الفصل 23 : لَمْ أرَ شيئًا
إيفلين شرحتْ لأخيها أنَّ الموقف كان هكـذا، ولهذا حدث الأمر بهذه الصورة.
ومع ذلك، بدا أنَّ فياتون لا يُصدِّق كلامها كثيرًا.
‘يا لَسخرية القدر، لِمَ كان الذي دخل الغرفة هو أخي بالذات؟’
فكَّرتْ إيفلين أنَّه لا ينبغي أنْ تدع أخاها المثرثر يخرج من هنا هكذا.
“هيا، قُل شيئًا على الأقل.”
وحين رمقَتْ خطيبها وهي تصرُّ على أسنانها، فتح أكسيون فمه الذي كان مغلقًا بإحكام.
“أخي، أُفضِّل أنْ يبقى هذا الأمر سرًّا قدر الإمكان.”
“ماذا……؟”
تغضَّن طرف عين فياتون كأنَّه سمع كلامًا لا يجوز أنْ يُسمَع.
مع ذلك، أحاط أكسيون كتف إيفلين برفق وأكمل حديثه.
“الأنظار من حولنا ما زالت تُزعجنا.”
‘هل هذا موقف يستدعي الخجلَ أصلًا؟’
أدارت إيفلين رأسهَا استغرابًا من تمثيل خطيبها الوقح.
ثمّ، نظر إليها أكسيون بعينَين رقيقتين وأضاف بابتسامة خفيفة على شفتيه:
“وكما ترى، إيفلين أيضًا تشعر بالخجل.”
“وكما ترى، إيفلين أيضًا تشعر بالخجل.”
تردد صوت كلامتهِ في الغرفةِ
‘ماذا؟ متى فعلتُ ذلك؟’
ارتسم الامتعاض على وجه إيفلين كما لو سمعتْ كلامًا سخيفًا.
تحدَّقَتْ بالرجل كأنها تُحاسبه، لكن أكسيون لم يُعرْ ذلك اهتمامًا وسأل بصوت ناعم:
“أليس كذلك، إيفلين؟”
حين لمعَتْ عيناه الحمراوان يطلبان تعاونها، أومأتْ إيفلين على مضض.
“……ربما شيءٌ من هذا القبيل.”
كان مُهينًا أنْ تُساير هذا التمثيل السخيف، لكنّ الأولويّة كانت الخروج من هذا الموقف.
وفوق ذلك، فإنَّ أخاها المعروف بوفائه، لا بُدَّ أنْ يُغمِض عينَيه عن الأمر.
على الأقل، هذا ما أرادت أنْ تُصدِّقه.
“أخي، ستتفهم الأمر، أليس كذلك؟”
لعلَّ رجاءها البالغ وصل إليه، إذ سعل فياتون بخفوت ثم تكلّم:
“أحم، لم أرَ شيئًا.”
‘تمَّ الأمر!’
ثمّ لمَح شقيقته قليلًا وأغمز لها بعين واحدة قبل أن يُضيف:
“إذن، استمتعا بوقتكما.”
أي وقت ممتع هذا ومعي هذا اللعين……
في غرفة المُضيئة بأشعة الشمس الدافئة.
كانت إيفلين ترتدي ثيابًا أكثر أناقة من المعتاد وتتفحّص هيئتها أمام المرآة.
بينما ساعدتها لاري في الاستعداد للخروج، ثم أمالت رأسها قليلًا وسألت:
“آنستي، إلى أين تنوين الذهاب؟”
“أفكِّر بزيارة الملجأ بعد غياب طويل.”
ابتسمتْ إيفلين بخفوت، فأصدرت الخادمة تنهيدة قصيرة كأنها تذكّرت شيئًا.
“آه، تقصدين المكان الذي تدعمينه يا آنسة؟”
منذ أنْ أدركتْ إيفلين أنَّها وُلدت داخل رواية، وهي تواظب على دعم أحد الملاجئ.
غالبًا ما كان النبلاء يختارون العاصمة أو المناطق القريبة للإعلان عن إحسانهم،
لكنّ إيفلين اختارتْ ملجأً متواضعًا في أطراف العاصمة.
ولم تكتفِ بإرسال الأموال، بل اعتادت أنْ تزوره وتشارك في خدمته بنفسها.
تمامًا كما فعل والدها ووالدتها الحقيقيان منذ زمن بعيد، وإنْ صارت ذكراهم باهتة.
“هل ستكونين بخير؟ المكان بعيد وصعب الطريق.”
بدت لاري قلقة على سيِّدتها التي تسلك دروبَ المتاعب بنفسها.
أجابت إيفلين بابتسامة صافية وصوت متفائل:
“لم أزره منذ فترة. يجب أنْ أذهب قبل أنْ أنشغل أكثر.”
وبالطبع، كان هناك سبب آخر يدفعها لزيارة الملجأ.
* * *
حين نزلتْ إيفلين من العربة مُمسكة بيد فارسها الحارس، رمقَت الملجأ بوجه راضٍ.
لعلَّ أُمنيتها بأنْ ينشأ الأطفال في بيئة سليمة قد تحققت.
فبعد أنْ كان المكان قبل سنوات قليلة بالكاد يستمر، أصبح الآن مرتبًا حسن الحال.
“آنستي، هل أُنزل الأمتعة كلّها؟”
عند سؤال جيديون، نظرتْ إيفلين إلى عربة إيناباسيل المُحمّلة بالأغراض.
كانت ممتلئة بأشياء يحتاجها الأطفال.
أومأت برأسها وقالت:
“نعم، من فضلك.”
وبينما كان الخدم يُنزِلون الحمولة، اقترب مدير الملجأ بابتسامة ودودة.
“مضى وقت طويل لم نركِ، يا آنسة.”
صافح يدها بحرارة وهو ينقل إليها دفء الترحيب.
“هل أنتم بخير؟ أخشى أني جئتُ متأخرة هذه المرّة.”
قالتْها معتذرة لانشغالها الطويل عن زيارة الملجأ.
لكنّ المدير هز رأسه مؤكدًا:
“أبدًا. يكفينا أنْ تتفضلي بزيارتنا، فهذا حظّ كبير لنا.”
“ممتنة لك على كلامكَ.”
ابتسمتْ إيفلين بخفوت وسارت مع المدير تتجاذب أطراف الحديث.
كانت شمس أواخر الشتاء ناصعةً على غير العادةِ.
“الأطفال قضوا شتاءً دافئًا بفضل ما بعثتِ لنا من معونات.”
فهي اعتادت أنْ تُرسل لهم مستلزمات الشتاء كل عام.
“هذا أمر بسيط لا يستحق.”
“كيف يكون بسيطًا؟ أمثالك من أصحاب الفضلِ هم سبب استمرار هذا الملجأ.”
أطرقتْ إيفلين شاكرة، ثم قالت:
“إنْ كان ثمة ما تحتاجونه، فأخبروني بلا تردد.”
فقد كان في مقدورها المساعدة بيسر.
“شكرًا جزيلًا يا آنسة.”
بعد أنْ شكرها مجددًا، راح المدير يُحدِّثها عن أحوال الملجأ، ثم صفق بيديه كأنه تذكّر شيئًا:
“آه، قبل أيام استقبلنا طفلًا جديدًا.”
اتسعت عينا إيفلين الخضراوان للحظة ثم ضاقتا.
‘صحيح، في القصة الأصلية يدخل جاكتر إلى الملجأ في هذا التوقيت.’
لقد كانت تدعم ذلك الملجأ خصيصًا كي تلتقي بذاك الصبي.
جاكتر، ابن الثالثة عشرة، الذي ظهرت لديه طاقة سحرية مبكّرة، وكان مُقدَّرًا أنْ يلفت أنظار الإمبراطور.
بموهبته وحدها، ارتقى إلى منصب سيِّد برج السحر في المستقبل.
‘لكن، أنْ يظل أسير الإمبراطور، خسارة لا تُعَوَّض.’
لم ترُق لإيفلين فكرة أن يُقسِم جاكتر بالولاء له.
إذ انتهى به المطاف لعبةً في يده، حتى انغمس في السحر الأسود المحرَّم.
‘وعاقبة السحر الأسود أنْ يُدمِّر العقل والمشاعر.’
حتى وإنْ كانت هي مجرّد شخصية ثانوية، إلّا أنَّها لم تُطق تخيُّل سقوطه في تلك الهوّة.
وفوق ذلك، لم يكن مقبولًا أنْ ينحاز نابغة مثله إلى صف الإمبراطور.
ولهذا، عزمت إيفلين أنْ تتدخّل بنفسها لتغيير مستقبله.
“هل يمكن أنْ ألتقي بهذا الطفل؟”
في التلّ خلف الملجأ، ارتفعت ضحكات الأطفال وهم يمرحون.
بحسب المدير، فالطفل الجديد ذو شعر أحمر وعينين ذهبيتين.
‘أين أنت يا جاكتر؟’
وبينما كانت إيفلين تبحث بعينيها عن الصبي ذي الشعر الأحمر، سُمِعت أصوات الأطفال:
“آه! إنها الأخت إيفلين!”
“حقًا، إنَّها أختنا إيفلين!”
أشرقَت عيونهم وركضوا نحوها ليعانقوها بابتسامة بريئةٍ.
بادلتهم إيفلين الحضن بحنانٍ وسألت بابتسامةٍ مشرقة:
“هل أنتم بخير؟”
لكنهم عبسوا وهم يعبّرون عن عتبهم:
“لماذا تأخرتِ علينا؟”
“نعم، كنا نشتاق إليكِ.”
أحسّت إيفلين بالحرج وهي ترى حزنهم، فاشتعلتَ عزيمتها.
“اليوم سألعب معَكم أكثر من أي يوم!”
“حقًا؟ رائع!”
قفز الأطفال بفرح، وابتسمت هي بدورها، لكن تذكّرت أنَّ ثمة أمرًا أهم قبل اللعب.
فانحنت قليلًا وسألت بصوت دافئ:
“سمعت أن صديقًا جديدًا انضم إليكم، صحيح؟”
“تقصدين الأخ ذي الشعر الأحمر؟”
بفضل براءتهم، أدركوا فورًا من تعني.
“نعم، هل تعرفون أين هو الآن؟”
فأشارت فتاة صغيرة نحو شجرة كثيفة قريبة.
“إنه هناك مع شاب وسيم.”
“ماذا؟ شاب وسيم……؟”
رفعتْ بصرها إلى الشجرة حيث أشارت الطفلة، فاهتزّت عيناها الخضراوان.
إذ كان الصبي جاكتر يجلس مع كاليد ريكران.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات