“سوف أزور قريبًا مقر الدوق الأكبر في العاصمة.”
في ذلك المساء، أرسلت كاميلا رسالة عبر الحمام الزاجل تُعلِم فيها أنها ستزور القصر.
وبعد ثلاثة أيام، وصلت فعلًا إلى مقر إقامة الدوق الأكبر.
بخطوات غاية في الأناقة، دخلت غرفة الاستقبال. كانت امرأة ذات شعر أسود حالك وعينين زرقاوين، تمامًا مثل ريتشارد.
وكانت جميلة… جميلة إلى حد يفوق الوصف.
عندها أدركت فجأة من أين ورث ريتشارد وسامته الأخّاذة.
“إذًا… أنتِ آيروبيل هوبر، أليس كذلك؟”
لم يعد لقبي “هوبر”، بل “إيرستاين”.
لكن كاميلا تعمّدت مناداتي بـ”هوبر”، بل وأكدت عليها بوضوح.
كان ذلك دليلًا على أنها ما زالت لا تعترف بي كجزء من عائلة إيرستاين.
ألقيت عليها التحية التي أعددتها مسبقًا:
“لقد تكبّدتِ عناء السفر من الشمال إلى هنا، أشكركِ على ذلك يا دوقة إيرستاين السابقة.”
“صحيح أنني كنتُ دوقة إيرستاين، لكن من الأدق الآن أن تُناديني بالكونتيسة برِلورد.”
“لكن الزواج من كونت برِلورد لا يعني أنكِ خرجتِ من عائلة إيرستاين.”
في الحقيقة، كانت تُفضّل لقب “دوقة إيرستاين السابقة” على “كونتيسة برِلورد”، وإن تظاهرت بغير ذلك.
ويبدو أن حدسي كان صائبًا، إذ ارتسمت ابتسامة طفيفة على شفتي كاميلا.
لكنها اختفت سريعًا.
“لسانك ليس سيئًا، أيتها الفتاة الصغيرة… هل هو نفسه اللسان الماكر الذي استطعتِ به إغواء ابني القاسي القلب في ليلة واحدة؟”
قذفت كاميلا كلماتها كسيف مسنون مباشرة نحوي.
كنت أتوقع هجومًا كهذا، لكن لم أظن أنها ستلقيه فور انتهائنا من التحية.
“أمي، هل تريدين مني أن أطيح بكل قواعد اللباقة وآمركِ بمغادرة المكان؟”
جاء صوت ريتشارد منخفضًا وباردًا وهو يوجه حديثه إلى كاميلا.
ومع ذلك، لم يبدُ عليها أي ارتباك، بل ضيّقت عينيها وابتسمت.
“يا إلهي… ألا يُسمح لي حتى بالمزاح؟”
يا للعجب… ابتسامتها فاتنة بحق.
لم أستطع منع نفسي من التفكير بسذاجة في هذا الموقف الحاد.
لو لم أكن أنجذب للرجال، ربما كنت لأفقد عقلي في لحظة أمام تلك الابتسامة.
“الأجواء هنا جادة أكثر من اللازم… لنشرب شيئًا ونتحدث براحة أكبر.”
أمرت كاميلا خادمها المرافق من عائلة برِلورد بإحضار النبيذ.
وسرعان ما صُبّ النبيذ الأحمر القاني في كؤوسنا، فتذكرت فجأة كيف حاولت كاميلا سابقًا تسميم لوسيا بالنبيذ.
كانت كاميلا امرأة مخيفة… لا تتوانى عن فعل أي شيء لتحقيق أهدافها، وإن اعترض أحد طريقها أزاحته بلا رحمة.
لكن ذلك فقط حين تكون عدوة، أما كحليفة… فلن تجد أوفى ولا أقدر منها على الحماية.
كنت أعلم من قراءتي للرواية أنها ستصبح لاحقًا حليفًا لا يتزعزع للوسيا.
“يا له من لون بديع لهذا النبيذ.”
قلت ذلك بابتسامة ودودة صقلتها سنوات من عملي كمشهورة، وبنبرة لطيفة رقيقة.
حتى إنني أملت رأسي قليلًا بالزاوية التي تُظهرني بأجمل صورة وأنا أنظر إليها.
لكن، وقبل أن أرتشف النبيذ، خطف ريتشارد الكأس من يدي وابتلع محتواه دفعة واحدة.
“ذلك الرجل… إنما يحميها لأنها زوجته. يا إلهي، يا للفارس النبيل هذا. كأس واحدة لن تضر، أليس كذلك؟”
حين قدّمت كاميلا النبيذ مجددًا، شربه ريتشارد دفعة واحدة دون أي تردّد، تمامًا كما فعل في المرة السابقة.
كان على وشك أخذ رشفة أخرى حين—
ارتطام مكتوم.
فجأة، انهار ريتشارد على الأريكة التي كان يجلس عليها.
سرت قشعريرة في جسدي كله.
كما توقعت… كانت تنوي تسميمي…؟
ولكن، لماذا لم تمنعه من شرب الكأس بدلاً عني؟
أيمكن أنها خططت لقتله معي أيضًا؟!
كانت كاميلا تكره الإمبراطور الراحل لأنه لم يفِ بوعده بعزل الإمبراطورة السابقة وتنصيبها هي مكانها.
وقد كانت تحب وتكره في آنٍ واحد ريتشارد، الابن الذي أنجبته من ذلك الإمبراطور نفسه.
فهل كانت تحاول قتله هو أيضًا…؟
تجمّد قلبي أمام هذا الاحتمال الذي بدا واقعيًا بما يكفي ليكون حقيقيًا.
أسرعت أهز جسد ريتشارد الممدّد.
“ريتشارد، استفق! ريتشارد! ري—هاه؟”
توقفت وسط ندائي، وأرهفت السمع.
كان يصل إلى أذني صوت تنفّس هادئ ومنتظم: سويي… سويي.
قبل أن أستوعب الموقف تمامًا، قطعت عليّ كاميلا بصوتها الساخر:
“تلعب دور الفارس النبيل، وأنت لا تستطيع حتى احتمال الكحول. أليس هذا مثيرًا للشفقة؟”
… آه، صحيح. ريتشارد ضعيف بشكل مضحك أمام الكحول.
“جايد، خذ ريتشارد وأغلق عليه باب غرفته.”
“حاضر، يا سيدتي الدوقة السابقة.”
بأمرها، حمله جايد—وكأنه اعتاد هذا المشهد—على ظهره، وغادر به قاعة الاستقبال.
“والآن، فلنستمتع بكأسنا بعيدًا عن أي إزعاج، ما رأيكِ؟”
ابتسمت كاميلا ابتسامة متكاسلة وارتشفت النبيذ أولًا.
وبما أنها تشرب النبيذ نفسه، فلن يكون فيه سم.
قلّدتها، وسمحت للنبيذ بالانسياب إلى فمي.
لكن ما إن تحرك حلقي، حتى انفرجت شفتا كاميلا بابتسامة أكبر.
“في الواقع… لقد أضفت إلى النبيذ مصلًا للحقيقة.”
… ماذا؟
“فكّرت أنّه سيكون من الجميل أن نتحدث بصراحة مرة واحدة على الأقل. هيا، لمَ لا تخبريني بكل ما تخفينه عني؟”
وفعلاً، لمجرد أن قالت ذلك، وجدت نفسي أنطق بكل ما دار في خاطري دفعة واحدة:
“نعم! في الحقيقة، لقد شغلني جمالكِ تمامًا طوال هذا الوقت! لذا، إن لم يكن لديكِ مانع من صراحتي، فهل يمكن أن أعبّر عن إعجابي بكِ علنًا من الآن فصاعدًا؟”
・ 。゚✧: . ꕥ . :✧゚. ・
“اتركني، يا جايد.”
“أنا لا أمسكك من الأساس.”
حين وضعه جايد على السرير، حاول ريتشارد النهوض مجددًا.
لكن جسده كان ثقيلًا كالحديد، والعالم من حوله يدور بلا توقف.
كان ريتشارد ممدّدًا بلا حول ولا قوة، يتمتم بصوت واهن:
“لا أستطيع النهوض… يجب أن أذهب إلى آيروبيل فورًا.”
“هذا لأنك ثمل يا سيدي. ولماذا شربتَ بالنيابة عنها وأنت حتى لا تجيد الشرب؟ في النهاية كنت ستُسحب إلى هنا على أي حال.”
“لأنني لم أستطع السماح لوالدتي بأن تقع في غرام آيروبيل.”
الدوق الأكبر السابق… يقع في غرام الدوقة الكبرى؟
لم يفهم جايد ما الذي كان يتحدث عنه ريتشارد، لكنه اعتبره هذيان سكير فاقد للوعي، وتجاهل الأمر.
“نعم، نعم… هذا لن يحدث أبدًا، فاطمئن ونم.”
“جايد، كم كان عدد الرجال في ذلك المكان قبل قليل؟”
“رجلان من مرافقي برِلورد، وثلاثة من رجالنا… المجموع خمسة. لماذا تسأل؟”
“خمسة؟ اللعنة! يجب أن أذهب حالًا… جايد، ساعدني على النهوض.”
“وهل لي أن أعرف السبب؟”
سواء كان من أثر الثمالة أو الغضب، فقد احمرّ وجه ريتشارد بشدّة وهو يصرخ:
“ألا تفهم؟! لا يمكنني السماح لأولئك الأوغاد بأن يقعوا في غرام زوجتي أيضًا!”
“…لا فكرة لدي عمّا تقصده، لكن صدقني، غدًا صباحًا ستشكرني لأنني لم أساعدك الليلة.”
・ 。゚✧: . ꕥ . :✧゚. ・
“كيف لرموشكِ أن تكون بهذه الطول، وعينيكِ بهذا الجمال الآسر؟ ونظراتكِ تلك… حقًا إنكِ تصيبين أذينيَّ الأيسر وبطيني الأيمن معًا تمامًا! أأنتِ، بالمصادفة، قاتلة مأجورة تستهدف قلبي؟”
“…”
مرّت ثلاثون دقيقة منذ حُقنت بمصل الحقيقة.
كانت كاميلا تتوقع أن تسمع شيئًا مثل: “أنتِ لا تحبينني، أليس كذلك؟” أو “إن أعطيتِني ظرفًا مليئًا بالمال، سأتظاهر بأنه لا خيار أمامي سوى طلاقه.”
لكن، على العكس، لم تكفّ تلك الشابة المجنونة عن التغزّل بجمال كاميلا بكل طريقة ممكنة، وانهالت عليها عبارات المديح التي لا يمكن وصفها إلا بالمبالغة المفرطة.
في البداية، لم تنزعج كاميلا، إذ بدا أن تلك الكلمات صادقة وليست تملّقًا، لكن مع الوقت، بدأت أذناها تؤلمانها من شدة ما تسمع.
“حسنًا، دعينا من الحديث… أخبريني كيف تشعرين حقًا تجاه ابني.”
ارتسمت على شفتي كاميلا ابتسامة ماكرة.
كانت مستعدة لسماع إجابات مثل:
“بصراحة، تزوجته من أجل المال.”
“تزوجته بدافع نزوة لأنه كان بارعًا في الفراش، لكنني لا أحبه.”
ولو كان هذا هو الجواب، لكانت على استعداد لرش النبيذ الذي أمامها في وجهها مباشرة.
لكن ردّ الآنسة هوبر كان مختلفًا تمامًا:
“يا إلهي، كنتُ أنتظر أن تسألي! أؤكد لكِ… أن ابنكِ هو أوسمُ رجلٍ على وجه الأرض، بلا منازع. إن ملامحه من الجانب تخطف الأنفاس، وحتى من الخلف يبدو رائعًا! كيف أنجبتِ تحفة فنية بهذه الكمال؟!”
حتى أولئك الذين كانوا يغارون من إيرستاين، لم يسعهم إلا الإقرار بوسامة ريتشارد الأخّاذ.
وبالطبع، اعتادت كاميلا سماع المديح حول وسامة ابنها، لكن “وسيم من الجانب وحتى من الخلف”؟ ذلك شعور لا ينبض إلا في قلبٍ غارق في الغرام حتى النخاع.
هل يعقل أنها تحب ريتشارد حقًا؟
“وبالنسبة لكِ، ماذا يعني ابني لكِ بالضبط؟”
ضيّقت كاميلا عينيها بنظرة حادّة.
فجاء الجواب بسيطًا، لكنه مفعم بالصدق:
“بالنسبة لي… ابنكِ هو بطل هذا العالم.”
لم تقل “الرجل الذي أحبّه”… بل بطل العالم بأسره!
حينها أدركت كاميلا أن حبّ الآنسة هوبر لم يكن حبًا عابرًا على الإطلاق.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"
و بطلنة هم