ومجرد امتلاك عقلٍ متقدٍ قليلًا يكفي لربط المعلومات والتعرّف عليه.
لهذا، تصرفت دا إن كأنها مجرد امرأة قروية سمعت بعض الشائعات، وقالت:
“يقال إن دوق كينوولف الجديد قد عاد من آخر معركة كبرى أنهت الحرب منتصرًا.”
“…”
“ويقال إنه يتمتع بهيئة نادرة… شعرٌ حالكٌ كسواد الليل، وعينان سوداوان لافتتان… حتى ربة منزل منعزلة مثلي سمعت بذلك!”
“أن تتمكني من معرفتي بهذه المعلومات القليلة… لستِ عادية. ذكية جدًا، أيتها السيدة المتزوجة.”
“شكرًا لك يا سيدي الدوق. إنها أول مرة يمدحني فيها شخصٌ نبيلٌ مثلك منذ ولادتي! يبدو أن بعد كل حزنٍ، لا بد من فرحة.”
ثم وقفت كفارسٍ يتلقى تكريمًا من الإمبراطور، تبتسم بانفعال طفولي.
ابتسم هو أيضًا – ابتسامة حقيقية، ناعمة.
‘آه… ما أجمل تلك الابتسامة.’
حاول أن يخفيها بإدارة وجهه، لكن دا إن رأت جيدًا ذلك الجمال الساحر.
‘ أجمل من أي رسمٍ رسمته.’
وبينما كانت تتأمل واقعه وتُقارن بما رسمته ذات مرة لغلاف الرواية، أشعل هو النار بهدوء.
ألسنة اللهب أكلت الضباب الكثيف المحيط بضفة البحيرة.
“شكرًا، وهذا من أجلك.”
قدّمت له طعامًا أخذته من النزل، لكنه رفض برأسه، وكأنه لا يشعر بالجوع.
بدأت تمضغ الخبز الرطب بصمت، حين قال فجأة:
“لا حاجة لأن أكون متزوجًا لأفهم معنى الإنهاك من القتال. أحيانًا، حتى لو ربحت، تظل منهكًا. ولهذا السبب، رغبت فقط في أن أبتعد عن ساحة المعركة… أليس الأمر شبيهًا بما مررتِ به؟”
كان قد عاد للتو منتصرًا من ساحة الحرب.
دا إن أومأت بصمت وهي تمضغ الخبز.
“وأنا ممتنة لك. لأنك كنت تقاتل في ساحات القتال، استطعتُ أن آكل خبزًا عاديًا هنا، وأن يعيش زوجي في سلام إلى درجة أنه أصبح… مرتخيًا لدرجة الخيانة. لقد أنقذتَنا جميعًا.”
“حتى زوجات القرى البعيدة مثلكن يجب أن يشكرنني. لولا جهودي، لكان العدو اجتاح قريتكن.”
مسحت فُتات الخبز عن فمها بظاهر يدها، وتذكرت وصف المؤلف لشخصية هذا الرجل:
‘ لم يكن من ضمن صفاته “التواضع” بالتأكيد… خصوصًا أنه ذالك البطل النادم من النوع المتغطرس.’
ابتلعت الملاحظة في ذهنها، لكنها فوجئت بجملته التالية:
“لكن… مجرد أن أكتشف أن من بين من أنقذتهم رجل خان زوجته… يجعلني أندم قليلًا. ربما كان من الأفضل أن أترك العدو يصل إلى قريتكم.”
نظرت إليه مطولًا.
صحيح، هو ليس متواضعًا… لكن يبدو أن المؤلف أضاف إليه شيئًا يشبه الدفء. قليلٌ من الحنان المخفي.
قالت بصوتٍ منخفض:
“ربما معك حق.”
لماذا خانها زوجها؟.
لماذا؟ لماذا؟ سؤال لا تملك له جوابًا.
لكن ما تعرفه تمامًا الآن، هو أنها وجدت عزاءً صغيرًا في حضرة هذا الرجل.
هي التي جاءت لتنقذه… فإذا به هو من يواسيها.
وهذا وحده… كان يستحق كل ما بذلته.
“لا أفهم لماذا فعل بي زوجي ذلك. لكن ربما… لا داعي لأن أفهم.”
لقد كانت خلافاتهم كثيرة، بسبب الحماة.
كان البُعد العاطفي يزداد يومًا بعد يوم.
وكان يمكن إصلاح كل شيء… لكنه خانها.
لأن الأخرى أصغر؟ لأنها تضحك كثيرًا؟
قالت قبل لحظة إنها لا تحتاج إلى الفهم، لكن عقلها ظل يبحث عن السبب.
‘كفى، لا داعي للتفكير. هذا ليس شيئًا يستحق الحزن.’
“تبدين حزينة.”
رغم أنها أخفت وجهها تحت غطاء الرأس ولفّت نصفه بالوشاح، فلم يظهر سوى عينيها، لكنه شعر بها.
خفضت رأسها، محرجة لأنه كشف شعورها رغم كل محاولاتها.
راح يتأملها، ثم أشاح بوجهه وقال بلهجة فاترة:
“أنتِ من فاز.”
“…؟”
“الآن، أنتِ معي. لا أعلم من تلك المرأة التي خانكِ معها، ولا أريد أن أعلم. لأنكِ الآن هنا. هذا يعني أنكِ الفائزة.”
كان منطقه أقرب لمنطق طفلٍ صغير.
ومع ذلك، ضحكت دا إن… وارتاحت.
نعم، فلتبقَ مع من تحبهم.
أما أنا… فسأعيش في هذا العالم الجديد بطريقتي الخاصة.
أنا، تلقيت للتو عزاءً من بطل هذا العالم!
وفي اللحظة التي ابتسمت فيها بخفة…
امتدت يده فجأة داخل غطاء رأسها.
‘هل ينوي كشف هويتي؟!’
ارتبكت، وهمّت بالابتعاد بسرعة…
لكن صوته سبقها:
“أنتِ من فاز… لذا، لا تفكري في الموت مجددًا.”
مرّت أصابعه برفق تحت عينيها، تمسح شيئًا لم ترد الاعتراف به.
كانت يده لا تزال داخل غطاء رأسها عندما مرر أصابعه برفق تحت عينيها.
شعرت بملمسٍ رطبٍ على بشرتها… بدا وكأن الجرح الناتج عن تسلقها الغابة الكثيفة قد دُهِنَ بمَرهمٍ دون أن تنتبه.
“لا أنوي فعل شيء لا ترغبين به، فلا تخافي.”
بدأ الجرح يَحُكّها وكأن حرارة النار قد وصلت إليه. بدا من الأفضل أن تبتعد قليلًا عن لهيب الموقد المتقد.
أنزلت دا إن قبعة الرداء حتى غطّت أنفها تقريبًا.
هي لم تفكر يومًا في الموت حقًا… لكن كلماته تلك، بدت وكأنها تقول لها: لا تنكسري… عيشي.
فشدّت قبضتها على الرداء، وجددت عهدها بأن تحيا هنا جيدًا.
“من الأفضل أن أعرف اسمك. ما اسمكِ؟”
“اسمي؟”
“لست مهتمًا بمعرفة اسم الزوج الخائن، إن كنتِ تتساءلين.”
“آه، أنا اسمي…”
لكنها قُطعت فجأة.
“يا سيدي الدوق!”
“سيدي، أين أنت؟!”
❈❈❈
كان الصباح قد بزغ لتوه، بالكاد لامست الشمس قمم الجبال، ودوّى صوت النداء في الغابة.
استيقظت الطيور المرهقة من حديثهما الطويل ليلة أمس، تغرد بضيق:
(ما لهؤلاء البشر لا يتركوننا ننام؟!)
ومن أعلى الشجرة، نظرت الأم الحانقة إلى الأسفل، متوعدة بأن تنقر أكثرهم إزعاجًا.
لكن قبل أن تفعل، فوجئت بأن من في الأسفل يرتدون دروعًا فضية لامعة، يبدو أن منقارها لن يصمد إن حاولت.
في تلك الأثناء، تقدم رجل يرتدي ملابس فاخرة وسط الحشود. لم يكن يرتدي درعًا، بل قميصًا وجاكيتًا راقيين، وقد وقف مواجهًا الشمس المشرقة وهو يضيق عينيه قليلاً.
رفع نظارته الملونة فوق أنفه وألقى نظرة على من حوله، ثم سأل:
“هل صحيح أن إيدن قضى ليلته في هذه الغابة؟”
اسمه كان كينوولف مارك، الابن الأكبر لعائلة دوق كينوولف، وشقيق إيدن.
أجابه ستانلي، مساعد إيدن:
“نعتذر. كان يجب أن نرافقه ونحميه مهما حصل.”
لكن نظرات مارك اتجهت ببطء إلى جرحٍ في بطن ستانلي.
“كفى. أعلم أن إيدن لم يكن في كامل وعيه الليلة الماضية. ولو بقي في المعسكر، لكان لدينا أكثر من مصاب، لا أنت وحدك.”
“مع ذلك، كان يجب علي أن أمنعه. أنا المخطئ، أعتذر.”
ظل منحنياً، لا يرفع رأسه.
فتقدم مارك بخفة ونقر على كتفه بأطراف أصابعه:
“ألأنني أبدو أضعف من أخي؟ لماذا توجه اعتذارك إليّ بدلًا منه؟”
“لا! إطلاقًا!”
ابتسم مارك بخفة وأضاف ممازحًا:
“ربما لأني أقل منه شأنًا؟ فهو دوق، وأنا مجرد كونت.”
“لا أقصد ذلك!”
“إذن توقف عن الاعتذار. أخي لا يُقتل بهذه السهولة.”
رفع ستانلي رأسه عندما شعر بيد مارك تربت على كتفه. كان مارك قد بدأ يسير مبتعدًا وهو يتفقد المكان.
ثم جاء صوت آخر من أحد الجنود:
“سيدي! وجدناه!”
ركض مارك فورًا نحو الصوت.
وهناك، تحت شجرة ضخمة، كان إيدن نائمًا، يستند إلى الجذع، وأوراق الشجر تغطي رأسه دون أن يشعر.
كان جسده مسترخيًا، فمه مفتوح قليلًا، وربما بدأ يسيل منه اللعاب.
لم يره شقيقه بهذا الهدوء منذ ثلاث سنوات.
“يبدو مرتاحًا… هل سبب أرقه كان فُقدان ‘غرفة نوم طبيعية’؟”
“هل نوقظه؟”
“لا. لنتركه قليلاً.”
ابتسم مارك وهو يتأمل وجه أخيه. كان فيه شيء من البراءة، تمامًا كما كان صغيرًا.
“يبدو تمامًا كما كان وهو طفل. أليس كذلك، ستانلي؟”
“أكان ينام بذاك الوجه الغبي أيضًا حينها؟”
تجمع الجنود وهم ينظرون إلى وجه إيدن غير المعتاد.
“لمَ لا يستيقظ؟ عادةً يستيقظ من أدنى حركة!”
“هل… هل أصابه شيء؟ هل أكله الشيطان، وهذا من أمامنا مجرد وهم؟!”
في لحظتها، استيقظ إيدن على صوت أوراق الشجر.
“سيدي… هل هذا أنت؟”
عمّ الصمت قبل أن يهمس قائلاً:
“أنتم لا تستحقون لقب فرسان إذا كنتم لا تستطيعون تمييز قائدكم.”
تنفس الجميع الصعداء، حتى إيدن نفسه.
فقد كان يظن أنه ربما لن يرى وجوههم مرة أخرى.
مدّ يده إلى رأسه، وبيده نفض الأوراق الرطبة المتراكمة.
“دعني أساعدك، يااخي.” قال مارك وهو يضحك.
“مقرف.”
“عليك تقبّل لمسة الحب هذه، صغيري.”
بينما كانا يتمازحان، التفت إيدن فجأة.
“أين هي؟”
“من؟”
“كانت هناك فتاة بجانبي. هل نُقلت لمكانٍ دافئ؟”
“فتاة؟”
ترددت الكلمة بين الجنود مثل الصدى:
“قال فتاة؟”
“الليلة الماضية… فتاة؟!”
أحد الفرسان أفلت خوذته من الذهول، ثم التقطها وركض وهو يحتضنها كأنها كنز.
وكان ختام التساؤلات من ستانلي:
“هل كنت مع فتاة بينما كنت تزعم أنك خرجت لتحمينا؟!”
نظر إيدن إلى الفارس الذي ركض بعيدًا، ثم تنهد بمرارة.
لم يرَ أحدهم الفتاة، إذًا…
‘هل عادت؟ إلى منزلها؟ إلى ذلك الزوج الخائن وتلك الحماة المخيفة؟.’
همس بصوت منخفض:
“يجب أن أجدها.”
قالها، وعيناه تشعان ببرودٍ خطير، ثم نهض واقفًا.
__________________________________________
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار!!⭐•
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"