My Beloved, Whom I Desire to Kill - 12
“لا داعي للهروب، لكن لا تقتربي أكثرَ مِن اللازم.”
“لماذا؟”
“لأن قصباتكِ الهوائية ضعيفة.”
متى كانَ ذلك صحيحًا؟ كُل ما في الأمر أنها أُصيبت بنزلةِ بردٍ واحدةٍ عندما كانت صغيرة، و ها هوَ لا يزالُ يتحدث عن الأمر و كأنهُ حقيقةٌ ثابتة.
لكنها لم تُعبّر عن هذا الاعتراض بصوتٍ عالٍ.
بفضلِ نشأتِها و تدريبها في المزرعة مُنذُ صغرها، كانت جيزيل قوية البُنية، لكنهُ كانَ يراها هشّة و ضعيفة.
كانت تكرهُ سوءَ الفهم، لكن لسببٍ ما، راق لها هذا الوهم تحديدًا.
لذا، لم تحاول يومًا تصحيحه. لم تقُل لهُ و لو لمرة واحدة إنها لم تكُن ضعيفة. حتّى لو كانَ ذلك يعني أن تُعامل دائمًا كـطفلة.
رغم أنها لم ترغب في أن تُعامَل كـطفلة، إلا أنها، في المُقابل، كانت تخشى أن تُعامَل كراشدة.
لقد كبرتِ الآن، و حانَ الوقت لتقفِي على قدميكِ بمُفردكِ.
كانت تخشى أن يقولَ لها “السيّد” شيئًا كهذا يومًا ما.
فـحينَ تصِلُ جيزيل إلى سنّ الرشد، ستنتهي علاقتهما قانونيًا كـيتيمة و وصي، ليُصبحا مُجرّدَ غريبين لا رابط بينهُما. كانت علاقتهُما، غير المُرتبطة بدمٍ أو قرابة، قابِلة للانقطاع في أي لحظة. لن يكونَ غريبًا إن قررَ “السيّد” إنهاءها يومًا ما.
ليسَ لديَّ أحدٌ سِواه.
كانت تتمنى لو يواصلُ الاعتقادَ بأنها لا تزالُ طفلة، طفلة لا تستطيعُ الوقوف على قدميها بمفردها.
و معَ ذلك، كانت المشاعرُ البشرية مُتقلّبة، و جزءٌ منها كانَ يتساءل عمّا سيكونُ عليه الشعور لو عاملها “السيّد” كـامرأة ناضجة، لا كـطفلة.
“آنسة بيشوب، إنهُ لشرفٌ عظيمٌ أن أكونَ برفقة أكثر السيدات تألُقًا تحتَ هذهِ السماء في حفل الليلة.”
لابُدَّ أنها كانت تأمل، و لو سرًا، أن يتجاوزَ “السيّد” مُجرّد معاملتها كـشخصٍ بالغ، و أن يتصرفَ كـشريكٍ لها هذهِ الليلة.
لكن بما أنهُ لم يعرض عليها الرقص، بدا واضحًا أنهُ لم يكُن ينوي ذلك.
“هل تخلّيتِ عن شريككِ الشاب الوسيم لتلتحقي برجُلٍ مُملٍ و عجوزٍ مثلي؟”
“إنهُ ليسَ شريكي.”
ثُمَّ إنَّ “السيّد” كانَ أكثرَ وسامة بـكثير. لمُجرّد أنَّ ذلكَ الرجُل كانَ شابًا، لا يعني أن “السيّد” كانَ عجوزًا. و لم يكُن مُملًا بأي شكلٍ من الأشكال.
أخرجَ “السيّد” علبةً صغيرةً من من سترته و فتحها، لينبعث منها عبق النعناع المُنعش، مُتسللًا برفق وسطَ نسيم ليل الصيف الدافئ.
مُجرّد رؤيته يقومُ بعادةٍ لم تشهدها سوى في أحلامها، كانَ كفيلًا بإدخال السرور إلى قلبها.
أخرجَ “السيّد” حبتين من النعناع و مدّ يدهُ نحوَ جيزيل. سواء كانَ ذلكَ بسبب رائِحة السجائر أو لسببٍ آخر، فقد مدّ يدهُ أبعد من المُعتاد.
و بـمُجرّد أن اقتربت و فتحت فمها، وضعَ حبة النعناع بعناية على طرف لسانها، ثُمَّ سحبَ يدهُ بهدوء.
انتشرت قُشعريرةٌ خفيفةٌ من طرف لسانها، مُتسللةً إلى حواسها كُلها.
و كما هوَ الحال دائِمًا، انتهى بالحبةِ الأُخرى في فم “السيّد”.
“ذلكَ الرجُل بدا مُتحمسًا للرقص معكِ حتّى نهاية الحفل.”
“لقد خسر فُرصته… إنهُ أسوأُ منك في الرقص.”
كانَ “السيّد” هوَ أول من علّمَ جيزيل الرقص.
“إذن هذا ذنبك.”
“هل تكفي رقصةٌ واحدةٌ فقط لتكفير خطاياي؟”
اتسعت عينا جيزيل.
السيّد يُريد أن يرقُص معي؟
كادت تقفِزُ فرحًا، لكنها تماسكت، مُستحضرةً دروس الإتيكيت التي تلقتها في المدرسة، مُحاولةً التصرّف برُقي.
“يبدو أنني الخاسرة في هذهِ الصفقة، لكن سأغُضّ الطرف هذهِ المرة، دوق.”
سُرعانَ ما محا “السيّد” تلكَ النظرة الغريبة عن وجهه، و اقتربَ منها بابتسامة هادئة.
“لن أنسى كرمَ قلبكِ، آنسة بيشوب.”
و حينَ انحنى ليُصبحَ في مستوى نظرها، و مدّ يدهُ لها بأدب، بدأ قلبُ جيزيل يخفِقُ بعنف.
رغم علمها بذلك، إلا أنهُ فورَ أن وضعت يدها في يده، قامَ “السيّد” بتعديل قبضته و سحبها إلى أحضانه.
هل نرقُص هُنا؟ كُنتُ أعتقد أننا سنعود إلى قاعة الرقص و نرقُص أمام الجميع.
أخذَ يدها الأُخرى و وضعها على كتفه.
و سُرعانَ ما استقرت يدهُ على خصرها.
بدأوا بتحريك أقدامهم بتناغُم معَ الموسيقى الخافتة التي كانت تُسمع من بعيد. و لكن، سُرعانَ ما طغى على الموسيقى صوتُ دقات قلبها.
كُلُّ ما كانَ بإمكانها فعله هوَ أن تتبع خطوات السيّد الماهرة.
رقصوا تحتَ ضوء القمر و بين الظلال التي امتدت مثل مفاتيح البيانو عبر الممر الطويل.
و رغم الظلام و حاجتِها للتركيز لتجنُب الدوس على قدميه، شعرت جيزيل أن تركيزها قد بدأ يفلُت منها.
تركيز أعصابها كانَ كُله على الدفء الذي شعرت بِه من خلال الحرير الرقيق لفستانها.
“ارفعي رأسك.”
“…حسنًا.”
أجابت بإطاعة، لكنها لم ترفع رأسها إلا عندما دخلا إلى الظلام.
و رغم أن الظلام أخفى وجهها المُتورد، لم تتمكن من إيقاف العرق من التراكُم في يدها التي كانت مُمسكة بيده.
سيكونُ مُحرِجًا إذا لاحظَ السيّد.
لماذا أنا هكذا؟
لم يعُد السيّد كما كان، رُبما كانَ ذلك بسبب رائِحته غير المألوفة.
عادةً ما تحِملُ أنفاس السيّد رائِحة النعناع الطازج، لكن هذهِ الليلة اختلطت بها رائِحة السجائر، مما جعلها أثقل.
رائِحتهُ الثقيلة كانت تبدو و كأنها تضغطُ على صدرها، مما جعلَ التنفس صعبًا. أصبحَ تنفسها مُتعثرًا حتّى بدأت رؤيتها تتشوش.
“آه!”
في تلكَ اللحظة، فقدت توازنُها أثناءَ دورانها بيد السيّد. تشابكَ فستانها تحتَ قدميها، و عندما سقطت إلى الخلف، أمسكَ بها بسُرعة.
“آه…”
“……”
في اللحظة التي التقت فيها نظراتهما في الظلام، توقف فجأة صوت احذيتهُما الذي كانَ يترددُ بتناغُم عبرَ الممر الهادئ.
كانَ صوتُ التنفس المُتقطع هوَ الصوت الوحيد في ذلكَ السكون، هشًا كأنّهُ قد ينكسر في أي لحظة.
فقط حينها أدركت جيزيل.
كانت يدُ السيّد على مُنتصف ظهرها.
من المكان الذي تلامست فيه بشرتهما، انتشرَ الدفء في جسدها كالموجة.
كانت تشعر بقلبها ينبُض بِعُنف ضدَ كف السيّد. شعرت بالحرج و الانزعاج، فـحاولت التملُص، لكن السيّد لم يُبعد يده.
فقط حينها لاحظت جيزيل أن تعبير إدوين لم يكُن طبيعيًا.
كانَ كأنهُ ليسَ موجودًا حقًا.
كانَ ينظرُ إليها، لكنَ تركيزهُ لم يكُن عليها. عينيه، اللتين بدأ يطغى عليهُما شعورٌ يشبه الخوف، أُغلقتا فجأة.
“…سيّدي؟”
“جيزيل، أُهربي…”
كانَ صوتُه، الذي خرجَ بصعوبة و كأنّهُ كما لو كان يخرُج مِن حنجرةٍ مُتيبسة، غيرُ واضحٍ و غيرُ مفهوم. و عندما كانت على وشك أن تسألَ مرّةً أُخرى، انزلقت يدهُ من على ظهرها و دفعَ كتفها بعيدًا.
هل هوَ يطلبُ مني أن أرحل؟
بينما كانت تتراجع، لا تزالُ تنظرُ إلى عينيه المُغلقتين، حدثَ ما لم تتوقعه.
“آه!”
في اللحظة التي ترك بها يدها، أمسكَ بمعصمها مرّةً أُخرى.
“آه…”
لكنّهُ لم يتوقف عندَ هذا الحد. بل جذبها إليه، لدرجة أن أجسادهُما التصقت ببعضهما البعض.
و قبلَ أن تُدركَ ما يحدُث، كانت يدهُ، التي لفها حولَ خصرها مُجددًا، تنزلِقُ على طولِ مُنحنى ظهرها، ملامِسةً جلدها برفق. ارتجفت جيزيل و كأنّها شعرت بقُشعريرة رغم حرارة الصيف.
شعرت بمزيجٍ من الخجل و الخوف، أرادت الهروب، لكن لم تستطِع تحريكَ إصبعً واحدً. كانَ الأمرُ كما لو كانت مُقيدة.
“سـ – سيّدي…”
و في تلكَ اللحظة، حدثَ ما لم تتوقعه.
عيونه التي كانت مُغلقة بإحكام، فُتِحَت فجأة. التقت عيونه الزّرقاء العميقة بعينيها.
أخذَ نفسًا عميقًا، كما لو أنهُ استفاقَ من نومٍ طويل، ثُمَّ زفر ببطء، مُبتسِمًا، بينما ألقى عليها تحيةً غير مُتوقعة.
“مرحبًا.”
مَلاكُ إدوين إيكليستون الجميل.
“أنتِ لا تعلمين كم كُنتُ أنتظِرُ هذهِ اللحظة.”
أنتِ بريئةٌ إلى حدٍّ يجعلُكِ لا تستطيعينَ تخيُّل أن ما يحدُث لا يعني ما تعتقدينَ أنهُ يعني.
كُلُّ ما أراه هوَ سجنٌ مُحاطٌ بجُدرانٍ رماديةٍ من كُلِّ جانب.
كُلُّ ما أسمعهُ هوَ صُراخ الحُراس و بكاء السُجناء، و ذلكَ الأسم الذي يتكررُ بلا توقف كأنهُ نشيد داخل رأسي.
جيزيل، جيزيل، جيزيل.
بينما كانَ السُجناء الآخرون يصرخون بأسماء عُشاقِهم، كانَ هذا الأسمُ الوحيد الذي يتكرر، اسمُ فتاةٍ مُعينة.
بالنسبةِ لي، المحبوس مرّةً في سجنٍ ضيّق، و مرّةٍ أُخرى في السجن الأكثر ضيقًا المُسمى بـإدوين إيكليستون، كانَ ذلكَ شكلًا آخر من أشكال التعذيب.
“يجِبُ أن أعيش و أعودَ إليها. فلا تُحاول فعلَ شيءٍ غبي.”
هذا الشخص، الذي أعطاني هذا الأمر، سيكتشِفُ قريبًا.
أن الغباء الحقيقي كانَ في مُحاولة النجاة و العودة إلى تلك الفتاة.
لأنهُ إذا عادَ حيًا، سأعودُ حيًا أيضًا.
إليكِ، جيزيل بيشوب.
و لكن ألن تكوني فضوليةً لمعرفة لماذا كُنتُ أتوقُ لذلكَ اليوم الذي ألتقي فيه بِـجيزيل بيشوب البائِسة؟
لقد أُجبرتُ على هوس بِـوجهكِ المُزعج، و أقسمت بذلكَ على نفسي.