كنتُ أعاني من حالة غريبة.
مرضٌ يشبه داء التوهّم العاطفي، إن صحّ التعبير.
مرضٌ يجعلني أفسّر أي تصرّفٍ عابرٍ من الطرف الآخر وكأنّه دلالة على مشاعره تجاهي، فأقول في نفسي: «هل يفعل ذلك لأنّه يحبّني؟»
ولهذا، قادتني كلمات ريتشارد، بشكل لا إرادي، إلى فكرةٍ معينة.
«انتظر… هل عجز عن النوم بسببي حقًّا؟»
طبعًا، أنا أعلم جيّدًا أنني على خطأ. فأوهامي غالبًا ما تنتهي بكونها مجرّد خيالات لا أكثر.
ثم كيف لريتشارد، وهو البطل، أن يهتزّ قلبه لامرأةٍ غير لوسيا؟
“هل كنتُ أتحدّث أثناء نومي؟”
أجابني ريتشارد بهدوء:
“لا، يا آيروبيل. لقد نمتِ بهدوء.”
“إذن، لِمَ لم تستطع النوم؟”
“……”
كان يجيب مباشرة في كل مرة، لكنه هذه المرّة لاذ بالصمت. ولم يفتح فمه مجدّدًا إلا بعد مضي وقت طويل.
“……الأمر ببساطة أنّني أعاني الأرق. هذا كل ما في الأمر.”
・ 。゚✧: . ꕥ . :✧゚. ・
ريتشارد… يعاني الأرق؟
كنتُ أمضغ قطعة من الكركند المدخَّن بينما أستعيد في ذهني صورة ريتشارد في رواية «زوجي بالعقد غريب بعض الشيء».
لقد مرّ زمن طويل منذ قراءتها، ولم تعد ذاكرتي حادّة، لكني كنت واثقة أنّ ريتشارد كان يغطّ في النوم ما إن يضع رأسه على الوسادة…
هل يُعقل أن تدخّلي في حياته غيّر مجرى الأمور؟
الاحتمال وارد. فأنا نفسي زوجة تعاقدية تثير المتاعب. وإن كان مضطرًا لأن يشارك هذه المرأة الغريبة غرفة نومه، فلا عجب أن يُسهره القلق.
ولحسن الحظ، ما إن تغادر كاميلا القصر، سيتوجّه ريتشارد إلى الشمال، ولن نضطر بعد ذلك إلى مشاركة الغرفة ذاتها.
قد يبدو انفصالنا غريبًا للآخرين، لكننا كنّا نستطيع تبريره بسهولة: ريتشارد يحمي الشمال، بينما عليّ أنا أن أرسّخ نفوذ عائلة إريستاين في العاصمة. الأمر لن يُثير الكثير من الشكوك.
بينما كنتُ غارقة في هذه الأفكار، انسلت عيناي إلى كاميلا وريتشارد، الجالسَيْن قبالتي.
نعم، هذا عشاء كنتُ أُشاركه معهما باقتراحٍ من كاميلا.
لا بد أن أبقي ذهني يقظًا؛ فإن أردتُ تجنّب انتقاداتها، لم يكن مسموحًا لي بالسرحان.
“سيدي! أخبار عاجلة!”
فجأة، اقتحم جايد قاعة الطعام مسرعًا.
“أيُّ أخبارٍ عاجلة؟ هل جاء ذاك الأحمق جيرار مجدّدًا؟”
سأل ريتشارد، الذي كان يجلس بجواري، فيما هزّ جايد رأسه نافيًا.
“كلا يا سيدي! إنهم… الدوق والدوقة هوبر، بل وحتى الدوق الشاب، قد وصلوا للتو.”
عائلتي؟!
كنت أعلم أنهم لن يرضخوا بسهولة لزواجي، لكن لم أتوقّع أن يأتوا إلى القصر بينما كاميلا هنا!
“يقولون إنهم جاؤوا لتسليم دعوة أتت إلى قصر هوبر… فماذا نفعل؟”
ألقى جايد نظرة متردّدة نحوي.
من المثير للريبة أنهم أرسلوا الدعوة إلى قصر هوبر لا إلى قصر إريستاين. ألا يعلمون أنّني أصبحتُ الآن دوقة إريستاين الكبرى؟
وربما… بما أنّه لم نقم مراسم زفاف رسمية، فلا يزال هناك من يجهل الأمر.
“دعوة؟ ومن قِبل مَن؟”
“من سيدة تُدعى إيلا كانديا. يبدو أن جلالة الإمبراطور يُقيم حفلة في القصر الإمبراطوري احتفالًا بعيد ميلادها.”
“إيلا كانديا…”
ما إن تمتمتُ باسمها حتى رمقني ريتشارد بنظرة جانبية.
“ربما لم يعرفوا أن آيروبيل لم تعد في قصر هوبر، فأرسلوها هناك. وبما أننا لم نُقم حفل الزفاف بعد، فمن الطبيعي أن يجهل بعضهم أنكِ أصبحتِ دوقة إريستاين.”
لكن الأمر لم يكن كذلك.
في البداية راودتني الفكرة ذاتها، لكنني أدركت الحقيقة حالما سمعت اسم المُرسِلة.
إيلا كانديا هي المحظيّة الحادية والعشرون للإمبراطور. كانت تراقبني بغيرةٍ مُشتعلة، لأني كنتُ المرشحة لأن أصبح المحظيّة الثانية والعشرين. وهي امرأة خبيرة بالقيل والقال في المجتمع.
امرأة مثلها يستحيل أن تجهل خبر زواجي من ريتشارد الذي أشعل قاعة الرقص همسًا وضجيجًا.
إرسال الدعوة إلى قصر هوبر بدلًا من قصر إريستاين لم يكن خطأً… بل استفزازًا متعمّدًا.
«كيف تجرؤين وتدّعين أنكِ تزوّجتِ دوق إريستاين العظيم؟ مكانكِ الطبيعي بين جدران قصر هوبر، حيث تعانين الذلّ والاحتقار.»
ذلك هو المعنى الذي أرادت أن تُوصله.
“ما الذي ترغبين بفعله إذن؟ بما أنهم عائلتكِ، فسأتبع قراركِ.”
فاستدرتُ نحو جايد فورًا:
“أخبِرهم أن يغادروا حالًا. لسنا بحاجة إلى مثل هذه الدعوة.”
كانت مجرد ذريعة. الهدف الحقيقي هو إثارة المشكلات. ولو أننا استقبلناهم، لكان ذلك غباءً لا يُغتفر.
“هُمم…”
رفعت كاميلا حاجبها للمرة الأولى منذ بداية العشاء، وقد بدا على وجهها تعبير فضولي غريب. كنتُ على وشك مراقبتها أكثر حين قاطعنا جايد:
“آه، صحيح… لقد وصلت دعوتان أيضًا إلى كل منكما.”
“لي أيضًا؟”
تلقّت كاميلا بطاقة الدعوة التي قدّمها لها جايد.
“وكيف علموا بوجودي هنا؟”
“انتشرت شائعة في أوساط المجتمع تفيد بأن الدوق السابق قد ترك الشمال وجاء إلى العاصمة.”
“أهكذا إذًا؟ مثير للفضول حقًا… يعلمون أنني وصلت بالكاد منذ أيام معدودة، ومع ذلك يجهلون أمر الآنسة هوبر!”
“كما قلتُ سابقًا، لم نقم بحفل زفاف بعد، فلا بد أنهم لم يعلموا أن آيروبيل مقيمة هنا كدوقة إريستاين.”
كاميلا، التي بدت قبل لحظات متحيّرة من تصرّفات إيلا، التفتت نحو ريتشارد بابتسامة ذات مغزى.
“ابني لا يزال ساذجًا. إنّ نبلاء المجتمع أبعد ما يكونون عن البراءة التي تتصوّرها.”
إذن، كانوا يتظاهرون بالجهل طوال الوقت.
نعم، تمامًا… أولئك الذين ينتمون إلى الطبقة الرفيعة بارعون في التظاهر بالجهل مع أنهم يدركون كل شيء.
“يا تُرى، ما الذي تفعله كنَّتنا حتى تحوم حولها هذه الحشرات المزعجة بهذا الشكل؟”
وببريق ساخر يلمع في عينيها، ارتشفت كاميلا من كأس نبيذها. مسحتني بنظرة متفحّصة من رأسي حتى قدمي، قبل أن تتمتم بنبرة لاذعة:
“الآن أفهم سبب انجذاب هذه الحشرات إليكِ… لكنني حقًا لا أجد فيكِ ما يسرّني قيد أنملة.”
ولكن… ألم تكن هي ذاتها التي دفعتنا بقوة لإتمام ليلة الزفاف؟ لماذا تثير شجارًا الآن؟
وقبل أن يكتمل تساؤلي، نهضت كاميلا من مقعدها قائلة:
“اتبعيني حالًا.”
・ 。゚✧: . ꕥ . :✧゚. ・
وفي العربة، التي لم يُفصح عن وجهتها بعد، بدأت كاميلا الحديث:
“بما أن ريتشارد يكنّ لكِ المودّة، فسأقبلكِ ككنَّة لي. لكن إياكِ أن تظني أنني راضية بكِ—فأنا لا أُطيقكِ.”
كنتُ قد توقعت ذلك. ففي القصة الأصلية، لم تتقبّل كاميلا (لوسيا) أبدًا. وفي النهاية لم تقف إلى جانبها إلا مضطرة، لأن ريتشارد كان يحميها بشدّة.
حتى البطلة، التي أحبها الجميع، لم تفز برضا كاميلا… فكيف لي أنا، شخصية ثانوية، أن أنجح في ذلك؟
وحتى في حياتي السابقة كمغنية، كنتُ أعرف جيدًا أنّه يستحيل على المرء أن يكون محبوبًا من الجميع.
لذلك لم أصب بخيبة أمل، لكنني سألتها مباشرة:
“أي جانب من شخصيتي يزعجكِ؟”
رغم ذلك، لم يكن من المريح أن أعلم بكرهها لي. على الأقل أردتُ أن أعرف السبب.
“أولًا… هذا الفستان.”
أشارت كاميلا إلى فستاني.
كان واحدًا من القلائل التي أحضرتها معي من قصر هوبر. للوهلة الأولى بدا مقبولًا، لكن عن قرب كان ذيله مهترئًا، كما أنّ مقاسه لا يلائمني تمامًا، أوسع قليلًا من اللازم.
“ما هذا بحق السماء؟”
لم تكلف نفسها عناء تعداد العيوب، بل اختصرتها كلها في تلك الكلمة اللاذعة.
أجبت بثقة ودون أي شعور بالخجل:
“إنه فستان قديم من زوجة أبي، أعطتني إياه لأنها لم تعد ترتديه.”
بالنسبة للنبلاء، كان من المتعارف عليه أن يُفصّل اللباس على مقاس صاحبه تمامًا، أما ارتداء ثيابٍ بالية أو مستعملة من آخرين فهو عار شديد.
لكنني لم أشعر بالعار. فالخطأ لم يكن خطئي.
«ماذا؟ تفصيل ثوب لكِ؟ وأنتِ نتاج نجس لشيطان، ما الذي يجعلكِ تستحقين واحدًا؟ إن احتجتِ ثيابًا، سأعطيكِ مما لبسته من قبل. لكن إياكِ أن تهدري مال العائلة.»
لم يكن اختياري أن أرتدي ثوبًا قديمًا، بل كانت زوجة أبي التي منعتني حتى من أبسط حقوقي.
“وهذه الأحذية البائسة؟”
“هي أيضًا من بقايا زوجة أبي.”
“وشعركِ؟ لماذا يبدو جافًا وبلا حياة؟ هل كانوا يجوّعونكِ في قصر هوبر؟”
ذلك… بسبب الأداة السحرية التي تُخفي لون شعري الحقيقي. لكن لم يكن بوسعي البوح بذلك، فترددت في الإجابة.
ففسّرت كاميلا ترددي على أنه إقرار.
“لا تُسمّي امرأة كهذه ’أمًا‘. فأنتِ بلا أمّ في هذا العالم. أمكِ الحقيقية قد رحلت، أليس كذلك؟”
…لحظة. هل هي… تحاول مواساتي؟
…مهلًا. هل تحاول… مواساتي؟
كاميلا بالذات؟ أيمكن أن تكون عبارتها «أمكِ الحقيقية قد رحلت» نوعًا من التعزية لا السخرية؟
كدتُ أن أتأثّر… لكن العربة توقفت فجأة.
“هيا، انزلي.”
نزلت كاميلا بخطوات واثقة، فسارعتُ للحاق بها.
قادتني إلى أشهر صالون في العاصمة. ومن الواضح أنها تعرف المكان عن ظهر قلب، إذ توجهت مباشرة نحو السيدة المالكة وقدّمتني إليها.
“انظري إلى هذه الفتاة… أليست كارثة من رأسها حتى أخمص قدميها!”
“أوه، معكِ حق… المنظر يدعو للسخرية فعلًا!”
“أترين؟ لم أُبالغ. إن مجرد النظر إليها يُثير غضبي!”
…كان ذلك جليًا. الاثنتان قد تحالفتا معًا للسخرية مني.
═══∘ ° ❈ ° ∘═══
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 12"