“آه…”
“……؟”
أطلق جايد تنهيدة وكأنه قد فهم المغزى على الفور، بينما ظلّت تعابير ريتشارد حائرة لا تفهم شيئًا. عندها اشتعل غضب كاميلا أكثر فأكثر.
“لا تخبرني أنك لم تلاحظ أن فساتين آيرويل وأحذيتها بالية؟!”
“…أكانت كذلك؟”
“هل تحب تلك الفتاة حقًا؟! كيف لك ألا تدرك مثل هذا الأمر؟!”
بدأت الشكوك تتصاعد كالدخان على وجه كاميلا.
الآن فقط أدركت أن فساتينها وأحذيتها كانت تختلف حقًا عن أقرانها من النبيلات.
لكن حتى اللحظة التي أشارت كاميلا إلى ذلك، لم يكن ريتشارد قد لاحظ الأمر قط.
لماذا يا ترى؟
“هل تتذكر على الأقل ما كانت ترتديه اليوم؟”
“نعم. كانت ترتدي الفستان الذي ابتاعته لها والدتي.”
“وكيف بدت لك؟”
هل يخبرها بالحقيقة؟ تردد ريتشارد قليلًا ثم أجاب:
“لم يبدُ مختلفًا عن المعتاد.”
“……”
أصاب جواب ابنها كاميلا بصدمة. فعلى الرغم من أن الثوب كان جاهز الصنع، إلا أنه كان باهظ الثمن، وقد بدا على كنتها وكأنه خُيط خصيصًا لها، حتى ليظنه الغريب ثوبًا فاخرًا مفصّلًا على المقاس.
حتى حين ارتدت ثيابها القديمة البالية، لم تكن تبدو سيئة—فقد أنقذتها ملامحها الجميلة. لكن ارتداء الثياب الفاخرة يزيد الشخص سطوعًا ويجعله يتوهّج أكثر.
آيرويل اليوم كانت بلا شك أكثر إشراقًا من ذي قبل. حتى كبير الخدم الذي استقبلهم اتسعت عيناه اندهاشًا من مظهرها الجديد.
ومع ذلك، فإن ريتشارد يرى أن الفستان البالي البارحة والفستان الجديد الباهظ اليوم سواء. أمر لا يُعقَل! ولم يكن ابنها يومًا ضعيف البصر إلى هذا الحد.
“أيمكن أن يكون…”
ترددت كاميلا ثم فتحت فمها، وقد بدأت تخطر ببالها فرضية واحدة.
“سواء ارتدت فستانًا فاخرًا أو كيسًا من القش—فهي تبدو لك جميلة على أي حال؟”
“……”
في ذهنه، تخيّل ريتشارد آيروبيل مرتدية كيسًا من القش.
كان يعرف تمامًا كيف ستدير رأسها لتبدو أكثر جمالًا، وكيف ستتحرك فيجعل قوامها يبرز حتى في كيس من القش…
لا شك أنها ستبقى جميلة.
“نعم.”
أومأ ريتشارد بهدوء، وكأنه يقرّ بحقيقة بديهية. عندها تلألأ بريق في عيني كاميلا الزرقاوين.
لا يُصدَّق!
ابنها، الذي ظنّته باردًا كالصخر، غرق في حبٍ أعماه إلى درجة أنه لم يعد يميز بين الفستان الباهظ وكيس القش! لقد وجدت الأمر ممتعًا إلى أقصى حد.
أما الغضب الذي كان يشتعل فيها قبل دخول المكتب فقد خمد تمامًا، وانتقل شرره إلى جايد بدلًا من ذلك.
“لكن يبدو أن البارون ميوت كان يدرك الأمر. فلماذا تركها على حالها؟”
“بالطبع، لقد نصحتُ سيدتي الدوقة بأن من الأفضل أن تشتري فساتين جديدة… لكنها أصرّت بشدة على الرفض، فلم يكن بوسعي أن أفعل شيئًا.”
“رفضت؟ ولماذا؟”
التفت ريتشارد بسرعة نحو جايد ليسأله، فأجابه الأخير:
“قالت الدوقة إن ثروة الدوق ليست ملكها، وإن لم يكن الأمر ضروريًا فلا رغبة لها في التبذير. وأكدت أن كل ما تحتاجه هو أن تحظى بطعام جيد فحسب.”
“……!”
“……!”
يا للدهشة! أن تتزوج واحدًا من أثرى رجال الإمبراطورية، ثم تعيش بتوفير؟!
كاميلا، التي ساورتها الشكوك يومًا بأن آيرويل لم تتزوج ريتشارد إلا من أجل ثروته، لم تستطع أن تخفي اندهاشها.
في تلك الأثناء، سرعان ما تحوّل ذهول ريتشارد إلى غضب. فحتى وإن كان زواجهما يفتقر إلى الحب، لم يستطع أن يتقبل فكرة أن تضطر زوجته إلى القلق بشأن المال.
ولا سيّما آيرويل، التي عانت الأمرَّين من قبل عائلتها، لدرجة أنّها كانت تضطر إلى التخفّي لمجرد شراء أداة سحرية واحدة.
“كيف يمكن أن تفكرين بهذه الطريقة؟”
تمتم ريتشارد متسائلًا، مع أنّه كان يعرف الجواب مسبقًا. فبعد عام واحد، ستغادر آيرويل دوقية إريستاين الكبرى. ربما كانت تشعر بالذنب، أو بعدم الارتياح إزاء إنفاق ثروة تعتقد أنها لا تخصّها.
لم يكن هناك أي داعٍ لمثل هذا التحفّظ. لكن، كم من الناس يستطيعون ببساطة أن يوقفوا شعورهم بالذنب لمجرد أن يُقال لهم: “لا تُلقِ بالًا!”؟
كيف له أن يخفف الحمل الجاثم على قلب آيرويل؟ وبينما كان غارقًا في التفكير، قاطعه صوت جايد:
“لكن المثير أنها قبلت الفستان الذي أهدته إياها الدوقة السابقة.”
“لقد رفضت في البداية، لكن عندما فقدت أعصابي، قبلت به أخيرًا.”
هذا هو الحل!
ابتهج ريتشارد في داخله، ثم التفت إلى كاميلا قائلًا:
“وكيف بالضبط فقدتِ أعصابكِ؟”
✧ ─── ・ 。゚✧: . ꕥ . :✧゚. ・ ─── ✧
الدعوة لا تعني بالضرورة وجوب حضور الحفل.
كان حفل إيلا كانديا يعجّ بوجوه مزعجة—الإمبراطور، وإيلا نفسها، وسائر المحظيات الإمبراطوريات.
بطبيعة الحال، كنتُ لأفضّل تجنبه.
لكنني، هذه المرة، عقدت العزم على الذهاب. مرة واحدة على الأقل، ينبغي لي أن أظهر في مثل هذا الحفل بصفتي دوقة إريستاين الكبرى.
عندها فقط لن يجرؤ أحد على إرسال الدعوات إلى قصر هوبر بحجة أنهم يجهلون بزواجي.
وبما أنني سأظهر بصفتي الدوقة، فلا بد ألا أُسِيء إلى شرف الدوقية. لذلك كنت أنوي شراء فستان جديد.
ولحسن الحظ، أهدتني كاميلا فساتين جديدة وأحذية—أكثر مما توقعت بكثير. كان ذلك باعثًا للارتياح.
هكذا انتهت مشكلة الفساتين والأحذية، لكن ما زال ينقصني حُليّ تليق بها. غدًا سأذهب لشراء بعض المجوهرات.
أما المدخرات التي أخفيتها عن عائلتي—المال الذي جمعته سرًا قبل أن أعلم أنني سأعيش في قصر الدوق الأكبر—فقد أنفقتها بالفعل على شراء منزل.
لكن لم يكن ذلك أمرًا مقلقًا.
“فالـنقود يمكنني أن أصنعها متى شئت.”
رفعت بين يدي حجرًا سحريًا كان يومًا رمزًا لدموعي. لم يعد هناك من يسلبني هذه الأحجار الثمينة، أستطيع بيعها متى أردت والحصول على المال!
صحيح أن دوقية إريستاين ستوفّر لي ما أحتاجه، لكنني لم أستطع إنفاق ثروة ستؤول يومًا ما إلى لوسيا. لم أرد سوى استخدام الحدّ الأدنى، مع ضمان إعادة الباقي.
وبينما كنت أفكر بذلك، دوى طرق خفيف على الباب.
طَرق، طَرق.
أخفيت الحجر السحري بسرعة في حقيبتي الخاصة، ثم ناديت:
“ادخل!”
دخل ريتشارد إلى غرفة النوم، وقد بدا أنه أنهى أخيرًا كومة الأعمال الورقية.
“لقد تأخرت. لا بد أنك مرهق—اذهب لترتاح.”
قلت ذلك وأنا جالسة على الأريكة مشيرة بيدي إلى السرير. خطر لي أن أرقه الأخير ربما تفاقم لأنه نام على الأريكة من قبل، فقررت هذه المرة أن أحتل الأريكة.
نظر إليّ ريتشارد بنظرات غاضبة:
“لستُ رجلًا بلا ضمير. لن أترك زوجتي منكمشة على أريكة غير مريحة بينما أستمتع بنوم هانئ على السرير.”
“إذًا فقد كانت ضيقة وغير مريحة حقًا، ولهذا لم تستطع النوم. أما أنا، فلا أعاني الأرق، وأستطيع النوم جيدًا حتى على الأريكة. فلا تشغل بالك بي.”
“لا يهم. لا يعجبني هذا الترتيب. ابتعدي، فهذا مكاني.”
“وماذا لو رفضت؟”
عندها تبدّل تعبير ريتشارد إلى شيء غريب عصيّ على القراءة. وبينما كنت أتساءل عن السبب، رفع صوته فجأة:
“إن لم تتحركي فورًا…!”
إن لم أفعل…؟
“سأجبركِ على أن تزدادي وزنًا حتى تصبحي مستديرة وممتلئة!”
…هل كان ذلك تهديدًا أم إغراءً؟! أيمكن أن يحوّل هذا الرجل وعد الوجبات الشهية إلى تهديد؟ ولماذا، بحق السماء، صاح به وهو غاضب؟!
لم يسعني إلا أن أحدّق في ريتشارد بدهشة عميقة—
حتى في مثل هذا الموقف… كان وسيماً على نحو لا يُحتمل.
وكلّما ازداد غضبًا، بدا أكثر جاذبية!
دقّات… دقّات… دقّات…
يا إلهي، حتى قلبي يصرخ معلنًا أن ريتشارد فاتن وهو غاضب.
إن تركته يستشيط هكذا أكثر، فسوف أقع في حبه بلا شك.
لا بد أن أهدّئه بطريقة ما.
“آه، فهمت. سأفسح لك المكان، فقط اهدأ رجاءً.”
قفزت مسرعة إلى السرير محاولة تهدئته. عندها فقط انقشع الغضب عن وجه ريتشارد.
“…الطريقة فعّالة حقًّا.”
تمتم بكلمات غامضة لم أفهم مغزاها.
・ 。゚✧: . ꕥ . :✧゚. ・
في تلك الليلة، رأيت حلمًا.
إحدى الخادمات كادت أن تُسقط صينية تحمل خمسة أطباق، لكنها ببراعة مدهشة أمسكت بها جميعًا دون أن يسقط واحد منها.
يا له من حلم سخيف…
كنت قد استيقظت منذ وقت طويل، لكن ما زالت بقايا النعاس تتشبّث بي، فأطلقت تثاؤبًا طويلًا. وبذلك الحال استدرت عند زاوية الممر، فإذا بي—
“آه!”
“آه!”
—اصطدمت بخادمة.
ويا للدهشة، انزلقت خمسة أطباق من يديها بالضبط.
لكنها، بمهارة مذهلة، التقطتها جميعًا دون أن يقع منها شيء.
“أنا آسفة.”
قالتها بوجه هادئ كأن شيئًا لم يحدث، ثم مضت مبتعدة، وأنا أحدّق مذهولة. كان المشهد مطابقًا تمامًا لما رأيته في الحلم!
الحياة مليئة بالعجائب حقًّا…
تمتمت في نفسي، وواصلت طريقي.
“صباح الخير يا دوقة.”
“سأعيد تسخين الطعام حالًا وأقدّمه، الرجاء الانتظار قليلًا.”
بمجرد أن وصلت إلى قاعة الطعام، استقبلني الخدم بابتساماتهم. وكان ريتشارد يتناول طعامه مع كاميلا، فحيّاني فور أن رآني.
“ظننتكِ غارقة في النوم، فبدأت الطعام من دونكِ. لكنّكِ استيقظتِ أسرع مما توقعت.”
كان السواد تحت عيني ريتشارد بارزًا من جديد. يبدو أن الأرق حرمه النوم مرة أخرى الليلة الماضية.
ألم أقل لكَ أن تنام على السرير…
تنهدت وجلست إلى الطاولة. وبعد قليل وُضع أمامي طبق ساخن بدرجة مثالية.
…لكن بدا أن الكمية أكثر من اللازم.
منذ أن اكتشف الطباخ مدى شغفي بالطعام، أصبح يضع لي حصصًا كبيرة. لكن ما أُحضِر اليوم بدا مبالغًا فيه.
“يا إلهي، لماذا الكمية كبيرة هكذا؟”
سألت الخادمة التي قدّمت الطعام، لكن كاميلا أجابت بدلًا عنها:
“أمرتُ أن يقدّموا لك ضعف ما تأكلينه عادة.”
“ماذا؟ ولماذا؟”
“ألستِ ستحضرين حفلة المحظية إيلا كانديا قريبًا؟ إذًا من الأفضل أن تأكلي جيدًا مسبقًا.”
إذن، عبارة “سأُطعم هذا الجسد الهزيل حتى ينتفخ بالشحم!” لم تكن مجرد تهديد لإجباري على قبول الفساتين الجديدة؟ ربما خرجت منها لا شعوريًا، لأنها رأت نحافتي البالغة مزعجة لعينها.
وبينما غر
قت في تلك الأفكار القاتمة، قالت كاميلا فجأة:
“كلما نظرت إليكِ، يغلي الدم في عروقي.”
“……ولِمَ ذلك؟”
“فقط تخيّل ما قاسيته من ازدراء في قصر دوق هوبر حتى أشعر بالغضب! أولئك الأوغاد التافهون!!”
═══∘ ° ❈ ° ∘═══
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 15"