اقترب الأربعة برؤوسهم من بعضهم البعض، وهم يرفعون أكواب الشاي إلى شفاههم.
كان هناك ثلاث إشارات فقط.
كلمة “فتاتي” التي خرجت من فم الدوقة، و”الكتكوتة”، وكتيّب تيجان دوقية كينوولف، الذي شددت على ضرورة اصطحابها دون أن تُنسى.
تبادلوا النظرات، ثم نطق الأربعة بالكلمة نفسها في اللحظة ذاتها:
“الدوقة القادمة.”
صحيح أن التيجان تُستخدم في مناسبات عديدة، لكنها تُعد ضرورية بالذات في حفلات الظهور الأول للفتيات النبيلات في المجتمع الأرستقراطي، ما يُعرف بـ حفل الظهور الأول.
فهل يمكن أن تكون دوقة كينوولف تبذل كل هذا الجهد من أجل أول ظهور لفتاة ما؟!.
الدوقة التي يعرفونها لم تكن لتتحمّل عناء مرافقة فتاة ليست من “أهلها” كوصيفة… ولم تكن مهتمة قط بشؤون الآخرين.
قالت ساراوان، وقد غمر وجهها السرور:
“سيكون من الممتع تصميم فستان زفاف من جديد… كم أنا متشوّقة. تُرى، من تكون؟”
وكانت الحماسة تملأ قلوب كل من فيل وتيفاني ومينولو أيضًا.
حتى الآن، كانت مهاراتهم مكرّسة فقط للدوقة وولديها.
ورغم أن أبناء الدوق كانوا يحسنون ارتداء كل ما يُصنع لهم برقيّ وأناقة، مما منح المصممين رضا مهنيًّا كبيرًا، إلا أن روتينهم قد بدأ يبعث فيهم شيئًا من الملل.
وقد حان الوقت ليكون هناك مُلهم جديد يوقظ الإبداع من سباته.
“كتكوتة، إذًا…”
“قالت كتكوتة، هه…”
“فرخٌ صغير سيتزيّن قريبًا بالجواهر من رأسه إلى قدميه.”
“هل ستتحمّل الكعب العالي؟ لا بأس، فالدوقة نادرًا ما تمشي. سأصنع لها الكثير!”
راح كلّ منهم يتخيّل شكل تلك الفتاة التي ستصبح “مُلهمتهم الجديدة”، وقد غمرتهم التوقعات…
حتى قاطعهم صوت طَرقٍ على الباب:
–دُق… دُق…
وقف أحدهم خلف باب غرفة الاستقبال.
❈❈❈
كان البارون دولومي ينتظر هذا اليوم بشغف.
فهو رجل بدأ حياته فارسًا، وكان من أقدم خدم عائلة كينوولف. وقد رافقهم في حملة غزو دوقية روبين، وحقق فيها إنجازات باهرة، ومن ثم نال لقب البارون من الإمبراطور، مكافأة له على خدماته العظيمة، ليصبح بذلك من طبقة النبلاء.
وبما أن لعائلة كينوولف أراضيَ شاسعة فوق طاقتها الإدارية، فقد أوكلت إليه إدارة جزء من الأراضي التي مُنحت لهم من قبل الإمبراطور، بما فيها بيت إدوارد الريفي.
كان ذلك العام نقطة التحوّل الأهم في حياة البارون دولومي.
وقد ظنّ أن هذا الإنجاز سيكون بوابته نحو الارتحال إلى العاصمة، ليلتحق بطبقة النبلاء المركزية، ويشقّ طريقه في أوساطهم الراقية.
لكن…
“من كان يتوقّع أن يختفي الدوق السابق بهذه الطريقة؟”
فقد اختفى دوق كينوولف السابق فجأة، من دون أثر، ومعه تبخّر حلم البارون بالتقدم في السلك النبيل المركزي.
توسّل حينها إلى الدوقة، التي كانت تدير شؤون الدوقية، راجيًا منها أن تعترف بكفاءته وتمنحه فرصة في موضعٍ يليق به.
لكنها لم تعره اهتمامًا، حتى إنها لم تصغِ إلى ما يقول، فظلّ يلعنها سرًّا كل ليلة وهو يتمزق غيظًا تحت وسادته.
لكن الآن…
“إن زوّج ابنتي من عائلة كينوولف، فالأمر يختلف تمامًا!”
فتح البارون دولومي الرسالة التي وصلته من الدوقة، وعلى وجهه ابتسامة رضا عارمة.
[سأقيم في بيت إدوارد الريفي مدة أسبوعين. يتعلق الأمر بشؤون دوق كينوولف، ويُحظر تمامًا تسريب أي تفصيلة مهما كانت صغيرة. أعتمد عليك في أن تهيّئ المكان لإقامتنا براحة وهدوء.]
“دعني أقرأها أيضًا، أبي!”
انتزعت ابنته الرسالة من يده، وهي تضحك ضحكة كادت تملأ المكان.
“سيدي إيثان… آه، آه…”
أعادت قراءة اسم “دوق كينوولف” المكتوب في الرسالة أكثر من مرة، ثم ضمّت الورقة إلى صدرها بعاطفة شديدة، وكأنها تعانق الدوق نفسه.
“هينزي، هل أسعدك الأمر إلى هذا الحد؟”
“بالطبع، يا أبي! كنت أعلم دائمًا أن هذا اليوم سيأتي… هاها، كم أنا سعيدة!”
راحت الآنسة دولومي تتأمل ذكريات أيامها البريئة، قبل أن يصبح والدها بارونًا.
“لطالما كنت مؤمنة… بسيدي إيثان.”
عاشت بصفتها ابنة أحد خدم دوقية كينوولف، وكانت تنظر إلى السيّد إيثان من بعيد، وهو كذلك، يتبادلان النظرات الحنونة المليئة بالشوق، لكنهما لم يتمكنا من تخطّي الفجوة الطبقية الفاصلة بينهما.
غير أنّ ذلك تغيّر منذ عدة أعوام، حين نال والدها لقب النبالة، وتلاشت معها عقبة النسب!
لكن حبّها العصيّ استمر على حاله، وهذه المرة، كانت العائق هي الدوقة نفسها.
فقد أجبرت السيّد إيثان، بصفته ربّ الدوقية، على اختيار الواجب لا الحب، ما دفعه ـ وقد أثقلته المعاناة ـ إلى الهروب نحو ساحة الحرب.
وأخيرًا!
عاد بعد أن قاد المعارك العسيرة إلى النصر تلو الآخر، فقط لأجل أن يتجاوز كل تلك الحواجز وينتزع حبّه منها.
كم من العذاب تسببت له! آه، آه…!
وقد عاد الآن بصفته بطل حرب، فلن تكون لدى الدوقة حجة تكسر بها إرادته بعد اليوم.
“لم يتبقَّ سوى حبّنا. بما أنه عانى لأجلي كل تلك الأيام الصعبة، فسأهبُه قلبي كلّه، أكبر وأعظم من أيّ حب.”
غير أنّ البارون دولومي، وهو ينظر إلى ابنته الغارقة في نشوة الحلم، شعر بوخزة من القلق تسري في داخله دون سابق إنذار.
خشية أن يُفسد عليها فرحتها، تردّد قليلًا ثم سألها بنبرة حذرة:
“هـ… هينزي، صغيرتي.”
“نعم، أبي؟”
“أترين أن الدوقة جاءت فعلًا إلى هذا المكان لأجل زواجك من الدوق؟ في رسالتها، لم تذكر كلمة ‘زواج’ أو حتى ‘حفلة ظهورك الأول’ ولو لمرة واحدة…”
“أبــــــــــي!!!”
صرخت آنسة دولومي، وكأنها ستفترسه.
“ألا ترى كل هذا؟! ماذا تعتقد أنّه يكون؟!”
كانا يقفان في غرفة الخياطة ساراوان، حيث حُجِز الضيوف الآخرون في غرفة الاستقبال بحجة أنّ ترتيب الغرف لم ينتهِ بعد، بينما انشغلا هما بتفحّص الأمتعة القادمة من قصر الدوقية.
وما إن فُتِحت الحقائب، حتى تدفّق منها كمّ هائل من الأقمشة الفاخرة، والمجوهرات، والأحذية المصممة.
“انظر إلى هذه الأقمشة! وهذه المجوهرات… والأحذية! أليست كلها تجهيزات واضحة لحفل ظهور أول لفتاة شابة؟”
لم تكن تلك التحضيرات للدوقة قطعًا، فلو أرادت، لجهزت ملابسها في منزلها في العاصمة.
ظل البارون يتأمّل الأكوام من الأمتعة المتراصة، وهو يتمتم لنفسه:
“لقد أرسلتُ الكثير من الرسائل، هذا صحيح…”
ففي ظلّ تجاهل دوقية كينوولف له، لم يتبقَّ له وسيلة لدخول طبقة النبلاء المركزية سوى تزويج ابنته هينزي من أحد نبلاء العاصمة.
لكن بما أنه لم يكن من طبقة النبلاء العريقة في العاصمة، لم يكن بوسعه إدخالها إلى جمعيّة سيدات النبلاء، كما لم يعرف أحدًا هناك يستطيع أن يتوسّط لها لإقامة حفل ظهورها الأول.
لذا لجأ إلى إرسال رسائل لا تنتهي إلى دوقة كينوولف، يرجوها فيها أن تكون الشابرون الخاص بابنته، وأن تتكفّل بتنظيم حفل الظهور الأول لها.
وقد تلقّى ردودًا من قبل، لكنها كانت دائمًا تنطوي على رفض واضح بحجّة أن الدوقة لا تهتم بأمور المجتمع المخملي.
“هل كانت تلك هي الخطة؟ هاها!”
كل ما رآه الآن من تجهيزات تؤكد أنّ الدوقة استجابت لطلبه، وأن ما ذُكر في الرسالة من أنّ الزيارة “لأمر يتعلق بدوق كينوولف”، ما هو إلا تمهيد لترتيب زواج بين آنسة دولومي ودوق كينوولف.
“هاها! نعم، كلامك صحيح!”
ضحك البارون ضحكة حلوة، وقال:
“قلتِ إن حبكما بدأ منذ كنتِما في قصر كينوولف، صحيح؟”
“بالطبع، أبي! كلّما التقت أعيننا، كان ينظر إليّ بنظرة عميقة، ويرسم ابتسامة ساحرة لا تُنسى…”
“هاهاها! نعمة أن يُرزق الإنسان بابنة مثلك!”
ضحك البارون بصوت عالٍ ملأ الفيلا، بينما كانت ابنته تتورّد خجلاً وهي تتخيّل لحظة لقائها المرتقبة مع إيثان.
–دق… دق…
رنّ صوت الطرق على الباب، فالتفت طاقم “الأناقة الرباعي” الذي كان لا يزال يتخيّل “المُلهمة القادمة”، بعيونٍ مشرقة وقلوب تخفق بالترقّب.
“هل هي المُلهمة؟”
“لا بد أنّها الكتكوتة!”
“نحن نملك القدرة على إبراز جمال أي نوع من الشخصيات، لكن اتمنى تكون بارعة في ارتداء الأزياء أيضًا!”
“أتمنّى أن تكون جميلة، بلا ذوق خاص! عندها سترتدي كل ما أصمّمه كما هو! تعالي إلينا، أيتها الكتكوتة بلا ذوق!”
__________________________________________
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار!!⭐•
حسابي على الإنستا:
@empressamy_1213
حسابي على الواتباد:
@Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"