الفصل 16 : “أَلَمْ تشعر بالحماسِ؟ أَلَمْ ينبَض قلبُكَ؟”
نهضَتْ إيفلين من سريرها بجسدٍ مُتثاقلٍ بعد أن قضَتْ ليلتَها ساهرةً بعينٍ مفتوحةٍ وهي تفحصُ ذكرياتها.
‘لِمَ استرجعتُ ذلك الموقف في هذا الوقت بالذات…؟’
صورةُ أكسيون، وقد بدا مُرهقًا ومضطربًا في ذلك الحين، ما زالت عالقةً في ذاكرتِها.
ثمّ ما لبثت أنْ نظرت إلى ظاهرِ يدها اليُسرى، حيث كان الختمُ ذاته الذي يملكهُ خطيبُها، على هيئةِ أفعى، يلمع خافتًا.
“هل سيكون من الأفضل أنْ أُجري الخَتْم…؟”
مع ذلك، لم تكن تُفكّر في الزّواج من أكسيون بأيّ حالٍ من الأحوال.
كلّ ما في الأمر أنّها لم تكُن قاسيةً إلى الحدّ الذي يسمحُ لها بالوقوفِ مكتوفةَ الأيدي أمام معاناةِ أحدهم.
“ربّما عليّ أنْ أُجري مفاوضةً معه بدلًا من ذلك؟”
فربّما، ومن يدري، يكون يُحاول أنْ يُقيّد ختْمهُ بالزّواج فقط كي لا تهربَ المُختومة.
وبينما كانت تفكّر في ذلك، ربّتت بخفّة على خدّيها محاولةً استعادةَ تركيزِها.
“سيكون أمامي الكثير من الأمور المهمّة قريبًا، لذا عليَّ أنْ أتمالكَ نفسي.”
نهضت من السرير واتّجهت إلى المكتب، ثمّ بدأت تكتب شيئًا ما بالقلم الحِبريّ في دفتر ملاحظاتها.
بما أنّ بطلةَ القصّة الأصليّة نُقِلت إلى بيتِ عائلة الكونت في وقتٍ أبكر من المُقرّر، فقد تغيّر أيضًا توقيتُ الحفلة البحرية.
وكانت تلك الحفلة تُعدّ من أهمّ الأحداث، إذ كانت اللحظة التي التقى فيها كلٌّ من داليا وكاليد للمرّة الأولى.
‘من المؤكّد أنّ أكسيون سيقابل داليا لأوّل مرّة ذلك اليوم أيضًا.’
لم يُذكَر في القصّة متى بدأ أكسيون يُكِنّ مشاعر تجاه البطلة، ولكن إيفلين كانت تُمنّي نفسها بأنّ لقاءه بها قد يُغيّر من نظرته إلى الزّواج.
‘إنْ حدث ذلك فعلًا، فستكون المفاوضة أيسر بكثير.’
رفعت قبضتها بحماس، وقد اشتعل في داخلها لهيبُ الإرادة.
* * *
بووووونغ――
دَوَّى صوتُ بوقِ السّفينة طويلًا مُعلنًا بدايةَ الحفلةِ البحريّة الفاخرة.
وقد غمر الغُروبُ السّماءَ كلّها، فتلألأ سطحُ البحر بالأشعّةِ الذهبيّة المُنعكسة على أمواجه.
‘رغم أنّني سَمعتُ مسبقًا عن فخامتِها، إلّا أنّ حجمَها فعلًا استثنائيّ.’
نسبةً لثروةِ الجهةِ المُنظّمة، كانت هذه الحفلةُ البحريّة تتّسمُ بالفخامة والعظمة.
وكان من بين الحضور نُبلاء الطبقة الأرستقراطية إلى جانب رجال الأعمال من البورجوازيّة وكِبار المسؤولين.
“نُعبّرُ عن خالصِ شكرِنا للضّيوفِ الكرام على تشريفهم لنا!”
كلماتٌ افتتاحيّةٌ قصيرةٌ ومُباشرة، وُجِّهتْ بشكلٍ مدروس إلى جيل الشباب، الذين كانوا الفئةَ الأساسيّةَ في هذا الحدث.
