الفصل 24 : لأنني أيضًا أحبُ ذلك
‘لماذا يكون كاليد هنا بالضبط؟’
لم يخطر ببال إيفلين قط أنها ستلتقي بكاليد في ضواحي العاصمةِ.
ففي الأصل، لم يكن في الرواية أي ذكر لزيارةِ بطل القصة لدار الأيتام.
أمالت رأسها قليلاً في حيرة، ثم سرعان ما اقتنعت.
‘حسنًا… ربما كان مجردَ تفصيلٍ لم يُذكر فحسَب.’
ثم بدأت تخطو بخفة نحو الشجرةِ التي كان عندها كاليد والفتى جاكتر.
لم تكن تعرف سبب وجود كاليد، لكن هي أيضًا كان لها أمر مهم مع الصبي.
الغريب أن كاليد لم يلاحظ اقترابها، وكأن أحدًا ما تعمّد محو أثرها.
الوحيد الذي أدركَ وجودَها كان جاكَتر.
وإلا، فلماذا كان يتجنب النظر إليهَا بهذا الشكل المتعمد؟
يبدو أن الصبي، حين شعر باقترابِ غريبٍ منه، قد أسرع بإقامة حاجز سحري حوله.
“يذكرني هذا بأكسيون وهو صغير.”
فحتى أكسيون في طفولته كان يستخدم سحر إخفاء الأثر كلما شعر باقترابِ أحدٍ.
لكن لهذا السحر ثغرة قاتلة:
أي شخص لا يملك مناعة ضد السحر لن يتمكن من تمييز آثار من هم داخل الحاجز عن من هم خارجه.
“يعرف هذا السحر بالفعل؟ مدهش.”
خرجت منها كلمات الإعجاب دون وعي، ثم بدأتَ تفتش الأرض بعينيها.
فخبرتها الطويلة في تعقب خطيبها منذ الطفولة لم تكن لتخونها.
‘لنرى… طريقة كسر الحاجز هي…’
وسرعان ما وجدت ورقة شجر منقوشًا عليها تعويذة، فمزقتها نصفين.
في الحال بدأ الحاجز يضعف تدريجيًا حتى اختفى كليًا.
“آنسة إيناباسيل……؟”
رفع كاليد بصره أخيرًا، وارتسمت الدهشةُ على وجهِه.
أما جاكتر فبدا مضطربًا لأنه لم يتوقعَ أن يُكسرَ حاجزهُ بتلكَ السهولةِ.
حكت إيفلين خدها بخفةٍ ثم بادرت بالتحية:
“تشرفنا برؤيتك هنا، دوق ريكران.”
“لم أتوقع أن تزورِ السيدة دار الأيتام.”
نزل كاليد من تحت الشجرة وهو يمس عنقهُ بتوترٍ.
وعيناه الزرقاوان ارتجفتا بخفةٌ، ما جعلها تبتسمُ برفقٍ.
“لقد كنت أساند هذا المكان منذ سنواتٍ.”
“هكذا إذن. أما أنا، فهذه زيارتي الأولى.”
أخبرها أنه أثناء زيارته للعاصمة في مهمة، مرّ مصادفة بالدار، فدخل إلَيها.
واليوم تحديدًا بدا الدار مكتظًا بالوجوه الجديدة، والآن صار السبب واضحًا.
وبينما كانت شاردةً قليلاً، وصل إلى مسامعها صوتهُ الهادئ:
“يبدو أن السيدة تحبُ الأطفالَ.”
“بالطبع! إنهم غاية في الروعة.”
هزّت رأسها موافقةً، وأجابت بصوتٍ صافٍ رقيق.
صحيح أن دافعها في البداية كان لهدف آخر، لكن الآن لم يكن في قلبها سوى الإخلاص في مساعدتهم على النمو.
ارتسمت ابتسامة دافئة على شفتيه وهو يقول:
“إذن، عليّ أن آتي إلى هنا كثيرًا من الآن فصاعدًا.”
“ماذا……؟”
أمالت رأسها باستغراب أمام كلامٍ غامضٍ لا تفسيرَ واضح له.
فابتسم لها بعينين دافئتين كأشعة الشمس وتابع:
“لأنني أيضًا أحبُ ذلك.”
كلمات يسهل إساءة فهمها، أليس كذلكَ؟
وحين تخرج من فم رجل ملامحه وحدها تُدين القلب… تصبح أكثر صدقًا وإقناعًا.
‘صحيح… لهذا هو بطل القصة في النهاية.’
لو سمعت امرأة أخرى هذه العبارة منه، لكانت قد وقعت في شباكهِ بلا ترددٍ.
في تلك اللحظة، قفز جاكتر بخفةٍ من الشجرة، وعيناه المتلألئتان تشعان فضولًا.
سألها بلهفة:
“كيف اكتشفتِ أمري؟”
لقد أثار إعجابه أنها أدركت سحر إخفائه.
‘أوه… هذا أمر لم أتوقعه. فرصةٌ ذهبية!’
ابتسمت إيفلين بخفة، ثم انحنت قليلًا عند ركبتيها وقالت بلطف:
“مرحبًا؟ أنا إيفلين إيناباسيل.”
فالانطباع الأول يبدأ بابتسامة مشرقةٍ وتحيةٍ مؤدبةٌ.
عندها فقط أدركَ جاكتر أنه تصرف بلا لياقةٍ، فاحمر وجهه مثل الطماطم الناضجة قبل أن ينحني قائلًا بخجل:
“تشرفتُ بمعرفتكِ. اسمي جاكتر.”
“تشرفتُ، جاكتر. سعيدةٌ بلقائكَ.”
اطمأن الصبي لكلامها، ثم أخذ يقلب عينيه الذهبية بحذر قبل أن يسأل:
“لكن… كيف عرفتِ بسحر إخفائي؟”
كان من الواضح أن قدرتها على كشفِ ذلك أذهلتهُ.
ابتسمت إيفلين ومسحت بخفة على شعره الفوضوي:
“لأني أعرف شخصًا كان يستخدم سحرًا مشابهًا.”
“ومن يكون؟”
غرررررررر~
قاطع صوته سؤالُ معدته الفارغة، فابتسمت قائلة:
“لنبدأ بالذهاب لتناول بعض الوجبات الخفيفة أولًا.”
* * *
لم يكن الخبز طازجًا للتو، ومع ذلك التهمه جاكتر بنهم شديد.
‘كنت أظن أنه أنحف من أقرانه… يبدو أنني كنتُ محقّةً.’
أعطته كوبًا من الحليب وهي تقول بلطفٍ:
“تمهّل، وامضغهُ جيدًا.”
جلس كاليد أمامهما، يفكر في كلماته قليلًا، ثم سأل بحذر:
“هل يعني هذا أن الطعام الذي يقدمه الدار غير كافٍ؟”
“لا، ليس كذلك.”
أجاب جاكتر وهو يهز رأسه، ثم مسح فتات الخبز عن شفتيه وأضاف ببرود:
“لقد كنت أعيش وحدي لفترةٍ طويلة، وكنت أفوّت الكثير من الوجبات.”
فقد أخبرهم أنه تيتم صغيرًا، وعاش مع جده حتى توفي هو الآخر بمرض مزمن.
فانتهى به الأمر يتجول بلا مأوى، وغالبًا جائعًا.
ولهذا صار يلتهم أي طعام يراهُ بسرعةٍ.
استمع كاليد بصمتٍ وهو يمررُ يده على ذقنه قبل أن يسأله:
“إذن… تعلمتَ السحر وحدكَ؟”
“نعم. كنت أستطيع القراءة قليلًا، فاستخدمت بعض كتب السحر التي تركها جدي.”
أن يبلغ هذه المرحلة وهو متعلم ذاتيًا فقط… لقد كانت موهبتهُ هائلةً بلا شكٍ.
شعرت إيفلين بأن صدرها يضيق وهي ترى كيف يروي قصص طفولته القاسية وكأنها لا شيء.
وبعد تفكير عميق، فتحت شفتيها قائلة بجدية:
“جاكتر، أريد أن أقدم لك عرضًا.”
“عرض……؟”
أمال الصبي رأسه بفضول، فابتسمت له بنظرة ثابتة وقالت:
“أريد أن أكفلكَ وأدعمكَ. ما رأيكَ؟”
“أنا……؟ حقًا؟”
اتسعت عيناه بدهشةٍ بالغةٍ.
فأومأت إيفلين بهدوءٍ:
“نعم، أعرض هذا بعد أن رأيتِ موهبتكَ.”
لم يكن قرارها بدافع الشفقة فقط.
بل لأنها كانت واثقةً أن جاكتر سيكون دعمًا كبيرًا لعائلة إيناباسيل مستقبلًا.
ثم أخذت تشرح له ما سيحصل عليه:
ستدعمه في أبحاثه السحرية، وتوفر له فرصة لدخول الأكاديمية إذا رغبَ.
كما سيتكفلون بمأكله ومشربه وراتبه أيضًا.
ظل جاكتر يستمع، لكن عينيه أظهرتا بعض الريبة:
“هل هناك…… ما تريدينه مني بالمقابل؟”
“ولماذا تظن ذلك؟”
“لأن لا أحد يقدم معروفًا بلا مقابل في هذا العالم.”
أجابه بكلماتٍ تفوق سنّه، فجعلتَ ابتسامة حزينةً تعلو شفتيها.
أي حياة عاشها حتى صار يفكر هكذا؟
لم تعرف إيفلين كل شيء عن ماضيه، لكنها أرادت أن تعلمه أن العالم ليس دومًا قاسيًا.
فهي نفسها عرفت الحب الصادق حين تبنّاها والداها الحاليان.
تطلعت إلى الصبي النحيل وقالت بصوت حانٍ:
“كل ما أريدهُ منك… أن تنمو بصحةٍ جيدةٍ دون ألم.”
لم يفهم كلامها تمامًا، وبدا مترددًا.
فابتسمت بلطف، واقتربت منه كأنها تبوح بسر:
“قبل قليل سألتني عمّن يعرف سحرَ الإخفاءِ،
صحيح؟”
“نعم……”
“إن أردت، يمكنني أن أعرّفكَ بِه.”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات