في الأصل، كان اسم أيلا في الحكاية “أيلا وولفغانغ”، غير أنّها الآن تُدعى “أيلا مينت”.
‘ومع ذلك، أنا لا أزال أجهل من هما أبواها الحقيقيان.’
وعلى العموم، كان من المنطقي أن يُظن أنّ أبويها في الحكاية الأصلية هما أبواها في الواقع، لكن طفولة أيلا لم يُفصَّل ذكرها في الأصل.
وبالنظر إلى ذلك، فليس من المستبعد أن يكون زوجا آل مينت هما والديها حقاً، وإن كنا لا نستطيع الجزم.
وكان ردّ فعل إيد قبل قليل مثيراً للريبة على نحو يلحظه كل من يراه.
ومن أجل سلامتي وسلامة أسلان، كان واجبي أن أكشف كل ما يحيط بنا من غرائب تخالف أحداث الأصل. فأخذت أراقب إيد بصمت، وهو بدوره يراقبني في سكون. وكان في الجو توتّر غريب.
وكان إيد أوّل من قطع الصمت، فقال:
“هل كنتِ تتمنّين لو أن أسلان تشبه زوجكِ أكثر؟”
“… عفواً؟”
لقد أذهلني هذا السؤال المفاجئ، وأخذت أرمش بعينيّ سريعاً. كيف أُجيب عن هذا؟ وبعد برهة من التفكير قلت:
“كلا. ومهما يكن مَن تُشبه أسلان أكثر، فهي تبقى ابنتي.”
“… فهمت.”
وبدا أنّ إيد قد تقبّل جوابي، فارتشف من فنجان الشاي في هدوء، ثم وضعه على الطاولة وقال:
“على كل حال، أرى أنّه ينبغي لي أن أؤدّي واجب التحية لزوجك يوماً ما، فليس من الأدب أن أزور دارك من غير أن أفعل.”
ها قد جاء بالموضوع. وكان محقّاً في قوله، لكن إن كنت قد استطعتُ أن أختلق صورة زيتية لزوج، فلن أستطيع أن أُحضره من العدم. فابتسمت في حرج وقلت:
“لا داعي لذلك. فهو ليس في البيت الآن.”
“أهكذا؟ إذن في وقت لاحق ربّما…”
“كلا، فلن يكون هنا أبداً. لقد وافته المنية قبل أن تولد أسلان.”
م. الكدب ملوش رجلين مش قبل شويه كانت اسلان في الصورة؟
ولمّا سمع ذلك، شحب وجه إيد، بينما حافظت أنا على رباطة جأشي.
‘وليس هذا أوّل كذب أختلقه.’
فإن واصلت التعامل مع أسرة أيلا، فلا بدّ أنّهم سيعلمون عاجلاً أو آجلاً أنّه لا زوج لي، وكان من الأفضل أن أقطع الطريق على هذا الحديث منذ الآن.
فانحنى إيد سريعاً وقال:
“أعتذر يا سيدتي. لقد كانت كلماتي طائشة، ولا بدّ أنّها أزعجتك كثيراً.”
“لا بأس. لقد طويته من حياتي منذ زمن.”
وابتسمت في رفق، أردت أن أُشعره أنّ الأمر لا يضايقني، غير أنّ وجهه ازداد شحوباً.
“إنّي… إنّي آسف حقاً. لا بدّ أنّك عانيت مشقّة عظيمة.”
لقد أدهشني قوله. فلم يكن هذا رد الفعل الذي توقّعته، إذ كثير من سيدات النبلاء، بما أنّ زيجاتهن كانت بلا مودة، كنّ يشعرن بالضيق أكثر إذا ظلّ أزواجهن على قيد الحياة. لكن إيد بدا واثقاً من أنّي كنت أحب زوجي حباً جمّاً.
‘حسناً، لا بأس إن فهم الأمر على غير حقيقته.’
وتذكّرت زيارتي لفيكونتية آل مينت، فبرغم الهرج الذي وقع حينها، لم يكن ثمة أثر لسيّدة البيت.
“أتراك في حال شبيهة بحالي، يا سيد مينت؟”
“… أجل.”
وخفض رأسه. آه… لهذا كان ردّ فعله شديداً! فلا بدّ أنّه أحب زوجته حباً عظيماً وتألم لفقدها، وظنّ أنّي شعرت بالمثل.
ولعلّ هذا يزيد احتمال أن تكون أيلا ابنة آل مينتي حقاً. ربّما مات إيد مبكّراً لسبب ما، وتبنّتها حينئذٍ أسرة آل وولفغانغ المرموقة.
وعندما خطرت لي فكرة أنّ إيد قد يموت قريباً، انحسرت شكوكي الأولى حوله.
‘إن ذهبت أيلا إلى العاصمة، فسوف تحزن أسلان كثيراً.’
وبحسب ما رأيته من معاملة إيد لأيلا، فهو يبدو أباً صالحاً.
إن حكاية (النجاة في الأكاديمية) تبدأ عندما تبلغ أيلا الرابعة عشرة وتنتقل إلى أكاديمية بوفاش. وفي ذلك الوقت، كانت قد أصبحت بالفعل ابنة للكونت آل وولفغانغ، وهذا يعني أنّ إيد سيموت في غضون تسع سنوات على الأكثر.
وقد عقدت العزم على أن أغيّر مجرى القصة الأصلية، على نحو يضمن سلامتي وسلامة أسلان. ولو أنّ السلامة لأسلان وحدها كانت تكفيني، لكن إن مات إيد، ستتّجه أيلا إلى أسرة وولفغانغ، فتعود الحكاية إلى مسارها القديم.
‘ثم إني لا أريد لأَيلا أن تقع في براثن تلك الأسرة الملكية المقيتة.’
ومهما يكن، فسوف تدخل أيلا الأكاديمية، ثم ستتعلّق بكاسيوس، غير أنّي لم أرد للطفلة الطيبة أيلا أن تبتلى بأصهار كالأمير مارس وعائلته.
كان الكونت آل وولفغانغ وزوجته يطيران فرحاً بفكرة زواج أيلا بوليّ العهد كاسيوس، لكن إيد بدا مختلفاً، كأنّ لديه بصيرة أوسع.
‘حسناً، سأكون كريمة.’
وقدّمت لإيد نصيحة من صميم قلبي:
“اعتنِ بنفسك.”
“عفواً؟”
“إنّ الأطفال لا سند لهم سوانا، فحتى يبلغوا مبلغ الاعتماد على أنفسهم، ينبغي لنا أن نكون لهم دعائم راسخة، فلا تُصيب نفسك بأذى ولا تقع في سقم، وإن احتجت إلى عوني يوماً، فلا تتردد في استشارتي.”
“آه…”
بدت الحيرة على وجه إيد، كأنّه لم يكن يتوقّع مني قول مثل هذا. فانحنى برأسه وقد غشيه ذهول، وقال:
“أشكركِ على لطفك. وإن احتجتِ إلى عوني يوماً، فأعلميني.”
وقد كنت أظنّ أنّي لن أحتاج إلى عونه أبداً، لكن لا داعي لذكر ذلك.
“نعم. فلنحرص على أن نكون على وئام، جيراناً وزملاء، وأولياء للأبناء.”
ولْنبقَ معاً حتى النهاية.
ابتلعتُ الكلمات التي همّت أن تفلت من شفتي، وابتسمت.
—
وبعد ساعة، عدتُ مع إيد إلى غرفة الدراسة. وقف إيد في زاوية الغرفة بهدوء، لا يتدخّل، بينما دنوت من الصغيرتين.
ومهما يكن، فإنّ ما يُحسب لها هو ثقتها بنفسها. فأخذت قلماً أحمر وبدأت أصحّح ورقة اختبارها… وإذا بالأحمر ينهال عليها انهمال المطر.
قلت: “يا أسلان، لقد حصلتِ على عشرين نقطة…”
من أصل عشرين سؤالاً، أصابت أربعة فحسب. أو قل، أحسنت الإجابة في أربعة على الأقل.
قالت أسلان مدهوشة: “مستحيل!”، وقد ارتسمت على وجهها علامات الصدمة.
“إنّه صحيح. سنراجع الأخطاء لاحقاً. والآن، فلننظر في ورقة أيلا.”
“نعم، يا معلّمة.”
وهزّت رأسها في شيء من التردد.
مضيت إلى مكتب أيلا وشرعت أصحّح ورقتها. وعلى خلاف ما أوحت به ملامحها، كانت الورقة ملأى بالدوائر الحمراء علامة الإجابة الصائبة.
لقد أجابت إجابة صحيحة عن جميع الأسئلة العشرة المخصّصة للأطفال في الخامسة، وعن الأسئلة السبعة المقرّرة لأبناء السادسة، بل وعن الأسئلة الثلاثة الموضوعة على مستوى امتحان القبول في أكاديمية بوفاش. ومن أصل عشرين سؤالاً، أصابت جميعها.
وحقّاً، لم أكن أتوقّع أن يكون مستواها بهذا العلو. فرفعت جفنيّ في دهشة وقلت مادحة:
“أيلا، لقد نلتِ العلامة الكاملة! أحسنتِ.”
قالت بخجل: “آه… شكراً.”
وعلى خلاف حماسي، فقد احمرّ وجهها وهي مطرقة، وقد بدا عليها الارتياح. فأطلّت أسلان على ورقتها وهتفت بصوت عالٍ:
“واو! أنا لا أفهم شيئاً من هذا! أأنتِ تعرفين كل هذا يا أيلا؟”
“أه… نعم.”
“هذا مذهل! أنتِ حقاً ذكية يا أيلا!”
فتحرّجت أيلا من هذا الإطراء، وحاولت أن تحجب وجهها المحمّر بخصلات شعرها، وقالت بصوت خفيض:
“كلا، لستُ بتلك الذكاء.”
“بل أنتِ ذكية حقاً! أليس كذلك، يا معلّمة؟”
“بلى، يا أيلا. إنّه لإنجاز عظيم في مثل سنّك.”
ولم تكن هذه مجاملة فارغة، بل كانت الحقيقة. لكن أيلا لم تبدُ مقتنعة، وردّدت: “ليس بالأمر المهم…” ثم أرسلت نظرة قلقة نحو إيد الواقف في الزاوية.
أتُراه يضغط على أيلا في شأن الدراسة؟ لم يكن يبدو لي من هذا النوع، ومع ذلك، ومن باب التثبّت، ناديته:
“يا لورد مينت، تفضّل وانظر.”
قال في ارتباك: “ماذا؟”
وأشرت إليه أن يقترب سريعاً، فجاء متردداً، وأريته ورقة اختبار أيلا بفخر.
“ما رأيك؟ أليس هذا مدهشاً؟”
“بلى، مدهش حقاً.”
وقد كان يطالع الورقة في تركيز شديد، وعلى وجهه ابتسامة فخر لا تخفى، ثم رَبّت على رأس أيلا وقال:
“أحسنتِ يا أيلا، لقد أثمر جهدك.”
قالت متلعثمة: “شـ… شكراً.”
وعاد وجهها يحمرّ، لكن هذه المرّة كان احمرار فرح.
“هل تدرس أيلا بجدّ عادةً؟”
“نعم. فهي تدرس دوماً من تلقاء نفسها دون أن يأمرها أحد.”
وكانت نبرته الفخورة تدلّ على أنّه ليس من النوع الذي يضغط على طفلته، بل إنه ذكر من قبل أنّه يرغب في أن تخالط أسلان بسبب خجل أيلا.
‘ليت أيلا كانت أكثر ثقة بنفسها.’
لقد آلمني أن أراها بهذا التواضع الشديد من غير أن ينتقدها أحد. فكيف أستطيع أن أُكسبها مزيداً من الثقة؟
فاستدعيت إلى ذهني أيّام عملي في مقهى الأطفال، وبعد طول تفكير خطر لي خاطر حسن.
‘سأستخدم هذا في الدرس القادم.’
حتى أكثر الأطفال خجلاً كانوا ينتهون من تلك الفعالية وقد بُحّت أصواتهم من الصياح. فوضعت خطة الدرس المقبل في ذهني، وابتسمت في رضا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات