الفصل 10 : “يبدو أنّكَ كنتَ تقلق عَلَيّ”
“أظنّك أخطأتَ الشخص.”
خفضتْ إيفلين نبرتها عمدًا، وتكلّمتْ بصوتٍ مغاير، ثمّ تراجعتْ خطوةً إلى الوراء.
لكنّ أكسيون ضيّق المسافة بينهما، وقد ارتسَمت على شفتيه سخريةٌ خفيفة.
“همم، إنْ كان الأمر كذلك، فلا بُدّ لي إذًا من زيارة آل المركيز في الحال.”
كان مُحبطًا، لكنّه يعرف جيّدًا نقطة ضعف خطيبته.
ففي الحقيقة، هي لا تُريد أن تُقلق والديها إطلاقًا.
‘انسحابٌ تكتيكيّ في الوقت الراهن.’
تنهدتْ إيفلين تنهيدةً عميقة، ثم قرّرتْ أن تُغيّر استراتيجيتها بسرعة.
“أنا فقط… خرجتُ لأشتري بعض الأشَياء، وأنتَ؟”
تردّدتْ للحظة، ثم ردّتْ عليه بنبرةٍ واثقة، فمال أكسيون برأسه ببطء، قائلاً:
“هذا لأنّ هذا الشارع يخضع لنفوذي.”
منذ متى امتدّتْ سلطته إلى شوارع المتاجر أيضًا؟
أدهشتها قدراته الإداريّة حتّى فقدتَ كلماتِها.
لكن بما أنّه الحاكم الفعليّ لعالم الظلال، فقد لا يكون ذلك غريبًا.
رغم ذلك، كانت تُفكّر دومًا أنّه ينبغي عليها ألا تتَورّط في هذا الجانب المظلم من العالم.
“…أُفضّل أن تذهبيَ.”
“هم؟ ماذا قلتَ للتو؟”
لم تكنْ قد سمعتْ كلامه جيّدًا بسبب شرودها، فأمالتْ رأسها في حيرة،
حينها، قال أكسيون بصوتٍ هادئٍ كعادته:
“لديّ ما أقوله لكِ. فلنذهب إلى مقرّنا التجاريّ.”
‘إلى مقرّ عائلة فالينتينو؟ لا… لا أظنّ أن ذلكَ خيارٌ جيّد.’
لا تعرف السبب، لكنّ إحساسها الذي تشكّل على مدار 10 سنواتٍ كاملة،
يُخبرها أنّها لا يجب أن تُرافقه.
“قُلها هنا فقط.”
أجابته وهي تُحدّق فيه بنظرةٍ حذرة، لكنّه لم يُظهر أيّ تأثُّر، وقال:
“ممم… حسنًا، لنذهب إلى مقهًى قريب إذًا.”
لكنّه ليس يوم الأحد! وإنْ رآهما أحد نبلاء الإمبراطوريّة سويًّا…
عنوان عريض في الصحيفة:
[حصريّ] ظهر اليوم، الدوق الصغير أكسيون فالينتينو يستمتع بموعدٍ غراميّ مع الآنسة إيفلين من إيناباسيل!
‘بصراحة، لا وجود لخصوصيّةٍ في هذا العالم الأرستقراطيّ!’
ورغم أنّها لم تُرد ذلك، لم يكن أمامها سوى أنْ تتّبع كلماته.
فمقرّه على الأقلّ أكثر أمانًا من أيّ مكانٍ آخرٍ هنا.
رمقته إيفلين بنظرةٍ جانبيّة وقالت:
“أتعلم؟ أنتَ حقًا مُزعج.”
فانحنتْ عيناه بلُطفٍ غير مألوف، وقال:
“أنتِ أيضًا، لا تقلّينَ عنّي في ذلكَ.”
* * *
حين دخلتْ إيفلين إلى مقرّ خطيبها، ظلّت تتأمّل الفراغ الهادئ للمكتب،
‘رغم المظهر، المكان بسيطٌ أكثر ممّا توقعت.’
أكسيون، وريث دوقيّة فالينتينو، كان يُساعد والده بتولّي منصب النائب في شركة العائلة،
رغم أنّ مسرحه الحقيقيّ كان دائمًا “عالم الظلال”.
حين أشار لها بالجلوس، اتّخذتْ مكانًا على الأريكة أمامه.
كانت شركة ديسمون التجاريّة، التابعة لعائلة فالينتينو، تتحكّم بجميع حقوق التجارة في إمبراطوريّة بالتين.
وقد جَنَوا عبرها ثروةً ومكانةً، لكنّ قوّتهم العسكريّة، التي فرضت هيمنتهم على عالم الظلال،
كانت سببًا آخرَ في صعودهم.
قبل عقود، سحق جدّ أكسيون جميع نقابات الظلال بلا رحمة.
ومنذ ذلك الحين، خضع قطاع المرتزقة والسحرة غير الشرعيين لسيطرة فالينتينو الكاملة.
ورغم أنّ العائلةَ لم تطلب ولاءهم، فإنّهم اختاروا ذلكَ بأنفسهم.
مع موهبته الفطريّة في السحر، كان يُمكن لأكسيون أنْ يُصبح رئيس برج السحر القادم،
لكنّه اختار أنْ يكون زعيم عالم الظلال عوضًا عن ذلك.
ورغم أنّها قرأت ذلك في الرواية، ظلّتْ إيفلين غير قادرةٍ على فهَم سببٌ هذا القرار.
فحتّى أثناء دراسته في الأكاديميّة، كثيرًا ما أتى ممثّلو برج السحر ليُفاوضوه،
لكنه أجابهم دومًا بأنّه “لا يُريد حياةً تُقيّده القوانين”.
