2
الفصل الثاني
تحرّكت “هونا ريم” بخطًى متثاقلة. كانت تسكن في منزلٍ قديم، ورثتْه عن والدها الراحل، ولم يمضِ على انتقالها إليه سوى بضعة أشهر.
‘مع أنني عشتُ هنا في الماضي، إلا أنّني كنتُ أخشى النزول إلى القبو، فلم أزره قط.’
لقد كانت خطأً أن تختار هذا البيت لمجرد قربه من مكان عملها. كان الأجدر بها أن تُصغي لنصيحة أختها التي حاولت ثنيها، قائلة إنها ستجد لها شقة أوفيس تِيل مناسبة.
كان المنزل في زقاقٍ ضيّق، وأمنه ليس بالمستوى الجيّد، لذا كانت “بيك يوهيون” تشعر بالقلق عليها في كل مرة تزورها فيها.
‘كانت تتخذ ذلك ذريعة لتبيت عندي كثيرًا أيضاً.’
لكن تلك الأيام لن تعود أبداً. نبذت “هونا ريم” شرودها، وتوجّهت نحو غرفة الغسيل.
لم تكن هناك أصواتُ خطوات، لكنها كانت متوترة وحسّاسة بما يكفي لتدرك أنّ شبح الطفلة يتبعها من الخلف.
تردّدت للحظة، ثم سألت:
“كيف علمتِ أن في المنزل قبوًا؟”
[لأنه يتعلق بك.]
كان جوابًا أكثر غرابة.
توقفت “هونا ريم” عن السير. في بيتها هذا تفصيلٌ مميّز: خلف الغسالة بابٌ صغير يقود إلى قبوٍ خفيّ.
‘كنتُ أخاف الدخول إليه، فلم أزره ولو مرة.’
كانت أختها قد حذّرتها من ذلك المكان قائلة إن القبو لم تُمسّه يد منذ زمن، وقد يكون مرتعًا للفئران.
‘لكن لا أحد يعرف بوجود القبو سوانا، أختي وأنا… وقد أخبرتُ “يوهيون” فقط حين زار المنزل.’
ومع ذلك، كانت الطفلة الشبح تعلم بالأمر.
شبحٌ يعرف ما لا يعرفه إلا قلّة، ويشبه “بيك يوهيون” شبهًا غريبًا. والأغرب أنه ظهر فجأة بعد موت “يوهيون” الغامض.
‘مهما يكن، لا يمكن القول إن لا صلة بينهما.’
لكنها لم تكن في موقف يسمح لها بمساءلة هوية الشبح. فلو كانت وحدها لهان الأمر، غير أنّ وجود طفلها يمنعها من ارتكاب أي مخاطرة.
شدّت “هونا ريم” جسدها لتدفع الغسالة جانبًا، لكن كاحلها الملتوي أعجزها عن الوقوف بثبات. عضّت شفتها من الألم، وعندها اقترب منها الشبح الصغير وقال:
[سأفعلها أنا.]
كان شبحًا غريبًا حقًّا.
فقد أزاح الغسالة عنها بقوّةٍ مادية حقيقية. لم يكن مدهشًا فحسب أن يقدر على لمس الأشياء، بل أن يمتلك تلك القوة أيضًا.
كان يبدو في مظهره كطفلٍ في المرحلة الابتدائية فقط.
“ما… ما علاقتك بيوهيون؟”
لم تستطع كبح فضولها الذي لطالما جرّ عليها المتاعب منذ الصغر، حتى كانت أختها توبّخها دوماً لفضولها الذي لا ينتهي.
[لا علاقة لي بها.]
كذب.
أجاب دون أن يلتقي بنظرها، ثم أنهى دفع الغسالة جانبًا. بعد ذلك قال إنه سينقل الجثة بنفسه، وبدأ العمل بصمتٍ تام دون أن يرفع عينيه نحوها.
‘تمامًا كعادة يوهيون حين كانت تكذب.’
كانت تلك عادتها حين تخفي شيئًا أو تراوغ بالحديث.
ابتسمت “هونا ريم” بمرارة. كيف يقول إنه لا علاقة له بها، وقد ورث عنها حتى عادتها في الكذب؟
هل لا يريد البوح؟ أم لا يستطيع؟ أم أنه يرى أنه لا يستحق التوضيح؟
[نا ريم، تنحّي جانبًا.]
نادى اسمها بلطفٍ فيه نغمة الأمر، ونبرته تختلف عن نبرة “بيك يوهيون” وإن بدت قريبةً منها.
وحين رأته يزيح الغسالة بخفةٍ مذهلة، أدركت أن قوّته ليست عادية.
ذلك الشبح، الذي جرّ جثة “بيك يوهيون” الطويلة التي تجاوزت المئة وثمانين سنتيمترًا، اتّجه نحو باب القبو مباشرة.
كان القفل القديم الصدئ ما يزال في مكانه.
وفجأة، خطرت ببالها كلمات أختها الكبرى “هونا ريون” حين جاءتا لتفقد المنزل أول مرة:
“لا تفكّري بفتح هذا المكان يا نا ريم، وإن سمعتِ أصواتًا غريبة فأخبِريني فورًا.”
تذكّرت كيف كانت أختها تتأفّف وهي تلمس القفل بيديها، متضايقةً من الصدأ، فملامحها دائمًا ما تكره الاتساخ.
لقد كانت قلقة على أختها التي ستعيش وحدها بعد أن اعتادت العيش معها طويلاً.
ومنذ ذلك اليوم، أطاعت “هونا ريم” وصيّتها، ولم تقترب قطّ من باب القبو.
أما الآن، فها هي المرة الأولى التي يُفتح فيها ذلك الباب.
[مظلمٌ هنا.]
لم يكن للباب مفتاح، ومع ذلك كُسر القفل بلمسةٍ من الشبح الذي فتحه على مصراعيه، ثم قال جملته القصيرة تلك كما لو لم يحدث شيء.
‘هذه أول مرة يُفتح فيها الباب…’
أمالت “هونا ريم” رأسها بحذرٍ لتنظر إلى الداخل. كان الشبح ما يزال يحمل “بيك يوهيون”، وقد تدلّت قدماه حتى كادتا تلمسان الأرض.
جثةٌ وشبحٌ وقبوٌ غامض… معجزةٌ أنها لم تُغمَ عليهم من الهلع، ومع ذلك لم تستطع كبح فضولها المتزايد.
كان المكان مغطّى بشبكات العنكبوت، والسلالم التي تقود إلى الأسفل غارقة في الظلام حتى تعذّر تبيّن نهايتها.
‘إنّه مُخيف…’
تراجعت خطواتها غريزيًّا، وقد ارتسمت على عينيها رغبةٌ واضحة في الفرار.
[لا تقلقي، لم يكن ذنبك.]
قال الشبح ذلك وكأنه شعر باضطرابها، فيما كان ينقل جثة “بيك يوهيون” إلى الداخل.
‘تتحدث وكأنك تعلم شيئًا.’
كادت الكلمات تفلت من شفتيها، لكنها ابتلعتها. فالوضع أخطر من أن يُحتمل بالعزاء.
لم يبقَ من يمكن الاتكال عليه. “بيك يوهيون” ماتت، وأختها خانت… والآن لا سند لها سوى نفسها.
كان عليها أن تصمد، لا لأجلها فحسب، بل لأنها لم تعد وحدها.
[……]
لاحظت فجأةً أن الشبح لزم الصمت، فحدّقت نحو القبو لترى أنه قد وضع جثة “بيك يوهيون” عند مدخل السلالم.
ثمّ رفعت بصرها بهدوء نحو سقف القبو الداخلي، تحدّق فيه بلا أيّ تغيّرٍ في ملامح وجهها، وكان في تلك النظرة الثابتة ما يُثير القشعريرة.
[هُناك دمٌ.]
نطقت بهذه الكلمات بهدوءٍ بارد، فانقبض صدر “هُـنـاريم” وكأنّ قلبها سقط من مكانه.
وفي تلك اللحظة ـــ
“طَقّ.”
صدر صوتٌ غريب.
طَق، طَق.
كأنّ أحدهم يخطو في الأسفل، في عمقٍ لا يبلغه بصيصُ ضوء.
‘ما هذا الصوت…؟’
خفق قلب “هُـنـاريم” بعنفٍ شديد.
لم يكن في العتمة ما يُرى، غير أنّ الصوت كان يقتربُ رويدًا رويدًا.
وبينما كانت تحدّقُ كالأبله وتُومِئُ بعينيها، صرخ الطفلُ الشبحُ وقد رمق أسفلَ السلّم بنظره، في صوته نبرةُ فزعٍ واضحة:
[أغلقي الباب!!]
عندها فقط أدركت “هُـنـاريم” أنّ ما يحدث ليس طبيعيًّا، فسارعت إلى الإمساك بمقبض الباب. لم يكن خوفها من صرخة الشبح وحده، بل لأنّ هناك ما جعلها ترتعد.
طَق، طَاق… طَدَدَدَق!!
تحوّلت الخطوات فجأة إلى عدوٍ سريع!
لكن، حتى بعد أن أغلقت الباب، لم يكن بالإمكان إقفاله، فقد كان الطفل الشبح قد حطّم القفل من قبل.
وفي حين كانت “هُـنـاريم” تتخبّط في حيرتها، اندفع الشبح الصغير ودفع الغسالة ليُسندها أمام الباب.
ما إن وُضِعت الغسالةُ لتسدَّ مدخلَ الباب، حتى دوّى صوتٌ هائلٌ من خلفه.
دووووم!!
“آآآه!!”
ارتجف البيتُ على وقعِ الضربة، لا يُدرى أكانت لكمةً أم ركلة، لكنّها كانت قويةً كأنّ الجحيمَ ذاته قد طرق الباب. سقطت “هُـنـاريم” على الأرض منهارةً، وارتجف جسدُها كغصنٍ تحت المطر.
دَلْغَرَك، دَلْغَرَك، دَلْغَرَك!
لم يكتفِ الطارقُ بالضرب، بل أخذ يُديرُ مقبض الباب بعنفٍ كأنّه يُريدُ اقتلاعه من جذوره. وبدأت الدموعُ تتجمّع في عينيها المرتعشتين.
لماذا… لماذا يحدثُ لي هذا؟
لقد كانت ما تزال تترنّح بين صدمةِ موت “بيك يوهيون” وظهور الشبح، والآن جاء هذا الرعبُ ليقضي على ما تبقّى من عقلها.
ارتجّ البابُ بعنف، واهتزّت الغسالةُ أمامه كأنّ ما خلفه يُحاول اقتحامه بجنون. كان صوتُ المقبض وهو يُدار قسرًا، وصوتُ الغسالة وهي تُدفَعُ من مكانها، يُحدثان صريرًا غريبًا يُمزّقُ السكون.
“أ… أرجوك… توقّف…!”
صرخت وهي تُغلقُ أذنيها وتضمّ جسدها إلى نفسها، وفجأةً توقّف كلُّ شيء. عمّ سكونٌ ثقيلٌ، كأنّ الهواءَ نفسه توقّف عن التنفّس.
وفي تلك اللحظة…
“أنقذيني… أرجوكِ.”
لم تكن “هُـنـاريم”، ولا الشبح الصغير، بل صوتٌ ثالث… صوتُ امرأةٍ يأتي من عمق القبو.
كان صوتًا معدنيًّا مُتقطّعًا، كأنّ صاحبته نهضت من سباتٍ طويلٍ في قبرٍ بارد.
امرأة؟ لِمَ يأتي صوتُ امرأةٍ من هناك؟… هل عليَّ أن أفتح الباب؟
لم يكن الصوتُ رجوليًّا، بل أنثويًّا، ولهذا خفَّ رعبُها قليلًا؛ فوجودُ امرأةٍ في الأسفل بدا أقلَّ تهديدًا من مخلوقٍ مجهول.
لم تُرِد فتح الباب، لكنّها فكّرت أن تستمع على الأقل لتفهم ما يجري، فشرعت تنهض بخوفٍ متردّد.
غير أنّ الشبح الصغير ظنّ أنّها تنوي فتح الباب.
[إن فتحتِ الباب… ستموتين.]
تعلّق الشبحُ بعنقها وهمس كمن يُلقي تعويذةً باردةً في أذنها.
هل يقصد أنّ تلك المرأة ستقتلني؟ أم أنّ فتح الباب سيجلب موتًا آخر؟
تجمّدَت “هُـنـاريم” في مكانها، كأنّ الخوفَ نزعَ منها القدرة على الحركة.
لا أحد يعلم كم مرّ من الوقت. لكنّ الصمتَ انكسر أخيرًا… بخطواتٍ تُسمَع من جديد.
كانت كأنّها خطواتٌ تعودُ أدراجها نزولًا عبر السلّم.
تنفّست “هُـنـاريم” بارتياحٍ خافت، قبل أن يتجمّد الدمُ في عروقها مرّةً أخرى…
فقد انضمَّ إلى الخطواتِ صوتٌ آخر.
صوتُ جَرٍّ ثقيلٍ خافت،
صوتٌ مألوف…
تمامًا كالصوتِ الذي يُحدِثه من يسحب جثّةً عبر الأرض.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"