ملاحظة: من الفصل ذا بيصير إسم البطل المستعار إيد منيتي
*****
بينما كانت مينرفا تلقّن أسلان تمهيداً لدروسها مع أيلا، كان لويد هو الآخر يعُدّ العُدّة على طريقته. وكان أول ما لزمه أن يفرغ حيّزاً من وقت أيلا المثقل بالمهام. فاستدعى لويد ديبورا، معلّمة أيلا.
“لقد استدعيتني، يا سيدي الفيسكونت.”
كانت ديبورا، على خلاف أكثر المعلّمين، تقيم في دارهما، فلذلك أجابت نداءه مسرعة.
“متى يكون لأَيلا يوم فراغ تالٍ؟” سأل لويد.
ابتسمت ديبورا وأجابت: “إنّ لها درساً واحداً على الأقلّ في كلّ يوم.”
قطّب لويد حاجبيه من جوابها وقال: “أذكر أنّها كانت تملك يومين على الأقلّ بلا دروس.”
قالت ديبورا: “لقد رأت أيلا أنّها بحاجة إلى مزيد من الدروس، فطلبت دروساً إضافية.”
كانت ديبورا قد استؤجرت في الأصل لتعليم أيلا أصول الآداب التي تليق بالنبلاء. وبما أنّها من النبلاء الساقطين، لم يكن عليها أن تشغل بالها بالمجالس والمناسبات الاجتماعية، وكانت آدابها قد بلغت الغاية في الإتقان، مما جعل ديبورا المعلّمة الأنسب لاحتياجهم. لكن شغف أيلا بالدراسة أخذ في التنامي، فطلبت معلّمين لسائر المواد. ولويد-الذي لم يكن يحب كثرة الغرباء الوافدين إلى الدار- فكّر في حيلة، فرأى أن يوكّل جميع دروس أيلا إلى ديبورا، فصارت مُعلّمة مقيمة. ومع أنّ ديبورا كانت من النبلاء الساقطين، فقد درست في أكاديمية وتستطيع تدريس معظم العلوم، وقد انسجمت أيلا معها أيّما انسجام.
قال لويد بلهجة قلقة: “أيلا ما تزال صغيرة السنّ، أليس هذا كثيراً عليها؟”
قالت ديبورا وفي ملامحها بعض الحرج: “ظننت ذلك أنا أيضاً، لكن أيلا أصرت.”
تنفّس لويد الصعداء. كان قد تبنّى أيلا لذكائها الحاد، غير أنّه لم يُرِد لها أن تُجهد نفسها في صغرها.
‘حَسُن أني طلبت من الأميرة أن تعلّمها’
لم يكن لويد يريد أن تعاني أيلا ما عاناه هو في طفولته، فأمر ديبورا قائلاً:
“من الآن فصاعداً، ألغِ جميع الدروس يوم الأربعاء. سيكون هنالك معلّم جديد.”
اشتدّت ملامح ديبورا وسألت بحذر:
“إن أذنت لي بالسؤال، هل يعني هذا أنّ دروسي لم تكن كافية؟”
قال لويد مطمئناً:
“ليس الأمر كذلك. لقد أحسنتِ العمل يا ديبورا.”
قالت مترددة:
“إذن لِمَ…؟”
ولمّا كانت من النبلاء الساقطين، فإنّ الوظائف التي يمكنها أن تتولّاها مع الحفاظ على كرامتها كانت قليلة، وأندر منها أرباب العمل الذين يشبهون لويد، إذ يوفّرون سكناً وراتباً سخياً.
وإدراكاً منه لما يدور في خاطرها، قال لويد موضحاً:
“ليست هذه في الحقيقة حصة درس، بل أقرب إلى وقت لعب. إن أيلا تبدو ناضجة فوق سنّها، وأريدها أن تخالط أنداداً أحياء الطباع.”
قالت ديبورا وقد انزاح عنها القلق وابتسمت كعادتها: “فهمت. سأجعل يوم الأربعاء خالياً من الآن فصاعداً.”
قال: “حسن. يمكنك الانصراف.”
قالت: “نعم، يا فيسكونت.”
ثم رفعت طرف ثوبها ومضت من المكتب وعلى وجهها ابتسامة هادئة، وما إن أُغلق الباب حتى تبدّل ذلك الهدوء إلى ملامح غيظ، وعضّت على أسنانها وهي ترمق بنظرات حانقة ما وراء المكتب، كأنّما تعطّلت خططها.
—
حلّ اليوم الموعود لدرس أيلا. وحين حان الموعد، استقبل بيت آل فران ــ الذي قلّما يفد إليه زائر ــ أوّل ضيف له.
“نهاركِ سعيد، سيدتي. لقد جلبت أيلا.”
قالت أيلا، وآدابها على غاية الكمال: “مرحباً، سيدتي. مرحباً، أسلان.”
وعلى النقيض…
طَراخ!
“أسلان!”
‘… ليت أسلان كانت تملك نصف رزانة أيلا!’
ابتسمتُ وأنا أزجر أسلان:
“ألم أقل لكِ يا أسلان ألا تركضي؟”
“إيب”
ووضعت يدها على فمها.
غير أنّ وضع اليد على الفم لم يمحُ حقيقة أنها ركضت. وكان تربية أسلان حقاً أمراً شاقاً. فوضعت يدي على كتفها وقلت: “هيا، حيّي السيد مينت كما ينبغي.”
لكن ما خرج من فم أسلان كان صادماً: “مرحباً يا عمّ!”
ماذا؟ أحقاً نادت ضيفنا بـ (يا عمّ؟) فسارعت إلى إنزال رأس أسلان بالانحناء، واعتذرت إلى إيد:
“آسفة جداً يا سيد مينتي. أعتذر عن قلّة تهذيب ابنتي.”
قال إيد، وملامحه شاردة على غير ما يدّعي: “لا عليكِ، أنا معتاد على ذلك.”
وإن كان كلّ امرئ ــ بعد الزواج ــ يُدعى “عماً” أو “خالة” ممن يصغرونهم سناً، إلا هيئة إيد لم تكن تستحق هذا اللقب. فزجرتُ أسلان قائلة:
“يا أسلان، حيّيه كما ينبغي!”
قالت: “ولِمَ؟ إنّه عم.”
قلت: “نادِه بلقب السيد مينتي!”
فتجهمت وقالت: “ذلك يبدو بارداً جداً.”
يا للعجب! وإن لم تكن كورية، فهي تحدّثني عن “دفء” الأسماء! وقد خُيّل لأسلان أنّي أوبّخها بغير وجه حق، فعبست وتجهّمت. فلمّا رأى إيد ذلك، أشار بيده أن أكفّ.
قال: “لا بأس. دعي أسلان تناديني بما يروق لها.”
لقد شعرت بخجل بالغ. فما زال أمام أسلان شوط طويل في باب التهذيب. قلت معتذرة: “إنّي آسفة حقاً. يا أسلان، حيّي السيد مينت على الوجه الصحيح مرّة أخرى.”
قالت: “حسن. مرحباً، العم إيد.” وهي مع ذلك تصرّ على لقب “العم”.
ومع هذا، فقد اكتفى إيد بالابتسام في لطف وقَبِل الأمر قائلاً: “نعم. كيف حالك يا أسلان؟”
قالت: “بخير!”
فقال إيد: “يبدو أنّك لم تُوبَّخي كثيراً من أمّك في ذلك اليوم، وهذا أمر مفرح.”
آه، لقد غمرني الحرج. لقد أخطأت أسلان، ولكن لِمَ شعرت أنا بالخزي؟ إنّ تربية الأبناء حقاً أمر عسير.
انتقلنا إلى غرفة الدراسة، فأجلست أسلان وأيلا إلى مكاتبهم، وقلت لهما بصوت هادئ:
“الآن، وإن كان هذا درساً، فلن يكون صارماً، فلا تشعرا بالضغط.”
قالت أيلا:
“نعم، سيدتي.”
وقالت أسلان:
“حاضر، يا أمّاه!”
فأجابتا كلٌّ على طريقتها، وكان منظر حماستهما جميلاً. قدّمت إلى أيلا ورقة اختبار أعددتها سلفاً.
“لقد أعددت اختباراً بسيطاً لأقف على مستواكِ، فأجيبيه على راحتك.”
“نعم، سيدتي.”
“وفي هذه الغرفة، ناديني بالـمعلّمة، لا بالسيدة.”
فالمعلّم ينبغي أن يكون نِدّاً للتلاميذ. وأومأت إلى أيلا إيماءة مازحة، فارتخت ملامحها المشدودة بعض الشيء. ثم قدّمت ورقة اختبار لأسلان.
“أسلان، فلنبدأ باختبار في الكتابة.”
“آه…”
“آه ماذا؟”
“أوف.”
… يصعب على المرء أن يصدّق أنّ أسلان وأيلا في الخامسة من العمر كلتاهما. فأيلا كانت تمسك القلم بجدّة ووقار.
“سأعود بعد ساعة.”
ثم قلبت الساعة الرملية، وقلت لإيد:
“أتودّ أن تتناول بعض الشاي في غرفة الاستقبال ريثما تُنهيان الاختبار؟”
“نعم، سيكون ذلك حسناً.”
فتركنا غرفة الدراسة ونزلنا إلى غرفة الاستقبال في الطابق الأول. غير أنّ وقع الخطوات الثقيلة خلفي توقّف فجأة، فاستدرتُ على سجيّتي لأنظر ما الأمر.
كان إيد يحدّق مليّاً في شيءٍ وراء السلّم.
‘آه، ذلك.’
وقبل أن أنطق، سأل:
“أذلك زوجكِ؟”
“ماذا؟ آه، نعم، ذاك صحيح.”
كان إيد يطالع اللوحة الكبيرة المُعلّقة في البهو، تُصوّرني أنا وأسـلان وزوجي جالسين في ودٍّ ومودّة.
‘والحقيقة أنّه رجل لا أعرفه قط.’
كان رجلاً من نسج خيالي، رَكّبت ملامحه على هواي. فليس من المعقول أن يخلو بيت نبيل من صورة تذكارية، وقد أعددتُ الأمر بعناية طيلة أسبوع. وكانت فلورا، الهاوية للرسم، قد أعانتني.
‘احتياطاً لسؤال إيد عن زوجي.’
وكما توقعت، فقد سأل، فحمدت حسن استعدادي. فابتسمت في رفق وقلت له بعفوية:
“أسلان لا تشبهه، أليس كذلك؟”
“بلى، بالفعل…”
وقد كنت ممتنّة أنّ أسلان تشبهني تماماً. غير أنّ لي سبباً آخر لإثارة هذا الموضوع.
“كثيراً ما يقول الناس إنّ البنات يشبهن آباءهن. لا أسلان ولا أيلا تبدوان شبيهتين بآبائهما.”
هزّ إيد كتفه الذي كان يحمل فنجان الشاي ارتجافة طفيفة لا تخفى على الناظر، فأيقنت في داخلي:
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات