My Beloved, Whom I Desire to Kill - 9
“فقط لهذهِ الليلة، أرجوك.”
“أُفضل قضاءَ الوقت معكَ على الذهاب إلى الحفل…”
“لا توجدُ قاعدة تمنعُكِ من فعلِ الأمرين معًا.”
نسيَ حالته الراهنة للحظة، مسحورًا بسحرِ الفتاة أثناءَ لقائِهما من جديد. و لم يُدرك خطورةَ اقتراحه، الذي انطلقَ من قلبه، إلا بعدما نطقهُ، حينَ جاءهُ صوتُ العقل مُتأخِرًا مُحذِرًا.
لا ضمانَ بأنَ ذلك الرجُل سيبقى هادئًا.
و معَ ذلك، في تلك اللحظة القصيرة، بدأت عينا جيزيل تتلألآن بأملٍ لا حدودَ له. لم يكُن بوسعهِ تحمُّلُ رؤية خيبة أمل جيزيل التي انتظرتهُ طويلًا.
بالطبع، لم يكُن هذا السببُ الوحيد، و إن كانَ الأهم، الذي دفعهُ إلى حضور الحفل.
“كيفَ كانت حياتُكِ في المدرسة؟”
“كانت مُمتعةً حقًا.”
كذبة.
بعدَ أن خاضَ تجرُبة الحياة في الأكاديمية العسكرية بنفسه، كانَ إِدوين يعلمُ أكثرَ من أي شخصٍ آخر. لم تكُن المدرسة الداخلية تختلف كثيرًا عن الجيش.
كانَ على المرء أن ينجو في مُجتمع تُرسى فيه قواعد الهرمية بصرامة.
بينَ الأطفال، كانَ المعيارُ الأساسيّ لتحديد المكانة هو الوضع الاجتماعي لوالديهم. لكنَ جيزيل، كونها يتيمة، لم يكن لديها سوى وصي.
و مهما كانَ مقامُ إدوين رفيعًا، كونهُ يجلسُ على قمةِ الهرم، فلن يكونَ ذلكَ كافيًا إلا لرفعِ رُتبة جيزيل خطوة أو خطوتين لا أكثر.
“هل رأيتَ كيفَ تتشبثُ بهِ كدودة العلق؟”
“أياً كانت من ستُصبِحُ الدوقة، فمنَ الأفضل أن تتخلص من تلك الطُفيلية أولاً.”
كانت الهمسات، التي تسللت إلى أُذنيه من بين الحشد الذي يملأ القاعة، دليلًا على ذلك.
كانَ الناسُ يؤمنون بأن الرابطة لا يُمكنُ قطعها، لكنَ الكفالة قد تنتهي في أي لحظة. لا سيما إن كانَ الوصي شخصًا لن يكونَ موتهُ في ساحة المعركة غدًا أمرًا مُستبعدًا.
كانَ الحفلُ الفرصة الأخيرة له ليُري الجميع، و خصوصًا أقرانها، كيفَ يُعامِل جيزيل، كما كانت فُرصةً لتمهيد الطريق أمامها، و هيَ على وشك بلوغِ سن الرشد، للدخول إلى المجتمع الراقي.
“لذا، تعاون معي هذهِ المرة فقط.”
“عُذرًا؟”
عندَ سماعهِ صوت جيزيل الخافت القادم من بعيد، رفعَ إدوين رأسه. كانَ الصوت ينبعث من خلف الباب المغلق بإحكام.
“ماذا قلت؟”
يبدو أنهُ كانَ غارقًا في أفكاره لدرجة أنهُ لم يسمع طرق الباب.
“لحظة واحدة.”
وضعَ إدوين السيجار الذي كانَ يُمسكه في المنفضة و نهض من مكانه. لم يكُن ليسمحَ لطفلة ذاتَ رئةٍ ضعيفةٍ بدخول مكان مُشبع بالدُخان و رائحة كريهة.
“أنتِ مُستعدة بالفعل…”
لكن، بمُجرد أن فتح الباب، تلاشت الكلمات التي كانَ ينوي قولها.
كانت الفتاة التي وقفت أمامهُ… مُختلفة.
مهما حاولت أن تتصرف كسيدة راقية، ظلَّ عبقُ الأعشاب البرية و رائحة نسغ الأزهار العالقة بأطراف أصابعها يكشفان عن الطفلة التي بداخلها. لكن التي وقفت أمامهُ الآن لم تكُن طفلة، بل امرأة.
قد يكونُ من السهل اعتبارها صغيرة و هيَ ترتدي زيها المدرسي، لكن عندما تأنقت بفُستانٍ راقٍ للكبار، لم يعُد بإمكانهِ إنكارُ الحقيقة.
و ما زادَ الأمر وضوحًا، أن فُستانُها الحريري الأبيض كانَ يتبعُ أحدثَ صيحات الموضة. فقد التصق بجسدها، مُبرزًا ملامح قامتها، بل و تجرأ تصميمهُ على كشفِ ظهرها بانخفاض جريء.
“لقد أوعزتُ إلى كبير الخدم بتنسيق فُستان و مجوهرات الآنسة بيشوب.”
كانَ إدوين هوَ من أعطى الأوامر لكبير خدم المنزل بتحضير ملابسها بعد سماعِهِ عن الحفل المُرتقب. لكنهُ لم يكُن يتوقعُ شيئًا كهذا.
و حينَ وقعت عيناه على بشرتها المكشوفة، شعرَ بذنبٍ لم يفهم سببهُ. عاجِزًا عن إيجاد موضع آمن للنظر إليه، أشاحَ ببصرهِ بعيدًا.
“هل يبدو غريبًا؟”
“…لا.”
كانَ ذلكَ غير مريح تحديدًا لأنهُ لم يكُن غريبًا. كانَ لا يزالُ من الصعب عليه أن يعترف بأن الفتاة، التي بدا أنها ستظلُ طفلة إلى الأبد، أصبحت تتحولُ إلى شخصٍ بالغٍ.
لم يكُن التغيير بطيئًا بالنسبةِ لهُ، بل كانَ تحولًا مُفاجِئًا حدثَ بينَ عشية و ضُحاها.
“أنتِ مُتألقة لدرجةِ أنني لم أستطِع أن أتحملَ النظرَ إليكِ.”
أعادَ إدوين ترتيب تعبيرهُ بلباقة و مدَّ يدهُ إلى جيزيل.
“آنسة بيشوب.”
يحتاجُ الطفلُ إلى شخصٍ بالغٍ، لكن السيدة تحتاجُ إلى فارسٍ نبيلٍ.
“إنهُ شرفي الأكبر أن أحضُرَ حفل هذا المساء معَ السيدة الأكثر إشراقًا تحتَ السماء.”
احمرت وجنتا جيزيل من هذه المعاملة النبيلة الغير المُتوقعة، فوَضَعت يدها بعناية على ذراعه.
“إنهُ شرفٌ لي أيضًا أن أحضُرَ معَ أكثر الرجال إشراقًا في العالم.”
الشخصُ الذي كانَ يتألقُ حقًا هوَ السيد. كانَ من الطبيعي أن تتألق هيَ، و هيَ ملفوفةٌ بالحرير الأبيض و مزينةٌ بالجواهر، لكن كيفَ يُمكنُهُ أن يتألق بهذا القدر حتّى و هوَ يرتدي معطفًا أسود؟
بينما أخذت جيزيل ذراعه و سارت نحوَ السيارة المُتوقفة أمامَ المنزل، كانت تسترقُ النظر إليه بينَ الحينِ و الآخر.
لقد شعرت و كأن النظرَ إليه قد أصبحَ فجأة عملاً مُحرمًا و خاطِئًا.
“يا إلهي، دوق إكليستون هُنا.”
“هُنا؟ يا إلهي، هل أنا أحلُم الآن؟”
بمُجرد دخولهُما إلى قاعة الحفل في قاعة أمهيرست، تحولت جميعُ الأنظار إلى الزوجين. مديرُ المدرسة، الذي كانَ يركض تقريبًا كما حدثَ في وقتٍ سابِقٍ من اليوم، اندفعَ لمُقابلة الدوق.
كانت القاعة تعجُ بالحماس كما لو أنَّ ملكًا قد وصل. بينما رحبَ الجميع بظهور البطل غير المتوقع، كانَ هُناكَ أيضًا من كانَ يضغطُ على ألسنتهم و يهمسُ في ما بينهم.
“و لكن لماذا، من بين جميع الأماكن، اختارَ أن يظهرَ هُنا؟”
الظهورُ العام الأول لشخصيةٍ بارزةٍ يحملُ رمزًا مُعينًا. إنهُ يُلمح إلى اتجاهِ الشخص المُستقبلي و نواياه.
لذلك، عادةً ما يختارُ المشاهير بعناية مكان ظهورهم الأول بعدَ غيابٍ طويلٍ.
و معَ ذلك، اختار دوق إكليستون، أعظم شخصية من بين الجميع، حفل تخرُج يتيم رعاهُ ليكونَ أولَ حدث رسمي لهُ مُنذُ عودته من ساحة المعركة.
ما الرسالة التي كانَ يُحاولُ إيصالها الدوق؟
بينما كانت التكهُنات تنتشر بشكلٍ واسعٍ، تجمّع الحضور من الطبقة الراقية حول إِدوين مثلَ قطيعٍ من الطيور.
“من دواعي سروري أن أراكَ قد عُدت سالمًا، دوق.”
“شُكرًا لك.”
“كُنتُ قلِقًا عندما سمِعتُ أنكَ كُنتَ مُعتكِفًا في قصر الدوق بعدَ عودتك، لكن عندما أراكَ الآن، يبدو أن مخاوفي كانت غير مُبررة. تبدو بصحة جيدة.”
“عندما عُدتُ بعدَ غيابٍ طويل، وجدتُ جبلًا من الأعمال المُتراكمة على مكتبي.”
“حسنًا، حسنًا…”
“بعدَ أن كُنتَ غائِبًا لِمُدة أربعِ سنوات، فهذا أمرٌ مفهومٌ.”
“لكن ألن يكونَ من الأفضل تأجيل العمل قليلاً و اللقاء بالناس أولًا للتحدث و التواصل؟”
كانت المرأة في مُنتصف العُمر التي انضمت إلى المُحادثة بشكلٍ غير رسمي، ليست سِوى عمة إِدوين، دوقة روكسوورث.
“أنتِ على حق تمامًا. و لهذا السبب أجلتُ العمل لأتي و ألتقي بالجميع هكذا.”
بعدَ تبادُل ما يكفي من المجاملات حول حالته الصحية، حانَ الوقت للتركيز على السبب الحقيقي لوجوده.
غطى إِدوين يد جيزيل التي وضعتها على ذراعه بيده برفق. و على الفور، تحولت جميعُ الأنظار إلى نجمة الليلة الحقيقية، التي كانت تقِفُ بهدوء مثل شخصية ثانوية (كومبارس).
“هذهِ الآنسة جيزيل بيشوب. تخرجت بأعلى الدرجات من مدرسة فولرتون، و ستلتحقُ بجامعة كينغسبريدج كأعلى طالبة هذا الخريف.”
“آه، إذن هذهِ الشابة هيَ التي يرعاها الدوق…”
أسرعَ رجلٌ مُسنٌ في إغلاق فمه بينما كانَ يُحدقُ في جيزيل، و كادَ أن يقولَ شيئًا.
“يتيمة روزالية.”
لكنَ زوجتهُ لم تتردد في إتمامِ الكلمات التي ابتلعها زوجها من بابِ المُجاملة.
“أليسَ كذلك؟”
نظرتُها أوحت بأنها لا تفهم لماذا قد يكون ذكرُ الحقيقة مسألةٌ مُثيرةٌ للجدل. كانَ واضحًا أن تعليقها لم يكُن زلةَ لسانٍ بريئة.
صرَّ إِدوين على أسنانه. إذا كانوا يتحدثون عنها بهذا الاحتقار بينما هوَ حاضر، فلا بُدَّ أنهُم قد أهانوها بشكلٍ أكثرَ حُرية عندما لم يكُن موجودًا.
كانَ على الحضور هُنا أن يفهموا أن الإهانة لـجيزيل بيشوب هيَ إهانةِ لإِدوين فيتزجيرالد إكليستون.
“حسنًا… آه… ذلك هو…”
تجمدت السيدة المُسنّة التي ألقت نظرة مُحتقرة على يتيمة روزالية فجأة، و زمّت شفتاها في خطٍ رفيعٍ معَ أن نظرة الدوق الشاب الجليدية أرسلت قُشعريرة على عمودها الفقري.
الجُندي جُندي. يكفي أن تكونَ عيناهُ فقط قادرة على قتلِ شخصٍ ما.
“لكن تلك الطفلة روزالية.”
شعرت السيدة المُسنّة بالظلم. كانَ الروزاليون لا يعدون سِوى مزيجٍ من دماءٍ قذرة، مُجرد كلاب هزيلة. مهما كانَ السيد الذي يجدونهُ جيدًا، فلن يصبحوا أبداً من سُلالة نقية ذاتَ نسبٍ نبيلٍ.
كيفَ تجرأت كلبة مثلها أن تحاول الاندماج في المُجتمع الراقي؟
بالطبع، لابُدَّ أنَّ جميع حاضرين، رغم أنهُم لم يُصرّحوا بذلك، كانوا يفكرون في نفس الشيء.
ألا يُدرك الدوق ذلك؟
لقد ألمحت فقط إلى أنهُ يجبُ أن يتوقف عن المُبالغة في مدحِ يتيمة روزالية. لكنَ الدوق بدا و كأنها أهانت أمراته.
لابُدَّ أن الشائِعة القديمة صحيحة بعدَ كُل شيء.
و إلا، لماذا يذهبُ إلى هذا الحد و يغيرُ اسم روزالية و يُرسلُها إلى مدرسة مرموقة، محاولًا أن يمحو وضعها الدنيء؟
رغم أن الدوق لم ينطق بكلمة بعد، فإن الأجواء كانت قد أصبحت مشحونةً بالتوتر بشكلٍ خطير. كانَ الجميعُ يرمقون السيدة المُسنّة بنظرات قلق.
زوجها، و قد بدأ العرقُ يتصببُ من جبينه، مسحَ جبهتهُ بمنديل بينما كانَ يدفُعها بمرفقِه.
أسرعي و أعتذري.
كانَ ذلكَ هوَ المعنى وراءَ أفعاله. و رغم شعورها بالظُلم، لم يكُن لديها خيارٌ آخر. خصمها كانَ دوق إكليستون. حاولت أن تبتسِم ابتِسامة مُحرجّة، ثُمَّ هرعت لاستعادةِ كلماتها.