كان دوق ويندربالت، مُنظّم الحفلة، قد أعدّها بعد نجاحِه الأخير في مجال الأعمال.
أما كلوي ويندربالت، الصديقة المُقرّبة لإيفلين، فقد أومأت برأسها بيأسٍ وهي تُراقب والدها.
“يا إلهي، كأنّه سيموتُ إنْ لم يُعلِن عن إنجازاته!”
“كلوي، لو سمعكِ الدوق لَشَعَرَ بالإحباط الشّديد.”
قالت إيفلين ذلك وهي تبتسمُ ابتسامةً مُحرجةً، تُحاول تهدئةَ صديقتها، فما كان من كلوي إلّا أنْ ابتسمت بلُطف.
“طبعًا كلامي موجَّهٌ لكِ وحدَك.”
كانت كلوي صديقتها العزيزة منذ أنْ دخلت عالم النبلاء، ولم تُفارِقها أبدًا.
وقد حضرت إيفلين هذه الحفلة فقط لتُبارك لصديقتها ولعائلتِها، لأنّها عادةً لا تُحبّ التجمّعات.
‘لكن، أين داليا؟’
كانت قد سَمعت مسبقًا بأنّ عائلة لورينهايم ستُشارك في هذه الحفلة.
وفي القصّة، يُفترَض أنْ يُعلِن الكونت في هذا اليوم عن وجود داليا التي تمتلكُ قوّةً إلهيّة عظيمة.
شعرٌ فضّيّ نقيّ، وعيونٌ كزهورِ الغِليسين، فتاةٌ فاتنة الجمال.
وبينما كانت إيفلين تُقلّب بعينيها تبحث عن بطلة القصّة، أخفت كلوي فمها بمِروحةٍ وهمست سرًّا:
“هممم، أظنّكِ تبحثين عن خطيبكِ، أليس كذلك؟”
تجهّمت ملامحُ إيفلين كما لو أنّها سَمعت كلامًا لا يجب أن يُقال.
“ماذا تقولين! هل جُننتِ؟!”
لكن كلوي رفعت كتفيها باستخفاف وهي تُكمل:
“أمّا أنا، فأظنّ أنّه هو من يبحثُ عنكِ.”
“ما الذي…!”
وقبل أن تُكمل حديثها، سقطت على كتفي إيفلين سُترةُ صوفٍ سميكة.
وعندما رفعت رأسها مُتفاجئة، التقت عيناها مباشرةً بعينيه الحمراوين الباردتين.
كان أكسيون، بابتسامةٍ خفيفةٍ لا تنتمي إلى عينيه، يُقدّم لها لُطفًا مصطنعًا.
“هواء البحر بارد. لِذا ارتديها.”
‘ما به هذا؟ هل تناول شيئًا أفسدَ عقلَه؟’
وبينما كانت تُحدّق فيه بارتباك، قالت كلوي وكأنّها تستمتع بالمشهد:
“يا له من تصرّفٍ حنون.”
فأومأ أكسيون برأسه بهدوء وهو يقول:
“لم أفعل سوى ما هو طبيعيّ.”
كان يُجيد التمثيل بمهارةٍ منذ صِغره، حتّى أمام صديقاتها المُقرّبات.
أما إيفلين، فقد تمتمت ساخطًة:
‘يزداد وقاحةً يومًا بعد يوم.’
بينما كلوي، التي لم تَشْكُ في شيء، ضحكت بهدوء وقالت:
“إذن، أتمنّى لكما وقتًا لطيفًا.”
“أراكِ لاحقًا، كلوي.”
ودّعت إيفلين صديقتها بأسى، ثمّ التفتت إلى أكسيون تُحدّقه بنظرةٍ جانبيّة.
“ما بكَ اليوم؟ لماذا تتصرّف بطريقةٍ غير معتادة؟”
“ألم أَقُل إنّني سأُحاول أنْ أُناسب ذوقَكِ؟”
قالها وهو يُميل رأسه، وكأنّه يتعجّب من سؤالها.
