في العادة، كان يجب أن تكون عينا الرجل قاتمتين تمامًا…
لكن تحت ضوء المصباح، اختلط السواد بالنار، وارتسم فيهما وهج غريب.
تلك الشرارة الصغيرة التي اشتعلت في وسط عينيه، ما لبثت أن تمددت لتصبح لهبًا هائجًا.
وكان السبب… هو ارتجاف يد دا إن التي تمسك بالمصباح.
سحبت يدها المرتعشة إلى صدرها، وغطّتها بيدها الأخرى، ثم خفضت رأسها.
قالت بصوت خافت:
“أمـ… لو سمحت، هل يمكنك أن… ترتدي شيئًا؟”
لم تستطع حتى النظر إليه.
جسده المشدود بعضلاته المتناسقة كان يشتت تركيزها تمامًا.
شعرت بالحرارة تتصاعد إلى أذنيها.
‘في الرواية، بقي هادئًا حتى التقى بالبطلة. هل تأخرتُ كثيرًا، وازدادت حالته سوءًا؟.’
أما مسألة سبب تجوّله عاريًا وسط الماء وهو المفترض أن يكون يتلوّى من ألم اللعنة… فقررت تأجيلها مؤقتًا.
كان الأمر الأكثر إرباكًا هو أنه لم يتحرك قط، فقط ظل يحدّق بها بثبات.
‘ لماذا هو غير محرج؟ لماذا أنا من أشعر بالحرج؟!.’
في النهاية، لم تتحمّل نظراته أكثر، فحكّت أنفها محرَجة وأدارت ظهرها.
ثم جاء صوت احتكاك القماش، وهو يرتدي ثيابه.
وفجأة، سألها بصوت منخفض عميق:
“هل كنتِ تنوين الموت؟”
كان صوته مثقلاً مثل الضباب الذي يغمر ضفة البحيرة.
“الموت هنا مناسب… الماء يغمر الجسد، لكنه ليس عميقًا… يمكن انتشال الجثة بسهولة.”
فتحت دا إن فمها بدهشة وردّت:
“لم آتِ لأغرق وأصبح شبحًا في الماء، شكرًا!”
“إذًا، لماذا جئتِ؟”
لم يخطر في بالها عذر مقنع، فترددت قليلًا.
فسألها مجددًا:
“هل أنتِ من سكان القرية؟”
لم تكن تنوي أن تعرّف نفسها.
كل ما أرادته هو إنقاذ بطل الرواية من مصيره المُبكّر.
أن تلتقي به، تسكّنه بكلماتها، وتعود أدراجها.
فهي لا تريد أن تنخرط معه.
لا تنوي الزواج به، أو إن فعلت فستنوي الطلاق في أول فرصة.
“نعم، أنا من سكان القرية.”
قالتها بثبات.
لكن نظرًا لحرصها على عدم كشف هويتها، كانت قد ارتدت عباءة واسعة مغطاة بقلنسوة كبيرة، ولفّت وجهها بشالٍ يُخفي نصفه.
قال الرجل، وهو يتفحّصها:
“سكان القرية، هاه؟ وهل اعتدتِ التجول بهذه الطريقة، في ليلة تعجّ بالأرواح الشريرة، بهذا الرداء المشبوه؟”
أنهى ارتداء ثيابه، فاستدارت إليه دا إن.
رأته يبعد خصلات شعره السوداء التي التصقت بوجهه من البلل، بحركة حادة وكأنه منزعج منها.
ثم عاد ليسألها ببرود:
“سأكرر سؤالي… لماذا قد يتجول أحدهم هنا، بعباءة مثل المتسولين، في هذه الليلة بالذات؟”
“…”
“إما أنكِ من عبدة الشياطين… أو شخص يائس لا يمانع في أن تنتهي حياته هنا.”
“…”
“وفي كلا الحالتين… النتيجة واحدة. إن كنتِ من عبدة الشياطين، يجب أن أقتلكِ. وإن كنتِ تريدين الموت… فدعيني أساعدكِ.”
‘ ما هذا المنطق!!.’
صرخت دا إن في قلبها وهي تفكّر:
‘ جئتُ لأنقذه، لكنه سيقتلني!!.’
بدأت عقلها يعمل بسرعة.
‘هو شخصية معروفة، ونظرًا لملابسه… فهو يرتدي زيًا فاخرًا، من النوع الذي لا يرتديه سوى النبلاء، إذًا…’
انحنت فجأة على الأرض، وألصقت جبينها بالتراب أمامه:
“يا سيدي! أرجوك اغفر لي! لم أكن أعلم أنك من النبلاء، فتحدثت بغير احترام!”
كان ذلك ردًّا طبيعيًا من “قروية بسيطة” التقت بنبيل دون أن تعرف رتبته.
“أنا لست من أتباع الشياطين، سيدي. أنا فقط… من أولئك الذين يبحثون عن إجابات إلهية حين يعجزعن الفهم.”
سمعت صوته يعلو فوق رأسها، بلهجة باردة وكسولة…
“أولئك الذين يسألون الرب حين تواجههم الشكوك… يكونون عادةً في بيوتهم هذه الليلة، وقد طلوها بالدم وتحصنوا جيدًا.”
‘ ولماذا لست في البيت إذاً؟!.’
كادت دا إن أن ترد عليه بتلك العبارة، لكنها عضّت على لسانها.
في هذا العالم، يُعتبر الشياطين والأرواح الشريرة كائنات عاجزة عن التساؤل أو طلب الهداية. فالإجابة التي أعطتها كانت كافية غالبًا لإقناعه بأنها مجرد إنسانة عادية.
لكن الرجل أمامها لم يكن “عادياً”.
“إذاً، لماذا خرجتِ من منزلك وجئتِ إلى هنا؟”
أي سبب يدفع بشخص قروي لمغادرة منزله في ليلة تعجّ بالأرواح الشريرة؟.
حين كانت تقرأ الروايات، كانت تتخيل كل الاحتمالات وتبدع في تحليل كل الاحتمالات المحتملة.
أما الآن، فالرعب جمد عقلها.
تعثرت كلمات دا إن وهي تبحث عن كذبة مقنعة، ثم تمتمت أخيرًا:
“الأمر هو… زوجي…”
“تحدثتِ ببراعة قبل قليل، لكن ما إن سألتكِ إن كنتِ من عبدة الشياطين، حتى صرتِ تهمسين كفأر مذعور. يبدو أنكِ فعلاً كذلك. عليّ أن أقتلك من باب الواجب.”
لم تعد تملك رفاهية التردد.
وفجأة، صرخت دا إن بصوت عالٍ:
“ذلك الزوج اللعين كان يخونني!!”
“…”
“… لم أعد أتحمل رؤيته.”
“هاه…”
زفرَ الرجل بهدوء، ثم انفجر ضاحكًا.
“هاهاها… هاهاهاها!”
ضحكته العالية تسببت في اضطراب أعشاش الطيور من حولهم.
هل كانت حجّتها سخيفة؟ أم أن خيانة الزوج أقل من أن تبرر مجيئها إلى غابة يعجّ فيها الموتى؟.
رفعت رأسها قليلًا، تنظر إلى السماء المرصعة بالنجوم.
لقد اعترفت بخيانة زوجها أمام السماء، أمام الليل، أمام الطيور، وأمام رجل غريب نصف عارٍ خرج للتو من بحيرة ليلية.
شعرت بنظرات الجميع – حتى النجوم – تراقبها.
“عذرًا، ضحكت… آسف.”
“لا بأس، هذا طبيعي.”
“لكن الغريب أن هذه القصة مضحكة فعلًا. لا أدري لماذا، لكنها عالقة في رأسي وتثير ضحكي!”
“هاهاها! هاهاهاها!”
‘ ما الذي يضحك فيه الآن؟!.’
ضحك طويلاً، حتى بدأ يختنق من الضحك، ورأسه يهتز، والماء يتقاطر من ذقنه.
ظهر فيه جانب طفولي لا يشبه صلابته الأولى.
‘والمشكلة أن نكتتي أنا هي اللي تضحكه.’
ضحكه لم يُجنبها توتر الموقف، لكنه جعل الكذبة تسير بسلاسة.
“أنا أعمل في نُزُل القرية، وقد انتهى عملي أبكر من المتوقع. عدت إلى منزلي، وأول ما فعلته هو طلاء الباب بدم الدجاج كما يُقال، ثم أغلقت الباب جيدًا. لكنني سمعت أصواتًا غريبة في الداخل. دخلت دون تردد، و… رأيت ما لم يكن يجب أن أراه.”
“وهربتِ فورًا؟ إلى الخارج المليء بالأرواح؟”
ما زال يشك بها، فأطلقت زفرة ثقيلة وسألته:
“لو كنتَ مكاني، وكان عليك أن تقضي الليل مع زوج خائن وعشيقته… أو مع أرواح شريرة. من كنتَ ستختار؟”
“ولا واحد. كنتُ سأطردهما وأبقى وحدي.”
‘أي النوع من الأشخاص هذا الذي لا يتعاون حتى في الألعاب التخيليّة؟!’
“تخيل أن لا خيار لديك. يجب أن تختار بين الاثنين فقط!”
“ولِم عليّ أن أختار في موقف لن يحدث لي؟”
“حسنًا، كما تشاء.”
تنهدت، وأكملت كذبتها:
“طرقت باب الجيران. لم يفتحوا. كان الوقت متأخرًا. جلست على جانب الطريق أفكر… ثم تذكرت شيئًا. يقولون إن الأرواح تحب التجمّع حيث يوجد البشر. فقررت أن أبتعد عن التجمعات. الغابة بلا بشر، فبدت أكثر أمانًا.”
“هممم، يبدو منطقيًا.”
“لا يبدو، بل هو حقيقي.”
قالتها بانفعال. لكنها ما لبثت أن خفضت رأسها، حين شعرت بنظرته تزداد حدّة.
كان يتفحّصها كما لو أنها فريسة تُثير فضوله.
مسح ذقنه بتفكير، ثم قال:
“لحظة…”
“نعم؟”
“كنتِ شجاعة بما يكفي لتدخلي الغابة وحدك، في ليلة مليئة بالأرواح، لكنكِ لم تملكي الجرأة لطرد زوجكِ وعشيقته من البيت؟ هذا ما لا أفهمه.”
“أمم…”
كان من الواضح أنه بحاجة ماسة إلى الحديث.
هو يحاول التركيز، ليمنع عقله من الاستسلام للجنون. لذلك كان يفتح أي موضوع ليستمر في التفاعل.
لكنها لم تتوقع أن يتعمق هكذا.
‘بصراحة، هو معذور. مشاكل الناس دومًا أكثر تشويقًا من مشاكلك الخاصة.’
“الأمر هو…”
“نعم؟”
طال صمتها، وظهرت في عينيه آثار الأرق الطويل.
فتحت فمها أخيرًا، وقالت:
“حماتي!”
“حماتك؟”
“نعم. لديّ حمـ… حماة.”
“معظم المتزوجات لديهن.”
بدت على وجهه ملامح السخرية.
دا إن أيضًا كانت هكذا قبل الزواج.
تسمع عن الحموات والمشاكل وتقول: “ما المشكلة؟ طبيعي، هذه أم الزوج، يجب تحمّلها.”
لكن بعد الزواج…
‘ كنت حمقاء.’
نظرت إليه بشفقة، كأنها ترى نفسها القديمة.
ربما التقط نظرتها، فخفض رأسه، مستغربًا.
“لو كان زوجي وحده مع تلك المرأة، ربما استطعت طردهما. كنت سأصرخ، أسحبها من شعرها، وأدفعه خارجًا. لكن كانت… كانت حماتي معهم. تلك المرأة… مخيفة. مرعبة. لو أردت وصف رعبها، فأقول إنها تجمع رعب مئة روح شريرة في جسد واحد!”
“هممم…”
“ولذلك… لم أفكر حتى في طردهم. هل تعلم ما يعني أن تخوض معركة تلو الأخرى، حتى لو ربحت، تصل إلى نقطة تستسلم فيها؟ تتعب من القتال، وتعلن الهزيمة من تلقاء نفسك؟… ربما لا تعلم، فأنت لست متزوجًا.”
وعند قولها “أنت لست متزوجًا”، تغيرت ملامحه فجأة.
عينيه حدقتا فيها بشراسة.
“أنتِ… تعرفين من أنا.”
__________________________________________
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار!!⭐•
حسابي على الإنستا:
https://www.instagram.com/empressamy_1213/
حسابي على الواتباد:
https://www.wattpad.com/user/Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 2"