0
في ذلك اليوم الساكن على نحوٍ مريب، لم تُصدر حتى الخيول المربوطة بعربة الموكب صوتًا واحدًا.
كان لون السماء قد اكتسى بالرمادي الكئيب، وانحنت الأغصان المثقلة بالأوراق كما لو كانت تشعر بالذنب.
كانت أنظار الجميع مُسلّطة على امرأة واحدة ترقد في أعماق قلعة كرويل، وكأن العالم بأسره قد غرق في الحزن بسببها وحدها.
على السرير المحاط بالحشود، كانت ترقد امرأة شاحبة اللون بشكل ينذر بالهلاك، وقد خفت بريق بشرتها حتى باتت تشبه الموت ذاته. شعرها الوردي الزاهي أصبح خفيفًا وهشًّا من طول مرضها، أما عيناها الذهبيتان المخبّأتان خلف أهداب مرتجفة، فكان ضوؤهما يخبو شيئًا فشيئًا. ومع ذلك، لم يستطع شيء أن يطمس جمال هذه المرأة.
«يا لعنة الحياة، أطلقي سراح البطلة الآن.
بالموت، ستنالين حريتك.
أنتِ، التي كنتِ أقوى من أي أحد، سيتذكّركِ العالم إلى الأبد.»
اجتمع ممثلو الإمبراطورية وبرج السحر والمعبد حولها، ثم انحنوا برؤوسهم في وقتٍ واحد وتراجعوا بصمت. لقد كانت مرثاة ووداعًا للبطلة العظيمة التي أنقذت العالم.
نعم.
اليوم هو اليوم الذي ستتوقف فيه أنفاس إدِث كرويل.
بطلة الإمبراطورية العظيمة، إدِث كرويل.
الساحرة العليا والبطلة التي منعت كوارث لا تُحصى من إفناء هذا العالم.
ينبغي لكل شيء في هذا العالم أن يخفض رأسه احترامًا لرحيلها.
لقد حان أخيرًا هذا الوداع الأخير.
لكن إدِث لم تكن تشعر بأي خوف أو حزن تجاه الموت.
بل فقط بالراحة… والفرح.
(أخيرًا.)
فهي قد عاشت هذه الحياة “مرة أخرى” مئات المرات لتصل إلى هذه اللحظة. بمعنى آخر، كانت إدِث روحًا مُتجسدة تعيد الزمن مرارًا وتكرارًا.
تسلّلت ابتسامة باهتة إلى وجه إدِث الذي بدأ يتيبّس.
(… سيذكرني العالم.)
لكن ذلك لم يكن يعني لها شيئًا.
ما كان يعنيها حقًّا… هو أنها تستطيع أخيرًا أن تموت.
(لقد انتهى كل شيء.)
أدارت إدِث عنقها المتخشّب بصعوبة لتستنشق رائحة زهور الزنبق البيضاء الموضوعة بجانب وسادتها.
لقد تركها لها شقيقها الصغير العزيز… يا له من تصرّف حانٍ.
“هاه…”
حتى النفس الواحد كان يجعل صدرها الذابل يرتجف بعنف. كان جسدها قد تآكل بشدة حتى إنه من الصعب تصديق أنها كانت، قبل سنوات قليلة فقط، تملك العالم تحت قدميها.
ومع ذلك، تحمّلت إدِث طواعيةً هذا الألم المُمزِّق، الذي جعلها تشعر وكأن كيانها بأكمله يتمزق إربًا. لم تكن الملابس الخفيفة الملتصقة ببشرتها المبلّلة بالعرق تؤرقها.
إن القول: “أن تموت بلا ندم” يليق بحالها أكثر من أي أحد سواها.
والسبب في كل هذه الحيوات المتجددة القاسية… كان لعنة بلا اسم.
لعنة مرعبة تُذيب الجسد ببطء عبر ألم لا يُحتمل، حتى يتفكك في النهاية كرماد تذروه الرياح.
لكن في الوقت ذاته، كانت تلك اللعنة هي السبب في أن إدِث كرويل استطاعت تحقيق كل شيء.
إذ كانت الغاية من اللعنة في الأصل هي إهلاكها قدرًا. لكن إدِث اكتشفت سرًّا جديدًا يتعلق بها:
أن من يُصاب بهذه اللعنة… “لا يستطيع أن يموت قبل أن يشهد نهايتها”.
فإذا مات الشخص قبل أن تنتهي اللعنة…
فإنه سيُبعث من جديد في اليوم التالي تحت تأثيرها.
وهكذا، كانت إدِث كرويل تعيش مرارًا وتكرارًا، مئات الحيوات.
تلك الحيوات المئة كانت تحوي مئات الحوادث، وكل حادثة كانت تحتوي آلاف الاحتمالات المتغيرة.
ومن خلال قدرتها، استطاعت إدِث كرويل التنبؤ بنقاط التحوّل الحاسمة في حياتها، لتخطط خطواتها بحذر كما لو كانت تلعب الشطرنج، فتُعيد حياتها من البداية في كل مرة تخطئ فيها.
وإن حدث خطأٌ بسيط، كانت تتخلى عن كل شيء وتبدأ من جديد.
في حياةٍ لم تستطع إنهاءها بشروطها الخاصة.
وإن وصلت إلى الخاتمة المثالية، سيكون الموت بانتظارها في النهاية.
تُجمّع شتات نفسها المتحطّمة، مرة… بعد أخرى… بعد أخرى…
حتى بلغت المستقبل الأفضل الممكن.
لقد اجتازت إدِث كرويل مئات دورات الرجوع بالزمن.
وبما أنها لم تكن تملك خيار التوقف، فالأجدر أن نقول إنها لم تكن تملك سوى خيار النجاح.
هل ترغبين أن أكمّل الترجمة عند توفر بقية الفصل؟
ومع ذلك، ما أبقى إدِث كرويل إنسانةً ولم يجعل منها وحشًا… كان هدفها الثابت.
(عائلتي العزيزة…)
كانت ترغب في أن تترك مستقبلًا مزدهرًا لأحبّتها.
في حين غرق العالم في الفوضى، أنقذته من أجل حماية أولئك الذين تُحبهم.
كلّ المعاني الأخرى تلاشت منذ زمن بعيد.
لقد تخلّت إدِث كرويل حتى عن ترفِ اليأس، فقط لتحمي عائلة كرويل.
هدفٌ واحد، يتّقد بسطوع، هو ما وجّه خطوات هذه العائدة الخالدة.
وأخيرًا، قد حان الوقت.
(هذه هي النهاية.)
أخيرًا. بعد مئات الحيوات والموتات، استطاعت أن تبصر الختام.
العالم لم يغرق في الخراب، وعائلة كرويل أصبحت أكثر نبالةً من أي بيتٍ آخر.
ستُخلّدها أغنيات وقصائد لا تُعدّ، وستمتدحها على مرّ الأزمان.
لم تعُد مضطرةً للعودة إلى الماضي. لقد حان لها أن تموت أخيرًا.
وحتى بعد موتها…
حتى بعد نهاية هذه الحياة…
فإن العالم سيمضي قُدمًا.
همهمت إدِث كرويل بكلماتٍ باهتة بالكاد تسمعها أذناها:
(يا لعنة الحياة… أطلقي سراحي… دعيني أرحل.)
عندها فقط…
بدأ جسد إدِث كرويل، الذي صمد طويلًا، ينسحب ببطء من هذا العالم.
يتفتّت كالرّماد، ويتبعثر كالتراب.
ابتلع الجميع أنينًا مكتومًا، وهم يشهدون موت البطلة المبكّر التي عمّرت قرنًا من الزمان.
شقّ صدعٌ طويل وثقيل بلون الذهب خدّيها الشاحبين، اللذين شابهَا تمثالٌ من الجصّ الأبيض.
تشقّق.
يتهاوى الجسد البشري.
وتختفي الروح الملعونة دون أن تترك أثرًا…
الموت الكامل يبدو خاليًا من الإحساس، كما لو كان تخديرًا أبديًّا.
أغلقت إدِث كرويل عينيها دون أي ندم.
ثم… اختفت جفونها.
وتناثرت مُقلتاها كغبارٍ ذهبي، وتلاشى آخر بريقٍ فيهما.
…هكذا كان يجب أن يكون.
نسيمٌ حارّ لامس وجهي. رمشتُ دون وعي.
حتى رمش العين الذي كان ينبغي أن يتفكك إلى رماد… لم يختفِ. الذراعان والساقان، التي كان يجب أن ترتخي مثل دميةٍ مكسورة، كانت تشعر بثقلٍ غريب.
عندها فقط… عادت إليّ رؤيتي.
شَــقّ!
ومض نصلٌ أزرق متوهّج نحوي مباشرة.
“٢١”
أدرتُ رأسي لا إراديًّا، وتحرك جسدي من تلقاء نفسه.
لم يكن ذلك حلمًا، ولا وهْمًا.
وحين أدرت رأسي، شقّ ألمٌ حارق خدي.
لم أتمكن من تفادي الضربة كليًّا—فقد خلّفت جرحًا حارقًا على خدي.
“٢”
رفعتُ يدي إلى وجهي، فشعرت بدفء سائل لزج يغطّي أصابعي. أحمر. دم.
رفعتُ يدي الملطّخة بالدماء ونظرتُ إلى خصمي الواقف أمامي.
وجهٌ شاب عاديّ، لا أذكر أنني رأيته من قبل، كان يحدّق إليّ متجمّدًا في مكانه، وسيفه لا يزال ممدودًا من أثر الضربة، وملامحه مشوبة بالتردّد.
“…آه.”
“….”
ماذا…؟
نظرتُ من حولي بسرعة. ويبدو أن من حولي فسّروا ردّة فعلي كإشارة، إذ بدأ الجميع في الحديث دفعة واحدة.
هل ترغبين أن أتابع الترجمة حال توفّر باقي الفصل؟
«لم تتفادَ الضربة؟ أهي مجنونة؟»
«ما الذي يحدث؟»
«إدِث كرويل تنزف!»
«أن يُشهَر السيف في وجه سيدة…»
«لكنها إدِث كرويل… لعلّ الأمر لا بأس به إذًا.»
«فما الذي حدث؟ هل هو نزال تدريبي؟»
«تشيستر هو من استلّ سيفه.»
«من يدري؟ ربما ستستغلّ كرويل هذا كذريعة لابتزاز شيء ما.»
تدفّق هدير الأصوات الهمسية إلى أذني كضجيجٍ خانق، تزامنًا مع عودة إحساسي بالعالم من حولي.
أين أنا؟
من هؤلاء الناس؟
…نسيمٌ مغبرّ يحمل رائحة الدم والعرق عبث بشعري.
ظهري كان يستند إلى سورٍ خشبيّ خشن، وأشواكه تؤلمني.
الريح الدافئة، التي لا شكّ أن دفأها جاء من حرارة الأجساد، دفعت حبيبات رملٍ إلى عينيّ، تثير دموعي كلّما هبّت.
…المشهد الذي استقبلته عيناي المفتوحتان من جديد كان مشهدًا لا يمكنني تخيّله.
فتيانٌ صغار، جميعهم يرتدون زيًّا موحّدًا، يتجمهرون… في ساحة تدريب.
ساحة المبارزة في الأكاديمية؟
ما الذي يجري بحق السماء؟
قلبي ينبض بعنف. لا، من المفترض ألا ينبض أصلًا. ألم أمت؟ ألم ينتهِ كل شيء؟
كان من المفترض أن تنتهي هذه القصة. لم يكن هناك خيارٌ آخر. فلماذا…؟
الأصوات التي اخترقت سكينة عقلي السابقة هددت بتمزيق رأسي. تساؤلاتٌ متلاحقة بلا أجوبة كانت تتكدّس كأنها تسحقني. لماذا بحق الجحيم…؟
هذا… يبدو تمامًا كأنني قد عُدت إلى الحياة…
«لا… لا يمكن.»
لا يمكن أن يكون هذا حقيقيًّا. لا ينبغي لهذا أن يحدث.
«…لا… يمكن…»
كان الصوت الفتيّ المزعج يتفوه بهذه الكلمات بنبرةٍ متقطّعة. احتجت إلى بضع ثوانٍ لأدرك أن هذا الصوت… صوتي.
«مـ-ما الذي تقولينه؟ أنتِ من لم تتفادي الضربة، يا كرويل!»
ثم تسللت جلبةٌ غريبة إلى أذنيّ المشتعلتين بالطنين. ماذا قلتِ؟ هل قلتُ ذلك بصوتٍ مسموع؟ رأسي كان ضبابيًّا ومشوّشًا.
صحيح. عليّ أن أتأكد.
النصل الذي كان موجهًا نحو خدي، كان الآن يتدلّى ويرتجف بالقرب من صدري—في زاوية مثالية تعكس ملامحي.
أمسكت بالنصل بيدي وسحبته بقوةٍ ناحيتي. الحافة الحادّة شقّت راحتي بسهولة، والألم اللاهب الذي تخللني كان حقيقيًّا بشكل لا يُحتمل.
«آآااه!»
«هل جننتِ تمامًا؟!»
تعالت شهقات الذهول من حولي إثر تصرّفي الأرعن بإمساك النصل بيدي العارية.
«آهغ…!»
حتى الفتى الذي كان يمسك بالسيف أطلق صرخةً متوترة وأسقط سلاحه من بين يديه.
ما أزعجكم، أيها الصغار الصاخبون.
رفعت النصل الذي اغتصبته أمام وجهي. كان انعكاسي المشوّه يتطلع إليّ من على سطحه المعدني.
«…لا يمكن…»
الدم يسيل من جرحٍ طويل على خدي الأيسر، ويلطخ وجنتيّ باللون الأحمر.
شعري الورديّ المبعثر ينسدل فوضويًّا، وتلك العينان الذهبيتان المتّقدتان كالجمر… تحدقان إليّ عبر النصل.
الدم القاني المتدفّق من يدي التي قبضت على السيف قد غطّى الوجه المنعكس على حدّه اللامع.
«…هاه.»
زفرة خفيفة انزلقت من بين شفتيّ.
لقد عدتُ إلى الماضي… من جديد.
هل ترغبين في تقسيم هذه الترجمة إلى فصول لسهولة التنسيق لاحقًا؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 0 - المُـقـدِمَـة : الموتُ الأخِير 2025-05-10
التعليقات لهذا الفصل " 0"