‘أجدر بك أنْ تقول هذه الأشياء للبطلة!’
زفرت تنهيدةً طويلة، بينما رفع هو زاوية فمِه بنبرةٍ مُدلِّلة:
“ألم تقولي إنّك تُحبّين الرّجل الحنون؟”
“ماذا؟ متى قلتُ ذلك؟!”
اتّسعت عيناها دهشةً، إذ لم تتذكّر أنّها أفصحت عن ذلك له من قبل، لكنّه كان يعرف نوعَها المُفضّل تمامًا.
‘متى أصبحنا في مرحلةِ تبادل الحديث عن الشّريك المثاليّ؟’
ومع انحناءة رأسها، قال أكسيون بصوتٍ باردٍ ومعنًى مُبهم:
“إنْ لم تعرفي، فلا بأس.”
ماذا يعني بذلك الآن…؟
قطّبت جبينها في حيرة، ثمّ سطع بصرُها فجأة وكأنّ فكرة خطرت على بالها.
“بالمناسبة، هل سَمعتَ أنّ عائلة لورينهايم ضمّت فتاةً بالتبنّي؟”
“أجل، حضرت الحفلة البحريّة.”
‘إذًا، التقيا بالفعل!’
ظنّت لوهلة أنّ الأمور بدأت تسير كما ينبغي، فقالت له بنبرةٍ خفيّة:
“سَمعت أنّها فائقةُ الجمال.”
في القصّة، وُصفت داليا بأنّها جميلةٌ إلى حدّ يجعلُ المارّة يتوقّفون من شدّة الدّهشة.
“أكسيون، ماذا عنكَ؟”
“عن ماذا؟”
ردّ ببرودٍ، فبادرتْ هي بالإجابة بسرعة:
“أَلَمْ تشعر بالحماس؟ أَلَمْ ينبض قلبُك؟”
عندها، عبس وجهُه مصطنعًا ثمّ مدّ يدَه يتحسّس جبينها بخفّة:
“غريب. لا يبدو أنّكِ مُصابةٌ بالحمّى.”
“أتوقّف عن هذا، أنا في كاملِ قواي!”
على ما يبدو، لم يكن قد وقع في حبّ البطلة من النّظرة الأولى.
وحين ضاقت عيناها به سُخرية، همس أكسيون بنبرةٍ خافتة:
“آه، هكذا كنتِ تُريدين ردّة الفعل، أليس كذلك؟”
‘أعرف ما تقصده، لكن لا تنطقها بلسانك!’
وقبل أنْ تحتجّ، قال فجأة بابتسامةٍ لعوب:
“أنتِ الأجمل، يا إيفلين.”
لا، لا تقلها لي! أيّها الأحمق…!
حلّ الظلام، وتلألأت نجومُ السّماء في ليلةٍ صافية.
وعندما انشغل أكسيون بالحديث مع كبار الحضور، وقفت إيفلين على جانب السّفينة تتأمّل البحر، تحتضن سترة خطيبها لتحتمي من برد البحر.
“متى سيلتقيان يا تُرى؟”
كانت قد جاءت باكرًا إلى سطح السفينة كي تشهد اللّحظة التاريخيّة التي يلتقي فيها بطلا القصّة.
‘هل سأُحقّق رومانسيّتي أخيرًا؟’
وفيما كانت تحدّق في السماء بعينين تتلألأ فيهما البراءة، عطست فجأة.
آتششو!
وبينما هي تشهق وتُحاول كتم العطاس المتتالي، اقترب منها شخصٌ بهدوء وناولها منديلًا.
“هل أنْتِ بخير…؟”
أومأت له بالشكر، وهي تردّ:
“شكرًا. أنا بخير…”
لكنّها لم تُكمِل جُملتَها.
فبمجرّد أن التقت عيناها بعينيه البنفسجيتين المشابهتين لزهر الغليسين، توقّف كلّ شيء.
“الحمد لله أنّكِ بخير.”
قالتها الفتاة ذات الشّعر الفضّي والابتسامة الخجولة، فتألّقت حولها هالةٌ من الصفاءِ.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 16"