5
“أبي…”
عندما عانقت والدي المرتجف، راودتني أفكار كثيرة.
أنا كنتُ الشخص الذي يفهم والدي أكثر من أي أحد آخر، والذي أراد أن يحقق ما يتمناه.
ولكن—
إن لم يعد أبي، فسيُدمَّر هذا البلد!
نعم، صحيح.
والدي، إينوك روبنشتاين، لا يجب أن يبقى هنا.
لكي ينتقم لابنته، عليه أن يعود إلى فرسان الهيكل، يحمل سيفه و يعمل جاهدا، وينقذ البطل الذكر “تشيشاير”.
ثم، بعد أن يُجهّز الفرسان من الداخل للتمرّد، سيُشعل ثورة في هذا البلد.
أما السبب— فبعد نحو عقد من الآن.
لأن الناس العاديين سيموتون؟
ستتبنّى العائلة الإمبراطورية “سياسة إبادة من لا يملك قوة”.
مجزرة حقيقية يقتل فيها عامة الناس، الذين لا يملكون أي قوى سحرية، دون تمييز.
ومن سيوقفها… هو أبي.
كنت أظن أن الأمر لا علاقة له بي. فالأبطال الرئيسيون هم من سيوقفون المجزرة. الأبطال سيحمونني، وكل ما عليّ هو أن أعيش بسلام كشخصية إضافية؟
لكن…
أبي كان هو البطل!
في القصة الأصلية، كنتُ سأُختطف في وقت قريب، لتكون تلك الحادثة هي الشرارة التي تزرع بذور الانتقام في قلب إينوك روبنشتاين، الأب الذي فقد ابنته.
لكنني غيّرت مجرى القصة بلحظة أنانية، حين لم أرغب في الافتراق عن أبي.
وعلى عكس القصة الأصلية، بقيت بخير.
فماذا لو هرب أبي بي بعيدًا؟
لن يُنقذ البطل “تشيشاير”، ولن يعلّمه، ولن يقود التمرّد ضد العائلة الإمبراطورية.
وهذا يعني الكارثة. سيموت كل الأبرياء، أليس كذلك؟
خطرت ببالي وجوه عمتي سوزان وعمي جو.
وبينما تخيّلت ملامحهما وهما يصرخان بألم ويموتان—
لا، لا يمكن.
هززت رأسي بعنف لأطرد تلك الخيالات السوداء.
“أبي.”
“…همم؟”
“هل تريدني أن أهرب لبقية حياتي؟ أنت لا تريد ذلك، أليس كذلك؟”
“ليس هكذا، لكن…”
أبعدني والدي قليلًا من عناقه المشدود، لينظر في عيني مباشرة.
“ألم تقولي بنفسك، أنكِ تريدين أن تعيشي حياة طبيعية مع أبيك؟”
“…”
“ماذا لو عدنا إلى العاصمة؟ عليكِ أن تعيشي هناك بقوة. ولن تكون حياة عادية أبدًا.”
صحيح، كنت قد قلت ذلك.
لكن…
بما أن والدي هو إينوك روبنشتاين، فإن حياتي العادية والمريحة كإضافية قد انتهت!
—وبلعت رغبتي في الصراخ، ثم قررت أن أمثل دور طفلة في السابعة شديدة التعلق بأبيها.
“بصراحة، بما أن أبي شخص ذو قوة، وأنا كذلك… فقد غيّرت رأيي قليلًا.”
“ماذا تعنين؟”
“إذا كنت أملك قوة، فهذا يعني أنني من النبلاء. ثم، بما أنني ابنة أبي، فسأكون أقوى نبيلة بينهم، صحيح؟”
“…”
ظل أبي يحدق في عيني اللامعتين بدهشة، والارتباك بادٍ على وجهه.
“لن يضطر أبي للعمل بجد كل يوم والبيع في السوق، ولن أضطر لانتظاره مثل ذلك. ثم إنك حتى لا تعرف كيف تغسل الملابس!”
“ليليث، صغيرتي، قلت لكِ لا تقومي بالغسيل، لكنك تصرين—!”
“وأيضًا! سأستطيع أكل الماكرون كل يوم! وسأرتدي فساتين مزينة بالشرائط!”
دق دق
بدأت أطرق الأرض بقدمي بغضب مصطنع.
تفاجأ أبي من تصرفي.
آه، أبي… آسفة. لم أقصد أن أتصرف كابنة جاحدة—
“لماذا لم تخبريني! لماذاا!”
“ليليث!”
“لم تردني أن أعيش كصاحبة قوة، صحيح؟”
صرخت، ودموعي متدلية من عيني.
“حتى أنك لم تسألني إن كنت أريد أن أعيش كصاحبة قوة أو كنبيلة!”
“أمـ… أميرتي—”
“أكره أن أنادى أميرة فقط من قِبلك! أريد أن أكون أميرة حقيقية!”
تسارعت ارتجافات عينيه.
“أنا لست ابنة أبي!”
“ماذا؟!”
ضربة قاتلة—
تراجع أبي متعثرًا، وارتسمت الصدمة على ملامحه.
“لن أكون ابنة جيمس! سأكون ابنة الدوق إينوك!”
صرختُ وأنا أشير بإصبعي الصغير نحو النافذة.
“إن لم يذهب أبي، فسأطلب من الأعمام أن يأخذوني بعيدًا!”
“…”
بدا أبي عاجزًا عن الكلام أمام عنادي القوي.
وصمت طويلًا، يعض شفتيه، ووجهه غارق في الحيرة.
آه يا أبي، أنا آسفة حقًا.
أنا آسفة جدًا يا أبي—
لكن لن يستمر تردده طويلًا.
فابنته تبقى الأهم عنده، قبل كل شيء.
…
كوخ دافئ أعاد إليّ ذكريات طفولتي.
كنتُ واقفة مع والدي أمامه حاملين أمتعتنا، في مواجهة الفرسان.
عانقتُ أبي ونظرت بخفية إلى وجه قائد الفرسان الوسيم.
“شَعر أسود وعيون أرجوانية… هذا الوصف مألوف بطريقة ما.”
اسمه—
أكسيون ليبر.
رتبته: دوس.
دوق ليبر.
انضم إلى فرسان الهيكل في نفس الفترة التي انضم فيها أبي، وتولى دور القيادة بدلًا عنه بعد أن اختفى أبي قبل سبع سنوات.
إنه الذراع اليمنى، رفيق الثورة.
كما توقعت، شخصية رئيسية.
“آه… إذن ذلك الرجل هو أكسيون. بوجه وسيم كهذا، لا يمكن أن يكون شخصية ثانوية أبدًا.”
بعد أن تلقيت ضربة من جيمس براون على مؤخرة رأسي، قررت أن أنقش في ذهني القاعدة الحديدية:
“لا وجود لوسيم يكون مجرد شخصية ثانوية.”
قال أكسيون بصوت بارد:
“إذن لنذهب.”
أجاب أبي وهو يرفع حاجبه:
“عربة.”
“ماذا؟”
“لن أتحرك قبل أن أحصل على عربة فاخرة من الدرجة الأولى. ابنتي ستتأذى مؤخرتها، ولن تستطيع ركوب الحصان لفترة طويلة.”
صرخ الفارس الواقف بجانب أكسيون (ذلك الذي عضضته سابقًا) وقد اشتعل غضبًا من استغلال أبي للسلطة.
لكن أكسيون رفع يده بهدوء وأوقفه.
“هاه…”
زفر، ونظر إليّ.
كانت عيناه تتفحصان الأمتعة. بدا واضحًا على وجهه ما يفكر فيه.
لقد أقنعتُ أبي بتمثيل دور الابنة الضعيفة، لكنه لم يُقدّر جهودي ولو قليلًا.
قال أكسيون أخيرًا:
“أيها الرجال. أحضروا عربة… من أفخر الأنواع.”
بعد ساعة تقريبًا، كنا نتجه نحو مدينة في الجنوب تُدعى إل باشا.
قالوا إننا سنستخدم بوابة النقل السحري الموجودة في معبد كبير للوصول إلى العاصمة.
“واو… ما ألينها!”
أبديتُ إعجابي بركوب العربة المريحة الذي لم أختبره في حياتي.
لقد كانت عربة اقتناها الفرسان على عجل، تمامًا كما يفعل الخدم.
“أبي—! العربة مريحة جدًا…”
ناديتُه بحماس، لكني توقفت فجأة.
كان وجه أبي الجانبي، وهو يتكئ على يده وينظر عبر النافذة بصمت، يوحي أنه غارق في أفكار كثيرة.
ربما كان غاضبًا لأن ابنته التي ربّاها بجهد سبع سنوات قد صارت هكذا.
“آه… أشعر بالذنب، آسفة حقًا يا أبي—”
اقتربت منه وجلست بجواره.
“أبي.”
“نعم، يا ليليث؟”
“أنا آسفة—”
اتسعت عينا أبي وهو يحدّق بي للحظة. ثم رفعني إلى حجره كي نواجه بعضنا.
“هل لأن ملامحي كانت مخيفة؟ آسف يا أميرة أبيك. كنتُ غارقًا في التفكير فقط.”
“….”
“نعم، أبوك أخطأ. لم أسألك حتى عمّا تفكرين فيه.”
ثم مال برأسه وربّت على خدي بابتسامة ليخفف عني.
“افعلي كل ما تريدينه يا أميرتي. أبوك سيعود إلى البيت معك، ويلبسك فساتين جميلة، ويطعمك الكثير من الماكرون الفاخر.”
“….”
“آسف لأنني لم أستطع فعل ذلك لك حتى الآن. لم أكن أعلم. هل ترغبين حقًا أن تعيشي هكذا يا أميرتي؟”
“لـ، لا—”
كنت سعيدة بالعيش في الكوخ مع أبي كجيمس براون.
الماكرون حلويات باهظة الثمن، فلا بأس أن آكلها أحيانًا فقط.
حتى لو أكلتُها، لا يوجد أحد في قريتنا الجبلية لأتباهى أمامه—
الأهم أن أبي يطعمني، ويكسوني، و يحميني—
إنه أب مثالي لا ينقصه شيء.
“آه… تصرّفي العاق بوالدي جعله يشعر بالذنب.”
قلت معتذرة:
“وأنا أيضًا… آسفة حقًا لأنني قلت سابقًا إنني لست ابنتك. لم أكن جادة. وأنا أفهم قصدك. لأنك تخاف من ساحة المعركة، لا تريد أن تتركني أذهب.”
“صحيح. ساحة المعركة مخيفة. لن نذهب إليها أبدًا يا أميرتي.”
“هـاه؟”
رمشت بعينيّ بدهشة من نبرة أبي الحاسمة.
“ماذا تعني؟ ألم يكن عليّ أن أذهب للحرب كي أرتدي الفساتين الجميلة وآكل الماكرون؟”
“لا، ليس ضروريًا. ارتدي فساتين جميلة وكلي ماكرون. لكن دون أن تذهبي إلى الحرب. أبوك لن يسمح لك بالاقتراب من ساحة القتال.”
أدرت رأسي غير مصدقة ما سمعت.
التهرّب من الخدمة العسكرية؟
كان أبي ينظر إليّ وكأنه تذكّر للتو شيئًا مروّعًا.
“لا، أبي، انتظر… أبي… آه!”
في تلك اللحظة اهتزت العربة بعنف وتوقفت فجأة، حتى ارتفع جسدي قليلًا ثم سقط.
“ليليث! هل أنت بخير؟”
“نـ، نعم.”
“ما الذي يحدث؟”
نظرت من النافذة.
“أبـ، أبي؟ ما ذاك؟”
من بعيد، كان غبار كثيف يتصاعد.
شيء ما يركض بسرعة هائلة نحو العربة—
“إنها ذئاب مستذئبة.”
فتح أبي النافذة ليتحقق، فقال أكسيون الممتطي حصانه بجوار العربة:
“أأنت تمزح؟”
تمسكتُ بأبي مذعورة.
“ذئب؟!”
كان ذئبًا يقطر لعابه وأنيابه مكشوفة.
يمشي على ساقيه الخلفيتين، لا على أربع!
قال أكسيون ببرود:
“كنت أعلم أن هناك وكرًا لهم هنا، لكن لم أظن أنهم سينزلون إلى الطريق. انتظر قليلًا، سأهتم بهم.”
“اللعنة…”
حدّق أبي بأكسيون بنظرة قاتلة.
لقد خرجنا للتو من الكوخ، وها هو يضعني في خطر.
“أميرتي.”
“هـم؟”
“ابقي هنا، لا تتحركي. لا تخرجي رأسك حتى.”
“انتظر! أبي، إلى أين أنت ذاهب؟!”
قبل أن أتمكن من منعه، فتح الباب وقفز خارجًا.
“احموا العربة. إن أصيبت ابنتي بخدش، سأقتلكم جميعًا.”
“أأنت ستواجهه بنفسك؟ هذا ليس ضروريًا.”
“وكم عليّ أن أنتظر حتى تقتلوا كل واحد منهم؟”
زمجر أبي، وسحب السيف من على خصر أكسيون.
“أبـ، أبي؟ أبييي!!”
كنت مرعوبة، أضغط وجهي على النافذة كخبزة مطهوة بالبخار وأصرخ:
“أبــي!!!”
قفز والدي نحو الذئاب المستذئبة، وكانوا قرابة الثلاثين، بسيف واحد يتأرجح بيده.
أما الفرسان، فكانوا واقفين يشاهدون فقط.
صرختُ عليهم وأنا أطرق على النافذة:
“أيها الأعمام! ساعدوه! لماذا تقفون هكذا؟! كـ، كيف يمكن لأبي أن يقتلهم وحده؟!”
لكن أكسيون ألقى عليّ نظرة عابرة، وتمتم:
“…إنه سيقتلهم جميعًا بمفرده.”
“مـ، ماذا تقول؟!”
في تلك اللحظة…
لوّح أبي بسيفه.
ضربة أفقية واحدة، بدت وكأنها قطعت الهواء نفسه.
“هـاه؟”
وفي اللحظة ذاتها—
توقف الذئاب المستذئبة، الذين كانوا يندفعون بسرعة مخيفة، دفعة واحدة.
تجمدوا كما لو أن مقطع الفيديو توقف فجأة.
“لـ، لماذا توقفوا هكذا فجأة؟ لم يلمسهم السيف حتى؟”
لكن سرعان ما انكشف السر.
“يا إلهي…”
بعد ثلاث ثوانٍ بالضبط، انشطر كل ذئب نصفين، كأن أبي شقّ الفضاء نفسه بينهم.
سقطوا أرضًا غارقين في دمائهم.
“مـ، مـ، ماذا حدث للتو…”
فركتُ عيني غير مصدقة ما تراه.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
ترجمة : أنفال
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 5"