مع أن المسألة لم تكن صعبة على آيلا، إلا أن وجهها أشرق فرحًا. فالجواب بصوت مسموع يختلف تمامًا عن كتابته على ورقة اختبار. التفتُّ إلى أسلان:
“أسلان، هل فهمتِ الآن؟ الكلمة هي تفاحة، وليست أبول.”
كتبت الكلمة الصحيحة على اللوح بخط واضح، وأنا أبتسم. نفخت أسلان وجنتيها في امتعاض.
“آه! سأصيب في المرة القادمة!”
“حسنًا إذن، السؤال التالي! ما هذه؟”
بدأت أسلان تبحث عن المكعبات بعزم أكبر من ذي قبل، وكذلك آيلا بدأت تنخرط في اللعب أكثر. ومجدّدًا، كانت أسلان الأسرع.
“أسلان! شجرة!”
“أسلان، صحيح!”
>”يااااه!”
لقد كنتُ قد جعلت أسلان تحفظ الكلمات البسيطة قبل حضور آيلا، وقد ظهر أثر ذلك جليًّا. فهي لا تصيب فقط بسبب كونها ابنتي، بل لأنها ذكية حقًّا. قفزت أسلان من الفرح، بينما آيلا—التي كانت تعرف الإجابة—بدت عليها مسحة إحباط.
ومع استمرار البطاقات، ظهر النمط بوضوح: أسلان تخطف الكلمات السهلة بسرعة يديها، وآيلا تحصد الكلمات الأصعب بذكائها.
“أسلان! غيمة!”
“آ-آيلا… قوس المطر!”
ومع آخر بطاقة، كانت نبرة صوت آيلا قد اكتسبت شيئًا من الثقة مقارنة ببداية الحصة.
ليست المنافسة دائمًا أمرًا محمودًا، لكنها أحيانًا تساعد الطفل الخجول على اكتساب الجرأة.
في المقهى المخصص للأطفال، حتى أهدأ الصغار يرفعون أصواتهم إذا كان الفوز يعني قطعة شوكولاتة. ومع انتهاء البطاقات، كانت ساعة كاملة قد انقضت.
“حسنًا، انتهى درس اليوم!”
“انتهى؟ لنلعب أكثر يا أمي!”
“في الصف تقولين معلمة. وحتى لو أردتما اللعب، فلا بطاقات متبقية.”
لوّحت بيدي الفارغتين، فتجهم وجهاهما معًا، وإن كانت آيلا تبدو سعيدة هي الأخرى.
“لا تحزنا. المعلمة أعدّت دروسًا ممتعة كثيرة.”
“…!”
أشرق وجهاهما في لحظة، لكن فجأة دوّى صوت معدة جائعة في غرفة الدراسة. أسلان لم تكترث، أما آيلا فاحمرّ وجهها وأطبقت يديها على بطنها.
“آسفة!”
“أمي، أنا جائعة! فلنأكل!”
كم كان منظرهما لطيفًا! أسلان وحدها كافية لرسم البسمة، لكن مع آيلا تتضاعف السعادة.
وحيث إن الوقت كان يقترب من الظهر، قلت:
“لا داعي للاعتذار. كلنا نجوع. ما رأيكما أن نتناول الغداء قبل الدرس الثاني؟”
“نعم يا أمي!”
“نعم، سيدتي.”
قفزت أسلان من مكانها بحماس، بينما نهضت آيلا بهدوء ودَفَعت كرسيها إلى مكانه. مختلفتان تمامًا.
ابتسمت، وأمسكت بيديهما معًا متوجهة بهما إلى قاعة الطعام.
—
“شكرًا على الطعام!”
“شكرًا على الطعام.”
حالما وصلنا، بدأنا الأكل. ولم أستطع أن أنزع عيني عن الصغيرتين، خاصة أسلان.
“أوه لا يا أسلان! أنتِ تُسقِطين الطعام!”
“همف.”
“ولا تلتقطي ما وقع على الطاولة لتأكليه!”
متابعة حركات أصلان كانت مرهقة، ولحسن الحظ، كانت آيلا مثالًا للأدب والتهذيب على المائدة، كما توقعت. لكن بينما كنت أُعجب برقيّ تصرفاتها، لاحظت أمرًا غريبًا.
‘أليس غريبًا؟ لقد قالت إنها جائعة قبل قليل.’
كانت تستخدم الشوكة بانتظام، لكن ملامحها لم تكن مرتاحة. أثناء اللعب بالمكعبات، بدأت بحذر ثم انطلقت بحماسة، أما الآن فتبدو وكأنها تكبح نفسها.
‘هل يمكن أن الطعام لم يعجبها؟’
‘لا… هذا مستبعد. طبخ غراي ممتاز.’
فغراي—الذي كان فارسًا في السابق—يطبخ بإتقان لا يقل عن كبار طهاة القصور. فسألتها برفق:
“آيلا، هل الطعام لا يعجبكِ؟”
“لا، إنه لذيذ يا سيدتي.”
ابتسمت بسرعة وكأنها تدفع الابتسامة دفعًا، لكن كان واضحًا أن الابتسامة مصطنعة.
“أخبريني إن لم يعجبكِ، لستِ مضطرة للأكل إن لم ترغبي.”
“ليس الأمر كذلك يا سيدتي…”
ظلت تكرر أن الطعام ليس المشكلة، لكنها كانت تنظر إليّ بقلق، تأكل قليلًا وتتوقف. كنت أعلم أن حصة واحدة لا تكفي لتبدد خجلها، لكن لم أتوقع أن يعود بهذه السرعة.
صحيح أن وجهي ليس محبوبًا كثيرًا لدى الأطفال…
الأطفال عادة يفضلون الوجوه الجميلة اللطيفة، أما وجه مينيرفا—وإن كان جميلاً—فكان يبعث على الهيبة.
مهما حاولت أن أبتسم بحرارة، لم يكن مظهري الأساسي يتغيّر. وبينما كنت أفكر في حل، تناولت أسلان قطعة كبيرة من اللحم من صحنها، ورفعتها نحو آيلا.
“آيلا، طبخ غراي لذيذ جدًا، جرّبي هذه!”
“آه… أُه… انتظري لحظة.”
فوجئت آيلا بالمبادرة، فتراجعت إلى الخلف. لكن أسلان كانت مصمّمة على إطعامها، فتابعت تدفع بالشوكة نحوها.
“مرة واحدة فقط! أرجوكِ، جرّبيها ولو لمرة!”
“أسلان… أستطيع أن آكل بنفسي…”
“لكنّكِ لم تأكلي شيئًا!”
وبينما كانت أسلان تُلوّح بالشوكة بوجه متجهم، نهضتُ من مكاني وقد شعرتُ بالخطر القادم.
“انتظري، توقفي يا أسلان!”
َطَاخ! … قعقة!
“أوه لا…”
“يا إلهي…”
كما توقعت، سقطت الشوكة من يد أسلان. قطعة اللحم المليئة بالصلصة هوت على صدر آيلا وركبتيها قبل أن تصطدم بالأرض، والأسوأ أن وعاء الحساء انقلب وسال محتواه في حجرها. فستانها الأزرق الفاتح الفاخر تحوّل في لحظة إلى فوضى من البقع.
‘هذا سيء.’
ارتجفت آيلا قليلًا، ربما من ثقل الوعاء على ركبتيها، أو من سخونة الحساء. أسرعت نحوها.
“آيلا، هل أنتِ بخير؟ هل يؤلمكِ كثيرًا؟”
راقبتُ وجهها، فارتفاع السقوط لم يكن كبيرًا… لكن هل كان الوعاء ثقيلًا؟ أو الحساء ساخنًا؟ رغم ذلك، حاولت آيلا أن تبتسم.
“أنا بخير يا سيدتي.”
“بخير؟ لقد أصابكِ ما في الوعاء!”
“أنا قلقة على الفستان أكثر…”
خفضت آيلا نظرها نحو فستانها الملطّخ. كان قماشًا فخمًا نادرًا في القرى، ومن نظرة عينيها أدركت أنه قطعة عزيزة عليها. وعندما انتبهتُ للحال، رأيت الصلصة والدهون قد غزت النسيج بلا رحمة. حاولت مسح البقع بمنديل، لكن الزيت كان قد تغلغل بالفعل.
“أنا آسفة جدًا، آيلا.”
“حقًا لا بأس.”
لكن كلماتها لم تطابق ملامحها… كانت على وشك البكاء. حتى أيلان شعرت بالذنب، وانحنى رأسها.
“آ-آسفة يا آيلا…”
ورغم أن الموقف يستحق الغضب، كانت آيلا متسامحة بشكل مدهش.
“لا بأس يا أسلان.”
“لكن…”
كانت هذه أول مرة أرى أسلان بهذا القدر من الندم. لم يكن الوقت مناسبًا لتأنيبها. أمسكتُ بيد آيلا.
“آيلا، لنصعد إلى الأعلى ونعالج إصابتك.”
“أريد أن أذهب أيضًا يا أمي!”
نهضت أسلان، لكن آيلا كادت أن ترتبك وترفض.
“أنا بخير حقًا، فقط أعطوني ثوبًا أبدله.”
“مستحيل، لابد وأنكِ تتألمين! إذا لم نعالجها جيدًا قد تترك أثرًا!”
“أنا بخير حقًا…”
لم أستطع تركها على هذا الحال، خصوصًا إذا كان الأمر بسبب ابنتي. سحبتها برفق نحو الطابق العلوي، لكنها كانت تحاول التملص، خجلًا من خلع ثوبها أمام أحد.
“سيدتي، حقًا لا بأس… أرجوكِ أعطيني ثوبًا آخر وحسب.”
احمرّ وجهها، وتذكرت فجأة كم هي خجولة—على عكس أسلان التي لا تتردد أبدًا أمامي. أدركت خطأي، فتركت يدها.
“آسفة يا آيلا… لا بد أن الأمر أزعجك. سأساعدك فقط بفك الأزرار والشرائط من الخلف، لا يمكنك خلع هذا الفستان بمفردك، صحيح؟”
ترددت قليلًا، ثم أومأت بخجل.
“حسنًا… تفضّلي يا سيدتي.”
فكرت في استدعاء الخادمة، لكني عدلت لأن آيلا بدت أكثر ارتياحًا معي.
“أسلان، هل يمكنكِ إعارة آيلا أحد أثوابكِ؟”
“بالطبع! سأجلب أجملها!”
ركضت أسلان نحو خزانتها، بينما بدأت أفك الأزرار والشرائط بحذر. وهنا، رأيت شيئًا…
“…؟”
كانت هناك خطوط حمراء باهتة على ظهرها، بالكاد تُرى، لكنها موجودة. هممتُ بالاقتراب أكثر، لكن آيلا انتفضت فجأة واستدارت.
“سيدتي!”
ومع فك الأزرار وانحلال الشرائط، انزلق الفستان إلى الأرض، كاشفًا عن ملابسها الداخلية البيضاء.
“آه…”
أسرعت آيلا لتضم ذراعيها أمام صدرها، لكن حركتها تلك عرّت ذراعيها تمامًا… وهناك، رأيت بوضوح عدة آثار.
…هل هذه آثار عصا؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 25"