«أنا راحلة!» نطقت أسلان وهي تحاول، مستغلة غفلتي، أن تمتدّ يدها إلى مقبض الباب، غير أنّني كنت لها بالمرصاد. فأنا- في نهاية المطاف ـ أمّها، وأعرف طباعها حقّ المعرفة. أمسكتُ بالمقبض بكلتا يديّ إحكامًا، ورددت احتجاجها بصوت ثابت.
قلتُ: «لم أكذب عليكِ يا أسلان~ اليوم سنلعب، وسنلعب لعبة غنائية.»
أمالت رأسها وقد بدا الشكّ يطلّ من عينيها: «غنائية؟»
قلتُ: «نعم، غنائية. لقد كنتِ تغنّين آنفًا. أترين؟ هذا ليس درسًا، أليس كذلك؟»
تمتمت بتردّد: «هُمم… أظنّ ذلك…» فرأيتُ بوادر الارتخاء في صلابتها.
قادتها يدي نحو الطاولة، ثم علّقتُ على الجدار ورقة كبيرة كنتُ قد سهرتُ الليل أهيّئها. رمقتْها أسلان بعين الفضول.
قالت: «ما هذا؟»
قلت: «هذه كلمات الأغنية التي سنتعلّمها.»
«كلمات؟»
في الحقيقة، لم تكن سوى ترتيب بسيط للحروف الهجائية. أمضيتُ الليلة الماضية أُعمل فكري في سبب ملل أسلان من دروسي، فلم أجد أظهر من أنّها لا تجد متعة في التعلّم. والتعلّم وإن لم يكن لذيذ الطبع، فلا داعي أن يكون ممجوجًا. لذلك عمدتُ إلى إعادة صياغة «تلك الأغنية».
أشرتُ بالعصا إلى الحروف واحدًا واحدًا وأنا أترنّم الأغنية:«ألف،باء،تاء،ثاء،جيم،حاء،خاء،دال»
حدّقت فيّ أسلان كمن يرى أمرًا غريبًا، وبدأت تتسلّل مبتعدة استعدادًا للفرار.
قالت بحدة: «هذا درس!»
لم أستطع إنكار أنّ فيه مسحة من الدرس. هذه الفتاة التي كانت بالأمس متحمّسة للتعلّم، صارت اليوم تضيق ذرعًا به وتنفر من مجرد سماع اسمه. وقلت في نفسي: «وعلى من تُشبه في طلب السهل وتجنّب العسر؟» ثم ابتسمتُ بخفاء: «إنها تشبهني… أنا التي كنتُ أعيش أحلام النجاة بلا عناء، وأنتظر أيّام الحبس الاختياري.»
قلت لها: «حسنٌ، نصفه درس ونصفه لعب. أغنية تعلّم الحروف.»
وما إن فرغتُ من القول حتى قفزت أسلان عن مقعدها: «قلتِ سنلعب! كاذبة!»
وأسرعت نحو الباب. فقلت في سرّي:<إن أفلتت من يدي الآن، فلن أمسك بها ثانية!> فأسرعت بخطواتي الأطول إلى الباب ووقفت حاجزًا، أستعطفها بحرارة: «رجاءً يا أسلان! صدّقيني هذه المرّة فقط!»
صرخت: «لا، لا! لقد كذبتِ عليّ كثيرًا!»
قلت: «صحيح! لكن هذه المرّة ستكون ممتعة، أعدكِ! مرّة واحدة فقط!»
كدت أتشبّث بها أترجّاها، وهي تحاول الإفلات، لكن أين لقوة طفلة أن تغلب قوة بالغ؟ بادرتُ بعرض آخر قبل أن تثور في وجهي: «إن أنتِ استمعتِ إلى درس اليوم، فسألعب معكِ أيّ لعبة تشائين بعده، مطاردة أو غيرها. موافقة؟»
<أعذريني يا أنا في المستقبل… لقد عقدتُ على نفسي وعدًا سيستنزف قواي غدًا.>
بدت أسلان وكأنّ العرض أغراها، غير أنّها، وقد خُدعت منّي كثيرًا، سألت بريبة: «حقًّا، أيّ لعبة؟»
قلت: «أيّ لعبة!»
قالت: «وما الذي تراهنين عليه؟»
فكّرتُ مليًّا، ثم قلت برهان غالٍ عليّ: «إن لم تجدي درس اليوم ممتعًا، فلن أُجبرك على التعلّم ثانية.»
وقفت متكئة على ذراعيها، تطرق الأرض بقدمها، غير راضية. فرفعتُ بصري إليها بعينين متوسّلتين. أخيرًا قالت: «حسنٌ.»
«…!»
تنفّست الصعداء وقد قبلت شرطي. فعادت متثاقلة إلى الطاولة وجلست.
أسرعتُ إلى السبّورة وأمسكتُ بالعصا من جديد: «هلمّي نعيدها: ألف،باء،تاء،ثاء،جيم،حاء،خاء،دال.»
رددتها أسلان بنغمة قريبة من نغمتي:« ألف باء تاء ثاءجيم حاء خاء دال.» فصفّقت لها وقلت مبتهجة: «أحسنتِ! غناؤك جميل، كأنّي سمعتُه من قبل!»
وبعد ثلاث جولات، صار لسانها يجري بها جريان الماء، بل طلبت أن نعيدها أكثر. وساعتها أدركت أنّ اللحن يسّر عليها الحفظ، فبقي شغفها متّقدًا، فيما بدأت أنا أشعر ببحة في الصوت. لكنني ابتسمت راضية: «التعليم بالغناء هو الصواب إذًا.»
ومضت ساعة كاملة وهي تتعلّم بحماس. فرأيت أنّ الوقت قد حان لاختتام الدرس، لتبقى في نفسها رغبة للغد.
صفّقت وقلت: «هذا ختام درس اليوم! أحسنتِ يا أسلان.»
قالت متعجّبة: «انتهى؟» وبدل أن تهرع للخروج، بدا عليها الأسف. فسرّني ذلك وقلت في نفسي: «إذن، ليست كارِهة للتعلّم بالكلّية.»
ثم إذا بها تقول: «أمّي، أريد ورقة وقلمًا!»
قلت: «هاه؟» قبل أن أسألها عن مرادها، كانت قد حدّقت حولها، فرأت ما تريد، فأسرعت وعادت بالورقة والقلم.
وبينما هي لا تعرف القبض الصحيح على القلم، بدأت تخطّ خطوطًا متشابكة. قلت: «ماذا تفعلين يا أسلان؟»
قالت: «اصبري قليلًا!»
فتحتُ عينيّ فضولًا، أراقبها وهي ترفع نظرها بين الحين والآخر إلى لوحة الحروف، حتى انتهت، وقدّمت لي الورقة بفرح: «تفضّلي يا أمّي!»
نظرتُ فيها، فإذا الخطوط، على عشوائيتها، تشبه أحرفًا، فمررتُ أصابعي عليها حتى تبيّن لي معناها: «مـ… ــي؟»
نعم، كانت تحاول أن تكتب كلمة «أمّي».
لم أتمالك نفسي من الدهشة، فضحكتْ وقالت: «كتبتها كما سمعتها! ما رأيكِ؟»
وضعت يدي على فمي أكتم انفعالي، وقلت: «يا لذكاءك هذه أبنتي!»
إنها لم تتعلّم الحروف إلا الآن، وها هي تحاول تركيب الكلمات! إنّها ليست طفلة عادية، بل عبقرية!
احتضنتُ الورقة التي تحمل أول كلمة خطّتها، خشية أن تنثني أو تتلف، وقلت: «شكرًا لكِ يا أسلان، سأحتفظ بها ما حييت.»
واعتصر قلبي حنانًا، فأردت أن أكافئها: «لقد تعبتِ، فلنأكل شيئًا لذيذًا ثم نلعب.»
قالت: «نعم!» وانطلقت الحماسة في وجهها، ونسيَت كل خيبة سابقة.
وما إن خرجنا إلى الممر، حتى وقعت عينها على «فلورا»، فأسرعت نحوها منادية: «فلورا! تخيّلي! أمّي علّمتني أغنية!»
قالت فلورا: «حقًّا يا صغيرتي؟» قالت أسلان: «نعم! اسمعي: ألف باء تاء ثاء جيم حاء خاء دال~»
قالت فلورا مدهوشة: «يا للعجب! إنها الحروف الأبجدية! لم أسمع بهذه الأغنية قط. هل علّمتِها لها يا سيدتي؟»
رفعتُ بصري إليها وفي وجهي حياء، وقلت: «نعم…»
قالت فلورا بإعجاب صادق: «يا إلهي! لقد ألفتِ أغنية خصيصًا لآنسة أسلان! إنك مدهشة!»
فأحسست بوخزة من الحرج؛ «إنها في الحقيقة أغنية الحروف، لكنني عدّلت كلماتها لتناسبنا.»
أما أسلان، فكانت تتوهّج فخرًا ونشاطًا: «أمّي! أريد أن أُغنّيها للجميع!»
قلت: «ألَا يؤلمك حلقك؟»
قالت: «لا!»
وأخذت تعدو بين الخدم، تغنّي لهم أغنية الحروف، حتى أنّ أكثرهم صرامةً لم يتمالك نفسه من الابتسام، بل واحمرّت وجوههم من لطافتها.
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 20"