الفصل 25 : لأنني كنتُ أريدُ أن أراكِ
“حقًا؟ حقًا ستجعلينني ألتقي بهِ؟”
تلألأت عينا جاكتر الذهبيتان كأنهما قد رُشّتا بذرات نجوم.
‘في الحقيقة، لم أخبر أكسيون بهذا بعدُ…’
لكن، لا بأس… ليكن ما يكون.
“طبعًا، بالتأكيد! سأجعلك تلتقي بهِ حتمًا.”
وخزها ضميرها للحظةٍ، لكن ما إن رأت الصبي يفيض بالتوقعات حتى رغبت في جعل المستحيلِ ممكنًا.
‘لجاكتر، سيكون ذلك أثمن من أي شيء آخر.’
وبينما كانت تعقد عزمها، قال الصبي بنبرة مليئةٍ بالإصرار:
“إذا سمحتِ لي، أود أن أذهبَ معكِ يا آنسة إيفلين!”
“حسنًا، لكن في المقابل… هل تناديني من الآن فصاعدًا أختي الكبرى؟”
كان أطفال الميتم ينادونها “أختي” أو “أختي الكبرى”، لذا رغبت أن يناديها جاكتر بنفس الألفةِ.
“نعم، أختي.”
سرعان ما غيّر الصبي اللمّاح أسلوبَ خطابهِ، فابتسمت إيفلين برضا واضح.
‘جيد جدًا. ذكي ولبقٌ أيضًا.’
لكن في ذهنها، أخذت تتخيل وجه خطَيبها المصدوم حين يسمع بهذا… فسارعت بهز رأسها لتطردَ تلك الصورةَ.
* * *
أنهت إيفلين بسرعة إجراءات الكفالة، وقضتَ ما تبقى من وقتها مع الأطفالِ كما وعدتَ.
علمتهم اللغة الإمبراطورية، وصنعت معهم أشكالًا بالورق، ولعبت الغميضة.
ثم قررت أن تعرض لهم مسرحية بالدمى، إذ كانت تلك اللعبة الأكثر شعبية بينهمَ مؤخرًا… غير أن الأطفال فجأةً صاحوا:
“واو! أنتما حقًا مثل الأميرة والأمير!”
“نعم! الأختُ جميلةٌ جدًا، والأخُ وسيم للغاية!”
“إذن ستتزوجان لاحقًا، أليس كذلكَ؟”
كانت الدمى بين يديها ويد كاليد، لكن أعين الصغار لم تترك وجوههما.
‘كأن الدمى صارت مجرد خلفية…’
ارتبكت إيفلين ورفعت نظرها تتحسسُ ردةَ فعل الرجل إلى جوارها.
هي اعتادت على مزاح الأطفال، لكن بالنسبةِ لكاليد، الذي يزور الميتم لأول مرةٍ، فلا بد أنه مرتبكٌ.
فقالت بحزم أكثر من المعتاد:
“يا أطفال، لا يجوز أن تسخروا من الكبار.”
لكنهم أجابوا ببراءة صافية:
“لكن أنتما فعلاً الأميرة والأمير!”
كادت دموعها تفيض من براءتهَم، رغمَ شعورِها بمدى حرج الدوق.
خلال استراحة قصيرة، مالت نحو كاليد هامسة:
“هل يسبب لك الأطفال إزعاجًا كبيرًا؟”
“أنا بخيرٍ، فلا تقلقي.”
أجاب بلطفٍ وهو يهز رأسه، من دون أي انزعاجٍ.
‘ما أروعه… يختلف كليًا عن أخي.’
كاليد، على الرغم من أنه في سن فياتون، بدا أنضجَ وأرزن بكثير.ٍ
وبفضل تلك المروءة، ابتسمت إيفلين بخفة:
“أتمنى لو كان أخي يشبهكَ ولو بنصفٍ منكَ.”
“يبدو أن علاقتكٌ بالماركيز الصغيَر إيناباسيل متينةٌ.”
أومأت بهدوء:
“مثل أي عائلةٍ أخرى أعتقدُ.”
رغم أنها تنزعج منه أحيانًا، لكنها بالفعل تعتمد على أخيها في مواقف كثيرة.
حينها، تمتم كاليد بصوت منخفض:
“لكن… ليس كل العائلات كذلكَ.”
بدا وجههُ للحظةٍ وكأنه يحملُ مرارةً دفينةً.
‘آه، صحيح…’
تذكرت فجأة إحدى خلفيات القصة الأصلية:
أن بطل الرواية عاش طفولةً بائسةً.
ففي حين أن بيت ريكران دوقات معروف بقدرات “الأورا”، لم تُظهر قواه في الوقت المناسب.
وبسبب هذا، احتجزه والده القاسي في القصر، يمارس عليه الضرب المبرّح باسم “التدريب”.
