004
حين انشغل الإمبراطور الأحمق بتلقّي التهاني من المتملّقين بمناسبة يوم مولده، انتهزنا الفرصة وأتممنا توقيع وثيقة الزواج بنجاح.
بعد ذلك، توجّهنا إلى شرفةٍ هادئة نسبيًّا لنتحدّث بشأن خططنا المستقبلية.
“هل عائلتكِ على علمٍ بهويتكِ الحقيقية، آنستي؟”
“نعم. دموعي تدرّ الكثير من المال، كما تعلم. إنهم لا يجرؤون على التبليغ عنّي، فقط لأنهم لا يريدون أن يفقدوا مصدر دخلهم.”
“ألن يتسبّب رجوعكِ إلى المنزل الآن بفوضى كبيرة؟”
“بلى، ولهذا أفكّر في مغادرة المنزل. في الواقع، اشتريتُ منزلًا صغيرًا بالسر.”
السبب الوحيد الذي جعلني أظلّ في ذلك المكان البائس، هو رغبتي في لقاء ريتشارد.
فأنا بحاجةٍ إلى مكانتي كابنةٍ لعائلة هوبر، كي أتمكّن من حضور حفل ميلاد الإمبراطور، وأتمكّن من لقائه.
“وماذا لو قرّروا الإبلاغ عنكِ لاحقًا؟”
“لن يستطيعوا. أنت تعلم أنّ إخفاء أحد الشياطين يُعدّ خيانةً عظمى، صحيح؟ لديّ تسجيلٌ يثبت أنّهم على علمٍ بهويتي.”
منذ أن أُغلقت بوّابات عالم الشياطين، لم يعُد هناك بشرٌ قادرون على استخدام السحر، باستثناء أنصاف الشياطين.
لكن الشياطين تركوا وراءهم دموعًا سحريّة — أحجار مانا — كان يمكن من خلالها صنع أدواتٍ سحرية.
وبفضل ذلك، أصبح بمقدور البشر أيضًا استخدام السحر، إن اعتادوا على تلك الأدوات.
“لا بدّ أنّكِ استخدمتِ أداة تسجيلٍ صوتيّة سحرية.”
“صحيح. أنا نصفُ شيطان، لكن لا أستطيع استخدام السحر، لذا أضطرّ إلى الاعتماد على الأدوات.”
“بعيدًا عن أداة التسجيل، هل لديكِ أيّ أداةٍ سحرية لحماية نفسكِ؟”
“أمّم… لا أملك شيئًا كهذا، لكنّني دائمًا أحمل معي علبة فلفلٍ أسود.”
كم أنّ هذا مفيد فعلًا. كانت نظرة ريتشارد الباهتة تعبّر عن ذلك تمامًا.
“بالمال الذي كنتُ أخفيه سرًّا، لم أتمكّن من شراء سوى أداة التسجيل، فلا تنظر إليّ بتلك الطريقة.”
“وأيّ طريقةٍ أنظر بها إليكِ، آنستي؟”
“بعينين جميلتين… لا، أعني بنظرةٍ مليئةٍ بالشفقة.”
“…”
تجمّد وجه ريتشارد عند سماعه عبارة “عينين جميلتين”، ثم أدار وجهه بعيدًا.
كانت أذناه، الظاهرتان بين خصلات شعره الأسود المرتّب، قد احمرّتا.
يبدو أن دوق الشمال الحديدي بدأ يشعر بالإحراج من كثرة المديح الذي أوجّهه لوجهه.
“ع-على أيّة حال…”
قال ذلك وهو يشيح بوجهه، ويتمتم بصوتٍ خافت:
“بما أنّه لا يوجد من يرافقكِ للحماية… هل تفكّرين في الإقامة في منزلي بالعاصمة؟ حتى عندما أكون غائبًا، هناك جنودٌ مقيمون دائمًا في المنزل.”
“أأنتَ تطلب منّي أن أعيش تحت سقفٍ واحد معك؟”
“أنا أقضي معظم أيّام السنة في المقرّ الرئيسي في الشمال، لذا، احتماليّة أن نلتقي ستكون ضئيلةً جدًّا.”
وهذا يعني أنّه خلال وجوده في الجنوب، سأكون أنا وهو نعيش في المنزل نفسه.
هل سيكون الأمر على ما يُرام؟
على أيّة حال، إنّه قصرُ دوق، فلا بدّ أنّ هناك جناحًا منفصلًا للضيوف. وبمجرّد انتهاء حفلة عيد ميلاد الإمبراطور، التي تستمرّ ثلاثة أيّام، سيعود ريتشارد إلى الشمال.
إذا بقيتُ في الجناح، فمن غير المحتمل أن نصادف بعضنا كثيرًا. ومن المؤكّد أنني لن أقع في الحبّ في هذه الفترة القصيرة.
…رغم أنّني أعلم كم أنا سريعة الوقوع في الحب بطريقةٍ مقلقة، فلا خيار لديّ سوى أن أثق بنفسي هذه المرّة.
إذا تعاون الإمبراطور مع عائلة هوبر، فلن يستغرق الأمر سوى وقتٍ قصيرٍ قبل أن يُكشف مخبئي.
“حسنًا.”
“يا لها من لوحةٍ رائعة.”
في تلك اللحظة، وبجملةٍ بدت وكأنها مقتبسةٌ من فيلم عصابات، ظهر ذلك الإمبراطور اللعين.
كان وجهه محمرًّا، وعيناه نصف مغمضتين — من الواضح أنه كان يحتسي الشراب مع حاشيته من المتملّقين.
“يا إلهي، يا له من إطراء! أن تقول إنّنا نبدو كزوجين مثاليين في لوحةٍ فنية؟”
تظاهرتُ بالخجل، وحرّكتُ جسدي بحياء، مبتسمةً كأنني مرتبكة.
كلّ ذلك كان جزءًا من التمثيل — لأبدو وكأنني امرأةٌ في علاقةٍ تغلّبت على أزمة انفصالٍ بسبب شخصيةٍ ثانويةٍ حمقاء، لتعود وتنتصر في قصةِ حبٍّ عظيمة. كلّ هذا فقط لأتخلّص من الإمبراطور بأسرع ما يمكن.
“أوه، لا! لقد أسقطتُ رمزَ حبّنا الثمين. يا لي من حمقاء!”
وبأداءٍ تمثيليٍّ مبالغٍ فيه قدر المستطاع، أسقطتُ “عرضًا” وثيقة الزواج أمام الإمبراطور.
“…ما هذا؟ هل تزوّجتما حقًّا؟”
“نعم. يبدو أن جلالتكم لم يكونوا على علم… لكن اليوم هو عيد ميلادي، وقد أصبحتُ راشدة. حسنًا، أتفهّم أنّه من الطبيعي ألّا تعرف، فعيد ميلادك وحده هو المهم، أما عيدي فلا قيمة له، أليس كذلك؟”
“صحيح. شكرًا لتفهّمكِ.”
“…”
مختلّ.
تلقّى سخريتي وكأنّها كلماتٌ صادقة.
هل هذا مجرّد غرور؟ لا، أعتقد أنّ ذكاءه منخفضٌ ببساطة.
“إذًا… أصبحتِ راشدة، هه… في هذه الحالة، لا خيار أمامي. لا يمكنني مخالفة القانون، لذا لا بدّ أن أتنازل.”
يبدو أنّ الكحول جعله أكثر هدوءًا من المعتاد…
…أو هذا ما ظننته للحظة.
“لكن لا أعلم إن كان أخي يعلم بهذا الأمر. تلك المرأة مختلّةٌ عقليًّا نوعًا ما، كما تعلمون.”
على ما يبدو، كنتُ مخطئة.
حتى وهو ثمل، لا يزال الإمبراطور كما هو.
“إن سألتها عن هواياتها، تجيبك بحكّ أنفها. وإن طلبتَ منها رقصة، تغرس رأسها في الأرض وتبدأ في تدوير ساقيها بجنون… ما الذي يعجب أخي فيها؟”
وما المشكلة في رقصي البريك دانس؟
كان مولعًا بي سابقًا، يقول إنّه لم يلتقِ يومًا بامرأةٍ مرحةٍ وعفويّةٍ مثلي!
يا له من تافهٍ حتى النخاع.
“…”
ريتشارد، الذي كان يواجه استفزازات الإمبراطور بصبرٍ يُحسَد عليه، تجمّد فجأةً وتمتم بصدمة: “حكّ… الأنف؟”
“عزيزي، جلالته يوجّه لك سؤالًا.”
عضضتُ على أسناني، وطعنته بمرفقي في خاصرته، فانتفض ونظر إليّ بسرعة.
قل له: “حتى هذه الصفات أجدها لطيفة.”
نظرتُ إليه بنظرةٍ حادّةٍ تنقل الرسالة دون كلمات.
“…قد تبدو، للوهلة الأولى، شخصًا مجنونًا — لا، أقصد، غير متّزن — لكنها فقط… فريدةٌ من نوعها. لقد أسأتَ الفهم.”
كلماته المرتبكة والمتلعثمة كانت بعيدةً كلّ البعد عن الإقناع.
لقد سمعته. قال “مجنونة” ثم تراجع.
“سوء فهم؟ إذًا، رقصُها الغريب وحكُّها لأنفها، كلّ ذلك كنتُ أتخيّله؟”
“هذا…”
اهتزّت حدقتا ريتشارد بعنف.
نظر إليّ وكأنه يقول: “في الواقع، هذه التصرفات تُشبهكِ فعلًا…”
“قل فقط إنني لطيفة.”
همستُ له بصوتٍ منخفضٍ لا يمكن للإمبراطور سماعه، وكالروبوت المطيع، نفّذ ريتشارد الأمر.
“لـ… لطيفة…”
قالها بصوتٍ مهزوز، وكأنّ الكلمات سبّبت له ألمًا وجوديًّا، ثم دفن جبهته في راحة يده من شدّة الإحراج.
لكن بالنسبة للإمبراطور —
“يا له من حبٍّ عظيم.”
— لابد أنه ظنّها لحظةً عاطفية من زوجٍ مسحورٍ بجمال زوجته.
رفع الإمبراطور إصبعه الأوسط نحونا بوجهٍ متقزّز، وفرّ مبتعدًا وكأنه لا يطيق النظر إلينا.
“واو. لقد رحل أخيرًا! لقد هزمنا جلالته الذي لا يفهم عظمة الحب!”
“…نعم.”
همم؟
لماذا يبدو ريتشارد وكأنّه محطّم نفسيًّا؟
هل هي مجرّد أوهامي؟
・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ・
بسبب الإمبراطور الذي انسحب إلى جناحه الخاص، مدّعيًا أنّه فقد شهيته للمتعة، انتهى الاحتفالُ هذا اليوم دون نتيجةٍ تُذكر.
وبحسب ما اتفقنا عليه سابقًا، قرّرتُ أن أذهب إلى قصر ريتشارد في العاصمة.
وبينما كنّا نبحث عن العربة التي تحمل شعار عائلة إريستاين—
“أختي الصغيرة. ماذا تفعلين هنا، وقد حان وقت العودة إلى المنزل؟”
قالها يونياس وهو يلفّ ذراعه حول كتفي، مبتسمًا بتصنّع، كما لو كان شخصًا لطيفًا.
“أبعد يدك.”
أبعدتُ يده عني بقوّة، ونظرتُ إليه بنظرةٍ مليئةٍ بالاشمئزاز.
وبرغم أنّني لم أضربه بقوّة، إلا أنّ يونياس أمسك بيده وتظاهر بالألم.
“آه، كم هذا قاسٍ. لماذا تعاملين أخاكِ الحبيب بهذه الطريقة؟ هل هي نوبةُ مراهقةٍ متأخّرة؟”
“لا تزعجني. اختفِ من وجهي.”
“إن كنتِ منزعجة، فلنتحدّث عن الأمر في البيت، آيروبيل. هه؟ فقد يسيء الآخرون الفهم.”
“أيّ إساءةِ فهم؟ أنكم تضطهدونني؟ هذا ليس سوء فهم، بل حقيقة.”
“آيروبيل، أنتِ…”
يبدو أنّ تظاهره بالودّ بلغ حدّه، إذ بدأ يونياس يحدّق إليّ بنظرةٍ باردةٍ عدائية.
وكلّ مرّة كان ينظر إليّ بتلك الطريقة، كانت تتبعها أمورٌ سيئة.
مثل أن يشي بي لزوجة أبي، فيُغلقوا عليّ في مخزنٍ قذرٍ كريه الرائحة دون أن يفتحوا لي الباب.
أو أن يتركوني جائعة.
وربما كانت تلك الذكريات هي ما جعل جسدي يرتجف قليلًا دون وعيٍ مني.
“زوجتي سترافقني إلى قصرِ دوقية إريستاين.”
في تلك اللحظة تمامًا، وضع ريتشارد يده بثباتٍ على كتفي.
يده، التي يمكنها سحقُ التتار العتاة دون سلاح، كانت قويّةً وحنونةً في آنٍ، ما جعل الارتجاف يتوقّف بشكلٍ غريب.
همس في أذني وهو يقترب مني:
“هل تحتاجين إلى المساعدة؟”
…هذا يدغدغ.
حتى في مثل هذا الموقف، لم تفشل طبيعتي الضعيفة أمام العاطفة في بثّ رجفةٍ في قلبي.
وبشيءٍ من الخجل، أومأتُ برأسي بخفّة.
“يا دوق، آيروبيل مختارةٌ من قِبل جلالة الإمبراطور. تصرّفك هذا غير لائقٍ إطلاقًا.”
“وماذا بعد؟”
“عذرًا؟”
“آيروبيل اختارتني أنا.”
واو… يا له من مشهدٍ بطولي.
كما هو متوقّع من بطل الرواية. طريقته في إلقاء الحوار مذهلة.
“مهلًا، ما علاقةُ اختيارها بالموضوع؟ مهما كانت مشاعرها، جلالةُ الإمبراطور يرغب بها. ونحن حصلنا من جلالته على… مناصبَ مهمّة. كيف تظن أنّه سينظر إلى دوقية هوبر إن خذلتَ وعوده؟”
“إن كنتَ ستتظاهر بالإخلاص، فأدِّه بإتقانٍ على الأقل. من الواضح أنّك تعامل آيروبيل كأنّها سلعة. هل أبدو لك ساذجًا لأُصدّق هذا الهراء السخيف؟”
تحوّلت نظراته إلى برودةٍ قاسية، وانخفض صوته حتى بدا وكأنّه يزحف من أعماق الظلام.
اختفت كلّ ملامح الأدب والاحترام.
ريتشارد بدا غاضبًا بحق، وهذا نادر الحدوث.
“يا دوق! كيف تجرؤ على قول هذا الكلام الفظ؟!”
قال يونياس، وقد تغيّر وجهه غيظًا.
وفي تلك اللحظة، توقّفت عربةُ دوقية إريستاين أمامنا؛ على ما يبدو، لم تعد تنتظر وصول ريتشارد وقرّرت القدوم إلى هنا.
ريتشارد، غير آبهٍ بثورة يونياس، قذفه بجملةٍ حادّة:
“اختفِ، أيّها الحثالة.”
ثمّ فتح باب العربة، ومدّ يده ليُصطحبني إليها، بنعومةٍ لا تُشبه القسوة التي واجه بها يونياس قبل قليل.
“ماذا قلتَ؟! حثالة؟! يا دوق، هل تعي ما تقول؟!”
“انطلق.”
سواء واصل يونياس صراخه أم لا، أمر ريتشارد السائق بالتحرّك بنبرةٍ باردة.
وسرعان ما بدأت العربة تهتزّ وتتحرّك.
“كيف تحمّلتِ كلّ هذا طوال الوقت؟”
كنتُ أحدّق بشرودٍ من النافذة بينما تسير العربة، حين تكلّم ريتشارد فجأة.
“كنتُ أعيش على أملِ اليوم الذي أتزوّج فيه منك.”
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
الواتباد : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "004"