الفصل 13 : “لَنْ يكونَ اليومُ هوَ الأخير”
في نهاية نظراتها، بدتْ خصلاتُ الشَّعرِ السوداء كالأبنوس، وهي مبلّلة ومسترخية، وقد بَرزَت من بينها حدقتان حمراوان.
“إلى أين تَفِرّين؟”
المكانُ الذي اتّجهت إليه إيفلين وهي تتبعُ قبّعةَ فالينتينو، كان صالة العرض الأقدم في دوقيّة فالينتينو.
عادةً ما تحتفظُ العائلاتُ النبيلة في صالات العرض هذه بالإرثِ أو الموروثات، أمّا تاريخُ فالينتينو الذي رافق تأسيس بَلتيان، فكان يفيضُ بهيبةٍ لا توصف.
‘هَلْ يُمكنني دخولُ هذا المكان؟’
رطّبت إيفلين شفتيها بتعبيرٍ مُتردّد.
فالأماكنُ التي اعتادت التردُّدَ عليها في قصر الدّوق، لم تتعدَّ غرفة أكسيون، أو صالةَ الاستقبالِ.
وفي اللّحظة التي كانت على وشكِ التّراجع خطوةً للخلف، قُطعَ تردُّدها.
“آنسةُ إيفلين، هلْ تأتين إلى هنا قليلًا؟”
“نَعَم!”
لبّت إيفلين نداءَ دوقة القصر فورًا، وتقدّمت نحو المكان الذي عُرِضت فيه الصّناديق الزجاجيّة.
كان بداخلها مجموعةٌ متنوّعة من الزينة الفاخرة وحتى التحفِ الدينيّة النّادرة.
لدرجة أنّ من يراها قد يظنّ أنّه داخلُ متحف.
“كنتُ أنوي اختيار القطعة بنفسي، لكنّ الأهمَّ أن تُعجب صاحبتها.”
“أنا فعلًا لا بأس بي…….”
وبينما تُلحُّ الدوقة على أن تختار ما يُناسب ذوقها، سارعت إيفلين بمسح المعروضات بعينيها.
‘أصغر شيء، الأصغر.’
لم تَردْ تجاهلَ حسنِ نيّة الدوقة، فاختارت قطعةَ زينةٍ بدت أكثرها بساطة.
“أشكرُكِ على كرمِكِ، سأختارُ هذه المشبك الشَّعري!”
بينما كانت إيفلين تشعرُ بالفخرِ لاختيارها تلك القطعة الصّغيرة، اقترب منها أكسيون فجأة وبدا على وجهه اهتمامٌ خفيّ.
“لم أكنْ أظنُّ أنْ لديكِ ذوقًا جيّدًا.”
فغرت إيفلين فمها قليلًا بدهشة، من مجاملةِ خطيبها المفاجئة.
“ما الذي تعنيه؟”
فأجابت الدوقة بوجهٍ راضٍ وابتسامةٍ عريضة.
“القطعة التي اختارتها الآنسةُ إيفلين هي تذكارٌ من زوجةِ الدوق الأولى.”
“……!”
تجمّدت ملامحُ إيفلين فجأة.
* * *
“كلمَا فكّرتُ بالأمر، أظنّ أنّ هذا غيرُ مناسب.”
نظرت إيفلين إلى خطيبها الجالسِ أمامها في العربة بنظرةٍ حانقة.
“ما الذي تقصدينه؟”
كان يعلمُ تمامًا ما تعنيه، ومع ذلك تظاهرَ بالبراءةِ.
تنهدت إيفلين تنهيدةً ثقيلة، وتحدّثت بلهجةٍ توحي بالعتب:
“أيُّ حقٍّ لي في امتلاك تذكارٍ من الدوقةِ الأولى؟ كان يجب أن تُخبرني مسبقًا!”
من كان ليتوقّع أنَّ قطعة الزينة البسيطة تَحملُ هذه القيمة والمعنى النبيلين؟
نظر أكسيون إلى العلبة التي كانت تمسكها بحرصٍ وقال مبتسمًا بخفّة:
“لِمَ لا؟ تبدينَ وكأنّها خُلقت لأجلكِ.”
