7
هاه، مُجرَّدُ مُكالمةٍ وَاحِدةٍ إِلى رئيس الخدم في تيمبلتون ستكشِفُ أَن هذا غَيرُ صحيح.
و لكن حتّى لو أَجرت المُكالمة، لن تسمَعَ صوت السيّد.
“هل الدوق مريض؟”
– لا، إِنهُ ليسَ مريضًا، آنِسة بيشوب.
كانَ مِنَ المُطمئِن أَن تسمَعَ أَنهُ لم يُصَب بِأَذًى.
و معَ ذلك، كُنتُ أَعتقِدُ أَن السيّد سيأتي لِرؤيتي في المدرسة بـمجرَّد أَن يعودَ إِلى البِلاد.
كانَ مِنَ الطّبيعيّ أَن تشعُر جيزيل بِالإِحباط و هيَ تتوقَّعُ ذلك.
“إِذا استمريتِ في وضع تلك التعابير القاتِمة، فَمن سَيطلُبُ الخروج في موعِدًا معكِ؟”
“لا أَحتاجُ إِلى موعِدٍ.”
“إِذن، هل أَنتِ جادَّةٌ في الذهابِ إِلى حَفلِ التخرُّج اللّيلة وَحدَكِ؟”
“كيفَ أَطلُبُ من شخصٍ قابلتُهُ لِأَولِ مَرَّةٍ اليوم أَن يذهبَ معي إِلى الحفل؟ هل يُعقلُ ذلك؟”
“لم لا؟ إِذا كانَ شابًّا لبِقًا، فَبـمُجرَّد ذِكرِ أَنكِ لا تملِكينَ شريكًا سَيجعلُهُ يسقُطُ على رُكبتيه و يَقول: ‘أَرجوكِ، شرِّفيني بهذا الشَّرَف!’
على أَيِّ حالٍ، ارفعي رَأسكِ. سأُضعُ لكِ مساحيق التجميل.”
رفعت جيزيل رأسها، ثُمَّ تَجمَّدت في صدمة.
كانت جُفونُ إِيلينا مُتحوِّلةً إِلى لونٍ أُرجوانيٍّ كأَنَّها تَعرَّضت لِضربةٍ قويّةٍ.
“لـ لا… لا، لا تَستخدِمي تلك، استخدِمي هذِهِ بَدلًا مِنها….”
أَشارَت إِلى درجة الخوخ الأَفتح بينَ مجموعة ظِلالِ العُيونِ الخاصّةِ بِـ إِيلينا.
“حسنًا، افتحي عينيكِ. كيفَ تبدو؟”
“أَلا تبدو ثقيلةً جِدًّا؟”
“هذِهِ؟”
إِيلينا قلَّبَت في إحدى المجلات، ثُمَّ أخذت توزِّعُ ظِلَّ العُيون مُقتبِسةً من إحدى الرُّسوم. لم تَتَمكن جيزيل من هَزِّ الشُّعور بِأَنَّ وجهها تحوَّلَ إِلى لوحةِ رسمٍ.
عندما رفعت إِيلينا شَفرةً لِترقيقِ حاجِبيها لِتتناسب معَ الرّسم، أمسكت جيزيل مِعصمَ صديقتها سريعًا.
“فقط قومي بِتزيين عَينيَّ و شَفتيَّ. دعي الحاجِبين و شَأنهُما.”
“نعم، سيِّدتي. كما تَأمُرين. و هكذا قد انتهينا. و الآن لِننتقل الى هذا…”
“أَنتِ ستَضعينَ ذلك على خديَّ؟ سأَبدو كأَنني ثَمِلة.”
“هذا هوَ المظهرُ المواكبُ لِلموضة في الوقت الحالي، يا جدتي جيزيل.”
لم تقِف جيزيل أَمامَ المِرآة إِلا بعدَ أَن أُغرِقت بِالعِطر.
لا يوجدُ أَحدٌ أَرغبُ في أَن أَكونَ جميلةً من أجله. هل كانَ كُلُّ هذا ضروريًّا؟
بَدا المكياج ثقيلًا، و لكن ل يَكُن هُناكَ وقتٌ لِتصحيحه. أمسكت جيزيل بِقُبعةِ التخرُّج و رِدائِها، ثُمَّ خرجت مِنَ السكن.
