حتى أكثر الناس انضباطًا في العالم، لا بدّ أن يفقدوا رباطة جأشهم أمام سحر آيروبيل.
……وكذلك آيروبيل، لا بدّ أنها بدورها ستفقد رباطة جأشها أمام جاذبية أولئك الحمقى.
“يجب أن أذهب.”
وهكذا، أسرع ريتشارد إلى البوتيك الذي اعتادت كاميلا ارتياده في العاصمة، وهناك واجه ذلك المجنون وجهًا لوجه.
“لا. أستطيع الوفاء بها. وإن كنتِ لا تصدقينني، سأبدأ في إجراءات عزلها في هذه اللحظة. سأفعلها أمام عينيكِ—فقط تعالي معي إلى القصر.”
جيرار دو زاجرزاك، ذلك المجنون الذي يطارد زوجات الآخرين رغم أن له زوجة بالفعل، كان واقفًا هناك.
وبحكم تأثره بكاميلا، كان ريتشارد يكره الخيانة كرهًا شديدًا. ولهذا، كان جيرار—الذي يخون مع إحدى وعشرين امرأة قانونيًا—شخصًا بغيضًا ومقيتًا في نظره.
لو لم يتزوجها، لكانت آيروبيل قد جُرَّت أيضًا إلى ذلك الحريم المقيت.
مجرد تخيّل هذا الاحتمال فجّر في داخله غضبًا عارمًا حتى شعر بالحرارة تتصاعد إلى وجهه.
“لا. مكاني إلى جوار زوجي.”
حتى حين باغتته آيروبيل بالتشبث بذراعه، لم يخفت ذلك الغليان في جسده قيد أنملة.
“لم يمضِ وقت طويل منذ افترقنا، لكنني كدت أموت شوقًا إليك، حبيبي!”
وعندما رفعت عينيها إليه بابتسامة مشرقة، كانت مشاعر الغضب قد هدأت، لكن لهيب صدره لم يخمد قط.
…اللعنة.
في تلك اللحظة، ولسببٍ لا يعرفه، ترددت في رأسه أنفاس آيروبيل اللاهثة التي داعبت أذنيه طوال الليل، ممتزجة بعطرها العذب، فاختنق صدره بشعور غامض سدّ حلقه. وكما حدث ليلة البارحة، انقبضت عضلات جسده كلها بقوة.
…طلبت منه أن يساعدها حتى لا تقع في حبه.
ومع ذلك، بدا سلوكها وكأنها لا تبالي البتة بجعله هو يقع في حبها.
ثم إن العقد كان واضحًا: ريتشارد وحده من يجب ألا يدع آيروبيل تقع في حبه. لا العكس. لذا، من الناحية المنطقية، لم يكن في الأمر خرق للاتفاق.
ومع ذلك، شعر أن الأمر قد تجاوز حدوده. فإذا ظلّ يتعرض لتلك الإغواءات غير المقصودة، فقد يقع في حبها حقًا—وحينها، ألن يصبح عاجزًا حتى عن الاعتراف بمشاعره لها؟
فالاعتراف ذاته قد يكون ما يدفع الطرف الآخر إلى السقوط في الحب بدوره.
إذن ليس هناك إلا جواب واحد:
ألا يقع أبدًا في حب آيروبيل.
أخذ ريتشارد نفسًا عميقًا، يحاول بيأس أن يستعيد هدوءه.
لكن كلما حاول، زاد وعيه بنقاط التلامس بين جسديهما. فانعقد جبينه غضبًا وهو يفكر:
لقد وقعتُ في مأزق.
✧ ─── ・ 。゚✧: . ꕥ . :✧゚. ・ ─── ✧
“لكن، ما الذي جاء بك إلى هنا يا ريتشارد؟”
“لأن في هذا العالم حمقى.”
أجاب ريتشارد بجمود كامل، فتساءلت بدهشة: حمقى؟ ماذا يعني بالضبط؟
“آيروبيل. تعالَي إلى هنا.”
زمجر الإمبراطور وهو يطحن أسنانه، محدّقًا بنقطة التقاء ذراعي وذراع ريتشارد بنظرة تكاد تقتل.
“اسألي الجميع! هل يريدون أن يعيشوا مرتجفين خوفًا في الشمال المتجمد، لا يدرون متى سيغزوهم التتار؟ أم يفضّلون العيش في رغد أبدي كإمبراطورة، والناس جميعًا تحت قدميهم؟ إنكِ عمياء بالحب، لدرجة لا تبصرين المستقبل بوضوح!”
لكنني لم أكن أنوي العيش في الشمال—بل في الجنوب. وإضافةً إلى ذلك، أي امرأة تصبح إمبراطورة لن تنال أبدًا حياة هانئة، وهي تحمل على عاتقها مصائر عدد لا يُحصى من البشر.
وقبل كل شيء، حتى لو لم أكن عمياء بالحب، فإن الزواج من رجل يملك اثنتين وعشرين زوجة لا يمكن أن يحمل إلا مستقبلًا بائسًا.
وقبل أن أجد وقتًا لأُفصح عن كل هذه الحجج، كان ريتشارد قد استدار بجسده، وسرعان ما تبعته ذراعي الملتفة حوله.
“فلنذهب يا أمي.”
قالها وهو يواجه كاميلا المتيبسة، ثم دفع باب البوتيك ليفتحه. بدا وكأنه اختار تجاهل نباح ذلك الإمبراطور المسعور بدلًا من أن ينبح في وجهه.
وفي تلك اللحظة بالذات—
“لقد كان صوت غزلك، يا جلالة الإمبراطور، مسموعًا حتى من خارج البوتيك.”
دخلت عبر الباب الذي فتحه ريتشارد شابة نبيلة، ذات شعر كستنائي ينسدل على كتفيها.
كانت تلك الشابة، التي تطحن أسنانها وتحدّق بالإمبراطور بعينين تتأجج غضبًا، ليست سوى إيلا كانديا—إحدى محظياته، سبق أن سخرت مني بإرسال دعوة حفلة إلى قصر دوق هوبر.
“إي–إيلا؟”
الإمبراطور، الذي كان يطلق هراءه المتعجرف قبل لحظات، تجمّد لحظة قصيرة.
حتى هذا الرجل، الذي اعتاد أن يبرّر نفسه دائمًا بقوله: “أنا الإمبراطور، ومن الطبيعي أن تكون لي نساء كثيرات”، بدا مرتبكًا قليلًا وقد ضُبط متلبسًا وهو يغازل أخرى أمام زوجته.
“قلتَ لي إنك وجدتَ التصميم المثالي لفستاني وطلبت مني أن أنتظر في العربة—لكن الحقيقة أنك تركتني لتلهث خلف مغازلاتك، أليس كذلك؟!”
“ليس صحيحًا. لقائي بآيروبيل كان محض صدفة.”
“كاذب! أنت تكذب!!”
“كاذب؟ ولماذا أكذب؟ حتى لو أحببتُ امرأة أخرى غيركِ، فما الخطأ في ذلك؟”
تس، تس… أن يكشف هذا الرجل انحطاطه الأخلاقي على الملأ، يا لها من وقاحة.
“……”
لمعت عينا إيلا بالدموع، كأن عاصفة جليدية قد تجمعت فيهما. أين هو ذاك الوعد المزعوم بأن من تصبح إمبراطورة ستعيش حياة آمنة مرفهة؟
سواء كإمبراطورة أو كـمحظية، لو أنني تزوجت جيرار، لكان وجهي قد حمل نفس التعبير الذي تحمله إيلا الآن.
حقًا… هل عليّ أن أعيش حياة كهذه؟
كان وجهها يصرخ بتلك الكلمات الصامتة، غارقًا في الشك وخيبة الأمل.
“فلنذهب.”
حثّنا ريتشارد، أنا وكاميلا، فتبعتُه بقلب مثقل خارج البوتيك.
وفي العربة العائدة إلى قصر الدوق إريستاين، قطعت كاميلا الصمت الطويل قائلة:
“يا للعار… لقد أظهرتُ ضعفًا لا يليق بي.”
“ما الذي حدث؟”
سأل ريتشارد، الذي وصل متأخرًا ولم يشهد ما جرى بينها وبين الإمبراطور. فأجابته كاميلا ببرود هادئ:
“لقد سخر مني جلالته، ناعتًا إياي بـ‘المحظية’، ومع ذلك لم أستطع الرد. رغم أنني أصبحت من عائلة برلرود، يبدو أن أعمق جراحي ما زال أسيرًا لدى العائلة الإمبراطورية.”
“هكذا كان الأمر إذن…”
“لكن آيروبيل تصدت له بجرأة نيابةً عني، بعدما عجزتُ أنا عن الرد.”
كاميلا، التي لم تكن تناديني سوى بـ”الآنسة هوبر”، خاطبتني هذه المرة باسمي: “آيروبيل”!
هل كان هذا اعترافًا منها أخيرًا بأنني أصبحت من عائلة إريستاين؟ أم مجرد زلة لسان؟
“يا للخزي… حماة تضطر للاحتماء بكنّتها.”
كتمت نشوة خفية اجتاحتني، وأجبتها برفق:
“لكل امرئ لحظات ضعف. حتى ريتشارد، الذي يفتك بالتتار بمهارة أسطورية، ينهار فورًا ما إن يمسّ الكحول. فلا داعي أبدًا للشعور بالعار.”
‘لماذا أنا من بين الجميع؟’، حدّق بي ريتشارد بنظرة تقول عيناه فيها تلك الكلمات بصمت.
“وأنتِ يا آيروبيل… متى تكونين في أضعف حالاتك؟” سألت كاميلا فجأة.
ترددتُ لحظة، ثم أجبت:
“حين تُصيبني النوبة.”
“……”
“……”
اهتزّت عينا كاميلا وريتشارد معًا، وساد بيننا صمت ثقيل يخنق الأنفاس.
‘آه… هل قلتُ للتو شيئًا قد يُفهم على نحو خاطئ؟’
“لـ… ليست نوبات تشنج خطيرة، إنما مجرد ارتجاف عند عيني.”
ما إن أوضحت أن الأمر ليس كما تخيلاه، حتى ارتخت كتفا الاثنين معًا بعد أن كانتا متصلبتين من القلق.
“ارتجاف حول عينكِ؟ أتعنين الأعراض التي قد يمرّ بها أي شخص بين حين وآخر؟”
“صحيح.”
“……إذن لماذا تكون أضعف لحظاتكِ عندما ترتجف عيناكِ؟”
على سؤال ريتشارد المرتبك، أجبت:
“لأنني في تلك اللحظة لا أستطيع أن أغمز.”
“……”
“……”
خيّم الصمت الثقيل مرة أخرى.
“هل من الممكن أنني لم أفهم مزحتكِ؟”
“كلا. أنا جادّة.”
“أ… أها…”
‘لكن لماذا بحق السماء يُعَدّ العجز عن الغمز بسبب ارتجاف العين أضعف لحظاتها…؟’
كانت عينا كاميلا الزرقاوان تقولان ذلك بوضوح.
طبيعي أن يجد مَن لا يعرف عالم الأيدولز صعوبة في فهم مدى أهمية الغمزة بالنسبة إليّ.
لقد لقّبوني يومًا بـ«الأيدول الذي وُلد وهو يغمز بدلًا من أن يبكي». كانت الغمزة هويتي في ذلك العالم.
ثم، في يومٍ ما، أصابتني علّة مروعة—ارتجاف العين. ولسوء الحظ، حدث ذلك على الهواء مباشرة، أمام حشود من المشاهدين الذين شهدوا محاولتي المرتجفة للغمز.
وسرعان ما ضخّمت وسائل الإعلام الأمر، وصوّر هذا العَرَض العابر وكأنه دليل على إدمان المخدرات. وما أعقبه كان وابلًا لا يُطاق من التعليقات الجارحة. ومنذ تلك التجربة، أصابني هاجس: لا بد أن تكون غمزتي حادّة، مثالية، خالية من أي شائبة.
لاحقًا، حين تبيّن أن شائعة المخدرات محض افتراء، وظهرتُ في إعلان لمكمّلات المغنيسيوم… لكن ما عانيته من ألم لم يُمحَ.
تلك الغمزة الفاشلة بقيت ندبة عميقة في نفسي حتى الآن.
“على أي حال… بما أنني أدين لكِ، فسأحرص على أن أساعدكِ أنتِ أيضًا في أضعف لحظاتكِ. سواء كان ارتجافًا في العين، أو شيئًا أصعب من ذلك.”
“حسنًا.”
ابتسمتُ بخجل. ضعف أمام الكحول، العائلة الإمبراطورية، ارتجاف في العين… بمشاركتنا نقاط ضعفنا، شعرت أننا اقتربنا من بعضنا أكثر.
✧ ─── ・ 。゚✧: . ꕥ . :✧゚. ・ ─── ✧
في تلك الليلة.
“هل لديك ذرة عقل، أم لا عقل لك على الإطلاق؟”
اقتحمت كاميلا مكتب ريتشارد بوجه غاضب. كان ريتشارد غارقًا في أوراقه، فقبض حاجبيه بضيق من هذا الاقتحام المفاجئ.
“ما معنى هذا الاقتحام المفاجئ؟”
كان يظن أن الأمور ستمرّ بسلام، بعدما بدا أن كاميلا قد لانت قليلًا تجاه آيروبيل. لكن يبدو أن أمرًا آخر قد أثار غضبها.
“أ–أ، سأذهب لأُحضِر بعض الشاي…”
خشية أن تصيبه الصاعقة، حاول جايد الانسحاب. لكن صاعقة كاميلا لم ترحمه أيضًا.
“إلى أين تريد الذهاب يا بارون ميوت هذه المرة! أنت الآخر لا تختلف عنه! أنتما الاثنان سواء! بصفتك سكرتير سيد العائلة، والمسؤول عن شؤون إريستاين كلها، كيف لك أن تتعامل مع واجباتك بهذه الطريقة؟!”
“أ–أعتذر أشد الاعتذار…….”
“تعتذر عن ماذا بالضبط؟”
“لـ–لست أدري… إن أوضحتِ لي، فسأراجع نفسي بعمق أكبر.”
“ولمَ تعتذر إذن إن كنت لا تدري؟ أتظن أن اعتذارًا أجوف كهذا قد يُطفئ غضبي؟”
“أمي. أخبرينا أولًا ما الذي أغضبكِ إل
ى هذا الحد.”
لم يطق ريتشارد المشهد، فأنقذ جايد بتدخله. عندها وجهت كاميلا نظراتها الحادة له، وكشفت أخيرًا سبب سخطها:
“تلك الفتاة. لماذا تبدو بتلك الحال المزرية؟”
═══∘ ° ❈ ° ∘═══
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"