ومع خفوت الأصوات المزعجة، ألقت ريدين نظرة خاطفة نحو الطريق الممتد تحتها.
كان العشب الأخضر الكثيف قد ابتلع الصوت ابتلاعًا، لتعلو بدلاً منه همسات الربيع، وصوت احتكاك السيقان الندية بأرجل الحصان.
يا للجمال… الأصوات تتبدل تبعًا للطريق.
كان أمرًا بديهيًّا، لكن بالنسبة لراكبة الخيل لأول مرة، بدا كلّ شيءٍ وكأنّه اكتشافٌ مدهش.
“إيّاكِ أن تسقطي.”
نطق مارك بتحذيره الهادئ.
“ن-نعم سيدي!”
فما إن قالها، حتى انتصبت ريدين في مكانها على الفور، وأمسكت بقرني السرج بكلتا يديها.
“أمسكي جيدًا.”
“بالطبع، يا سيدي!”
كان ردّها مبالغًا في انضباطه، حتى كاد ماريك أن ينفجر ضاحكًا، لكنه كتم ضحكته بشدّة.
حتى مع الفارس الماهر، ينبغي الحذر فوق ظهر الخيل.
وخاصةً إن كان من يرافقه لا يمتّ للحذر بصلة، فعليه أن يبقى في قمة يقظته.
مسح مارك ابتسامته، وشدّ اللجام قليلًا.
لقد سمع من مربيتها أن ريدين لم تتعلم الفروسية قط، لكنها كانت تحبّ الجلوس خلف والدها على حصانه داخل حدود التركة.
هل هذا مثير للاهتمام حقًّا؟
ألقى نظرة سريعة على الرأس الصغير الذي يتحرّك بمرح تحت ذقنه.
تنظر للأسفل، ثم للأعلى، ثم تلتفت يمينًا ويسارًا بلا توقف — كانت مأخوذة تمامًا، حتى بدا وكأنّها فقدت الإحساس بالعالم.
‘ينبغي أن أخبر إيثان أنها تحب ركوب الخيل. هكذا سيتمكن أخي العزيز من كسب بعض النقاط.’
كان تحريكها المستمر لرأسها يجعل عنقها النحيل يبدو متوترًا، لكن أن يطلب منها التوقف بدا قاسيًا، فصمت.
‘ تبدو سعيدة.’
قالها وهو يتابع بنظره اتجاه عينيها، ليجدها شاخصة نحو الأعلى.
نظر هو أيضًا.
كانت أشعة الشمس تنفذ خلال أوراق الأشجار الخضراء الكثيفة، فتغمر المكان بضوء ذهبي خافت.
كان يومًا مشرقًا وجميلاً بالفعل.
“حتى ظبيًا حديث الولادة… لن يرى هذا العالم جميلاً كما ترينه أنتِ.”
“ظبي صغير؟”
“…؟”
“ربما أرى واحدًا اليوم.”
“…”
“أريد أن أرى غزالاً صغيرًا.”
تلبّكت، ثم راحت تدير رأسها يمنة ويسرة كأنها تلتقط صوت حوافر غزال خفي.
تمنّى مارك في سرّه أن يتمكن من ضرب جبينها برفق، لكنه تشبث باللجام بقوة حتى لا تقع.
‘يا لهذا الرأس الصغير المتذبذب… أتمنى فقط أن يثبت.’
“إلى ماذا تنظرين الآن؟ طيور في السماء؟”
وأخيرًا، ثبتت بصرها على نقطة واحدة.
هزّت رأسها نفيًا.
“لا، لا توجد طيور… لكن السماء جميلة جدًّا.”
رفع مارك عينيه معها.
“تبدو لي سماءً عاديّة.”
“لا، ليست كذلك… إنها مختلفة.”
بالنسبة له، كانت السماء زرقاء صافية فحسب، كما لو كان يومًا لطيفًا عاديًّا.
“ألم تكن السماء نفسها بالأمس حين ركبنا العربة إلى هنا؟”
“أمس أيضًا؟”
كان صوتها محيرًا على نحوٍ غريب، لدرجةٍ أشعلت فيه شرارة تنافسٍ نادرة.
“نعم، لا يبدو الأمر مختلفًا بالنسبة لي.”
“هذا ليس صحيحًا.”
حدقت في السماء، ثم أضافت بهدوء:
“أمس… كانت كبتلات الأقحوان. أعني، الغيوم. اليوم مختلف. ألا ترى؟”
“…”
“هل تعدّها؟”
وحين لم يرد، التفتت لتنظر إليه.
