وقالت بصوت فيه عزيمة الطفولة:« لقد ظلّت أُمّي تحميني حتى الآن، فآن الأوان أن أكون أنا الحامية لها!»
كان منظرها وهي تتظاهر بالاعتماد على نفسها من الطرافة بحيث أضحكني، وفي الوقت نفسه هزَّ قلبي رِقّةً وحنانًا.
فمع أنّ رغبتها في حمايتي تثلج الصدر، فإن “أَسْلان” ما تزال طفلة غضّة السن.
فذكّرتها بحقيقة مهمّة: « عزيزتي “أَسْلان”، أنا شاكرة لمشاعرك النبيلة، غير أنّك ما زلتِ طفلتي التي تحتاج إلى رعاية أُمّها.»
فقالت معترضة:«لكنّي كبرت! لقد تجاوزتُ العام من العمر!»
قلتُ وأنا أبتسم:«البشر لا يُعدّون راشدين حتى يبلغوا العشرين.»
شهقت دهشة وقالت:«هذ… هذا أمر مستحيل…!»
واتّسعت عيناها وفغر فمها استغرابًا حين أدركت طول الطريق الذي يفصلها عن البلوغ.
ومع أنّي كنت صارمة في كلامي، لم أعد ـ كما كنت من قبل ـ أعارض رغباتها معارضةً عمياء.
فـ” أَسْلان” وقد غدت بشرًا، ستعمر أكثر منّي.
وأيُّ خير لها إن ظللتُ أحبسها وأكبتها حتى تبكي؟ فإذا متُّ ـ ولو ميتةً هادئةً في شيخوختي ـ فلن تستطيع أن تدبّر أمر نفسها.
قلت في نفسي:<لا بُدَّ أن أعلّم”أَسْلان” كيف تحيا بين البشر… فأنا أمّها، وذلك واجبي>.
<بل لأني أريد لها السعادة.>
ومن أجل أن تحيا «أَسْلان» حياةً طيبة طويلة الأمد، فإنني مستعدّة لأن أبذل ما استطعت.
جلستُ إلى جانبها، وطوّقت كتفيها الصغيرتين بذراعيّ.
وكان جسدها دافئًا على الدوام، وإذا ضممتها انتقل الدفء إليّ.
وربتُّ على كتفها برفق، وقلت بصوت هادىء:«حين تبلغين أشدّك، ستصبحين قويّة طويلة كما تتمنّين.»
فرفعت إليّ وجهها وهي في حضني، وعلامات القلق في عينيها، وقالت:«إذن، كيف أستطيع حماية أُمّي؟»
قلت:
ــ عند البشر شيء يُسمّى (التعلّم).
قالت وهي تميل برأسها:«تعلّم؟»
كانت تعرف في حياتها السابقة ـ وهي هِرَّة ـ أكثر مما تعرفه الآن في جسد الإنسان، فلم تعِ معنى الكلمة.
فشرحت لها بأبسط ما أستطيع:«إذا اجتهدتِ في التعلّم، صرتِ ذكيّة، وبالذكاء يسلم المرء من المخاطر بلا حاجة إلى القتال. والمدارس تعلّم هذا العلم، ولهذا يطمئنّ الآباء إذا التحق أبناؤهم بمدارس جيّدة.»
فما إن أتممت كلامي حتى انفتحت عيناها دهشة، وهتفت قائلة:«إذن أريد أن أذهب إلى مدرسة!»
قلتُ على الفور: « هذا لا يكون الآن.»
فتغيّر وجهها، وكادت تبكي، فأسرعت أشرح:«ألم أقل لكِ من قبل؟ لا يُقبل الطفل في المدرسة قبل بلوغه السابعة، ولن تستطيع أُمّك أن تذهب معك.»
قالت بأسى:« آه…»
وبدا أنّها فهمت الأمر، لكنها لم تتقبّله بعد.
فقدّمت لها عرضًا:«ماذا أن تُعلّمك أُمّك بنفسها؟»
قالت متردّدة:« أُمّي أنتِ؟»
قلتُ باسمة:« أجل، فأنا على شيء من الذكاء، وسندعو “أَيلا” إلى بيتنا لنتعلّم معًا. وبعد الدرس، تستطيعان اللعب كما تشاءان. أليس هذا مُبهجًا؟»
تمتمت:« مع “أَيلا” …»
ثم بدأ وجهها يشرق، وأطرافها تتحرّك شوقًا، وقالت:«نعم، أريد ذلك! سيكون ممتعًا!»
وأشرقت ابتسامة على محيّاها، وقالت بحماسة:«سأصبح ذكيّة جدًّا حين أبلغ، وسأكبر سريعًا لأحمي أُمّي!»
وكان في ملامحها توقٌ إلى المستقبل.
كنتُ طوال الوقت مشغولة البال بما سيأتي في’القصة الأصلية’، لكنّي الآن أراه من وجه آخر: لعلّ معرفتي بما جرى فيها إنما كانت لتغيير مصير” أَسْلان”.
فإذا علمتُ أسوأ ما يمكن أن يقع، استطعت أن أتجنّبه.
ومن أجل أن أحفظ ابتسامة “أَسْلان” المشرقة، شعرت أنني قادرة على فعل أي شيء.
—
في الغد، وصل كتاب إلى قصر السقف الأزرق. وما إن وقعت عين “لُويد” على اسم المُرسِل حتى أسرع بفضّه.
ــ إلى السيّد منتَي
لقد أمعنتُ النظر في اقتراحك السابق، وأرى أنّه من الخير أن تُصادق “أَيلا” ابنتَك” أَسْلان’.
فقال “لُويد” في سرّه:<رائع> وارتسمت على شفتيه ابتسامة.
لكن الرسالة لم تقف عند هذا الحد.
ــ غير أنّ…
توقّف عند الكلمة، وشعر بانقباض في حلقه.
وتذكّر أن “مينرفا” لم تُبدِ حماسة كبيرة لفكرة صداقة “أَسْلان” و”أَيلا”، فخشي أن يكون هناك شرط ثقيل.
فعجّل بقراءة السطور التالية:
ــ غير أنّني أزمعتُ على أن أعلّم “أَسْلان” من الآن، فإذا درست “أَيلا” معها، لربما بعث ذلك في نفس “أسْلان” همّةً أكبر. وأعلم أن لـ”أَيلا” معلّمًا خاصًّا، لكن إن أذنت، وددتُ أن أتولّى تعليمها أنا أيضًا. ولن أكون شديدة معهما، فهما صغيرتان، وسيبقى لهما وقت واسع للّهو واللعب معًا.
عندئذ تنفّس “لُويد” الصعداء؛ كان يخشى شرطًا عسيرًا، فإذا به مجرّد التماس أن تتولّى الأميرة تعليم “أَيلا” أيضًا.
وظنّ أن “مينرفا” ليست متحفّظة كما ظنّ من قبل، ثم قال في نفسه:<ومن ذا الذي يردّ عرضًا كهذا من أميرة؟!>
وفوق ذلك، فإن “أَيلا” تحتاج تعليمًا أرفع لمستقبلها.
فلم يشأ أن يمنحها فرصة لتبديل رأيها، وبادر إلى أوراقه، وكتب جوابًا بالقبول التام.
—
وما لبث أن جاءني جواب “إيدي”، وفيه أنّه سيزورنا مع “أَيلا” بعد أسبوع.
فقلت في نفسي:<حسنٌ، الأمر مقضيّ إذن.>
وضممت قبضتي سرورًا.
كنتُ في الحقيقة أرغب في الابتعاد عن “أَيلا” ما استطعت، لكن إذا تقاربتا منذ الصغر، فإن احتمال تغيّر العلاقة بينهما إلى السوء في المستقبل ـ كما في القصة الأصلية ـ سيتضاءل كثيرًا.
فـ”أَسْلان” لم تنقلب شريرة إلا بعد موتي، فإذا بقيت حيّة، فلن يكون هناك خطر.
وقد كنت أحرص على حياتي دومًا، أمّا الآن فحرصي عليها مضاعف… من أجل “أَسْلان”!
«فلأبدأ الاستعداد إذن.»
وكان أول ما يلزمني فعله قبل بدء دروس” أَيلا” هو أن أعلّم “أَسْلان” القراءة، فإن العلم لا يُنال إلا بمعرفة الحروف.
وأبناء النبلاء عادةً يخطّون كتاباتهم ـ ولو بارتباك ـ في هذا العمر، لكن “أَسْلان” ما زالت حديثة عهد بجسد الإنسان، لا تعرف القراءة ولا الكتابة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات