002
“كلا، لم توقّع على عقد الزواج بعد، لذا لا داعي لاختفائك بهذه السرعة.”
“…أدرك تمامًا، يا آنسة، أنكِ لا تكنّين لي أيّ مشاعر خفيّة، ولو بقدر ذرّة نملة.”
مدّ ريتشارد يده، كعادته، ليمرّرها في مقدّمة شعره، لكنه توقّف في منتصف الحركة، وأمسك عقد الزواج بصمت.
“لقد استمعتُ جيدًا إلى شروط العقد. سأقوم بمراجعته، وأُرسل شخصًا نيابةً عني. سأتّخذ قراري في غضون ثلاثة أيام كحدٍّ أقصى.”
“ثلاثة أيام؟! هذا وقتٌ طويلٌ جدًّا! ماذا لو قيّدني جلالة الإمبراطور قانونيًّا في هذه الأثناء؟!”
“إن حدث ذلك، فلن يكون بوسعي فعل شيء.”
ليس بوسعك فعل شيء؟ يبدو أن لوحة الشيطان لا تثير اهتمامك كثيرًا، أليس كذلك؟!
صحيح، فقد خاض المعارك ببسالة حتى الآن من دونها، لذا، ليس من المستغرب ألّا يجد زواجنا مغريًا بالشكل الكافي.
لكنّه قبل عرض لوسيا على الفور!
لماذا فعل ذلك يا تُرى؟
هل أحبّها من النظرة الأولى؟ لا… لقد كان باردًا معها في البداية أيضًا. إذن، ما السبب؟
آه، صحيح! لقد وقعت تلك الحادثة قبل ظهور لوسيا.
قلتُ ذلك وأنا أبتسم بثقة:
“في الشمال، تمّ رصد شيطان تاتار يشبه القط، أليس كذلك؟”
ما إن ذكرتُ “تاتار يشبه القط”، حتى بدا الارتباك واضحًا على وجه ريتشارد.
كان ريتشارد، بصفته دوق الشمال، بارعًا في القتال، وكذلك جنوده، الذين كانوا من نخبة المحاربين المتميّزين. ومع ذلك، فإنّ ذلك الـ”تاتار” الصغير كان يسبّب لهم صداعًا دائمًا.
رغم مظهره اللطيف، كان قويًّا للغاية، ومجرّد واحدٍ منه كان كافيًا ليُمثّل تهديدًا حقيقيًّا.
وأنا أعلم بأمره، رغم أنّ قلّةً قليلةً من أهل الشمال فقط يعرفون ذلك… والآن، لا بدّ أنك تتساءل بجنون، أليس كذلك يا ريتشارد؟
“ذلك التاتار ما يزال هادئًا الآن، لكن خلال بضعة أشهر سيمزّق خطوط الدفاع، ويحوّل الشمال إلى فوضى. إنّه قويّ للغاية. لذا، إن كنت تريد حماية جنودك، فستحتاج إلى لوحتي.”
“…”
“ليس لديك وقتٌ للتفكير. في هذه الأثناء، سيقوم جلالة الإمبراطور بانتزاعي منك، وجنودك سيفقدون الأمل الوحيد لهزيمة ذلك الشيطان. فهل ستظلّ مكتوف اليدين رغم ذلك؟”
“…”
لم ينبس ريتشارد ببنت شفة.
لكنه أجاب بتوقيعه على العقد الذي أمسك به.
“سأُرسل شخصًا إليكِ قريبًا.”
قالها، ثم غادر دون أن يلتفت.
شاهدته وهو يبتعد بخطواته الواثقة، وكنت أحدّق فيه مذهولةً للحظة، قبل أن أستعيد وعيي وأوقّع أسفل توقيعه.
وهكذا، أصبحنا أنا وريتشارد زوجين.
“أمّي… لقد تزوّجتُ لتوّي!”
كم من العناء والتعب مررتُ به حتى أصل إلى هذه اللحظة؟
فلنأخذ لحظةً ونعود بالذاكرة…
・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ・
قبل نحو ثلاث سنوات…
كنتُ عائدةً إلى المنزل بعد انتهاء جدول أعمالي، حين صدمتني سيارة فجأةً ومِتُّ على الفور.
لكن، ما إن فتحتُ عينيّ، حتى وجدتُ أمامي مشهدًا لم أره في حياتي من قبل.
“أين أنا؟”
“هل هذه كاميرا خفية؟”
“آآاه! ما الذي جرى لوجهي؟! عيناي أصبحتا أرجوانيّتين!!!”
مررتُ بمرحلة الانهيار النفسي الشهيرة، التي يمرّ بها أبطال الروايات الخيالية بعد تجسيدهم داخل عملٍ روائي، ثم بدأتُ أستوعب، شيئًا فشيئًا، أنني أصبحتُ “إيروبيل هوبر” من رواية زوجي التعاقدي غريب الأطوار.
ادّعيتُ أنني فقدتُ ذاكرتي، وبدأت أستقي معلومات هذا العالم تدريجيًّا… إلى أن اقترب منّي رجلٌ في إحدى الحفلات، وقال:
“إنكِ جميلة حقًّا.”
جيرار دو زاغرياك.
لقد كان الإمبراطور اللعين بعينه!
“صحيح… مصيري أن أموت بسبب هذا الوغد، أليس كذلك؟”
في القصر الإمبراطوري، يخضع الجميع لفحصٍ دوريٍّ يُعرف بـ”فحص الطاقة السحرية”، وهو إجراء يهدف إلى منع الشياطين أو أنصافهم من التسلّل والتخفّي بين البشر.
في الرواية الأصلية، تصبح إيروبيل محظيّةً للإمبراطور، لكن أثناء الفحص تُكتشف حقيقتها كمزيجٍ من البشر والشياطين، ولا أحد يهبّ لإنقاذها من مصيرها المحتوم.
حتى الإمبراطور، الذي قال لها:
“مهما كنتِ، فسأحبّك كما أنتِ.”
وعائلتها، التي أجبرتها على دخول القصر رغم رفضها، قالوا لها:
“عليكِ أن تكوني ممتنّة لأنكِ استطعتِ إخفاء دمائكِ النجسة طوال هذا الوقت.”
لم يقف أحدٌ إلى جانبها.
“لقد انغمستُ في التعايش مع حياة إيروبيل، حتى نسيتُ مصيري الحقيقي.”
ما لم أكن متزوّجةً بالفعل، فلا مفرّ لي من اختيار الإمبراطور لي كمحظيّة.
لكن، لحسن الحظ، الإمبراطور لم يخترني بعد!
إذن، كل ما عليّ فعله هو أن أجعله ينفر منّي، حتى لا يخطر له اصطفائي أصلًا.
“حسنًا، سأجعله ينفر منّي تمامًا!”
وكانت محاولتي الأولى:
“ببببببببببب—”
أن أبدو حمقاء لدرجة أن يسيل لعابي أمامه.
كنتُ آمل أن يقول في نفسه:
“لا يمكنني أبدًا اتخاذ شيء بهذا الغباء والقبح كمحظيةٍ لي.”
قال أخي غير الشقيق، “يونياس”، وهو يسرع إلى جانبي:
“أعتذر، جلالتك… شقيقتي تعاني من اضطرابات عقلية منذ ثلاث سنوات.”
كنت أصفّق في داخلي فرحًا، لأنه ختم الأمر نهائيًّا باعتباري مختلّة… لكن…
“أوه… يا لها من قصة حزينة…!!”
كان ذلك الإمبراطور الملعون يحدّق بي بعينين يفيض منهما التعاطف والانبهار.
يبدو أنّه من النوع الذي يتحوّل تعاطفه بسهولةٍ إلى حبّ.
ففي المرّة التالية، تصرّفتُ بشكل طبيعي دون حماقات.
لكنه قال فجأة:
“ألم تبلغي سنّ الرشد بعد؟ حين تكبرين، هل تتزوّجينني وتصبحين محظيّتي؟”
وهكذا، في ذلك اليوم تحديدًا، تلقيتُ عرض زواجٍ رسميًّا من الإمبراطور.
ومنذها، فعلت كل ما بوسعي لإفشاله:
حككتُ أنفي أمامه، رقصتُ رقصة “البريك دانس”¹ حين دعاني إلى رقصة كلاسيكية، وغير ذلك من التصرفات المجنونة…
[ الشرح¹: البريك دانس (Breakdance) هو نوع من رقص الشارع نشأ في نيويورك، ويتميّز بحركاتٍ قوية وسريعة تشمل الرقص وقوفًا وعلى الأرض، مع دورانات وتوقّفات مفاجئة. يُعدّ جزءًا من ثقافة الهيب هوب، ويعتمد على اللياقة والمهارة. ]
لكن ردّه كان:
“لم أرَ امرأةً تحكّ أنفها أمامي من قبل… أعشق النساء العفويّات مثلك.”
“أنا لا أقول هذا مجاملةً… بل لم أرَ أحدًا يرقص بتلك المهارة من قبل!”
كلما فعلتُ شيئًا أكثر غرابة، ازداد انجذاب الإمبراطور لي.
“إن استمرّ الأمر على هذا المنوال، سأتزوّجه ما إن أبلغ سنّ الرشد.”
حينها، فكّرتُ في طريقةٍ أخرى.
تمامًا كما فعلت “لوسيا”، التي وقع عليها اختيار الإمبراطور أيضًا، وكادت تُكتشف كأحد أنصاف الشياطين.
قالت حينها:
“سأقترح زواجًا تعاقديًّا على الدوق، وفي المقابل، سأسمح له برسم لوحتي.”
كانت تراهن على حقيقة أنّ حتى الإمبراطور لا يمكنه انتزاع امرأةٍ متزوّجة، فتقدّمت بعرض زواجٍ لريتشارد.
“سأتزوّج شخصًا آخر أيضًا!”
قرّرتُ ذلك بكل جرأة… لكن لم يوافق أحد على عرضي.
الجميع رفض بدعوى أنهم لا يريدون إثارة غضب الإمبراطور.
“ربّما عليّ أن أعرض عليهم رسم لوحتي، كما فعلت لوسيا، حتى لا يُرفض طلبي.”
راودتني هذه الفكرة للحظة، لكن سرعان ما تراجعتُ عنها.
ففي حال اكتشف الطرف الآخر أنني نصف شيطان، قد يشي بي بدافع الطمع.
فمن يبلّغ عن وجود شيطانٍ أو نصفه يُمنَح لقبًا نبيلًا ومكافأةً ضخمة.
رسم لوحتي قد يُدرّ عليهم مالًا كثيرًا، لكنه لن يكون مالًا نظيفًا.
العيش في الظلّ بمالٍ مشبوه لا يُقارن بشرف أن تكون بطلًا غنيًّا ذا مكانة.
“ما أحتاجه هو شخصٌ لا يُغريه المال أو الألقاب، بل يكون بحاجةٍ حقيقيةٍ إلى لوحتي.”
وبحسب معرفتي… لا يوجد سوى شخصٍ واحد بهذه المواصفات.
القائد العظيم لشمال البلاد، “ريتشارد إريستاين”، الذي يخوض معارك يوميّة مع “التاتار”.
بدأتُ أفهم لمَ اختارته لوسيا بالذات كزوجٍ تعاقدي.
كنت أعلم أنّ قلبه محجوزٌ لامرأةٍ أخرى، لذا لم أرغب في التقرّب منه قط.
لكن إن كان هذا هو السبيل الوحيد للنجاة… فلا خيار أمامي سوى استعارة لقب “زوجته” لبعض الوقت.
“لا مفرّ. عليّ أن أقترح على ريتشارد زواجًا تعاقديًّا.”
لكن، للأسف، لم أتمكّن من التواصل معه طوال ثلاث سنوات.
لم أستطع رؤيته، ولا حتى مراسلته.
ففي الشمال، بخلاف الجنوب الأكثر اعتدالًا نسبيًّا، كانت العواصف الثلجية تفتك بكل شيءٍ منذ ثلاث سنواتٍ متتالية.
حتى الحمام الزاجل يموت من التجمّد، أو يُبتلع في دوّامةٍ ثلجية قبل الوصول.
أما أنا، فلم يكن بإمكاني الوصول إلى هناك بعربة، مهما حاولت.
لذا، انتظرتُ بصبر… حتى تهدأ العاصفة، ويزور ريتشارد الجنوب أخيرًا.
“دوق ريتشارد، أنا إيروبيل هوبر، ابنة دوقية هوبر. لدي أمرٌ مهمّ أودّ مناقشته معك، فهل بإمكانك منحي بعضًا من وقتك؟”
وهكذا… تمكّنتُ أخيرًا من لقائه.
وتمكّنتُ، أخيرًا، من إبرام هذا العقد.
・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ・
المكان الذي دار فيه حديثي مع ريتشارد، كان صالة استقبالٍ مؤقتة أُعدّت داخل قاعة الحفل.
غادرتُها، وعدتُ أدخل القاعة مجدّدًا، لكن أخي غير الشقيق “يونياس” اعترض طريقي.
“ماذا كنتِ تفعلين مع دوق إريستاين؟”
رددتُ عليه بصوتٍ هادئ، كأنني أعدّد قائمة الغداء:
“تزوّجته لتوّي.”
“حسنًا، تزوّجتِ لتوّكِ… ها؟ ماذا قلتِ؟!”
“قلتُ إنني تزوّجته.”
“ما الذي تهذين به؟! تقولين إنكِ تزوّجتِ دوق إريستاين؟!”
كان اليوم هو اليوم الأول من حفل عيد ميلاد الإمبراطور، وقد اجتمع فيه عددٌ من كبار شخصيات الإمبراطورية أكثر من أي وقتٍ مضى.
وعلى الرغم من صخب الأحاديث المتداخلة، لم يُفوّت النبلاء في المجتمع الأرستقراطي موضوعًا مثيرًا كهذا: “الدوق الشهير ريتشارد”… و”الزواج”.
“يُقال إن دوق إريستاين تزوّج الآنسة آيروبيل هوبر.”
“مستحيل! لا بدّ أن اللورد هوبر الصغير سمع خطأ.”
“لكنّ الدوق خرج لتوّه من صالة الاستقبال المؤقتة مع الآنسة هوبر، وكانا بمفردهما.”
“ربما اعترفت له بحبّها كغيرها من الفتيات، ولا شكّ أنه رفضها.”
“يا للأسف… مسكينة.”
وعندما هدأ الهمس، كنتُ قد أصبحتُ بالفعل الضحية رقم ## ممن اعترفن له بالحب وتلقّين الرفض.
“هيه، توقّفي عن هذا الهراء. أنتِ فقط محرجة لأن الدوق رفضكِ، فقرّرتِ اختلاق قصة الزواج، أليس كذلك؟”
يبدو أن يونياس توصّل إلى النتيجة نفسها.
وبصراحة، من الصعب على أيّ أحدٍ أن يصدّق أنني تزوّجت خلال عشر دقائق فقط.
“إن لم تُصدّق، فلا تُصدّق. لا يهمّني.”
“هل هذه التفاهمات ورثتِها من دمكِ النجس؟ أوه، صحيح، أنتِ لا تعلمين، لأن أمّكِ تخلّت عنكِ.”
قالها وهو يلفّ ذراعه حول كتفي، مدّعيًا الحنان، وهمس بصوتٍ خافت.
كانت عائلتي، بمن فيهم يونياس، يعرفون أنني نصف دمٍ شيطاني.
لكنهم لم يفضحوا أمري، بل أخفوه.
لأنهم يحبّونني كابنتهم؟ بالطبع لا.
“هل أخبرتِ دوق إريستاين بشأن دمكِ النجس؟ لا… لا بدّ أنكِ تعرفين حدودكِ، لذا لم تفعلي، أليس كذلك؟ آسف… خطئي.”
“…”
“هل أنتِ غاضبة؟ جُرحت كرامتكِ؟ لا بأس، يمكنكِ البكاء. هذا الأخ هنا سيتحمّل دموعكِ، آيروبيل.”
كل ما أرادوه هو الحفاظ على سمعة العائلة… وعلى “دموعي”.
فدموعي، بسبب دمي الشيطاني، تتحوّل إلى أحجارٍ ورديّة تشبه الأحجار السحرية، وهي نادرةٌ وثمينة في هذا الزمن الذي اندثرت فيه الشياطين.
وكانت عائلتي تستغلّ هذا؛ يحرصون على دفعي للبكاء كلّما سنحت الفرصة، ويهدّدونني بكشف حقيقتي إن لم أفعل.
“هـ… هل هذا صحيح؟!”
في تلك اللحظة، ساد الاضطراب بين الحضور لسببٍ ما.
وفي وسطه، كان ريتشارد، ينظر حوله وكأنّ كلّ هذا الضجيج لا يُطاق.
وما إن لاحظ الحضور وجوده، حتى تلاشت الهمهمات، وبرز صوته واضحًا:
“نعم. لقد تزوّجتُ الآنسة هوبر لتوّي.”
وفي تلك اللحظة…
توجّهت نحوي عشرات النظرات الحادّة.
ومن بين تلك النظرات، كانت نظرة الإمبراطور نفسه.
“آيروبيل… ما معنى هذا؟”
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
الواتباد : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "002"