الفصل 15 : هل تراهُ يُراقبني؟
لم تَشَأْ إيفلين أن تُفسِدَ الجوَّ اللّطيف لاجتماع مجلس الطُّلاب، فخرجتْ من المقهى مُصطحبةً خطيبَها في نهاية المطاف.
وهكذا، ما إنْ دَخَلتْ بين المباني مباشرةً، حتّى دَفَعَتْ أكسيون إلى الجدار.
“كَيْفَ عَلِمتَ أنَّني هنا؟”
سألَتْه بعينَيْن ضَيّقتْهُما، فهزَّ كتفيه بخِفّة وكأنَّ الأمرَ غير مُستغرَبٍ.
“هل تَظُنّينَ أنَّني كنتُ أُراقبكِ؟”
‘لو كان الأمرُ يتعلّق بكَ، فهذا مُمْكِنٌ تمامًا!’
في الأصل، أكسيون في العمل الأصليّ لم يَدَّخِرْ وسيلةً في سبيل استمالة قلب البطلة داليا.
كانَ من البديهيّ أنْ يُقصيَ جميع الرّجالِ الذين يُحاولون التقرُّب منها.
وقد كانَ يُلاحقُها بلا كللٍ أو مللٍ فقط لئلّا يتعرّض للهجران منها.
‘وفي ما بعد، تَطوّرَ ذلك إلى التعلّق ثمّ إلى محاولة الحَبس…’
كادتْ إيفلين أن تُفصحَ عن كلّ تلك التّفاصيلِ التي قامَ بها في الأصل، لكنّها ابتلعتْ أفكارَها عن عمد.
“إذاً، كَيْفَ عَلِمتَ بمكاني بالضّبط؟”
سألتْه بصوتٍ أصبح أكثرَ هدوءًا، فأجابَ أكسيون ببساطة، وكأنّه لا شيء يستحقّ الإخفاء.
“أخيكِ هو من أَخبرني.”
“ماذااا؟! بياثون؟!”
‘أيُّها الأخ اللّعين…!’
“حسنًا، لنترك أخي جانبًا… أنتَ، لماذا جئتَ لرؤيتي؟”
رغم أنّ نَبْرَتَها كانت غريبةً قليلًا، إلّا أنّها كانت واثقةً أنّ أكسيون لم يأتِ دون سبب.
حينها فقط، تنبّه الرّجلُ إلى أمرٍ كان قد نَسِيَه، فتنهّدَ بهدوء، ثمّ أخرجَ صندوقًا صغيرًا من بين طيّات معطفه، وابتسم بخفة.
“لديّ شيء لأُعيدَه إليكِ.”
لم تكنْ إيفلين تجهلُ ما يحتويه ذلك الصّندوق الصّغير.
إنّه دُبّوسُ الشَّعرِ الذي قدَّمته لها دوقة فالينتينو منذ وقتٍ قريب كهدية.
‘ولكن، أَلَمْ أُعِدْهُ لكَ من قبل؟ لماذا أتيتَ به مجدّدًا!’
راحتْ تُمَسّدُ جبهتها في حيرةٍ وامتعاض، بينما أكسيون أخرجَ الدبّوس من الصندوق دون تردّد.
“مـ.. ما هذا؟”
لم يُجبْ، بل اكتفى بأنْ مدّ يدَه بلُطفٍ ليمرّر أصابعه على شعرها الزّهريّ، ثمّ ثبّتَ الدُّبوس فيه بتصرّفٍ عشوائيّ.
لم تستطعْ إيفلين أن تتفادى حركته المُباغتة، فبَدَتْ مدهوشة الملامح.
كان أكسيون يُحدّق بها وكأنّه يراها لأوّل مرّة، وشفتيه ترتسمان بابتسامةٍ ماكرة.
“سمعتُ أنَّ حفلةً على متن السّفينة ستُقام قريبًا، يمكنكِ ارتداء هذا حينها.”
“ولِماذا أرتدي هذا؟!”
لكن قبل أن تُكمِلَ جملتها، اختفى أكسيون بضغطةٍ من إصبعِه كما لو أنّه لم يكن هناك.
عادتْ إيفلين إلى القصر عند المساء متعبةً، وقد سرحتْ بنظرها في الفراغ بلا تركيز.
كانتْ مرهقةً من استعراض مهاراتها أمام طلّاب السّنة الأصغر، وزادَ الأمرَ تعقيدًا لقاؤها غير المُتوقّع بخطيبها.
وضعتْ يدَها على الصّندوق الصغير الذي استلمَتْهُ منه، ثمّ عبستْ قليلًا.
“ما الذي يدورُ في عقل أكسيون يا تُرى؟”
أهكذا يُهديها بروشًا معدَّلًا على غفلة؟ ويُزيّن لها شعرها فجأة؟
رغم أنّها عرفته لوقتٍ طويل، إلّا أنّه تصرّفَ مؤخرًا بطُرقٍ غريبةٍ وغير مألوفة.
“قال: سأُحاول أن أُناسِبَ ذوقَكِ.”
رُبّما لأنّها تذكّرتْ كلمته تلك يوم بلوغها، أزاحتْ برأسها نافيَةً الفكرة.
أكسيون لم يكن لِيَرَاها كأنثى أبدًا، فلا بُدّ أن يكون هناك سببٌ آخر لتصرّفاته.
تنهدتْ بعمقٍ، وشعرتْ فجأةً بانقباضٍ في صدرها.
‘هل هذا يعني أنّه بحاجةٍ ماسّة إلى الخَتْم؟’
فكَّرتْ في خطيبها الذي يُعاني من ألمِ اضطرابِ القوّة السِّحرية، فتكدّرتْ نفسُها.
فهي تعرفُ جيّدًا من الأصل كمْ عانى من ذلك في الرواية.
كان جسدُه يتلوّى من الألمِ وكأنّه يحترقُ في النّار، ثمّ يبقى أيامًا حبيسَ الحُمّى والتَّعب.
مع أنّه لم يُظهر ذلك لأحدٍ قطّ.
“آه… لا أستطيعُ ألّا أن أقلق عليه.”
رغم أنّها لم تكن المُلامة، شعرَتْ بذنبٍ غريبٍ يُثقِلُ صدرَها، فتنهدتْ من جديد.
هل كانت المرة الأولى التي انفجرتْ فيها قوّتُه قبل سنتين؟ هكذا ظنّت.
واستقرّ بصرُها الحزين على الأرض وهي تتذكّر تلك اللّحظة.
* * *
رنّ جرسُ انتهاءِ الحصّة في القاعة، وما إن انتهى الدّرسُ حتّى قفزتْ إيفلين من مقعدها.
خشيتْ أن يرحل أستاذُ المادة الثقافيّة، فأسرعتْ بحمل حقيبتها وتقدّمتْ نحو منصّة التّدريس.
“أستاذ، هل تَغيّبَ أكسيون اليوم أيضًا؟”
لطالما كان ملتزمًا بالحضور، لكنّه تغيّب لعدّة أيّامٍ متتالية.
قلِقَتْ مِن أنْ يكون قد حصل له مكروه، وسألتْ أصدقاءَه، لكن لا أحدَ بدا يعرفُ شيئًا.
لذا قرَّرتْ أن تسألَ الأستاذ الذي يُشرف على المادّة الوحيدة التي تشتركُ فيها معه.
لكنّ وجه الأستاذ بدا وكأنّه لا يعرفُ من أين يبدأ، وقد بدت الحيرةُ عليه واضحة.
‘هل حصل شيءٌ بالفعل؟’
“همم، بما أنّكِ خطيبتُه، فلا بأس إنْ عرفتِ.”
سألتْهُ بصوتٍ فيه شيءٌ من القلق:
“هل حصل شيءٌ لأكسيون؟”
أومأ الأستاذ بخفّة، ثمّ خفضَ صوتَه حتى لا يسمعه الطّلاب الآخرون.
“قيل إنَّ اضطرابَ قوّتِه بدأ من جديد.”
“ماذااا……؟”
اتّسعتْ عيناها الخضراوان من وقع المفاجأة.
ثمّ وكأنّه تذكّر شيئًا، أخرجَ من حقيبته بعض الموادّ الدّراسية.
“أعتقدُ أنّه قد استعاد شيئًا من استقرارِه، هل يمكنكِ إيصالُ هذه الأوراق له؟”
تناولتْ الأوراقَ منه وهي لا تزال مصدومة.
“نعم، سأفعل.”
وبما أنّ اليوم كان يومَ جمعة، فقد كانتْ تنوي زيارةَ قصره أصلًا.
وبذلك، أصبح لديها سببٌ واضحٌ لتذهب إلى دوقيّة فالينتينو.
لكنّ ما إنْ وصلت، حتّى لاحظتْ الهمَّ ظاهرًا على وجوهِ الخَدَم.
“آنستي، أظنُّ أنّ لقاء السيّد الصغير اليوم سيكون صعبًا.”
قال كبيرُ الخدم ذلك بنبرةٍ محترمة، لكن فيها بعض الحرج.
“ماذا تعني؟”
“الأمر أنّ السيّد الصغير ليس في حالةٍ جيّدة… وقد أمر بألّا يُسمَحَ لأحدٍ بدخول غرفته.”
“أرجوك، دعني أراه. أُريد الاطمئنان على حالِه.”
ويبدو أنّ القلقَ الذي ظهرَ في صوتها قد أثّر فيه، فقادها أخيرًا إلى غرفته.
ما إنْ وصلتْ إلى بابِ الغرفة، طرقتْه بهدوء.
طَرق طَرق―
“أكسيون، إنّه أنا… إيفلين.”
وكما توقّعتْ، لم يكن هناك ردّ.
لكنّها لم تُبالِ، وطرقتْ البابَ من جديد بنبرةٍ أكثر جِدّية.
ثمّ أضافتْ بنبرةٍ خفيفةٍ من المزاح:
“إنْ لم تفتح، سأدخل بالقوّة؟”
دووم―
يبدو أنّ تهديدَها أثمر، إذ سُمِعَ صوتُ سقوطٍ من على السّرير.
‘همم؟ لقد نجحَ الأمر؟’
وبينما كانت تبتسمُ لنفسها، فُتح البابُ أخيرًا.
“ما الذي جاءَ بكِ إلى هنا؟”
همف، يا لهذا المتكبّر.
أرادتْ أن تُسلّمه الأوراق قبل أن تردّ على وقاحتِه.
“الأستاذ قال إنّ أُعطيكَ إيّاها، فـ…”
لكنّها لم تُكمل.
رغم أنّه غابَ فقط لأيامٍ قليلة، بدا عليه المرضُ واضحًا.
شفاهٌ باهتة، وجهٌ شاحب، حرارةٌ مُرتفعة جعلته بالكاد واقفًا.
‘ليتني أملكُ قدرةَ الشِّفاء الآن…’
لكن في أوقاتِ اضطرابِ القوّة، لا تنفع أيّ قدرةِ شفاءٍ إنْ لم تكن من الشّخص المنشود.
وكان ذلك يعني أنّ معاناته ستستمرّ حتى يُقابل خَاتِمَه.
ولأنّها تعرفُ قصّتَه، لم تجرؤْ على قول (اصبر أو تحمّل).
إذ إنّ أكسيون في الأصل لَمْ يَجِدْ خَاتِمَه مطلقًا، فعاشَ عمره يتألّم.
رمقتْ وجهَه المُرهَق بتنهيدةٍ خفيفة، وسألته بهدوء:
“هل تأكلُ بانتظام؟”
“…….”
عدمُ الردّ يعني أنّه لا يفعل.
أخرجتْ من حقيبتها جرعةً علاجيّة، ومدّتْها له بلهجةٍ مرحة.
“همم، هذا لا أُعطيه لأيٍّ كان، أعلَمْ ذلك.”
فالدواء خاصٌّ أعَدَّته بنفسها، يُساعدُ في استعادة التوازن الغذائيّ.
أخذَه منها وهو يبتسم.
“سأشربه جيّدًا، لا تقلقي.”
‘أوه؟! ما به يطيعني فجأة؟’
ضيّقتْ عينيها تشكّكًا، ونظرتْ إليه وهي تهمس:
“أنت… لستَ أكسيون فالينتينو، صحيح؟”
فردّ بنبرةٍ وقحةٍ كعادته:
“همم، ماذا برأيكِ؟”
وعندها، تأكّدتْ أنّه بالفعل خطيبُها الأصلي.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 15"