“أمّي أرادت أن تُربّى آيلا تربيةً قاسية، فاشترت مُعلّمتها وخادمتها. وإن طردتُهما، فما أدري كم بقي من رجالها في داري.”
لم أستوعب ما سمعت.
أيصحّ أن تستأجر الأمّ أتباع ابنها لتؤذي حفيدتها؟
سألتُه في ريبة:
” إذن دراسة آيلا الشديدة، كلّها بضغطٍ من أمّك؟”
“……نعم. لقد أمرت ديبورا أن تلحّ عليها بالدرس. بل لعلّي شريكٌ في الذنب، إذ كنتُ في قلبي أرجو ألا تخيّب أمّي. والطفلة ذكيّة، فلا بدّ أنّها أدركت مقاصدي الخفيّة.”
“هاه…….”
ثم مال على مقعده، وقد غلبه الأسى، يُوبّخ نفسه.
‘أيُّ أمرٍ جلل ذاك الذي يستحقّ أن تُعذَّب طفلةٌ منذ خمس سنين من عمرها؟’
هنا فهمتُ لمَ جاءني مع الفجر.
“……فأنتَ إذن تريد أن أُعنى بالطفلة حتى تواجه والدتك وتفرغ من أمرها؟”
“نعم، هذا مرادي.”
أطرق إيد برأسه في خجل.
كنتُ أظنّ أنّ دوري انتهى منذ أن أنبأتُه بما جرى من تعذيبٍ لابنته.
فإذا بي الآن أُستدرَج إلى ما يشبه (خدمةً بعد البيع).
‘ولولا ظروفي، لأجبتُك بنعم بلا تردّد……’
لكنّي بالكاد وجدتُ العزم لأُدرّس الطفلة مرّةً في الأسبوع.
فكيف أتحمّل رعايتها لأسبوعين أو أكثر؟
‘ترى، كيف أصدّه دون أن أُجرّح؟’
وكأنّه قرأ في وجهي الرفض، فسارع يضيف شرطًا آخر:
“إن لم تُعجبكِ الجواهر، فطلبي ما شئتِ غيرها…….”
فقاطعته ساخطَة:
“أما كفاك؟ أتظنّني امرأةً لا يُغريها إلا البريق؟”
زفرتُ بغيظ.
أتراه يحتقرني لمجرّد أني أعيش في الريف؟
‘أما تكفي خزائني وما حملتُه من القصر، حتى أعوزه حُليّه؟’
كنتُ أُهمل لبسها لأنها فاخرة أكثر مما يليق بحياتي هنا، لا لأني أفتقر إليها.
ويبدو أنّه لم يتخيّل قط أن حجّته بالجواهر لن تنفع، فارتبك أشدّ.
“إذن، إن كان لكِ مطلبٌ آخر…….”
وفجأة سُمع صوتٌ نعسان:
“ماما…… أين أنتِ…….”
لقد استيقظت أسلان، تحمل وسادتها وتدعك عينيها، ثم فتحت الباب.
قمتُ مسرعة:
“ها هنا يا أسلان، أمُّكِ هنا.”
ركضتْ إليّ وارتمت في حضني، تفرك خدّيها بصدري. ثم لمحت إيد، فانتفضت دهشة:
“آه! إنّه العمّ إيد!”
فابتسم هو بلطفٍ مُزَيَّف، كأن لم يكن بيننا حديثٌ ثقيل منذ هنيهة:
“صباح الخير يا أسلان.”
قفزت البنت فرحةً تسأله:
“لكن لمَ أتيتَ؟ اليوم ليس الأربعاء! وهل جاءت آيلا معك؟”
“مع الأسف، بقيت آيلا في الدار.”
“آه…… كنتُ أريد أن ألهو معها.”
وهوتْ حزينةً في حجري.
لكن عينَي إيد لمعتا بدهاء.
وما إن شعرتُ بالخطر حتى قال متباكيًا:
“لا بأس، لستُ أُلزمكِ يا سيدتي. وإن كانت آيلا تودّ المكوث هنا…… فمؤسف أن تظلّ وحدها بلا أبٍ يحميها.”
‘أيّها الماكر! أيبكي على حالها كأنّه ذاهبٌ إلى حرب؟’
وإذا بابنتي تقع في شَركه، وتقول:
“ماذا؟ أحقًّا يا عمّ؟ وهل آيلا تودّ أن تأتي عندنا؟”
“لا، يا أسلان. أمكِ ترى أنّ الأمر شاقّ، فلنُسدل الستار.”
التعليقات لهذا الفصل " 30"