الفصل 11 : العلاقةُ المُشتركة بين المرتبطين بالخَتْم
قضت إيفلين الليل ساهرةً دون أن تُغمض لها عين، وما إن أنهت جدولها الصباحي، حتّى توجّهت مباشرةً إلى المكتبة الإمبراطورية.
ذلك أنّها إنْ بقيت مكتوفة الأيدي، فقد ينتهي بها الأمر مُرتبطةً بالخَتْم مع خطيبها.
وما كان يبعث على بعض الطمأنينة هو أنّ الخَتْم يمكن إخفاؤه إن لم ترغب بإظهاره.
“لاريا، ما رأيكِ بيدي؟”
“هل من الممكن أنّكِ أصِبتِ؟”
“لا، فقط أردتُ أن… أرى فحسب.”
“لا تزالين جميلةً كما كنتِ، آنستي.”
فبالرغم من أنّها تعمّدت هذا الصباح إظهار ظاهر يدها، إلّا أنّ خادمتها المرافقة لم تلاحظ شيئًا.
وهكذا، شعرت إيفلين بالارتياح لفكرة أنّها قد تتمكن من إخفاء حقيقة ظهور الخَتْم عن أكسيَون.
وما لبثت أن وصلت إلى وجهتها، فدخلت قاعة المكتبة الإمبراطورية.
كان الداخل واسعًا وهادئًا، والرفوف كانت مزدحمة بكتب قديمة تعجّ بالغبار والعُمر.
‘الكتب السحرية القديمة… كانتَ هنا، أليس كذلك؟’
اقتربت من الأرفف، وراحت تنتقي عدّة كتب تتناول موضوع الأختام، بحثًا عن حالات خاطئة وكيفية علاجها.
‘كيف يمكن لشيءٍ لم يَحدَث في الرواية الأصلية… أن يحدث فجأةً؟’
تنهدت تنهيدة ثقيلة وقد بدا على وجهها خيبةُ أملٍ واضحة.
خَتْمٌ مماثلٌ لذاك الخاصّ بأكسيون؟ لقد سارت الأمور في الاتجاهِ الخاطئ تمامًا.
وبعد أن اختارت مكانًا مضيئًا داخل القاعة، بدأت إيفلين تتصفحُ الكتب واحدةً تلو الأخرى.
ووفقًا لما قرأته، فإنّ الأشخاص المرتبطين بالخَتْم يمكنهم إعادة تنظيم طاقتهم السحرية عبر التلامس الجسدي الخفيف.
‘ولكن ذلك يكون مؤقتًا فقط… ويتطلّب تلامسًا أعمق لاحقًا…’
طَخ.
أغلقت إيفلين الكتاب فجأة.
وجهها بدأ يحمَر، وشعرت وكأنّ الدم سيتدفّق من أذنيها خجلًا.
لم تكن تملكَ الشجاعة لقراءة كتاب يحتوي على “99 طريقة للتواصل الجسدي مع المرتبط بالخَتْم”.
‘يا إلهي… هذا كثيرٌ جدًّا.’
تساءلت في سرّها لِمَ لمْ تُوضع عليه إشارة حمراء أو يُمنَع تداوله.
وضعت كفّيها على خدّيها لتبريد وجنتيها، ثم التقطت كتابًا آخر قديمًا للغاية.
كان عنوانه “العلاقةُ المُشتركة بين المرتبطين بالخَتْم”. بدا وكأنّ أحدًا لم يمسّه منذ زمن، فقد كان مغطّى بطبقة سميكة من الغبار.
فتحت الكتاب بحذر، لكنّها لم تجد فيه أيّة حالات سابقة عن ظهور خَتْمٍ خاطئ.
‘مستحيلٌ… لا يُعقل!’
خشية أن تكون قد أغفلت شيئًا، أعادت قراءته كلمةً بكلمة دون تفويت أيّ تفصيل.
وفي الأثناء، بدأت القاعة تمتلئ تدريجيًّا، حتى غصّت الطاولات بروّاد المكتبة.
وكانت توشك على إنهاء الكتاب، حين سمعَت صوتًا رجوليًّا هادئًا من خلفها:
“هل يمكنني الجلوس هنا؟”
أومأت إيفلين دون تفكير.
“بالطبع، تفضّل بالجلوس… أآه؟”
وحين التفتت لترى من القادم، اتّسعت عيناها فجأةً.
شَعرٌ ذهبيّ يشبه نور الشمس، وعينان زرقاوان صافيتان كالياقوت.
‘كاليد ريكيران؟!’
كان هذا الرجل هو بطل الروايَة الأصليّة “الأرتباطُ الأبدي بالخلاص”.
الرواية التي كسرت جميع القوالب النمطية: فالبطل ليس ذا شعرٍ أسود، بل هو الأشقَر، خلافًا للعادةِ.
(ميري : أشعر بالأهانه لكن رجاءً بطل الظروف كان أشقرً مش بس بطلكم)
‘ما هذا؟ لم أكن أتوقّع لقائي بالبطلِ بهذَا الشِكل…’
ومن شدّةٌ فرحَتها، قالت بحماسٍ:
“ياااه، سررتُ برؤيتك!”
لكنّها ما لبثت أن أدركت خطأها.
فحسب القصّة، هذه المرة الأولى التي يلتقيان فيها.
‘إيفلين، هل جننتِ؟! ما الذي تسعدَين بهِ!’
ريكيريان، دوق الشمال، نادرًا ما يزور العاصمة، ولا يظهر إلا في أوقات تقديم تقارير للإمبراطور بعد حملاتهِ.
لذا فقلةٌ فقط يعرفونه هنا، وهذا جعله يُحدّق بها بشكٍّ واضح.