“أظن أنني قلتُ شيئًا غير لائقٍ.”
ارتبكَ كاليد حين استدركَ الأمرَ، لكن إيفلين بادرت وهي تهز رأسها:
“أبدًا. في الواقع، سرًّا بيننا، أنا أيضًا أتشاجر مع أخي كثيرًا.”
قالتها بصوت مرحٍ متعمد، لتبدد الجو الكئيب.
فأمعن كاليد النظر فيها، مما دفعهُ إلى لمِس وجهها بسرعةٍ:
“ماذا؟ هل علقَ شيءٌ على وجهيَ؟”
ابتسم بلطف ونفى:
“لا، لا شيء.”
* * *
بعد أن أنهت وقتها مع الأطفال، تمددت قليلًا وهي تشعر بالتعب، ثم قررت العودةَ قبلَ حلولِ الليل.
‘لقد أرسلت لوالديّ رسالةً عاجلة… لكن…’
رغم ثقتهما الدائمة بها، لم تكن واثقةً من رد فعلهما هذه المرة.
إذ قرارها بأخذ طفل مكفول إلى قصر العائلة كان تصرفًا فرديًا، وربما تستحقُ اللوم عليهِ.
لكنها لم تفكر لحظة في جلب العار للأسرة، بل العكس تمامًا.
بعد أن أرسلت جاكتر إلى العربة، أنهت حديثها مع مديرة الميتم، ثم خرجت من مكتبها…
لتفاجأ بكاليد واقفًا في الممر مسندًا ظهره إلى الجدار.
“الدوق؟ ألم تغادرَ بعدُ؟”
“كنتُ في انتظاركِ.”
“ماذا؟ انتظاري أنا…؟”
ارتجفت عيناها الخضراوان للحظٍة، فأجابَ وهو ينظرُ من النافذة:
“لقد تأخر الوقت، أردت ُمرافقتكِ حتى العربة.”
رفعت نظرها للسماء، فإذا هي قد اكتست بالحمرةِ بسببِ المغيب.
‘كنت قد أحضرتُ معي أداةً سحريةً، ربما الأفضلُ أن أعود عبر بوابة النقل…’
وبينما كانت غارقة في التفكير، سأله بصوت منخفض:
“هل أزعجكِ وجَودي؟”
“أ… أبدًا! بالطبع لا!”
لكنها تلعثمت، فازداد وجههِ كآبةً.
ولم تستطع رد جميلهِ من انتظارِها، فأومأتْ بخفةٍ:
“إذن، أتمنى أن ترافقني حتى العربة فقط.”
ابتسم كاليد بارتياحٍ، وقال:
“لننطلق إذن، آنستي.”
كان ساحة الميتم آمنةً في الغالب، لكن إيفلينَ لاحظت الأطفال مجتمعين أمام العربة، فارتابتَ.
“هل حدثَ شيءٌ ما؟”
“الأفضل أن نسرع.”
أجاب كاليد بجديةٍ.
وما إن اقتربا حتى اتسعت عيناها دهشة:
‘مستحيل… لا يمكن أن يكون خطيبي هنا…’
“هل بدأتُ أتوهم؟”
لكن الصوت المألوف اخترق أذنها:
“ما الذي تفعلينه، إيفلين.”
“أ… أكسيون؟!”
شهقت وهي تحدق بخطيبها غير المتوقع:
“لماذا… لماذا أنتَ هنا؟”
ابتسم بتكاسل مجيبًا:
“لأنني أردتُ أن أراكِ.”
كلماتُ رومانسيةٌ، لكن بلهجةٍ باردةٍ جافةٍ.
‘قلت لكَ مرارًا لا تتفوه بتلك الكلمات المزعجة!’
لكنها لم تستطع الجدال أمام كل تلك العيون الصغيرة المتلألئة.
بل إن بريق الأطفال كان أشد مما أظهروه أثناء المسرحية.
حينها تقدم كاليد، محييًا بأدب:
“تشرفتُ بلقائكَ مجددًا، أيها الدوق فالينتينو.”
“لم أظن أنني سأراك َثانية.”
رد أكسيون بابتسامةٍ مائلةٍ.
‘ألم يحدث مشهد مشابه لهذا من قبل…؟’
فكرت إيفلين بحيرةٍ، قبل أن تلتقي عيناها الحمراء الحادة بعينيها:
“لقد سمعتُ أمرًا غريبًا.”
“أمر… غريب؟”
سرت توترات في نظراتها الخضراء وهي تنتظر كلماته.
لكن أحد الأطفال قاطع الحديث فجأة وهو يميل برأسه:
“هاه؟ أليست تلك الأخت صديقةَ ذلك الأخ؟ أليس هو حَبيبها بالفعلِ؟”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات