“اجعليها تسرّ ناظري، من رأسها حتى أخمص قدميها.”
“بالطبع، اتركي الأمر لي، يا كونتيسة برِلورد.”
أجابت السيدة بحزم، تكاد لمعة الواجب تشعّ من عينيها، وهي تُحرّك شريط القياس حول جسدي ذهابًا وإيابًا.
“سيستغرق إنجاز الفستان نحو نصف شهر، هل يناسبكِ ذلك؟”
“هناك حفل بعد أسبوع.”
“إذن، سأُنجزه في الوقت المناسب للحفل.”
اتسعت عيناي وأنا أصغي إلى حديث كاميلا مع السيدة. أيمكن أن يكون الأمر حقًا…؟ هل ستشتري لي كاميلا فستانًا؟! بل فستانًا مفصّلًا خصيصًا لي، وليس مجرد فستان جاهز.
“وإلى أن يكتمل الفستان، لا بد أن ترتدي شيئًا. أريني بعض الأزياء الجاهزة.”
“هل لديكِ تصميم محدد في ذهنكِ؟”
“ليس بالضرورة. جرّبي عليها بضع قطع ونختار ما يناسبها.”
“مفهوم. الأزياء الجاهزة هناك، يمكنكِ قياس ما تشائين!”
أومأت كاميلا إيماءة قصيرة، ومسحت بعينيها الحادتين على الأرفف كصقر يبحث عن فريسته، ثم أمسكت بأكثر من عشرة فساتين دفعة واحدة وقدمتها لي.
“اذهبي وجرّبي هذه.”
“كلها؟”
تفلتت الكلمات من فمي في ذهول قبل أن أتمالك نفسي، فرمقتني بنظرة حادة. سارعت إلى تغطية فمي، لكن الأوان كان قد فات.
لا يجوز أن أتذمّر هكذا أمام مَن تودّ شراء ملابس لي!
“ما الأمر؟ هل ترين أن تجربة هذه القطع أمر مرهق؟”
“لـ… لا! أبدًا! قصدت فقط—هل حقًا ترغبين أن أجربها جميعًا؟ لقد كنت متحمسة للغاية، فهتفت بلا وعي!”
حاولت تدارك الموقف بجنون، لكن وجه كاميلا لم يَلِن. بل حدّقت بي بحدة وهي تقول:
“تتذمرين حتى عندما يشتري لكِ أحدهم! يا لكِ من كنتة جاحدة. يا سيدة!”
يا إلهي! هل أغضبتها حقًا؟!
“نعم، يا كونتيسة برِلورد!”
هرعت السيدة مسرعةً. وبما أن ملامح كاميلا ازدادت برودًا، ظننت أنها ستلغي طلب الفستان.
لكن تبيّن أنني كنت مخطئة.
“من هنا… إلى هناك، سأشتريهم جميعًا.”
أشارت كاميلا بيدها إلى القسم بأسره من الثياب الجاهزة.
وعلى عكس السيدة التي بدت معتادة على مثل هذا المشهد وبدأت بهدوء في تغليف القطع، كنت أنا في غاية الارتباك.
“ماذا؟! هذا كثير جدًا! لست بحاجة إلى كل هذه!”
“كفّي عن الضجيج. اختاري واحدًا من هذه المشتريات وغيّري ملابسك حالًا. وإذا تجرأتِ على الاعتراض مرة أخرى، سأُطعم هذا الجسد الهزيل حتى ينتفخ بالشحم.”
…كانت كلماتها قاسية، لكن أليس هذا يعني أنها ستُطعمني أشهى الأطباق حتى أشبع؟
“ح-حسناً، كما تأمرين!”
خشيت أن تغضب أكثر، فالتقطت فستانًا عشوائيًا، وأسرعت إلى غرفة تبديل الملابس.
“أما الأحذية—فلا داعي لقياسها. سنشتري القسم بأكمله. ضعي هذا الزوج جانبًا لترتديه الآن.”
سمعت صوت كاميلا وهي تأمر بشراء الأحذية بأكملها أيضًا، فيما كنت أبدّل ملابسي.
ما إن ارتديت الفستان وأوشكت على الخروج، حتى بدا أن زبونًا آخر قد وصل؛ إذ علت بعض الضوضاء في الخارج. ارتديت الحذاء الموضوع عند الباب، ثم خرجت.
وإذا بشخصٍ يقف أمامي مباشرة—
“يا للعجب! كيف يمكن لشخص أن يكون بهذا القدر من الجمال!”
صفّق بحرارة وهو يقطع طريقي، وبالطبع لم يكن ذلك الشخص كاميلا. رفعت بصري بتوجس، فإذا به يبتسم لي بجرأة.
“جلالة… الإمبراطور؟”
“لم أتوقع أن أصادفكِ هنا. يا لها من مفاجأة سارّة!”
“آه… نعم.”
أجبت ببرود، ثم اتجهت بخطواتي نحو كاميلا. لكن ذلك الإمبراطور اللعين أمسك بمعصمي فجأة.
“تبدين أفضل بكثير هكذا. استمري على هذا المنوال من الآن فصاعدًا.”
“كنت سأفعل ذلك على أي حال، سواء قلتَ أم لا، يا جلالة الإمبراطور. فزوجي يحب هذا.”
انتزعت يدي من قبضته، وأنا أتلذذ بمشهد وجهه وهو ينقبض بانزعاجٍ، ثم وقفت إلى جوار كاميلا. فألقى الإمبراطور نظرة متفحّصة عليها قبل أن يتحدث مجددًا:
“آه، كاميلا غويبي. هل وصلتكِ الرسالة التي بعثتها لكِ؟”
كلمة غويبي لقب لا يُستخدم إلا للإشارة إلى إحدى محظيات الإمبراطور.
لكن كاميلا لم تعد محظية للإمبراطور، بل أصبحت الآن كونتيسة برِلورد. ومع ذلك تجرأ على مناداتها بذلك. لم يكن سوى سخرية صريحة.
وسخريته أصابت الهدف، إذ إن نقطة الضعف الوحيدة في حصن كاميلا المنيع كانت ماضيها كمحظية للإمبراطور.
“……”
لو كان الأمر متعلقًا بغير ذلك، لكانت ردّت من دون تردد. لكنها الآن، وقد طُعن في موطن ضعفها، لم تفعل سوى أن ارتجفت عيناها.
“آه، صحيح. لم تعودي من محظيات والدي. خطئي. أقدّم اعتذاري.”
قالها بابتسامة ساخرة، جاعلًا من الواضح أن اعتذاره لم يكن سوى استفزازًا متعمّدًا.
أما أنا، فبجانب مرضي المعروف: الوقوع السريع في الحب، لدي داء آخر. وهو أنني لا أستطيع رؤية المعتوهين من أمثال هذا من دون أن تتهيأ قبضتي لإسكاتهم.
لكن لو استسلمت للثاني، لانتهى بي الأمر في السجن. لذا تماسكت.
“يا للعجب! أن يخلط المرء بين ألقاب امرأة مضى أكثر من عام على زواجها؟! الآن أفهم سبب انتشار شائعات تقول إن جلالة الإمبراطور يعاني نقصًا ما في الفهم. آه، لا تسئ فهمي! لم أقصد أنك ناقص الفهم حقًا، بل إنني مجرد ناقلة لما سمعته من شائعات، لا أكثر!”
وهكذا وجهت إليه لكمة بلساني. فانعوج وجهه مرة أخرى.
“يا للوقاحة.”
“بالضبط. أن يخلط أحدهم في الألقاب، أو يُرغم الآخرين على زيجات قسرية، ثم يأمر بالطلاق متى شاء—أليس ذلك نقصًا فادحًا؟ ما أوقح بعض الناس حقًا!”
شدَدت قبضتي وهتفت بانفعال، فيما أطلق الإمبراطور ضحكة خاوية.
“آيروبيل… أقصد أنكِ أنتِ من تتصرف بوقاحة.”
“آه، هذا ما قصدت؟ خطئي إذن، لقد أسأت الفهم. أقدّم لك اعتذاري.”
قلّدتُ نبرته المتعجرفة ذاتها التي استخدمها مع كاميلا. فأطلق مرة أخرى ضحكة خاوية.
“أتتوقعين أن أقبل اعتذاركِ ووجهكِ لا يحمل ذرة ندم؟”
“هاه؟ لقد قلدت تصرف جلالتك منذ قليل. أم أن جلالتك لم يكن نادمًا حقًا، بل تظاهر بالاعتذار فحسب؟”
“……”
هذه المرة كان هو من ارتجفت عيناه. ربما لأن الآذان كثيرة من حولنا، أو لأنه خشي أن أكون أخفي جهازًا سحريًا أسجل به. أياً كان السبب، لم يستطع إطلاق نفاقه المعتاد.
ابتسمت ابتسامة المنتصر، أترقب رد فعله.
لكنه، فجأة، أطلق قهقهة عالية:
“هاهاها!”
لم تكن الضحكة الفارغة السابقة، بل ضحكة صادقة مدوية. رمقني بعينين تتلألآن بالسرور، وكأنه يعشقني حقًا.
“لهذا السبب أحبكِ.”
“……”
تبا.
إن كان قصده أن يوجه لي ضربة قاضية، فقد نجح. فمجرد سماعها كاد يدفعني إلى التقيؤ.
“آيروبيل. سأعترف. كما توقعتِ، في البداية كنتُ مأخوذًا بجمالك فقط. لكن ذلك كان في الماضي. أما الآن، فقد أدركت كم أنتِ جريئة وجذابة بشكل لا يقاوم. ولهذا—رغم أنكِ زوجة لرجل آخر—لا أستطيع التخلي عنكِ. لقد وقعت في حبكِ.”
أهكذا يكون «العقاب باعتراف»؟! تجمدت مكاني، أحدّق في الإمبراطور بذهول.
ثم أطلق رصاصته الأخيرة—الجملة التي أسقطتني أرضًا بالضربة القاضية.
“أنتِ مختلفة عن سائر النساء. من أجلكِ، ليس منصب المحظية فحسب، بل حتى منصب الإمبراطورة لن يكون مبالغًا فيه. إن أردتِ ذلك، فسأعزل الإمبراطورة الحالية لتصبحي أنتِ زوجتي وإمبراطورتي.”
عزل الإمبراطورة؟
أليس هذا هو الأسلوب ذاته الذي استعمله الإمبراطور السابق مع كاميلا؟
وبعدها سينكر بكل بساطة أنه قال شيئًا كهذا، كما فعل والده من قبل.
“تُجيدون حقًا إطلاق الوعود التي لا يمكنكم الوفاء بها.”
“لا. أستطيع الوفاء بها. وإن كنتِ لا تصدقينني، سأبدأ في إجراءات عزلها في هذه اللحظة. سأفعلها أمام عينيكِ—فقط تعالي معي إلى القصر.”
وبنبرة متغطرسة، مدّ الإمبراطور يده كأنه يوشك أن يمسك بيدي.
“كياااه—!”
لكني سبقتُه وتفاديت لمسه، وكأن يده كانت حشرة قذرة سقطت عليّ لتوّها.
“أين تظن نفسك تضع يدك؟”
في تلك اللحظة—
رنّت في أرجاء البوتيك نبرة منخفضة باردة كالثلج. لحظتها ارتجفت أذناي، والتفتت عيناي تلقائيًا نحو المدخل حيث صدر الصوت.
كان واقفًا هناك.
شَعر حالك السواد، وعينان زرقاوان تبعثان قشعريرة تكاد تُجمّد الهواء. أجل، لا شكّ في ذلك، إنه أوسم رجل في هذا العالم: ريتشارد إريستاين.
“لم ألمسها حتى…”
تمتم الإمبراطور باستياء، كأنه مظلوم، إذ أنني تجنّبته بمهارة فلم يتمكن حتى من ملامستي.
“حبيبي!”
أسرعتُ راكضة نحو ريتشارد، واختبأت خلف ظهره العريض. عندها، صرّ الإمبراطور على أسنانه غيظًا.
“تعالي إلى هنا، آيروبيل.”
“لا. مكاني هو بجانب زوجي.”
وتعمدتُ أن ألتصق بريتشارد، بل وشبكت ذراعي بذراعه، حتى يزداد غيظه. عندها تشوّه وجه الإمبراطور بغضب عارم.
أوه… النتيجة باهرة.
وكي أُكدّر مزاجه أكثر، رفعت وجهي إلى ريتشارد بابتسامة مشرقة.
“لم يمضِ وقت طويل منذ افترقنا، لكنني كدت أموت شوقًا إليك، حبيبي!”
“…….”
…لكن، لماذا وجه ريتشارد هو الآخر متجهم؟
✧ ─── ・ 。゚✧: . ꕥ . :✧゚. ・ ─── ✧
قبل عشرات الدقائق، بعيد خروج كاميلا وهي تمسك بيد آيروبيل…
“ألن تتبعهم، سيدي؟” سأل جايد.
هز ريتشارد رأسه نافيًا.
“ألا تذكر حين كنت صغيرًا، حين قالت أمي لإحدى الخادامات: أنتِ لا تعجبينني من قمة رأسكِ حتى أخمص قدميكِ؟”
“آه، بلى. أذكر ذلك. قالتها، ثم أخذت الخادمة معها تمامًا كما الآن… واشترت لها ثيابًا.”
“صحيح. لا بد أنها خرجت لتشتري لها ثيابًا فحسب. يبدو أن آيروبيل راقت لها حقًا.”
“حتى الدوق السابق، هو الآخر، أدرك جاذبية الدوقة.”
…حتى الدوق السابق؟
ذلك التعبير بدا وكأن جايد نفسه أيضًا على إدراك تام بجاذبية آيروبيل.
هل قال للتو “هو الآخر”؟! إذن… لا تقل لي… هل من الممكن أن والدتي قد وقعت هي الأخرى في غرام آيروبيل؟!
بخلاف تلك المرة التي كان فيها ثملًا، لم يستطع ريتشارد الآن أن يتجاهل الأمر ببساطة، أو أن يظنها مجرد أوهام بأن كاميلا وجايد قد وقعا في غ
رام آيروبيل.
لكن، في هذا العالم، هناك الكثير من البشر… والكثير من المجانين. ومن المؤكد أن هناك من المجانين مَن قد يطمع في امرأة متزوجة.
وآيروبيل… أليست فاتنة أكثر مما ينبغي؟
═══∘ ° ❈ ° ∘═══
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 13"