‘هلْ يسخرُ مِنّي الآن؟’
وحين توقّفت العربة أمام قصر الماركيز، سارعت إيفلين بالنزول ومدّت إليه العلبة.
“هذه أغلى من أنْ أحتفظ بها، خُذْها أنت!”
“……؟”
تلقّى أكسيون العلبة بدهشةٍ نادرة الظهور على وجهه.
“تذكار الدوقة الأولى يجب أنْ يبقى مع دوقة المستقبل.”
رفعت إيفلين حاجبيها بإصرار.
“حسنًا، لَنْ يكونَ اليومُ هوَ الأخير.”
“هم؟ ماذا قلتَ تَوًّا؟”
“لا شيء.”
هزَّ أكسيون كتفيه بخفّة، وردَّ بصوته الجافِّ المعتاد.
وعلى الرّغم من كلِّ ذلك، بدت ملامحُ إيفلين أكثر إشراقًا من أيّ وقتٍ مضى، ظنًّا منها أنّها نجحت في إعادة المشبك.
دون أنْ يخطر ببالها ولو للحظة، ما كان يدورُ في ذهن خطيبها.
* * *
داخل مختبر الحديقة النّباتيّة، حيثُ انتشرت رائحة الأعشابِ المغليّة.
نظرت إيفلين إلى القارورة السّامّة أمامها بعينينِ جادّتين.
“هُمم، يبدو أنَّها غليَتْ جيدًا.”
كي تُطوّر ترياقًا للسمّ، كان عليها أوّلًا أنْ تُحلّلَ تركيبة السّم ذاته.
لذلك، كانت تزرع نبتةً سامّة تُدعى “دارك وورث”، بالتزامن مع أبحاثها عن الترياق.
فبعد سنواتٍ من الجهد، تبيّن لها أنَّ تركيبة “دارك وورث” قريبةٌ جدًا من سُمِّ الحبكة الأصليّة.
لكنّ النبتة كانت صعبة الزراعة، وتتطلّبُ بيئةً خاصّة، ممّا جعلَ الأمر بالغَ الصعوبة.
وبما أنّها بالكاد نجحت في زراعتها، لم تغفل عن مراقبتها عن كثب، كي لا تتضرّر.
“قالوا إنّها تحتاج على الأقل عشرةَ أيّامٍ من التّخمير.”
وللتأكُّد من خواصّها السّامة، كان عليها تجريبُ خلطاتٍ مع أعشابٍ أخرى.
ما كانت تفعله إيفلين بهذا الحماس، لم يكن أحدٌ يعلمُ به، حتى آلُ الماركيز أنفسهم.
فهي لم تردْ أنْ تقلقهم بلا داعٍ، لذلك اكتفتْ بالقول إنّها تطبّق ما تعلّمته في كلية الطّب.
‘سيكون الأمرُ أقلَّ عبئًا عليهم هكذا.’
نقلت مجموعةَ القوارير إلى غرفةٍ مظلمة، ثمّ تمدّدت قليلًا تُريحُ جسدها المُتعب.
وحين تفقّدت الوقت، أسرعت في ترتيب المختبر.
“يَجِب أنْ أذهبَ قبل أنْ يَحينَ الوقت!”
كان لديها مكانٌ آخر تنوي الذّهاب إليه، فغادرت الحديقة بعزمٍ في خطاها.
في داخل “مخبز مارون” حيث عبقَ المكان برائحة الخبز الطّازج، كان الزبائن يتزاحمون لشراء الحلويات.
فاليوم يُصادفُ إطلاق تحفةِ أشهرِ صانعِ حلوياتٍ في العاصمة.
حين انضمّت إيفلين إلى صفّ الانتظار بعد أنْ طلبت من الفارس أنْ يبقى بالعربة، شعرت أنَّ ظهرَ الرجل الذي أمامها مألوفٌ.
ذلك الشّعرُ الذّهبيُّ اللّامع…
‘أين رأيتُه مِن قبل؟’
وبينما كانت تُفكّر وهي تعقِد ذراعيها، استدار الرّجل.
“……آه؟”
اتّسعت عيناها الزمرّدية بدهشة.
فقد كان ذلك الرّجل هو كاليد ريكيريان بعينه.
