الفصل 17 : أنتَ تعرفُ ما سأفعلهُ
‘داليا… لورينهايم؟’
أفاقَت إيفلين من شرودها مُتأخِّرة، ثمّ أبدت إعجابًا صادقًا.
فقد كانت داليا أجمل بكثيرٍ مِمّا وُصِفَ في الأصل.
وبعد أن أظهرت خجلًا لطيفًا، قالت السيّدة بصوتٍ لطيفٍ ورقيق:
“المَجْدُ الأبديّ للإمبراطوريّةِ البالتِيانيّة. يُشرِّفُني لقاء الآنسةِ من آل إيناباسيل.”
اتّسعت عينا إيفلين وهي تُحدِّق في داليا بدهشة.
“أتعرفينني؟”
“بالطّبع. فقد أخبرنيَ الكونت الصّغير لورينهايم عنكِ.”
ربّما لأنّ إيفلين أبدت اهتمامًا بداليا أمام فيليكس، لذلك كان قد أعطاها فكرةً عنها مُسبقًا.
فردّت إيفلين بابتسامةٍ خفيفةٍ وردَّت التحيّة:
“المَجْدُ الأبديّ للإمبراطوريّةِ البالتِيانيّة. يُشرِّفُني لقاء الآنسة من آل لورينهايم.”
وبدا أنّ داليا سُرَّت بتحيّتها المهذّبة.
ثمّ أشارت إيفلين نحو سطح السفينة وسألت بنبرةٍ غير مباشرة:
“لكن، ما الذي أتى بكِ إلى هنا، آنسةَ لورينهايم؟”
رفعت داليا جفنيها بحزنٍ وأجابت بصوتٍ مكتئب:
“هناكَ شخصٌ يجبُ أن ألتقيه هنا… لكن يبدو أنّهُ تأخّر قليلًا.”
‘هل هو شخصٌ مُهمٌّ للغاية؟’
ربّما لم تكن داليا تُريد لقاء كاليد وحده، بل هناك شخصٌ آخر ينتظرها أيضًا.
وبينما كانت إيفلين تومئ برأسها، ارتسمت فجأةً إشراقةٌ على وجه داليا.
“جيّدٌ أنّني لم أعد أدورُ في الفراغ.”
“ماذا…؟”
شعرت إيفلين بالارتياب، غير واثقةٍ إن كانت سمعت جيّدًا.
لكنّ عيني داليا البنفسجيّتين انحنتا بلُطف، وابتسمت بابتسامةٍ هادئة.
“لا شيء.”
‘هل كانت داليا لورينهايم بهذه الشخصيّة في الأصل؟’
وبينما كانت إيفلين تُحاول ضبط ملامحها حيال كلماتِ هذه السّيّدة الغامضة، بدأت أصواتُ رجالٍ نبلاءٍ تقترب من المكان.
“تُرى، ألم يبدو الدّوق الصّغير فالينتينو مُتعَبًا قليلًا؟”
“ماذا، هل الدّوق الصّغير الأسطوريّ يُعاني من دوار البحر؟”
“وبما أنّنا على متنِ السفينة، فلن يعود إلى القصر بسهولة.”
تجمّدت ملامح إيفلين وهي تُنصت إلى حديثهم.
ففي الأصل، لم يكن أكسيون يُصاب بدوارِ البحر.
فهل يُعقل أنّ…؟
عندها تذكّرت حديثها السّابق مع خطيبها:
“في الآونة الأخيرة، أصبحَ اضطرابُ المانا يتكرّر أكثر من المعتاد.”
لعلّ نوباتُ اضطرابِ المانا قد بدأت فعلاً عند أكسيون.
بما أنّهما يملكان نفس الوَسْم، وقد التقيا مؤخرًا كثيرًا، فقد يكون اختلاط الطّاقات قد فجّر موجةً جديدةً من الاضطراب.
لكنّها لم تفهم السّبب.
فقد أعطتهُ مسندً قليلاً تمامًا كما وردَ في الكتاب.
‘فلماذا لم يُفلح الأمر؟’
بنظراتٍ مشوشة، بدأت تضعُ فرضيّة جديدة.
ربّما أكسيون فالينتينو، ذو الطّاقة الضّخمة، لا يُمكن السيطرة على اضطرابِه إلا من خلال الخَتم الحقيقيّ.
لكن، لم يكن بإمكانها الوقوف مكتوفةَ الأيدي.
ففي النهاية، لها يدٌ فيما جرى له.
“هل أنْتِ بخير، آنسة؟ وجهُكِ شاحبٌ.”
“أعتذرُ، عليّ الذّهابُ الآن!”
اعتذرت من داليا، وسألت أحد أولئك النّبلاء عن موقع أكسيون.
بخطواتٍ مُستعجلة، وصلت إيفلين إلى الغرفة الأخيرة في ممرٍّ خالٍ من النّاس.
‘يا إلهي، أيّ طاقةٍ هذه؟!’
لقد اختبرت المانا القويّة من قبل، لكنّ ما شعرت به الآن لم يكن يُقارن.
صرير―
تردّدت أصواتُ تحطُّمٍ من داخل الغرفة الفاخرة.
من دون تردّد، فتحت إيفلين الباب على مصراعيه.
الظّلام الحالك خيّم على الغرفة، فلا ضوء فيها، وكلُّ شيءٍ كان مُدمَّرًا.
زجاجُ النّوافذ مُهشّمٌ على الأرض، والأثاث تناثرت أجزاؤه حتّى باتت معالمه غير واضحة.
