مع انحدار الشمس نحو المغيب، قدم قادم إلى قصر السقف الأزرق.
– «أَسْلان!»
كانت “مينيرفا”؛ دخلت بعزمٍ وحزم، غير أنّها توقّفت فجأة عند عتبة الصالون، وقد انفرج فاهها دهشةً مما أبصرته عيناها. فالغرفة كانت أشبه بساحة حرب بعد انقضائها. وأكثر ما استرعى النظر، “لويد” الذي أمسى متهالكًا على الأريكة، يعلوه إرهاق كمن أُفرغت روحه. كان يحدّق في الفراغ بعينين زائغتين، حتى إذا لمح “مينيرفا”، نهض مذعورًا.
– «سيّدتي؟ ما الذي جاء بك…؟»
كان المفترض أن “مينيرفا” لا تستطيع مغادرة قرية “فران”، فما الذي أتى بها إذًا؟
«جئت لأن أَسْلان لم تعد.»
«آه…»
ألقى “لويد” نظرة عبر النافذة، فإذا بالشمس توشك على الأفول. لقد وعد بإعادة “أَسْلان” سريعًا، لكن الوقت انسلّ من بين يديه، حتى أقلق “مينيرفا” فاضطرّت إلى المجيء بنفسها. فقال معتذرًا:
«المعذرة… كنت أنوي إعادتها في الحال…»
«لا حاجة للتبرير، فالذي وقع ظاهر للعيان.»
كانت الخزائن منقلبة، وتحفها إما محطّمة أو متناثرة على الأرض. والأريكة قد أزيحت عن موضعها، والأرضية مبلّلة بماء امتزج بشظايا الفخار. أما الستائر من الدانتيل الرقيق فقد تمزّقت شر ممزّق، والثريا تتدلّى من السقف متعثّرة، وقد فقدت أحد أذرعها.
لا ريب أن “أَسْلان” هي الفاعلة.
كم يا ترى ستكلّف إعادة كل هذا؟
عقد “لويد” حاجبيه بأسى، إذ وإن كان دخله يسيرًا، فإن ما في القصر من أثاث وتحف كان من أرفع الصنع، يليق بأرقى القصور. وسداد قيمة الخسائر سيستنزف من ماله قدرًا غير هيّن.
قالت “مينيرفا” بأسنان تطحن غيظًا: «أين أَسْلان؟»
«في الحقيقة…»
تردّد “لويد” قليلًا، وأوشك أن يظن أنها اختفت مرة أخرى، غير أنّ القلق لم يطل، إذ عادت “أَسْلان” وهي تحمل ذراع الثريا كما لو كان غنيمةً من صيد.
«أمسكوا بي إن استطعتم!»
ومن بعيد، دوّى صوت “آيلا” اللاهثة: «انتظري يا أَسْلان! الجري هكذا خطر…!»
وبرغم الخراب الذي خلّفته وراءها، كانت “أَسْلان” لا تزال مفعمة بالنشاط والحيوية.
وبينما “لويد” يرتجف رهبةً، انطلق صوت “مينيرفا” هادئًا، لكنه مشحون بما يكفي ليجمّد الدماء:
«أَسْلان…؟»
«هُق!»
انتفضت “أَسْلان” فجأة حين تبيّنت حضور “مينيرفا”، وانطلقت شهقة عالقة بحلقها، وسقط ذراع الثريا على الأرض بصوت معدنيّ صاخب. وفي تلك اللحظة لحقت بها “آيلا”، فأمسكتها.
«أخيرًا… أمسكتُ بك… أ…!»
ارتجفت “آيلا” بدورها ما إن وقعت عيناها على “مينيرفا”، إذ كان وجهها يبتسم، غير أن ابتسامتها تلك كانت أشبه بابتسامة مفترس يتلذّذ بالانقضاض على فريسته.
وبصوت رقيق كنسيم الليل، سألت “مينيرفا”: «أَسْلان؟ أأنتِ التي فعلتِ هذا كلّه؟»
«حسنًا… إنّما…»
وأشاحت “أَسْلان” بنظرها بعيدًا.
قهقهت “مينيرفا” ضحكة قصيرة تكاد تميل إلى الجنون، ثم جذبت الصغيرة نحوها، وانحنت برأسها الصغير حتى لامس الأرض، وأجبرتها على الانحناء معها.
«نعتذر أشدّ الاعتذار يا سيد مينتي.»
قال “لويد” مترددًا: – «لا… لا بأس…»
لكن “مينيرفا” لم ترفع رأسها، إذ كان في نفسها شعور بالذنب لا يزول.
«سأعوّضك عن كل ما تضرّر. سأرسل من يتولّى الأمر قريبًا.»
تعويض؟ على الرغم من أن ثروتها لم تذهب وهي في عزلتها، إلا أنها لم تعد قادرة على الكسب، فأسرع “لويد” مشفقًا:
«لا، لا. أنا من قصّر حين حاولت إعادتها…»
غير أنّ “مينيرفا” أصرّت: «اقبل رجائي، فهذا لراحتي أنا. وأنتِ يا أَسْلان؟»
«ن… نعم؟»
حدّقت الصغيرة في “مينيرفا”.
«ألا يجدر بك الاعتذار أنتِ أيضًا؟»
«أم…»
رفعت “أَسْلان” بصرها دامعة العينين.
«أترين أن لا موجب للاعتذار؟ إن كان الأمر كذلك، فاشرحي السبب.»
«… أنا آسفة.»
وإذ لم تجد لنفسها مهربًا، انحنت معتذرة أمام “لويد”.
وكان في طاعة تلك الطفلة الجامحة ما أدهش “لويد”، إذ تبدّد من ذهنه ما كان يظنه عن أسلوب “مينيرفا” في تربيتها.
وما إن فرغوا من الاعتذار، حتى همّت “مينيرفا” بالانصراف، حريصة على ألا تطيل المقام.
«إذن، سأرحل. وأعتذر عن الإزعاج الذي تسبّب به طفلتي.»
«أممم… معذرة…!»
نادتها “آيلا” وهي تمسك بيدها.
اتسعت عينا “مينيرفا”: «ما الأمر؟»
«أنا…»
ترددت “آيلا” طويلًا، ثم نظرت إلى “أَسْلان” وسألت وقد كساها القلق: «هل أستطيع أن أراها ثانية؟»
«هاه؟»
التفتت “مينيرفا” إلى “لويد” متعجّبة، فإذا به حائر بدوره، إذ لم يعتد من “آيلا” مثل هذا.
ركعت “مينيرفا” حتى صار نظرها في مستوى الطفلة، وقالت تهدّئها: «تنفّسي أولًا…»
«أنا لا أبكي… لكن، هل يمكن أن تزورني أَسْلان مرة أخرى… أرجوكِ؟»
«آه…»
تنهدت “مينيرفا”، إذ كانت قد عاهدت نفسها ألّا تدع “أَسْلان” تعود إلى هنا أبدًا. لكن منظر “آيلا” وهي تكبح دموعها كان موجعًا.
وبينما تبحث عن جواب، سبقتها “أَسْلان”: «سآتي ثانية يا آيلا! فلا تبكي، حسنًا؟»
«أَسْلان!»
غطّت “مينيرفا” فمها على عجل: «ومن أذن لكِ أن تقرّري؟»
«ألا أستطيع المجيء ثانية؟»
«بالطبع لا…!»
لكنها ما لبثت أن عضّت على لسانها، إذ وقعت عينها على نظرات الدهشة في وجهي الطفلتين. فاشتدّ صداعها، وهي تفكر: هل أتحمّل دور الشريرة إذًا؟
ومهما يكن، فسلامة “أَسْلان” أَولى من سمعتها، وإن لم ترغب أن تمقتها الصغيرتان.
في تلك اللحظة، تقدّم “لويد” بخطى متردّدة: «سيّدتي، أيمكنني أن أكلّمك على انفراد؟»
—
«ما الأمر؟»
تركنا الصغيرتين تتبادلان الحديث، وخرجت مع “إيدي” إلى الشرفة. كنت قد قبلت دعوته مدفوعةً برغبتي في الإفلات من الموقف، غير أنّ الخلوة به أوقعت في نفسي شيئًا من الضيق. ظللت أرقب “أَسْلان” من وراء الزجاج، وأحثّه في سرّي أن يدخل في صلب الموضوع.
ولحسن الحظ، لم يطل في المقدمات، وقال مباشرة: «سيّدتي، لستِ مضطرة لتعويض ما تكسّر. لكن، أود أن تصبح أَسْلان و”آيلا” صديقتين.»
«ماذا؟»
انفرج صوتي من الدهشة حتى كاد يختلّ. ورغم أنني كنت قد خطرت لي فكرة صداقة “آيلا” مع “أَسْلان”، إلا أنني لم أتوقّع أن يبادر هو بطرحها. حملقت فيه بعين الشك، وسألته: «ولِمَ أَسْلان بالذات؟»
صمت هنيهة، كأنه يستحضر شيئًا في ذهنه، ثم قال: «إن “آيلا” طفلة شديدة التحفّظ.»
«وماذا في ذلك؟»
«لكن حين تكون مع “أَسْلان”، يشرق وجهها بالابتسام. البِشر الطفولي الذي رأيته عليها حين ظهرت فجأة… لم أره قط من قبل.»
كان وجهه وهو يتحدث مغمورًا برقة غير معهودة، حتى زادته وسامة فوق وسامته.
«لقد دهشت إذ رأيتها تجري خلف “أَسْلان”. فهي عادةً تمشي مشية النبلاء.»
«إذن تريد لهما أن تمضيا وقتًا أطول معًا؟»
«نعم. أعلم أن طلبي هذا يصبّ في مصلحتي أكثر، لكن إن رأيتِ الأمر مناسبًا، فسأكون ممتنًا. وإن كنتِ تخشين إرسال “أَسْلان” إليّ، فسأحضر “آيلا” إلى منزلك بنفسي.»
كان عرضه مغريًا، إذ كنت أبحث عن أصدقاء لـ”أَسْلان” لعلّها تكفّ عن إلحاحها للذهاب إلى الأكاديمية. لكن…
إن ما في القصة الأصلية يثير قلقي…
ففيها، كان والدا “آيلا” هما الكونت وولفغانغ وزوجته. فما الذي جعل وصايتها تنتقل فجأة إلى اللورد “مينتي”؟
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
هركز على الروايه دي جنب رواية بين رسالتك وردي وللي للأسف مش هعرف انزلها هيزو عشان الادارة عاملة استثناء عليها
عاوزين تعرفوا التفاصيل تعالوا لي في قناتي على التيليجرام تحديدا كلموني خاص وهدخلكم
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات