بالجهة المقابلة، وبينما كانت ريدين تسترجع أحداث الرواية الأصلية في ذهنها، انتفض جسدها فجأة حين رأت السيدة فلورنس، زوجة فيكونت فلورنس، تقترب منها.
‘هل هي قادمة نحوي؟.’
نظرت حولها لتتأكد من أن لا أحد يقف خلفها، لعلها تتحدث إلى شخص آخر، لكن لم يكن هناك أحد سواها.
‘لا تتحدثي إليّ، أرجوكِ! أيتها الشريرة!.’
أنا لستُ تلك “ريـدين” التي في الرواية الأصلية! حتى لو عصرتيني فلن تجدي مالًا! وحتى إن وُجد، فلن أقدّمه لكِ!
قالت فلورنس بنبرة تتصطنع اللطف:
“أنتِ الآنسة ريدين من عائلة ماكاري، أليس كذلك؟”
لكن ريدين اضطرت للوقوف رغمًا عنها.
حاولت تجنّب النظر إليها، متظاهرة بالاهتمام بأشياء أخرى، لكن دون جدوى.
رغم أن رتبة الكونت في العرف النبيل أعلى من رتبة الفيكونت، إلا أنه كان عليها، بصفتها شابة صغيرة عديمة الخبرة أمام سيدة نبيلة أكبر سنًا وأكثر خبرة، أن تُبدي لها الاحترام.
وفي هذا العالم، فإن والدة النبيل، حتى بعد حصول ابنها على لقب، لا يتغير لقبها حتى يتزوج، لذا كان عليها مناداتها بـ”الفيكونتيسة فلورنس”.
جسدها كان يتذكر جيدًا كيفية التصرف في مثل هذه المواقف.
حاولت ريدين أن تبدو هادئة، فانحنت قليلاً، وأزاحت إحدى قدميها بخفة للخلف، وأدّت التحية الرسمية بلباقة.
“مساء الخير، سيدتي.”
ابتسمت فلورنس قائلة:
“يا له من مساء جميل حقًا. أن ألتقي صدفة بفتاة مهذبة ونبيلة إلى هذا الحد… هوهُوهُو، أجل، آنسة ريدين.”
‘لماذا تناديني باسمي فجأة وتضحكين هكذا؟ هذا مخيف جدًا! ولماذا لا تُعرّفين بنفسك؟.’
ريـدين كانت تعرف اسمها مسبقًا، لكنها لم تُعرّف نفسها رسميًا حتى الآن، لذا لا يمكن التظاهر بمعرفتها.
وحين شعرت ريدين بغريزة الخطر وابتعدت خطوة إلى الوراء، قبضت فلورنس فجأة على يدها وسحبتها إليها!
“سمعت أنكِ فقدت والديكِ مؤخرًا؟ لا بد أنك في عمرٍ أنتِ بأمسّ الحاجة فيه إلى حنان الأبوين، وفجأة اختفيا… يا للمسكينة. تعالي، سأختار لك الملابس بنفسي. لدي عين خبيرة تميز ما يُبرز جمال المرأة الحقيقي. في مثل هذه الأوقات، يجب أن يكون بجانبك شخص ذو خبرة.”
فتحت ريدين عينيها بدهشة، وحاولت سحب يدها، لكن كلما حاولت الإفلات، ازداد الضغط على يدها.
كانت تشعر وكأنها مربوطة بشاحنة ضخمة تُجرّها نحو الهلاك.
“سيدتي، أقدّر نيتك، لكنني جئت برفقة من تثق بعينيها في اختيار ملابسي. هل ترين مربيّتي هناك؟ لذا أرجو أن—”
وأشارت المرتبكة إلى كوريل الواقفة إلى الجانب، لكنها لم تكمل جملتها حتى قاطعتها فلورنس:
“مربيّة؟ وما الذي تعرفه مربّية عن الذوق؟ وجودها يُفيد فقط إن كنتِ طفلة تبكي عند تبديل ملابسها. أظنكِ تشعرين بالحرج، ولكن لا داعي لذلك. ما أقوم به نابع من قلبي، من رغبتي في مساعدة فتاةٍ مسكينة مثلكِ، أفهمتِ؟”
“لا، لا أشعر بالحرج، بل—”
“قلت لكِ لا بأس! تعالي الآن!”
وفي اللحظة التي كانت فيها ريدين تُسحب جبرًا، لمعت أمام عينيها صورة… كانت رؤيا مروعة من حياتها السابقة.
ذاك الشعور بالاختناق والعجز عند مواجهتها لحماتها السابقة، السيدة كيم شي أوم. مهما قالت، لم تكن كلماتها تُحدث أي أثر. تلك الجدران من الجهل والازدراء التي كانت تحيط بكلماتها كانت عالية جدًا، ولم تكن كلمتها لتخترقها.
الكلمات التي كانت تختارها بعناية كانت تُردّ إليها، مهشمة ومليئة بالجروح، تسقط عند قدميها، وتُسحق تحت حذاء حماتها حتى تتلاشى.
وكانت تلك الشظايا تتناثر في أرجاء المنزل، لا تنفع معها أي مكنسة.
عاشت “دا إن” حياتها في ذاك المنزل وهي تشعر بالاختناق الدائم.
ذلك الإحساس المألوف والمؤلم عاد فجأة ليخنق ريدين الآن.
رفعت رأسها لتنظر إلى وجه فلورنس التي كانت تجرّها من يدها.
‘ يا إلهي!.’
كانت ترى بأمّ عينيها تلك الهالة التي تحيط بها، المكونة من الجهل والازدراء والوقاحة.
‘أنا هنا لأشاهد هذا مرة أخرى؟ يا للّعنة!.’
“آخ…”
الصدمة النفسية تحوّلت سريعًا إلى أعراض جسدية.
شعرت بالغثيان، وعضّت على شفتها كي لا تتقيّأ.
قالت فلورنس بصوت مرتفع، غاضبة من عدم خضوعها:
“يا آنسة، ألا تعلمين أن تجاهل كلام الكبار أمر غير مقبول؟ يجب أن تتعلمي كيف ترفضين بلطف، فالسيدات العاقلات هنّ من يعرفن كيف يتصرفن. أنتِ في سن الزواج الآن، وأظن أنكِ قد تأخرتِ بالفعل. لا أحد سيراكِ جميلة بهذا السلوك. لذا فإن أمثالكِ بحاجة إلى حماةٍ حنونة تفهم وتحتوي، أفهمتِ؟”
بييييب—
ذاك الصوت… الذي سمعته عند موتها، وعند استيقاظها في هذا العالم، عاد ليرنّ في أذنيها.
أما كلمات فلورنس، فلم تعد تُفهم.
‘هل هذا لأن جسد رِيدِين ضعيف؟.’
في حياتها السابقة، كانت “دا إن” تعاني من ضغط نفسي كبير في التعامل مع حماتها، لكنها لم تصل إلى هذه الدرجة من الانهيار الجسدي.
أما الآن، فقد شعرت وكأنها على وشك السقوط.
‘هذه الفتاة يجب أن تختار زواجها بحذر! لا، الأفضل أن تعيش وحدها! على الأقل كنتُ أتمتع بجسد قوي! أما هي، فإن قابلت حماةً مثل تلك فسوف تموت سريعًا!.’
“آه…!”
ومع موجة جديدة من الغثيان التي صعدت بسرعة إلى حلقها، عضّت رِيدِين على شفتها وهي تحاول أخذ نفس بصعوبة…
حينها— دوى صوت عالٍ:
“دوقة كينوولف تدخل!”
صرخت لاريا بذهول:
“دوقة كينوولف!”
في الركن الداخلي من محل الأزياء، في مساحة خفية محجوبة، كانت هناك من تراقب هذا المشهد كاملًا… إنها دوقة كينوولف، سامانثا.
سامانثا التي لم تفكّ ذراعيها المتشابكتين منذ البداية، وقفت من مقعدها أخيرًا وهي تفكر:
‘ ابنتنا ليست ضعيفة بدنيًّا فقط… بل حتى قلبها هشّ؟.’
‘ ما الذي يحدث هنا؟.’
رِيدِين، وقد بدأت تفقد وعيها، تشبثت بما بقي من وعيها ونظرت إلى السيدة التي ظهرت فجأة.
سيدة فخمة ذات شعر فضي متلألئ كأن كل خصلة صُبغت بالفضة، لدرجة أن رِيدِين رغبت أن تسألها عن نوع الزيت الذي تستعمله لشعرها.
وسمعت لاريا تناديها بوضوح:
“دوقة كينوولف.”
‘دوقة كينوولف… إذًا هذه هي…’
‘حماتي المستقبلية!.’
طالما لم يُلغَ زواج المصلحة بعد، فهي بلا شك حماتها المستقبلية.
كانت دوقة كينوولف تبدو كتمثال فني نحت من الفضة: بشرة شاحبة باردة كأن لا دم يسري فيها، وشعر متلألئ بلون القمر… لكن عيناها، فقط عيناها، كانتا بلون اللهب، حمراوين متقدتين كجمر مشتعل، تُجبران الناظر على إنزال بصره دون تفكير.
‘بكلمة واحدة: مرعبة!.’
على الأقل، حماتها السابقة كانت عادية الشكل، أما هذه… فشكلها وحده كافٍ لإرهاب الناس!.
حتى الغثيان الذي شعرت به قبل قليل لم يعد شيئًا يُذكر.
الآن، تقف أمام من ذكّرَتها بحماتها السابقة… وأمام من تبدو أقوى منها بكثير… رِيدِين أرادت أن تبكي.
‘لماذا هي هنا؟ في الرواية الأصلية، لم تظهر دوقة كينوولف إلا عندما اقترب موعد الزواج…’
لكنها لم تمتلك الوقت للتفكير بهدوء الآن.
فالدوقة سامانثا كانت تُحدّق مباشرة في يدَي فلورنس، اللتين تمسكان بـريدين، بنظرات حادة كأنها تودّ حرقهما.
ثم نطقت سامانثا بكلمات أنيقة وفاخرة:
“أيتها السيدة المجهولة هناك؟”
اضطربت السيدة كيم شي-أوم من الداخل. كلمات سامانثا كانت مجرد سؤال بسيط، لكنها سمعته بطريقة أخرى تمامًا:
‘ أنا دوقة، من تكونين أنتِ؟.’
“…”
‘دوقة؟ دوقة؟ يعني… مباشرة بعد العائلة المالكة؟!.’
تذكرت فجأة مخطط الطبقات الأرستقراطية الذي شرح لها ابنها الثاني ذات مرة حتى رسم لها هرمًا لتفهم.
رغم أنهم يُطلق عليهم جميعًا لقب “نبلاء”، فإن الفرق بين الدوق والماركيز كالفرق بين السماء والأرض.
وبينما تجمدت السيدة كيم شي-أوم في مكانها، عاجزة عن التصرف، استمرّت سامانثا بسؤال آخر:
“الديكِ عملٌ مع ودّيعتي؟”
وهنا، اشتغلت آلة الترجمة التلقائية في عقل كيم شي أوم:
‘يعني ببساطة: ليس لديك عملٌ معها، صحيح؟.’
‘ودّيعتي… ودّيعة؟.’
تذكّرت أن ابنها الثاني أخبرها عن هذا المصطلح أيضًا.
“ودّيعة” تعني الفتاة التي تقع تحت وصاية ومرافقة سيدة راقية تُدعى الشابرون… إذًا، دوقة كينوولف هي الـ”شابرون” لهذه الفتاة؟.
شعرت السيدة شي-أوم بأنها تُسحب من بين يديها عروسًا كانت تضع عينها عليها، فتشبثت بها دون وعي.
ولم تكن هي الوحيدة التي فهمت معنى كلمات الدوقة، بل حتى لاريا، صاحبة محل الأزياء، أدركت الأمر.
دوقة كينوولف، التي لم تكن تهتم لا بالزلازل ولا بعواصف المجتمع الأرستقراطي، تعلن نفسها فجأة كـشابرون لفتاة؟!
قبل لحظات، كانت العلاقة بين الآنسة ريدين والسيدة فلورنس متوازنة من حيث السلطة، لكن منذ ظهور الدوقة، تغيّرت خريطة القوى بالكامل. لم يعد هناك سوى حاكم واحد للموقف.
تصرفت لاريا بسرعة فائقة.
وبقبضة قاسية، نزعت يد فلورنس عن يد ريدين وصرخت:
“سيدة فلورنس! ما الذي تفعلينه بحق؟ ألا ترين أن الآنسة ماكري تتألّم؟ انظري! يدها احمرّت! أظن أن البعض يظنون أن بإمكانهم فعل أي شيء طالما دفعوا أموالًا مضاعفة!”
“هل هذه المرأة جُنّت…”
كانت السيدة كيم على وشك إطلاق عباراتها المعتادة على لاريا، لكنها أطبقت فمها فجأة.
سارعت بوضع ابتسامة مصطنعة على وجهها، ثم استدارت نحو الدوقة سامانثا، وانحنت بانحناءة تحية تشبه تلك التي قدمتها لها ريدين سابقًا.
قالت بصوت مهذب:
“دوقة كينوولف الموقرة، أنا سيموني فلورنس، زوجة فيكونت فلورنس. كنت أقدّم بعض الإرشادات للآنسة ماكري استعدادًا لدخولها إلى المجتمع الراقي. ما قمتُ به لم يكن طمعًا بشيء أو مقابلًا… كان بادرة مني نابعة من حسن النية فقط—”
“فهمت.”
قاطعتها سامانثا فجأة، وكأنها لا ترى أي داعٍ لسماع المزيد من الكلام المطوّل.
“سأتولى الأمر من هنا.”
“…”
“بإمكانك الانصراف.”
تجمدت السيدة شي-أوم مكانها، وارتجفت يدها وهي تمسك بطرف فستانها. لقد تلقت إهانة صريحة… وجهًا لوجه.
__________________________________________
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار!!⭐•
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"