتات.
لكن جاكتر ابتسم ببراءة وهو يجيب:
“لا بأس، بل أود أن أستغل الفرصة لأساعدكِ وأساعد الآخرين في القصر!”
سمع كل من لاري وجيديون ذلك، فظهرت على وجهيهما علامات التأثر.
“يا للروعة، أي طفل نجيب هذا!”
“إنه يذكرني حقًا بصغري.”
وسط هذه الأجواء الدافئة، رفعت إيفلين حاجبًا واحدًا متسائلةً وكأنها لم تستوعب الموقف.
“همم؟ أذكر أن جيديون كان كسولًا يتملص من التدريب.”
فحين كانوا صغارًا، كان دائمًا يتحجج بأنه يحرس سيدته ليتهرّب من التدريب.
عند كلماتها الحادة، ارتبك جيديون وسعل مرتين متظاهرًا بالتماسك.
“كخهم، آنستي… أي قصص قديمة تذكرينها الآن.”
إن زادت في السخرية منه الآن، فسيغضب بلا شك.
ابتسمت إيفلين عند رد فعل تابعها وأرجفت كتفيها قليلًا.
“سأدخل أولًا، فالسهر يُفسد جمال البشرة.”
حين همّت لاري باتباعها، ابتسمت للفتى الصغير ابتسامة خفيفة.
“حقًا، لا يمكن مجاراتها أبدًا، أليس كذلك؟”
“نعم، أظن أن الأمر كذلك نوعا ما.”
هزّ جاكتر رأسه موافقًا بانقياد، فحدّقت إيفلين بهما مندهشة بعض الشيء.
“أسمعكما جيدًا، إعلما ذلك!”
* * *
في حديقة الدفيئة حيث يتسلل ضوء الشمس الهادئ بعد الظهر، كان عبق الزهور العطرية يغمر المكان.
على الطاولة الطويلة وُضعت حلويات شهية وشاي أسود خفيف المذاق لكنه يميل إلى الحلاوة.
وكانت الضحكات الخافتة تتناثر هنا وهناك وسط أجواء هادئة، أشبه بلقاء عادي تتبادل فيه سيدات النبلاء أطراف الحديث على مائدة شاي.
لكن حفلة الشاي هذه كانت مختلفة قليلًا.
فقد كان هناك سبب آخر لاجتماعهن.
“يا إلهي، أهذا حقيقي؟”
“بالطبع، لقد حصلتُ على هذا الكتاب بفضل علاقاتي الخاصة.”
وضعت إحدى الفتيات كتابًا فوق الطاولة بوجه مفعم بالزهو.
وما أن ظهر الكتاب حتى خيّم الصمت فجأة على قاعة الحفل.
وقد تلألأت في أعين الفتيات الحاضرات نظرات مريبة، ولم تكن إيفلين استثناءً.
فالكتاب كان العمل الجديد السري للكاتب نفسه الذي ألّف “الظروف الإختيارية كونيَ لولي العهد”.
“كيف… كيف حصلتِ عليه؟”
“أما أنا… فأنا حفيدة مالك أكبر مكتبة في العاصمة.”
حقًا، ما أروع الجد الذي يحترم هواية سرية كهذه لحفيدته!
ثم، لا بأس بما أنه يُعتبر من الكتب التي لا بدّ لكل سيدة مثقفة أن تقرأها.
“لا أطيق انتظار ما سيحرك المشاعر هذه المرة.”
“أرجوكِ، أعطينا ولو لمحة بسيطة عنه!”
“كخهم، حسنًا، سأقرأ لكن القليل فقط.”
فأخذت الفتاة التي أحضرت الكتاب تقرأ عرض العمل بصوت مرتفع، وأصغت البقية بتركيز حتى أطلقن تنهيدات إعجاب عفوية.
“يا للروعة، يجب أن أشتريه حتمًا!”
“متى سيُطرح للبيع؟”
أما إيفلين، فقد حدقت بالكتاب فوق الطاولة بعينين تتلألآن ببراءة.
قصة حب تتناول مئة وواحد من الأذواق السرية؟ لقد سال لعابها بالفعل من الترقب.
إنه حقًا… لقمة شهية لا تُقاوَم!
◇◇◇◇◇
ترجمةُ : أنفال
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 27"