رغم كل شيء، كان ذلكَ الكلامُ يشبه شخصيةَ أكسيون فالينتينو فعلًا.
وأثناء شرودها في التفكير، قاطعها صوته الهادئ:
“فيما تفكّرين؟”
أفاقتْ سريعًا، وتظاهرتْ بالهدوء، قائلة:
“ساعة واحدة تكفي، أليس كذلك؟ السير جيديون ينتظرني.”
لم يكنْ ذلك سوى عذرٍ بسيط، لكنّها شعرت ببعض الذنب تجاه فارسها الوفيّ.
فأطلق أكسيون ضحكةً قصيرة، نصفُها سخريةٌ ونصفُها ابتسامة،
وقالت وهي تُحدّق فيه:
“ما تلك الضحكة؟”
“ما زلتِ كما أنتِ.”
‘هل يسخر من كوني ما زلت تحتَ حمايةٍ مشدّدة؟!’
رغبتْ بالرّد، لكنّها لم تجدْ ما تُبرّر به، فقرّرتْ تغيير الموضوع:
“بالمناسبةِ، هل كنتَ مشغولًا كثيرًا مؤخرًا؟”
رفع حاجبه في دهشةٍ خفيفة وهو يحتسي الشاي:
“هل كنتِ قلقةً عَلَيّ؟”
“ما الذي تقولهِ الآن؟!”
تقلّص وجهها في انزعاجٍ شديد، لكنّه فقط ابتسم بهدوء:
“في الأيّام الماضية، لَمْ أكُنْ بخير… لذا بقيتُ في القصر.”
‘آه…’
لم تجرؤ على سؤاله عن السبب.
ففي الرواية، كان من المُفترض أنْ يُعاني من انهيارٍ حادّ بسبب انفجار قدراتهِ السحريّة.
سكنَ الصمت بينهما، يحملُ مزيجًا من التوتّر والهدوَء.
ورُبّما وجد أكسيون ردّها باهتًا، فأسند ذقنه بيده وقال بصوتٍ بارد:
“ألا تُريدين معرفة السبب؟”
“ذاك لأنّ…”
‘أحيانًا، التظاهر بعدم المعرفة يُعدّ من الذوق.’
راقبها طويلًا قبل أنْ يتمتم وكأنّه يُحدّث نفسه:
“لا بأس. ستعرفين عمّا قريب.”
“ماذا تعني بأنّي سأعرف قريبًا؟”
وبينما كانت تنظر إليه باستغرابٍ، حرّك يده مُستعرضًا ظهر كفّه.
فجأة، تَجمّعَتْ هالةٌ سحريّة خافتة، وظهرتْ العلامة.
“لقد ظهرت العلامة على يدي.”
“ماذااا؟!”
اتّسعتْ عيناها في صدمةٍ كبيرة.
كانت علامتهُ على شكلِ أفعَى تلتفّ حوَل عصًا سحريّة،
وكانت قويّةً ولافتةً بشكلٍ لا يُصدّق، تمامًا مثله.
وقبل أنْ تُغلق فمها من الصدمة، اتّضح الغماز على وجنته أكثر، وقال:
“تأمّليها جيّدًا. عمّا قريب ستظهر لكِ أيضًا.”
“ماذا تقول؟!”
‘هل تُحاول أنْ تُلقي عليّ لعنةً كاملة؟!’
وضعتْ يدها فوق يدها الأخرى دون وعي،
فلمعتْ في عينيه الحمراء نظرةٌ غامضةٌ وخطيرة.
* * *
بعد فترةٍ ربّما كان التعب قد نال منها، فقد كانت جفونها تُغلق شيئًا فشيئًا…
“آه! ــ”
حتى شعرتْ بألمٍ مفاجئٍ في يدها.
كان الألم حادًّا بما يكفي ليُبدّد أثر النعاس فورًا.
جلستْ في سريرها متألمة، وحدّقت في يدها اليسرى:
“ما الذي يحدث؟!”
انقبض حاجباها من شدّة الألم، كأنّ شيئًا ما يخترق جلدها بإبرٍ ناريّة.
“أوووه… هذا كثير!”
راحتْ أنفاسها تتسارع، وارتفعَتْ حرارةُ جسدها، وتصبّب العرق من جبينها.
“هذا مؤلم… مؤلمٌ جدًّا!!”
انخرطتْ في البكاء من شدّة الألم، قبل أنْ تلاحظ خفوت النور الأحمَر تدريجيًّا.
‘هل انتهى الأمر؟’
وهي تُمسك يدها المرتجفة، نظرتْ لتتحقّق من العلامة…
“ما هذااااا؟!”
صرختْ بفزعٍ وهي تُغطي فمها، كي لا يسمعها أحَد.
كانت العلامة التي ظهرت على يدها…
هي نفسها… علامة أكسيون.
‘لا يُمكن! نفس العلامة… نفس الشكل!’
ظنّتْ أنّها تحلم، فقرصتْ خدّها بشدّة.
“آي آي آي!”
لكنّها لم تستيقَظ.
“هل يُعقل أنْ هذا ليَس حلمًا؟!”
أخذتْ تُحرّك عينيها في كلّ اتجاه بذهولٍ وارتباك.
وكانت العلامة المُتوهّجة تُشبه تمامًا نظرَة أكسيون الحمراء…
‘ما، ما الذي يحدثُ بحقّ السماء…؟!’
غطّتْ يدها المرتعشة وهي تُدير وجهها بارتباكَ،
كانت متأكدة… أنّ هناك خطأ ما في هذهِ العمليةِ.
❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً في واتباد وقناة الملفات،
حسابي واتباد : _1Mariana1_
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 10"