لم أكن إنسانة في حياتي السابقة.
كنتُ…
“كنتُ طالبة دراسات عُليا.”
واو، تلك لم يكن حياة بشرية حقيقية أصلًا.
في الخامسة والعشرين من عمري، متُّ من فرط الإرهاق بعد ليالٍ طويلة قضيتها أكتب رسالة تخرجي الجامعية.
“ربما تجسدت من جديد داخل هذه الرواية لأن الضغط العصبي لكتابة الرسالة كان هائلاً.”
عنوان رسالتي كان:
[دراسة حول خصائص الإصلاح الاجتماعي المطروح في الأدب – بالتركيز على الرواية الخيالية تمرد دوس]
كنتُ أنا من قرأ رواية تمرد دوس ما يقارب عشر مرات كاملة لأكتب بحثي عنها.
وهذا يعني أني أحفظ تطورات أحداث الرواية وإعداداتها المختلفة بدقة تفوق أيّ شخص آخر.
“على كل حال، لا حاجة للتفكير كثيراً بما يتجاوز دور الشخصيات الثانوية.”
لكي أسترجع أحداث الرواية، كان لا بد لي أن أرهق ذهني وأستعيد ذكريات حياتي السابقة…
وحين أصل إلى مرحلة البلوغ، سأشعر بعدم انسجام شديد و فراغ داخلي كبير لأن عمري العقلي لن يتوافق مع عمري الجسدي.
على أي حال، الشخصيتان الرئيسيتان، الأب والابن، سيتكفلان بخوض الحروب الدموية والثورات.
وبعد أن يُنشئا عالماً جميلاً يُعامل فيه حتى الضعفاء كبشر، لن يتبقى لي إلا أن “أحتسي العسل” .
*: «احتساء العسل تعبير كوري يُقصد به الاسترخاء والراحة أثناء العمل.
«آه… حياة الشخصيات الإضافية، إنها الأروع!»
عانقتُ عمّتي سوزان بابتسامة، ثم صرختُ نحو أبي:
“أبي، كن حذراً!”
فالمطر كان يتسرب عبر سقف بيت عمّتي، وكان أبي يصلحه.
دقّ، دقّ، دقّ!
كان مألوفاً جداً أن أرى أبي يتسلّق السلم ويضع المسامير التي يثبتها وهو يعضّها بأسنانه.
كل أهل هذا الجبل يستدعون أبي كلما تسرّب المطر من سقف، أو انكسرت سياجات حظائر الدجاج.
هل يعامل أهل القرية أبي على أنه مغفّل فقط لأنه طيب القلب؟ طبعاً، عمّتي سوزان وحدها المستثناة.
فهي الوحيدة التي أعترف بفضلها، فهي دائماً ترسل الأطعمة الشهية إلى بيتنا وتعتني بي حين يغيب أبي.
أما بقية الجيران… فلا يملكون ذرة ضمير.
قالت عمّتي معتذرة:
“آه يا جيمس… أشعر بالحرج دائماً وأنا أطلب مساعدتك.”
ابتسم أبي مجيباً:
“لا تقولي هذا، أنا من أدين لك بالفضل. بل أودّ أن أطلب منك رعاية ليليث اليوم.”
“تدين بالفضل؟! لا تقل ذلك. لا يهمّني شيء بقدر طاعة ليليث وأدبها. كيف يمكن أن تكون هناك طفلة بهذا القدر من اللطف والجمال؟”
ضحكت بخجل وأنا أتشبث بعنق عمّتي سوزان.
بالطبع أنا أُطيعها دائماً.
من الظلم أصلاً أن يُقارنني أحد بالأطفال العاديين في السابعة من أعمارهم.
قالت وهي تتأملني مبتسمة:
” انظري إلى ابتسامتك… كم أنتِ جميلة. يا ترى كيف سيكون جمالك حين تكبرين؟ من تشبهين يا ليليث؟”
كنتُ أريد أن أقول إنني أشبه أبي… لكن الحقيقة أننا مختلفان تماماً.
فأنا أملك عينين زرقاوين وشعراً فضياً أبيض كالثلج.
كنتُ أشكّ كثيراً… فأنا أبدو بارزة جداً لأكون «شخصية إضافية» عابرة فقط.
” أبي… هل التقطتني من مكان ما؟”
هكذا سألته ذات يوم.
فضحك قائلاً:
“أنت تشبهين أمك!”
*من طيبة قلبه يكذب بدون ما يرمش*
“حقاً؟”
أخبرني أن شعري الفضي وعينيّ الزرقاوين يشبهان أمّي، التي رحلت عن البيت وأنا ما زلتُ رضيعة.
“نعم… هي حقاً تشبه أمها.”
كان أبي يقول ذلك وهو يبتسم ابتسامة مترددة بينما يثبت المسمار.
“لابد أن أمك كانت آية في الجمال.”
لكن لم يكن هناك ما يُثبت الأمر، فأنا لم أرَ وجه أمي قط.
في البداية كنتُ قلقة: ماذا لو لم أكن حقاً ابنة أبي؟
لكن الآن؟ لا، أبداً!
فمع مرور السنوات، صارت ملامحي، من ابتسامة عينيّ حين أنحني، ومن شكل أنفي، ومن طرف فمي المرفوع، كلها أقرب فأقرب إلى أبي.
” أنا بالتأكيد ابنة أبي!”
شعر بني، عينان بنيتان…
حتى اسمه «جيمس براون»…
كيف لا أكون ابنته؟ نحن مجرد مواطنين عاديين من مواطني الإمبراطورية، نعيش بسلام، ومصيرنا واضح.
“لن يتسرب المطر بعد الآن. وأعتقد أن مقبض الباب أيضاً به مشكلة. سأفحصه حين أعود.”
“آه، سأكون شاكرة لو فعلت. يا إلهي، ماذا كنت سأفعل لولاك يا جيمس؟ زوجي الكسول لا يعرف سوى خدش بطنه… لا فائدة منه.”
كانت تعني «عمي جو»، زوجها الذي لا يحرّك ساكناً.
ضحك أبي بأدب وقال:
” إذن أرجو أن تعتني بليليث اليوم. أميرتي الصغيرة، أبي ذاهب إلى السوق الآن.”
كان يحمل على ظهره قطعة خشب، ثم نقر أنفي برفق مودعاً.
” عُد بسرعة! لم تنسَ وعدنا، أليس كذلك؟”
” طبعاً، أميرتي. سأشتري لكِ الماكرون.”
“هيهي!”
لوّحت له بيدي وأنا في حضن عمّتي حتى غاب ظهره عن ناظري.
وحين اختفى، أنزلت يدي، فضحكت عمّتي.
“ليليث، أ تحبين أباك لهذا الحد؟”
“طبعاً، بكل تأكيد!”
كنتُ في حياتي السابقة يتيمة، وأبي الآن هو الحارس الوحيد لذكرياتي الجميلة.
لابد أنه عانى كثيراً كرجل شاب يربي رضيعة وحده…
لقد بدّل حفاظاتي كل يوم، وأطعمَني طعام الأطفال، وحممني…
لقد كان أبي كل عالمي منذ أن وُلدت، حين تكوّنت بيننا تلك العلاقة العاطفية المقدسة.
أبي… وسيم، طويل، طيب، حنون… وهو السبب الذي جعلني أعيش كشخصية إضافية مطمئنة في هذا العالم المرعب.
“يجب أن أكبر وأكون ابنة بارة به!”
عقدت قبضتي الصغيرة متحمسة.
قضيتُ وقتاً رائعاً مع عمّتي سوزان: شربت حليب الشمام مع البسكويت، ولعبت عشر جولات من الورق مع العم جو.
كانت عمّتي تراقبنا وتقصّ عليّ ذكريات الماضي:
“ذات ليلة طرق بابي شاب غريب، وعندما فتحت، وجدت أباك يحمل بين ذراعيه رضيعاً… وكنتِ أنتِ يا ليليث.”
“ومنذ تلك اللحظة أيقنت أنه والد الطفلة.”
قال العم جو وهو يمضغ قطعة لحم مجفف:
“شابٌ ظهر فجأة في قريتنا الجبلية النائية. صامت كالجرذ الميت، لا يقول شيئاً. سألته: هل لديك مشكلة؟”
ضحكت عمّتي وهي تتابع:
“قال حينها إن الطفلة ليست مريضة لكنها لا تريد أن تأكل. كان يتوسل قائلًا: لابد أنها جائعة، لكن كلما أعطيتها زجاجة الحليب، تبكي ثم تنام…”
فتحت عيني دهشة:
“أنا؟ لماذا لم آكل؟”
“كنتِ قد تجاوزتِ الخمسة أشهر، وهو لا يطعمك سوى الحليب المعلب. ربما ضِقْتِ به، فعبّرتِ بطريقتك.”
وتابعت ضاحكة:
“حينها أدخلته، وأعددت لك طعاماً بسيطاً: تفاح مهروس، مع موز، وحليب بودرة. فأكلتِ الطبق كله… وعينا والدك اتسعتا دهشة!”
ومنذ ذلك اليوم صار أبي يستشيرها ويسأل عن كل شيء.
من أبٍ أخرق، صار الآن ربّ بيت من الدرجة التاسعة!
ضحك العم جو وهو يكشف أوراقه:
“هاها! ربحتُ هذه الجولة يا صغيرة.”
كانت أوراقه خمسة قلوب كاملة.
“فلاش! هاهاها!”
لكنني فتحت أوراقي:
K، K، K، 7، 7.
“فول هاوس.”
*طبعا هذي عبارات تنقال في لعب البطاقات اللي كلها قمار و ما لنا شغل فيها*
تجمّد العم جو فاغراً فمه، بينما سحبتُ ببطانة فستاني كل الجوز المكدّس.
“غداً من جديد، التحديات دوماً مرحب بها.”
ضحكت عمّتي، وغادرنا جميعاً نحو البيت، فاقترب موعد عودة أبي.
ودّعتُها بأدب، ثم قررت أن أذهب للغسيل عند النهر.
“أبي يكره أن أقوم بالغسيل سرّاً… لكني سأفعل!”
جلست قرب الجدول أضحك وحدي وأنا أُخرج ملابسه.
“من هي الطفلة ذات السابعة التي تغسل ملابس والدها؟ نعم، إنها ليليث براون!”
كان المكان هادئاً، الجبال خضراء والماء صافٍ.
“حياة الشخصية الإضافية رائعة… أتمنى أن الأيام الهادئة كاليوم.”
رغم أنني مجرد إنسانة بلا قوة، من عامة الشعب، فقيرة…
لكن لا بأس. الشخصيات الرئيسية ستصنع قريباً عالماً أفضل.
” لا، مقارنة بحياتي السابقة… التناسخ هو الأفضل!”
لكن فجأة…
تَك، تَك…
“ما هذا؟ صوت حوافر خيل؟”
رفعت رأسي، وإذا بستة رجال يمتطون جياداً يظهرون من بين الأشجار.
في هذه القرية النائية، المكوّنة من ست بيوت فقط، دخول غرباء على ظهور الخيل أمر نادر جداً.
“هناك شيء غير مريح…!”
اقتربوا مني بسرعة، يرتدون دروعاً فضية تكسوها عباءات زرقاء.
وعلى العباءات، رأيت النقش…
شعار الإمبراطورية!
إنهم جنود الإمبراطورية!
والعباءة الزرقاء…
“يا إلهي، فرسان «دوس»؟ لماذا يظهر هؤلاء العظماء في مكان بائس كهذا؟!”
فغرت فمي دهشة.
قال قائدهم:
” أمسكوها.”
وبلمح البصر، أمسك بي أحد الجنود من ظهري ورفعني عن الأرض.
“آه!”
ثم طعن صدري بعصا غريبة تشبه الهراوة.
“أه! إنه مؤلم…!”
انبعث منها نور أزرق متوهج… كان أداة سحرية لاختبار القوى، كما أعرف.
هتف الجندي:
“إنها تملك قوة، سيدي القائد. يبدو أنها ابنة إينوك روبنشتاين.”
أنا؟! لا بد أن هذا الجهاز معطل!
لكن القائد، شاب وسيم ذو شعر أسود، ابتسم بسخرية وهو يأخذني بين ذراعيه قائلاً:
“يمكنني أن أعرف هذا من أول نظرة.”
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
ترجمة الحلوة أنفال
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات