الفصل 12 : إنْ أردتِ، يُمكنني أن أُعطيكِ إيّاه
“ما هذا الهراء؟!”
حدّقت إيفلين في أكسيون بعينين حادّتين متعمّدةً، فاكتفى هو بهزّ كتفيه بخفّة.
كانت قد أقسمت ألّا تُكشَف خُطّتها المتعلقة بالختم، لذا شدّت يديها بقوّة فوق ركبتيها.
وبينما كانت تحاولُ الحفاظَ على هدوئها، رفعَ أكسيون فنجان الشاي أمامه.
“……!”
لكن ما إن همَّ باحتساء القهوة، حتّى بدأ قلب إيفلين ينبض بعنف.
‘صحيح، لا بأس إن شربَ القليل فقط.
يجب أن أُنقذ نفسي أولًا!’
لكن الغريب أنّه بقي يُحدّق فيها وهو يرفع الفنجان.
“لِمَ… ماذا تنظر؟”
قالت ذلك بصوتٍ مرتعش، وكانت على وشك أن تشرب.
“يبدو أنّ اهتمامكِ بي اليوَم مفرطٌ.”
رفع حاجبًا وقالها، فكادت أن تختنق من وقعِ المفاجأة.
حرّكت عينيها لتتفادى الرد، ثم قالت بلهجة مراوغة:
“ببساطة، قهوتكَ تبدو لذيذة.”
“قهوتي؟”
قهقه ساخرًا وكأنّه لم يصدّق، ومع ذلك ردّت إيفلين بوقاحة مقصودة:
“أجل، تبدو ألذّ.”
عندها ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساحرة:
“جيّد. أنا أُفكّر بالأمر نفسه.”
“ماذا…؟”
وفي حين نظرت إليه باستفهام، نظر هو إلى فنجانها بهدوء.
“ما رأيك أن نتبادل الفناجين هذه المرّة؟”
“ما الذي تعنيه؟”
ظهرت على وجهها ملامح ذهول، فتابع بنبرة غير مباشرة:
“قهوتك تبدو أشهى.”
‘أنت مجنون… فعلاً مجنون!’
لو تبادلا الفناجين الآن، لانكشفت كلّ خطَّتها!
‘لا… لا يمكن!’
نظر إليها وضحك بخفّة، حين رأى ملامح التوتّر على وجهها.
“كنت أمزح، إيفلين.”
“أيّ نوع من المزاح هذا؟!”
‘يا إلهي… ظننتُ أنّه كشفَ أمري.’
(ميري : عندي حاجة بنفسي اقولها أمرك مكشوف اصلاً من البداية يا كلاون)
بينما كانت تلتقط أنفاسها، فجأة، شرب أكسيون ما في فنجانه حتى آخر قطرة.
‘……!’
شهقت إيفلين في داخلها ولم تستطعَ قولَ شيء.
أمال رأسهُ قليلًا وقال:
“ألم تقولي إنّها تبدو لذيذةٌ؟”
“نعم، لكن…”
‘لقد شربها بالكامل فعلاً…
هل يُخطّط للانتقام منّي؟’
وفيما كانت تبحث عن عذر لتُبرّر شيئًا لم يحصل بعد، وقف أكسيون وسخر من محاولاتها:
“هيا، انهضي.”
رغم أنّها تصرّفت وكأنّ الأمر لا يهمّها، ارتسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة.
كانت سعيدة لأنّ اللقاء انتهى باكرًا عن المعتاد.
“هل ستعودَ للمنزل؟”
سألته بابتسامةٍ نادرةٍ، فأجابَ بسخريةٍ:
“طبعًا لا.”
* * *
كانت إيفلين تسيرُ خلف خَطيبها.
ورغم أنّها لم تكن تثق به، فقد قرّرت أن تمنحه فرصة أخيرةً بعد عشرٌ سنواتٍ من العلاقِة.
لكنّ قلقًا داخليًّا دفعها إلى السؤال مجددًا:
“إلى أين نذهب بالضبط؟”
‘لا يمكن أن يُقدم على تصرّفٍ متهوّر في قلب العاصمة، صحيح؟’
لكن ثقتها بدأت تنهار بسرعة.
فقد دخلا زقاقًا ضيّقًا ومهجورًا أكثرَ فأكثر.
شعرت بالقلق، فأمسكت طرف كمّه بخفّة.
فأشار برأسه نحو متجرٍ صغير.
“إلى هنا؟ ولماذا…؟”
كان المكان الذي أشار إليه… محلّ زهور.
‘زهور؟! لا يُمكن أن يكون هذا المكان مناسبًا له على الإطلاق!’
حدّقت فيه بعينين ضيقتين، فهزّ كتفيه وقال:
“أمّي تُحبّ الزهور.”
“وماذا بعد؟”
وقبل أن تُفكّر أكثر، تابع بنبرة عفوية:
“بما أنّنا مدعوّان، فلا يمكن أن نذهب خاليي الوفاض.”
‘مدعوّان؟ ماذا يقصد؟’
“مدعوّان؟ مِن مَن؟”
سألته بحيرة، فأجاب ببرود وهو يرفع حاجبًا:
“ألَا تذكرين؟”
حينها فقط، تذكّرت ما قالته الدوقة لها من قبل:
“سأدعو الآنسة إيفلين إلى القصر قريبًا.”
فغامت ملامح وجهها على الفور.
“لا تُخبرني… أنّها كانت تقصد اليوم؟!”
“أمّكِ أخبرتكِ بالأمر، أليس كذلك؟”
كلامه كان صحيحًا.
فقد قالت لها والدتها البارحة فقط:
”الدوقة تنتظر لقاءكِ، يجب أن تزوري القصر قريبًا.”
لكن لم تقل لها إنّ قريبًا يعني الغد!
‘مستحيل…! لم تُخبِربني بذلكَ يا أمي!’
كان أكسيون قد دخل إلى محلّ الزهور بالفعِل، فلمَ يكن أمامها سوى اللحاقُ بهِ.
منذ دخولها، استقبلها عبير الزهور المفعم بالعطر.
وكان المحلّ غارقًا بزهورٍ متفتّحةٍ ساحرة.
كانت تحدّق بها مدهوشة، إذ أنّها لم ترَ ألوانًا رائعة كهذه حتى في المشاتل التي ورثتها عن والدها.
رآها أكسيون مأخوذة بالمنظر، فأخذ زهرة من أحد الأرفف وقال:
“إنْ أردتِ، يمكنني أن أُعطيكِ إيّاها.”
ارتبكت، ونظرت إليه.
فهما، رغم الخطوبة، لم يكونا أصدقاء أو عاشقَين.
بل شريكين رسميّين يتظاهران بالألفِة أمامَ الناسَ فقط.
‘مستحيل… لا يمكن أن أتلقى زهرةً من هذا الرجل!’
أشاحت بيدها ورفضت بقوّةٍ:
“كفى، لا أريدُها.”
فمال برأسه وقال:
“لم أقصد الزهرةَ… بل المتجرَ.”
“……!”
فتحت فمها من الدهشةِ.
لكنها سرعان ما خمّنت أنّه يسخر منها، فأشاحت بوجهها وقالت:
“إيّاك أن تفعل شيئًا كهذا!”
فأجابها بخفّةٍ:
“حسنًا، إنْ كانتَ خطيبتي لا تريدُ ذلكَ.”
‘هل هو جادّ حقًّا؟’
نظرت إليه وهي غير واثقة من مدى جديّته، لكنّهَ اكتفى بابتسامةٍ غامضةٍ.
في عربة متجهة إلى قصر فالينتينو، كانت إيفلينَ تحتضن باقة من زهور “ليسيانثوس”.
كانت تنوي أن تشرب الشاي مع أكسيون وتعود بهدوء، لكنّ الأحداث تغيّرت فجأة.
أغمضت عينيها ثمّ فتحتهما ببطء، شاعرةً برغبةٍ قوية في العودة إلى منزلها فورًا.
كان أكسيون يحدّق بها من حين لآخر، ثمّ يَبتسم بمكرٍ.
‘يا له من مزعج حقًّا.’
نظرت إليه بطرف عين، ثم عادت لتحدّق من النافذة.
في كلّ مرة تزور فيها قصر فالينتينو، كانت تشعرُ بهيبةَ مختلفةٍ عن باقي القصور.
رغم أنها زارته عدّة مرّات، إلّا أنّها لم تُكمل استكشافهُ كاملًا بعد.
حين توقّفت العربة تدريجيًّا، فتح السائق النافذةَ قليلاً وقال:
“لقد وصلنا، سيّدي الصغير.”
نزل أكسيون أولًا، ومدّ يدهُ إليَها برشاقةٍ.
نظرت إلى تصرّفه الهادئ، وتنهدت بخفّة.
‘متى بدأت أنساق خلفهُ بهذا الشكل؟’
وبينما كانت تمسك بيده وتنزل من العربة، استقبلَتها الدوقة بابتسامة:
“أهلًا بكِ، الآنسة إيفلين.”
أعادت ترتيب تعابيرها وردّت بأدب:
“أشكركِ على دعوتكِ، سيّدتي.”
لم تكن تعلم لماذا تشعرُ بالارتباكِ كلّما وقف!ت أمامَ والدَي أكسيون.
ولو علمت مسبقًا بموعد اللقاء، لما جاءت خاليةَ اليدين.
قدّمت الزهور على عجلٍ، فارتسمت على شفتي الدوقة ابتسامة هادئة.
“إنها الزهورَ التي أحَبها، شكرًا جزيلًا لك.”
لحسن الحظ أن أكسيون قد طلب باقة الليسيانثوس مسبقًا، وإلا لكنتُ أصبحتَ الآنسةَ غير المهذبة.
‘بالطبع، ليست هي من النوع الذي يزعجهُ أمرٌ كهذا.’
بينما كانت إيفلين تبتلع تنهيدة ارتياح، صدر صوت جاف من الرجل بجانبها:
“ألم تقولي، يا والدتي، إنّ لديك شيئًا لتُعطَي إيفلين إياهُ؟”
كان يعني بذلك أن التحيات قد اكتملت، وأن الوقتَ قد حان للدخول إلى القصر.
عند تلك الكلمات، صفّقتَ الدوقة بيدَيها خفيفًا، ثم لمعت عيناها الحمراء ذات اللوَن العنبر.
وسط هذا المشهد، ابتلعتَ إيفلين ريَقها بقلقٍ.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 12"