كانَ مِزاجها اليوم مُشرِقًا بِشكلٍ باهِرٍ.
معَ تبقي عَشرِ دقائِق فقط على بداية المراسِم، كانت المِنطقةُ أَمامَ قاعةِ الحفل تفيضُ بِالنشاط بِطُلابٍ، و مُعلمينَ، و ضُيوفٍ.
“عُذرًا.”
فيما كانت على وَشَكِّ المرور من خِلال الحشد المُتجَمعِ عِندَ المدخل لِدُخول المبنى، بدأَت همهمةٌ تتردَّدُ بينَ الجُموع.
“يا إِلهي، تِلكَ السيارة…”
“لا يُصدَّق. لم يُذكر شيءٌ عن حُضورِ شَخصٍ كهذا.”
الرّئيس، الذي كانَ يَتحدثُ معَ بعضِ الأَهالي، سريعًا رتبَ ملابِسهُ و أَسرعَ نَحوَ الجِهةِ التي كانت كُلُّ الأَنظار مُثَبتةً عليها.
“هل الملِكةُ بِنفسها قادِمة؟ جيزيل، دعينا نُلقي نظرةً سريعةً على مَن هوَ.”
كانت جيزيل على وَشَكِّ دُخول القاعة، و لكِنَّ إيلينا سحبتها بِسبب الفضول.
“ما دامت ليست الملِكة… أذن… ماذا؟”
تَخطَّت جيزيل الجماهير بسرعة، فأَبصرت سيارة فاخِرة مُتوقفة في السّاحة، ثم تَجمَّدت في مكانِها.
الشعار المنقوش على بابِ السيارة الخلفي كانَ مألُوفًا جِدًّا.
عائِلةُ إِكليستون؟ مُستحيل…
أَكثرُ التَّفسيراتِ منطِقيةً هوَ أَنَّ السيِّد قد حَضر، و لكِنها لم تستطِع أن تُصدق ذلك.
لم يَحضُر حتّى مراسِمَ الاستِقبال في القصر، فلِماذا يَحضُرُ حفل تخرُّجي؟ رُبما قدِمَ رئيسُ الخدمِ لِتجميع أَمتِعتي و خلطَ بينَ القاعة و السكن.
بينما كانت جيزيل تُحاوِلُ تجميع خُيوطِ التفسير في ذِهنِها، فتحَ الخادِمُ الذي نزَلَ من المقعد الأمامي باب السيارة بِأَدَب. خرَجَ مِنَ السيارة سيِّدٌ شابٌّ يحمِلُ باقةً كبيرةً مِنَ الورود.
وقفَ الرجُلُ في السّاحة، و مرَّرَ يدَهُ في شعرِهِ الأسود، ثُمَّ بدأَ يَمسحُ المكان بِنظرِهِ كمَن يبحَثُ عن شخصٍ ما.
في الوقتِ ذاتِهِ، كانَ الجميع يُشاهِدونَهُ بِصمت. بَعضُهُم مأسورونَ بِمكانتِه المعروفة، و آخرونَ مفتونونَ بِمظهرِهِ الآسِر.
رُبما كانت هَيبتُهُ الطَّاغية التي اِنبعثَت من قامتِهِ الطّويلة و بُنيتِهِ القويّة، جاعِلةً البِدلة الأَنيقةَ ذاتَ الأَجزاءِ الثّلاثة شبه غير ذات أَهمية.
مهما كانَ السبب، فمُجرَّد ظُهورِ الرجُل غَيَّرَ أجواءَ ساحة المدرسة، و شعرت “جيزيل” بِأَنَّ عالمها كُلَّهُ قد اِنقلبَ رأسًا على عَقِبٍ.
و معَ أَنها لم تَرَهُ لِمُدَّةِ 1,500 يومٍ، فقد تعرفت عليهِ على الفور.
ذلك الرجُلُ لم يَكُن إِلا…
“سيِّدي!”
…هوَ بِذاتِهِ.
اِنطلقت “جيزيل” نَحوَهُ و أَلقت بِنفسِها في أَحضانِهِ. في اللحظة التي تلاقت فيها أَعيُنُهما، اِتَّسعت عَينَا “السيِّد” في دهشةً.
لم تُلاحِظ الأرتِجاف الذي اعتَرَى نَظرَته، فقد كانت عيناها مُمتلِئتين بِالدُّموع التي لم تَنهمِر بَعدُ.
“اِفتقدتُكَ كثيرًا، يا سيِّدي. لِمَ تأَخَّرتَ إِلى هذا الحَدِّ؟”
“أَعتذِرُ عَن تأَخُّري الطّويل.”
صدرَ صوتهُ الرَّقيق كنغمات التشيلو، مُمتزِجًا بِعبيرِ النعناع الذي تعرفت عليه. غَمرها شُعورٌ كاسِحٌ مِنَ الاِرتياح، مُمتزِجٌ بِكُلِّ ما اِفتَقدتهُ طَوَالَ غيابِهِ.
“لا، لا تَعتذِر. أنا لا أُلومُكَ؛ أَنا فقط… سعيدةٌ جِدًّا. سعيدةٌ جِدًا جِدًّا لِأَنكَ حضرتَ تخرُّجي.”
“بِالطبع، كانَ يجب أَن أَكونَ هُنا.”
رجُلٌ رفضَ جميع الدعوات من جميع أَنحاءِ البِلادِ و انعزَلَ عنها، يزعُمُ الآن أَنَّ تخرُّجها كانَ لا بُدَّ له مِن التواجد فيه.
“أَنتِ لم تَعودي تِلكَ الفتاة الصغيرة التي كُنتُ أَعرِفُها. لقد تحوَّلتِ إِلى سيدَةٍ راقيةٍ.”
كانت على وَشكِ إِرجاعِ المدح له، كيفَ أَنهُ بَدا أكثرَ جاذبيّةً رُغمَ كُلِّ ما مَرَّ بِهِ في الحرب، لكِن قاطَعهُم اعتِذارُ المدير.
“أَعتذِر، سيِّدي. لقد تصرّفتِ الآنِسةُ “بيشوب” كسيدَةٍ طيلةَ أَربعِ سنين في فوليرتون، لكِن في هذِهِ اللحظة…”.
“آه.”
تراجعت “جيزيل” عن حَضنِهِ كأَنها أحترقت بحرارةٍ شديدةٍ و أحمَّرَ وجهُها بِشدة.
تَصرَّفتُ كطِفلة.
و أمام هذا الحشد الهائِل، أَيضًا…
حتّى أَنني صَرختُ “سيِّدي” بِصوتٍ عالٍ! ما الذي فَعلتُه؟
في حماسِها، نسيت أَن تُناديه”سَموّك” حتّى يَسمعَ الآخرون.
شعرت بالخجل بسبب سُلوكِها الذي لم يَكُن لائِقًا بِسيدة.
و معَ ذلك، اِحتَضنَها “السيِّد” بِلُطفٍ، مِمَّا زَادَ من شُعورِها بِالإِحراج.
“إِذا كانَ هُناكَ أَيُّ خطأٍ، فهوَ خطَئِي لِأَنني لم أُخبِر أَحَدًا بِأَنني سأَحضُر.”
بينما كانت تقِفُ على مَسافةٍ قصيرةٍ، تُحدِّقُ في قدميها، مَدَّ يَدهُ نَحوَها.
وضعت “جيزيل” يَدها الصغيرة، التي لا تزالُ تبدو كيدِ طِفلٍ مُقارَنةً بِيدِهِ الكبيرة، في راحةِ يدِهِ بِحذرٍ.
سحبَ يدها بِلُطفٍ كما كانَ يَفعلُ دائِمًا في الماضي.
و احتواها دِفؤُهُ.
“أَرَدتُ أَن أُفاجِئَ مَلاكي الصّغير….”
عِندما اِنصهرت في دِفئِهِ و خَطت نَحوَهُ، وضعَ يدها في ثَنيَّة مِرفقِهِ.
الرجُلُ الذي يَبتسِمُ لها الآنَ ليسَ دوق “إِكليستون”، بَل سيِّدُها اللَّطيفُ الحَنونُ.
“نَحنُ، كخريجين فوليرتون الفخورين، لا يجِبُ أَن نَستريحَ على لذَّاتِ النّجاح، بَل يجِبُ علينا أَن نَبتدِئَ في مغامراتٍ جديدةٍ معَ كُلِّ لحظةٍ تمُرُّ…”
بينما كانَ هوَ جالِسٌ في الصَّفِّ الأَماميِّ في قاعة المُحاضرات بينَ الضُّيوفِ المُميزين، رفعَ “إِدوين” نظرَهُ إِلى مُمثل التخرُّج الذي كانَ يُلقِي كلِمتهُ.
لم يَكُن لهُ سِوَى تَذكُّرِ لحظات النّظر إِلى “جيزيل” عِندما كانت أَصغرَ مِنهُ، تَتسلَّقُ الأشجار كطِفلة مُشاغِبة.
الآن، فَجأَةً، غَمرتهُ مَشاعِرٌ غريبةٌ.
الأعلى في صَفها، هاه.
اِستندَ “إِدوين” بِذقنِهِ على يدِهِ، غارِقًا في أَفكارِهِ.
كانت طِفلةً لم تَتعلَّمِ القِراءةَ أَوِ الحِساب حتّى بَلغتِ العاشِرةَ من عُمُرِها، و كانت “فوليرتون” هيَ مدرستها الأولى.
لكِنَّ في التفكير أَنها أصبحت الآنَ أَفضَلَ طالِبةٍ في هذِهِ المدرسة. إِنهُ أَمرٌ مُدهِش، و لا يَسعني إِلا أَن أَشعُرَ بِالفخر.
كانَ هذا يعني أَنهُ خِلالَ السنواتِ الأَربعِ التي غِبتُ فيها، كانت تِلكَ الطِّفلةُ قد اجتهدت وَحدها.
القلقُ الذي كانَ يساوِرُني حولَ عدمِ قُدرتِها على فِعلِ شيءٍ بِدونِ وجودي كانت فكرة خاطِئة تمامًا.
لِماذا يَشعُرُ قلبي بِشيءٍ مِنَ الفراغ رَغمَ أَنني فَخورٌ؟
و معَ اِنتِهاءِ حَفلِ التخرُّج، تَوجَّهَ “إِدوين” إِلى للخروج معَ “جيزيل”.
وقفَ إِلى جانِبِ “جيزيل” التي كانت ترتدي قُبعة التخرُّج و تحمِلُ شهادتها، في حينِ قامَ خادِمُهُ بِالتقاطِ عِدَّةِ صورٍ تذكاريَّةٍ.
“جيزيل، أَنا فخورٌ بِكِ جِدًّا.”
“شكرًا.”
بَسطَ يَدهُ على رأسِ “جيزيل”، لكِنهُ تراجع.
في الماضي، كانَ يُثني عليها بِتقبيلِ جبينِها أَو عِناقِها. لكِن الآن، بَدا لهُ أَنهُ لا يجِبُ أَن يَفعلَ ذلك بَعدَ الآن.
لم يُدرِك “إِدوين” ذلك إِلا عِندما شعرَ بِـ “جيزيل” تجري نَحوهُ و تحتضِنُهُ. طِوالَ هذا الوقت، كانَ يَتوقعُ أَن يَلتقي بِـ “جيزيل” ذَاتِ الأربعة عشر عامًا التي رَآها آخِرَ مَرَّةٍ.
لم يتخيل أبدًا أن تكون الشابة، التي كانت تبدو وكأن المكياج الثقيل يناسبها تمامًا، هي التي تحتضنه.
الفتاة التي كانت بالكادِ تصِلُ إلى مُنتصفِ صدرِه، أصبحت الآن سيدة يصلُ رأسُها إلى حلقه.
على الرغم من أنهُ كانَ محظوظًا لأنها كبرت بِشكلٍ جيدٍ بمفردها، إلا أنهُ شعرَ بحزن طفيف لأنّها كبرت كثيرًا دونَ أن تنتظره.
نعم، لا بُدَّ أن هذا الشعور الغريب هو بسبب ذلك.
—
لقد التقيت أخيرًا بتكفيرك وخلاصك.
من الأدب أن تُقَدِّم التحايا، بعد كل شيء.