آه… إذن، لم تكن غاضبة مني بعد كل شيء.
حسنًا، هذا منطقي. كانت كاميلا من النوع الذي يصدر أحكامًا باردة وحادة على كل شيء، لكنها لم تكن أبدًا من النوع الذي يُقلِّل من شأن الآخرين أو يسخر منهم.
شعرتُ ببعض الإحراج حين تذكرت كيف كنت ألوم نفسي ظنًّا أن مظهري لم يُعجبها.
ثم قال ريتشارد بوجهٍ جادٍ للغاية:
“إن لم يكن الطعام كافيًا، أخبريهم أن يُحضّروا المزيد، كلي قدر ما تشائين. وإلا، سأجبرك على أن تكتسبي من الوزن ما ستندمين عليه لاحقًا.”
لكن، أليست الجملتان تعنيان الشيء نفسه؟
فكّرت في ذلك وأنا أتناول قطعة من شريحة اللحم المشوية بإتقان.
بعدها، ركّزت كليًا على تناول الطعام، كما لو أنني أُصبت بعدوى صانع محتوى من نوع “الموكبانغ¹”.
[الشرح¹: صانعو محتوى من نوع “الموكبانغ” هم الأشخاص الذين يصوّرون أنفسهم وهم يتناولون كميات كبيرة من الطعام أمام الكاميرا ويتفاعلون مع المشاهدين.
كلمة موكبانغ بالكورية تعني “بثّ الأكل”.]
أما كاميلا وريتشارد، فكانا يراقباني بابتسامتين راضيتين.
✧ ─── ・ 。゚✧: . ꕥ . :✧゚. ・ ─── ✧
بعد بضعة أيام—
كان ذلك يوم ميلاد إيلا كانديا.
وبما أنها كانت المرة الأولى التي أحضر فيها مناسبة رسمية بصفتي دوقة إريستاين الكبرى، فقد استيقظ جميع الخدم في القصر قبل الفجر، يفحصون مجوهراتي والعربة وكل ما يلزم لتحضيري.
“أسرعوا! سنتأخر إن لم نتحرك بسرعة!”
“لحظة واحدة فقط!”
“قلتِ هذا قبل قليل!”
“لكن انظري! إن أضفنا لمسة صغيرة كهذه، ألا تبدو أكثر جمالًا؟”
“همم… هذا صحيح.”
بفضل اجتهاد الخدم الذين بذلوا جهدهم بحماسة، اكتمل المكياج على أكمل وجه، وبدت النتيجة مذهلة مع الفستان الذي طلبته كاميلا خصيصًا لي.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ فشعري، الذي كان باهتًا وجافًا، أصبح لامعًا كالحرير بفضل إصرار كاميلا المستمر على أن تصل الخادمات إلى النتيجة المثالية.
أما قدماي فكانتا تنتعلان حذاءً من الكريستال أهدتني إياه كاميلا بنفسها.
وزيّن عنقي وأذنيّ عقدٌ وأقراطٌ تتناسب تمامًا مع الفستان.
لكن… لم أشترِ أيًا من هذه الأشياء بنفسي.
“إن لم تأخذي هذا العقد، فسأجعلكِ تسمنين حتى يتكوّن بطنكِ من ثلاث طبقات، حين تجلسين!”
“وإن لم تأخذي هذين القرطين، فسأجعلكِ تسمنين حتى يلمس بطنكِ الطاولة قبل فخذيكِ عندما تسقطين الطعام!”
… لسببٍ ما، صرخ ريتشارد بتلك التهديدات فيما كان يُجبرني على قبولها.
‘على الأرجح كان يريد فقط أن يقدم لي هدية… لكن لماذا لا يقول ذلك بصراحة؟’
كنت على وشك سؤاله عن السبب، لكنني تراجعت سريعًا؛ فمواجهة ريتشارد الغاضب لثانيةٍ إضافية كفيلة بجعل قلبي يرتجف، فآثرت الصمت.
“تبدين رائعة.”
قالت كاميلا وهي تتأملني برضا، متنقلة بنظرها بين الفستان المصمم خصيصًا لي والحذاء الكريستالي الذي أهدتني إياه.