“هل تعرفينني؟”
ارتبكت، لكنها سُرعان ما أظهرت براعة في التصرّف:
“نعم، أنا… أملكُ إيمانًا عميقًا.”
‘من الآن فصاعدًا… أنا من أهل الإيمان!’
بما أنه قائد فرقة الفرسان المقدّسة، فبإمكانها الادّعاء بأنّها رأته كثيرًا في المعابد الشمالية.
كلامها جعل تعابير التوتّر تخفّ على وجهه.
“هكذا إذًا.”
حين جلس بجانبها، لم تستطع إيفلين إخفاءَ انبهَارها.
كان كأنّه مخلوقٌ مُقدس، مشرقًا كالهالة المقدّسة.
‘لا عجب أنّه بطل الرواية.’
همست دون وعي: “وسيمٌ بحقّ.”
ثم صُدمت من نفسها ووضعت يدها على فمها على عجل.
ابتسم الشاب ابتسامةً محرجة، وكأنّه سمعها ولم يرِد إحراجها.
وبسبب إحساسها المتزايد بالإحراج، بدأت تجمع كتبها على عجل.
“لقد تأخّرتُ… سأذهبُ الآن.”
انحنت قليلًا، فبادلها هو انحناءة محترمة.
في غرفة نومها، وبعد أن أكملت مطالعة جميع الكتب، لم تستطع إيفلين سوى الاعترافَ بالحقَيقةِ.
رغماً عنها، أصبحت تحمل نفس الخَتْم الذي يحملهُ أكسيون.
اختلافٌ واضح عن مجريات القصّة الأصلية، دفعها لتنهد طويلًا.
كانت تعلم أنّ ارتباط آل فالينتينو بآل إيناباسيل ليس سوى زواجٍ سياسي.
بعد أن فقد الَماركيز ابنته على يد الأسرة الإمبراطورية، أراد حماية بقية عائلته من أيّ مآسٍ مستقبلية.
فارتبط بأقوى أسرة في الإمبراطورية، بيت فالينتينو.
وبهذا، حصلت أسرةَ الدوق على حقّ استخراجَ الأحجار السحرية من مناجم إيناباسيَل.
لكن إيفلين، ومنذ صَغرها، لم تكن تَرغبَ بالزواجِ أصلًا.
ومع ذلك، إنْ علم أكسيون يومًا بالحقيقةِ، فماذا سيَقولُ؟
“ينبغي أن أستعدّ.”
“تستعدُّ لماذا؟”
“لحفل زفافي منكِ، طبعًا.”
…زفافٍ؟! هذا هو أسوأ نهاية ممكنة.
شعرت بقشعريرة وسرت يدها على ذراعها لتطمئن نفسها.
ثم همست بعزمٍ:
“الأفضل أن أخفي الأمر مؤقّتًا.”
لكنّها لم تكن تنوي ترك أكسيون يعانَي وحدهُ.
فبما أنهما يحملان نفس الخَتْم، شعرت ببعض المسؤولية.
وكان الحلّ الوحيد لتخفيف نوباته، دون الحاجة للربط الكامل، هو…
“لا مفرّ… لا يوجد حلّ آخر.”
فقد ورد في أحد الكتب التي استعارتها من المكتبة الإمبراطورية، أنّ السبيل الوحيد للمساعدة دون تلامس جسدي، هو…
كانت الساعة الثالثة مساءً في يوم الأحد، كالعادة.
جلست إيفلين تنتظرُ، وعلى وجهَها ملامح توتّر وهي تحدّق في فنجان القهوة.
‘هل هذا تصرّف معقول؟’
قبل وصول أكسيون، طلبت له القهوة… ولامست شفتيها كوبـهُ.
فوفقًا لما قرأته، فإنّ أثرَ الخافتَ عند ملامسةٍ كهذهِ لمن يملك الخَتْم ذاته قادرٌ على تهدئة نوبات الانفجار السحري.
‘أشعر بالذنب… لقد شربتُ قليلاً فقط.’
لكن حين تخيّلت أنّ عليه أن يشربه… انتابها وخز ضمير مؤلم.
وفجأة:
“ما الأمر؟ سبقتِني اليوم؟”
كان أكسيون يقف أمامها متّكئًا على الطاولة.
أجابت بتكلّف:
“وماذا في ذلك؟ وصلتُ أبكر من المعتاد فحسب.”
تحدّث وهو يُميل رأسه:
“أنتِ؟”
لطالما كانت تصل متأخرةً عن خطيبها في لقاءاتهما الأسبوعية.
ولأنها لم تستطع نفي ذلك، تنحنحت قائلة:
“كنتُ أُجري بعض الأمور القريبة من هنا.”
شعرت أنّها تعاملت مع الموقف بأفضلِ شكلٍ مُمكن.
لكنّ أكسيون نظر إلى فنجان القهوة أمامه، حيث كان البخار لا يزال يتصاعد منه.
‘هل… هل اكتَشف الأمر؟’
وفي اللحظة التي ألقت نظرةً خاطفةً نحوه…
‘يا إلهي!’
كان يحدّق فيها بصمت منذ البداية.
ابتسم وهو يُحدّق في عينيها المرتبكتين.
“ظننتُ…”
“ظننتُ…”
“…ظننتَ ماذا؟”
سألت وهي تبلع ريقها وتُحاول أن تُخفي توتَرها.
فقال، بصوتٍ يبدو ودودًا على غير عادته:
“ظننتُ أنّ الخَتْم ظهر لكِ أخيرًا.”
أيّها المعتوهُ… لقد أصبتَ تمامًا.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 11"