‘ما الذي جاء به إلى العاصمة؟’
استغربت إيفلين رؤيته هنا، خاصّة وأنّ أخباره كانت لا تزال تصلُ من الشّمال فقط، منذ لقائهما في المكتبة الإمبراطوريّة.
وبدا أنّه تعرّف عليها أيضًا، إذ ابتسم برفقٍ وقال:
“نلتقي مرّةً أُخرى، آنستي.”
انتبهت إيفلين فجأة إلى أنّها لم تُلقِ التحيّة، فسارعت إلى الانحناء.
“أُحيّيك يا دوقَ ريكيريان.”
فأومأ برأسه بهدوء، ثمّ قال بنبرةٍ فيها بعضُ الحرج:
“لكنْ، للأسف، لم أعرفْ اسمَ آنستِي حتّى الآن.”
عندها فقط أدركت إيفلين أنّها لم تُصرّح باسمها في لقائهما السّابق.
أُعجِبت بلطافته حين ألقى باللّوم على نفسه لتداركِ الموقف.
‘أوه، فعلًا، هكذا يكون البطلُ الحقيقي.’
ليس مثل ذاك الغبيِّ الذي تعرفه منذ زمن.
ابتسمت إيفلين بحرارةٍ ثمّ قدّمت نفسها بكلِّ سرور.
“أنا إيفلين إيناباسيل.”
ردّد كاليد الاسم ببطءٍ ثمّ ابتسم ابتسامةً رقيقة.
“إذًا، أنتِ ابنةُ ماركيز إيناباسيل.”
راقبت إيفلين تعبيره كطفلٍ نالَ جوابَ سؤاله، وظلّت تتأمّله دون وعي.
وحين لمس الرّجلُ شعره خجلًا بعد أنْ لاحظ نظراتها، استعادتْ رشدها سريعًا.
“على كلّ حال، ما الذي جاء بكَ إلى العاصمة يا دوق؟”
طرحت إيفلين السّؤال الذي راودها طوال اللّحظة.
فأجاب وهو يُلقي نظرةً على سيفهِ المعلّق عند خصره:
“كنتُ في طريقي للعودة، بعد أنْ استلمتُ السّيف الذي طلبتُه من الحدّاد.”
وأضاف أنّه وصلَ إلى هذا المكان بعد أنْ انجذبَ إلى رائحة الخبز المنتشرة في الجو.
وفي الرواية الأصليّة، كان يُعرف عن كاليد – أعظمُ مبارزٍ في الإمبراطوريّة – حبُّهُ للحلويات.
أومأت إيفلين برأسها بحماسٍ، ثمّ قالت بصوتٍ واثق وابتسامةٍ مشرقة:
“لن تندمَ أبدًا على مجيئكَ إلى هنا اليوم!”
ولمّا بدأت تُعدّد له قائمة التّوصيات من المخبز، نظر إليها كاليد بإعجابٍ وابتسم بلطفٍ:
“لا أظنّ أنّني سأندم، حتّى هذهِ اللّحظة.”
(ميري: متحرشششششش!!!! بعدوههه عن بنتي (눈‸눈)
“هم؟”
أمالت رأسها باستغراب، فنظر إلى الأمام وقال:
“يبدو أنّ دورنا قد حان.”
وقبل أنْ تُدرك معنى كلامه، وجدت نفسها أمام النّادل، فعاد البريق إلى عينيها.
كانت نيّتها شراء التحفة الجديدة فقط، ثمّ الافتراق، لا أكثر.
“آآه، هلْ أنتَ غيرُ مشغول؟”
لكنّ الاثنينِ وجدا أنفسهما يمشيانِ جنبًا إلى جنب في الشّارع.
وكان كاليد يحملُ صندوق الحلوى بكلِّ أناقة، ممّا جعلَ عينيها الزمرديتين تضطربانِ شيئًا فشيئًا.
وبينما هي في حيرتها، تجرّأت وسألته بتردُّد، فأجابها بابتسامةٍ خافتة:
“لا بأس.”
‘أنا التي أشعرُ بالإحراجِ، أيّها الدوق عديمُ الإحساس!’
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 13"