“والآن، هل ما زلت تعتقد أنها تشبه كيسًا من القش؟”
“لا، ليس بعد الآن. أممم…”
كان ردّ ريتشارد على سؤال كاميلا غريبًا قليلًا، وكأنه لم يُعجبه سؤالها.
‘كيس قش؟ لماذا يتحدثون عن كيس قش فجأة؟’
“سنتأخر! أرجوكم، اصعدوا إلى العربة!”
كنت أريد أن أسأل عما يجري، لكن صوت جايد العاجل جعلني أهرع إلى العربة بدلًا من ذلك.
“ما هذا؟”
سأل ريتشارد وهو ينظر إلى المغلّف البني الذي كنت أحتضنه بعناية بين ذراعيَّ.
ابتسمت وقلت: “إنه هدية. هناك شخص أريد أن أقدمها له.”
“هدية؟ ولمن؟”
“أفضل ألا أقول الآن.”
عندما أجبتُ سؤال ريتشارد بابتسامةٍ واهنة، اهتزّت العربة قليلًا وبدأت تتحرّك.
لم يسألني أكثر عن المغلّف الذي كنتُ أحمله، بل على العكس، أنا التي بادرتُ بالسؤال.
“ريتشارد، لماذا بدا عليك الانزعاج في وقتٍ سابق؟”
فجأة، تحوّل وجه ريتشارد إلى ملامح جادّة وقاسية، وقال بصوتٍ ثقيل:
“آيروبيل، الخيانة الزوجية أمرٌ لا يُغتفر.”
“……ماذا؟”
“لا ينبغي أن يخفق قلبكِ أو يحمرّ وجهكِ لمجرد ثناء رجلٍ آخر على جمالكِ. فهمتِ؟ عليكِ أن تُمسكي بزمام قلبكِ ووجهكِ جيّدًا.”
ما الذي يقصده بهذا الحديث؟
لقد سألته عن سبب انزعاجه قبل قليل، وها هو فجأة يتحدث عن… الخيانة؟
تساءلت إن كنتُ الوحيدة التي لم تفهم ما يعنيه، فالتفتُّ نحو كاميلا.
كانت تبتسم برضا، زاوية شفتيها الحمراء ترتفع بسعادة، وهي تهزّ رأسها موافقة.
…حقًا، هل أنا الوحيدة التي لم تفهم؟
وفي تلك الأثناء توقّفت العربة. وبعد أن فحص الخدم مظهري الأخير بسرعة، دخلنا قاعة الاحتفالات الكبرى في القصر الإمبراطوري.
“الدوق الأكبر ريتشارد إريستاين، والدوقة الكبرى آيروبيل إريستاين، والكونتيسة كاميلا برِلورد يدخلون الآن!”
أعلن الخادم دخولنا، وفي تلك اللحظة التفتت إلينا عشرات الأنظار دفعة واحدة.
“يبدو أنه صحيح أنها تزوّجت من الدوق الأكبر إريستاين!”
“حين أعلنوا ذلك دون إقامة حفل زفاف، ظننت أنه مجرد مزاح…”
“لكن انظري إليها الآن! لقد تغيّرت تمامًا. لقد كانت تبدو كخادمة من قبل.”
“سمعت أن السيدة كاميلا هي من ساعدتها على هذا التحول.”
“عزيزتي، إنها لم تعد ‘السيدة كاميلا’، بل ‘الكونتيسة برِلورد’ الآن.”
“آه، صحيح! أين عقلي!”
كانت تلك السيدات النبيلات يتحدثن همسًا وكأن أصواتهن لا تُسمع، لكن كل كلمة وصلت بوضوح.
نظرتُ إلى وجه كاميلا، وكما توقعت، كانت ملامحها متوترة ومتعكّرة.
“هل أنتِ بخير؟”
كانت كاميلا على الأرجح تملك في هذه الحفلة معارف أكثر إزعاجًا مما أملك أنا.
كان بوسعها ببساطة أن تمتنع عن الحضور، لكنها أصرت على المشاركة.
وعندما سألتها عن السبب قبل مغادرتنا، أجابتني:
“قلتُ لكِ: لديّ دينٌ يجب أن أسدده.”
يبدو أنها كانت تقصد الدَّين المعنوي الذي ترتّب عليها بعد أن قدّمت لها المساعدة عندما كانتا في أضعف حالاتهما.
والآن، حيث يتربّص نبلاء المجتمع بالفرصة لاغتيابنا والتقليل منا، كان هذا حقًا الوقت المثالي لتسديد ذلك الدَّين.
لكن بما أن المكان هو القصر الإمبراطوري، فالأرجح أن تواجه هي لحظات ضعف أكثر منّي.
“بالطبع أنا بخير.” قالت ذلك بنبرةٍ مليئة بالكبرياء.
“بدلًا من القلق على الآخرين، ركّزي على نفسكِ. نحن في وسط المجتمع الراقي، وهنا، إن غفلتِ لحظة واحدة، ستنقضّ عليكِ ذئابٌ جائعة تنتظر الفرصة لتمزيقك.”
“وهل تقصدين بتلك الذئاب… هؤلاء؟”
أشار ريتشارد برفق نحو إيلا كانديا والإمبراطور اللذين كانا يتقدمان نحونا.
“……ليسوا الذئاب الذين قصدتهم تحديدًا،” تمتمت كاميلا، “لكن من الحكمة أن تكوني حذرة منهم أيضًا.”
وبرغم كلماتها، بدا واضحًا أنها الأكثر توترًا بيننا جميعًا.
“آيروبيل! لقد أتيتِ!”
قال الإمبراطور وإيلا (نجمة الحفل الليلة) وهما يقتربان بابتسامات مشرقة.
بدا وكأن إيلا التي كانت تشعر بالريبة الشديدة من قبل قد اختفت تمامًا، لتحلّ مكانها امرأة مشرقة مفعمة بالحيوية.
“أُحيّي شمس الإمبراطورية الذهبية، صاحب الجلالة الإمبراطور، كما أقدّم أسمى التهاني لصاحبة السمو المحظية إيلا بمناسبة عيد ميلادها.”
ألقيت عليهم التحية بابتسامةٍ فاترةٍ خاليةٍ من الإخلاص، مرددةً عبارات المجاملة الرسمية على عجل، فبادلتني «إيلا» التحية بابتسامةٍ متكلّفة.
قالت وهي تضحك بخفةٍ وبنبرةٍ مصطنعة اللطف:
“لم أكن أعلم أنك أصبحتِ دوقة إريستاين، فبعثتُ خطأً بدعوة إلى قصر الدوق هوبر. أرجو أن تسامحيني على هذا التصرّف غير اللائق.”
لم تكن تجهل شيئًا، بل أرسلت الدعوة عن عمد.
لكنني، بابتسامةٍ ودودةٍ كتلك التي ترتسم على وجه نجمةٍ في إعلان، أجبتها بهدوء:
“من الطبيعي ألا تعرفي.”
إظهار مشاعري الحقيقية في مكانٍ كهذا، وأمام هذا العدد من الناس، لم يكن خيارًا حكيمًا.
فردّها المتوقع سيكون شيئًا مثل: “سخريّة؟! هل تتهمينني زورًا؟” — ولم أكن أرغب في الانجرار إلى تلك المهزلة.
لم يكن لدي أي دليلٍ قاطع، ولم تكن لدي رغبة في أن أصبح منبوذة في المجتمع الراقي؛ آثرتُ الصمت.
لكن فجأة قال الإمبراطور:
“تقولين إنكِ لم تكوني تعلمين؟ أتذكّرين ما قلتِ لي يوم عيد ميلادي السابق، يا إيلا؟”
ثم تابع ساخرًا:
“قلتِ لي بنفسك: يا للغباء! كيف تتجرّأ آيروبيل على رفض حظّها النادر في نيل اهتمام جلالتك والزواج من دوق إريستاين بدلًا منك! هي حقًّا حمقاء! أتُنكرين الآن أنكِ تلفّظتِ بكلمة (زواج) بنفسك؟ كيف تزعمين أنكِ لم تعلمي بزواجها؟”
كان الإمبراطور نفسه مَن قدّم الدليل القاطع الذي كنتُ أفتقده!
اتسعت عينا «إيلا» رعبًا، وبدأت تتلعثم في محاولةٍ يائسة لتبرير نفسها:
“مـ… ماذا؟ جـ، جلالتك! لا! لم أقل شيئًا كهذا أمامك قط!”
لكن الإمبراطور قال بلهجةٍ حادة:
“إيلا، هل تتّهمينني أنا، الإمبراطور وزوجكِ، بالكذب؟ هل أنتِ مستعدة لتحمّل عاقبة كلماتكِ هذه؟”
تجمّدت «إيلا» لحظة، ثم انخفض رأسها ببطء، وعلامات الارتباك بادية على وجهها.
“……لا يا جلالتك. ما تقوله صحيح.”
“إذًا أخبريني”، تابع الإمبراطور،
“لماذا أرسلتِ دعوة إلى قصر الدوق هوبر رغم علمكِ بأن آيروبيل متزوجةٌ من أخي؟”
صمتت «إيلا» طويلًا.
قال الإمبراطور بنبرةٍ آمرة:
“لا تتجاهلي سؤال الإمبراطور يا إيلا. أجيبي فورًا.”
(لأجل السخرية منها).
ذلك كان الجواب الذي كان الإمبراطور ينتزعه منها عمدًا.
وبينما كان هذا المشهد يجري، أدرك الحاضرون أن شيئًا أكثر إثارةً من حفلةٍ مملّةٍ على وشك أن يحدث، وبدأت الهمسات تنتشر بينهم.
“يا إلهي، جلالته قاسٍ للغاية! كيف يستجوب المحظية إيلا أمام الجميع هكذا؟”
“وفوق ذلك، في حفل عيد ميلادها! يا لها من مسكينة…”
لكن كلماتهم المليئة بالشفقة لم تُخفِ ابتساماتهم الساخرة.
فلم يكونوا يشفقون عليها، بل يستمتعون برؤيتها تُهان أمام الجميع.
لطالما تصرّفت «إيلا» وكأنها الزوجة الشرعية للإمبراطور، رغم كونها مجرد محظيةٍ مثل غيرها،
فكان سقوطها العلني هذا مشهدًا يُمتعهم بلا شك.
وأخيرًا، رفعت «إيلا» رأسها قليلاً وقالت بصوتٍ خافتٍ مهزوم:
“لقد أعمَتني الغَيرة تجاه الدوقة الكبرى إريستاين، فاتخذت قرارًا خاطئًا. أعتذر بصدق يا جلالتك.”
كانت تلك الجملة بمثابة اعترافٍ صريحٍ أمام الجميع، في حين أن على محظية الإمبراطور أن ترفع رأسها عاليًا لا أن تُنكّسه بهذا الشكل.
قال الإمبراطور بنبرةٍ باردةٍ متعمّدة:
“زوجة الإمبراطور لا يليق بها أن تحمل مشاعر الغيرة. كعقوبة، سأقلّل من مخصّصاتكِ الخاصة كمحظية. تقبّلي ذلك برضا.”
“أقبل الحكم يا جلالتك.”
ثم التفت إليّ مبتسمًا وقال بمرحٍ مزيّف:
“لو أنكِ أخبرتِني بما حدث منذ البداية يا آيروبيل، لما حدث كل هذا.”
وبينما قال ذلك، بدأ النبلاء الذين تعاطفوا مع «إيلا» قبل قليل يوجّهون أنظارهم إليّ بفضولٍ لامع.
“يبدو أن جلالته واقعٌ في حب الدوقة الكبرى إريستاين حتى النخاع.”
“أليست هي التي ردّت على السيدة إيلا، حين كانت تنعتها بأنها الابنة غير الشرعية، قائلةً:
‘من المضحك أن تتحدثي عن الشرف وأنتِ العشيقة التي سرقت زوج امرأةٍ أخرى؟’؟ عجب أن الإمبراطور فُتِن بكِ بعد ذلك.”
“يا للأسف، يبدو أن العشيقة لم تكن تعلم أنها كانت تُسيء إلى زوجة الإمبراطور الحقيقية!”
وعند تلك الهمسات، أطلق بعض النبلاء ضحكاتٍ مكتومةً لم يستطيعوا كبحها.
ولم يحاول أحد إسكاتهم رغم أن ضحكاتهم لم تكن خافتة.
كان ذلك وحده كافيًا ليثبت أن سلطة «إيلا» قد سقطت إلى الحضيض.
═══∘ ° ❈ ° ∘═══
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 16"