“آه، سامحيني… كنت أحاول أن أتذكر، هل كانت هكذا فعلًا؟”
شعرت ريدين بتشنج في كتفيها، فقد تذكّرت لقاؤهما الأول المحرج بالأمس.
حين كان يقرأ الوثائق بعناية داخل العربة، كانت هي تحدّق في السماء بلا نهاية، غير قادرة على تحمّل الصمت.
ومن حينها، أدركت ذلك يقينًا.
نعم، لقد كانت السماء مليئة بالغيوم الملونة بالأمس.
لبرهة، لم يكن في الأرجاء سوى صوت حوافر الخيول وهي تطأ العشب، يملأ الصمت.
لم يقل مارك شيئًا، ولم ترغب هي في إزعاجه.
بل على العكس، استمتعت ريدين بسكون الغابة.
كانت تدرك أن العودة إلى الفيلا تعني مواجهة أشياء لا ترغب في مواجهتها، لكن في هذه اللحظة، كانت حرّة.
“آه…”
سألت فجأة:
“هل لهذه المسيرة هدف؟”
“هدف؟”
“نعم، هل نحن نتجول فحسب؟ أم أن هناك وجهة محددة؟”
وبعد لحظة من التفكير، أجاب مارك:
“هناك وجهة. نحن على وشك الوصول.”
وأشار إلى الأمام وهو يمسك باللجام.
كانت الغابة توشك على الانتهاء.
“لقد مضى وقت طويل منذ زيارتي، لذا لست متأكدًا من شكله الآن… لكن إن بقي كما كان، أظن أنه سيعجبك.”
كلماته جعلت قلبها يرفرف.
أضاء المسار الخافت في الغابة، وتدفق ضوء الشمس أوسع وأقوى.
وعندما مرّوا بين الأشجار الأخيرة التي تحرس الغابة، اضطرت ريدين إلى أن تحدّق مباشرة في وجه الضوء المنهمر.
وحين فتحت عينيها من جديد، تراءى أمامها عالم مختلف تمامًا.
نسيم الحقل حمل عبق عدد لا يُحصى من الزهور.
“رائع…”
“دعيني أساعدكِ على النزول.”
نظرت إلى جانبها بدهشة؛ كان مارك قد نزل ووقف على الأرض.
اتبعت إيماءته، ووضعت يديها على كتفيه، فشعرت بنفسها ترتفع بسهولة، وسرعان ما كانت واقفة على العشب.
“… إنّه جميل جدًا.”
حتى بعد أن نزلت، ظلّت ريدين في حالة ذهول.
كانت الزهور البرية تغطي الحقل الواسع، تصنع موجات من الألوان مع هبوب النسيم.
“هل تحتفظ عائلة الدوق بهذا المكان أيضًا؟” سألته وهي تراقبه يربط الحصان إلى المقعد.
“بالطبع لا، هذا عمل الطبيعة.”
“أرى…”
“المقعد فقط ملك لنا.”
قفز قلب ريدين.
“فهل من المقبول الدخول إذن؟”
“بقدر ما تشائين.”
كانت على وشك أن تتقدّم، لكنها توقفت فجأة.
“يا كونت… هل سيجوع فراي؟ هل أقطف له بعض الأوراق؟”
“فقط إذا استطعتِ تمييز النباتات السامة.”
“آه، لا بأس…”
استسلمت سريعًا وعادت إلى الحقل.
“إنه جميل جدًا…”
استحمّت بضوء الشمس، وسارت في اتجاه الحقل.
داعبت الأعشاب جسدها بلطف في النسيم، فأطلقت ضحكة خفيفة.
وتبعها مارك في صمت.
“كان والدي يزور حقول الزهور دائمًا حين يسافر إلى مكان جديد… كانت أمي وإيثان يبدوان منزعجين جدًا، لكنهما كانا يرافقانه دائمًا. لم أفهم يومًا لماذا كانا يتجهمان في وجه كل هذا الجمال.”
“حقًا؟ المكان جميل جدًا هنا.”
استمر حديثهما بخفةٍ حتى ناداها فجأة:
“آنسة ريدين.”
“همم؟”
“هل كنتِ غير مرتاحة اليوم؟”
“هاه…؟”
فهمت على الفور أنّه يقصد ما حدث في الصباح.
لم تكن تعرف كيف ترد، لذا حاولت التهرّب منه بابتسامة.
ابتسمت ابتسامة محرجة، لكن نظراته العائدة كانت حازمة.
“سامحيني، لكنني لا أعتبر الابتسامة إجابة صحيحة.”
——————————————————————— •فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 24"