تحت ضوء القمر الخافت، كان هناك رجلٌ يُمسك الأرض ويتأوّه، كأنّه يُقاوم قوّةً هائلةً داخله.
‘الوضع أسوأ من العام الماضي.’
بعد أن ظَهر خَتمها، يبدو أنّ اضطراب أكسيون تفاقم.
لم تستطع إيفلين الوقوف مكتوفة الأيدي وهي ترى رجلاً ينهشه الألم.
“أكسيون، هل أنْت بخير؟”
اقتربت منه وحاولت أن تسنده، لكنّه صفعَ يدها بقوّة وهمس بنبرةٍ خافتة:
“لا تقتربي.”
كان يبدو أنّه لا يُريد أن يؤذي أحدًا بسبب نوبةِ الاضطراب.
لكن أكسيون، كما رأته عن قرب، بدا على وشكِ الانهيار.
قبضته كانت مشدودةً لدرجة بروز عروقه، وكأنّه يُصارع شيئًا من داخله.
‘ما الذي يَجبُ أن أفعلهُ؟’
قلبُها غرق في الذّعر وهي تراه يتألّم.
هل تستدعي طبيبًا على الفور؟
لكنّها كانت تعلم… أنّ الأطبّاء لا يُمكنهم مُعالجة اضطرابٍ بدأ للتّو.
بتعبيراتٍ متوتّرة، أغمضت عينيها بقوّة ثمّ فتحتهما بعزم.
“الوَسْم”… عليّ أن أفعّله.
‘لن يكون هناكَ عودة بعد هذا.’
إن فعلت، فلن تُفلِت من الارتباط به بسهولة.
وقد تندم على قرارها هذا لاحقًا.
لكنّها لم تستطع تجاهله… ربّما لأنّها بدأت تتعلّق به، ولو قليلًا.
تنفّست بعمق ثمّ قالت بنبرةٍ مرتجفة:
“اسمعني جيّدًا، أكسيون. هذا لن يُغيِّر شيئًا بيننا.”
ثمّ أسرعت وضمّته إلى صدرها.
شعرتْ بجسده يتجمّد من وقع المفاجأة.
أغمضت عينيها مجدّدًا، وركّزت كلَّ طاقتها في تنشيط قوّة الشّفاء الكامنة في جسدها.
“أنتِ…!”
لابدّ أنّ أكسيون أدركَ الحقيقة الآن.
فقد ظهرَ له أنّ لديها نفس الختم الذي يملكه.
“ماذا تنتظر؟ هيا، فعّل الوَسْم!”
صرخت وهي تُحدِّق فيه بعيونٍ مشتعلة.
ففعاليّة الوسم لا تبقى إلا ما دامَت خُطبتهما قائمة.
على الأقل، هذا ما كانت تظنّه.
“لن ينفعكَ النّدم لاحقًا.”
وبصوتٍ خفيض، حاصرها أكسيون بين ذراعيه، وأطلق الطّاقة الرّابطة بينهما.
عندئذ، اشتعل ظهرُ يدها كأنّها تحترقُ.
دخلت طاقةُ المانا العنيفة إلى جسدها، وتفجّرت في داخلها، فتنهدت بأنينٍ خافت:
“آه… ههْ…”
“لأنّها المرةُ الأولى، سيكون من الصّعبِ التّحمُّل.”
هو الآخر كان يتألّم، فملامح وجهه كانت ملتويةً كأنّه يُصارع الألم معها.
طاقتاهما اندمجتا معًا كما لو كانتا مزيجًا غريبًا لا يتوقّف عن التّفاعل.
وبعد وقتٍ لا يُعلَم كم مرّ منه، شعرت إيفلين بأنّ قوّة الشّفاء فيها تتداخل مع مانا أكسيون.
وأخيرًا، هدأ اضطراب طاقته.
تلاشى الخطر، وبدأت نبضات قلبه تعود إلى طبيعتها.
‘لا بدّ أنّه قد عاد إلى وعيه الآن.’
لكنّها شعرت فجأةً بشيءٍ غريب يلامس رقبتها.
حين فتحت عينيها تدريجيًّا، فُوجئت بما رأت.
“……!”
ارتعش كتفُها الصّغير، فقد وجدت عيني أكسيون تحدّقان فيها مباشرة ورأسهُ على كتِفها.
‘نحن… قريبان جدًّا.’
نظرت إليه بحذر، ووجدت أنّ يدها ما زالت على صدره.
‘لـ، ليس هذا ما كنتُ أريدهُ…!’
الأجواء بدأت تتغيّر بشكلٍ غريب، فأغمضت عينيها وأعادتهما إلى الانفتاح ببطء.
وفي عينيه نظرةٌ عجيبة، تُخفي شيئًا أكثر ممّا تُظهِر.
“لا تُغلقي عينيكِ. كيف تعلمين ما قد أفعلُه؟”
كرّرت كلماته داخلها وهي مُذهولة.
‘هل… هل هو يُدركُ ما يقولُ؟’
لابدّ أنّه لم يَعُد إلى وعيه تمامًا بعد.
فإلّا، لما تفوّه بمثل هذا الكلام.
حاولت الابتعاد عن حضنه، لكنّ ذراعيه اشتدّت حول خصرها النّحيل، وكأنّه يُقيِّدها داخل منطقته الخاصّة، مثل نمرٍ أسودٍ لا يُريد أن يفلتَ فريستهُ.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 17"