“يبدو أنّ مباني عائلة الدوق شُيِّدت من حجارة محلية، كأنّها فيلا ريفية.”
حتى الإسطبل البعيد الذي ظهر في الأفق كان مبنًى حجريًّا بلون البيج.
سارت ريدين وحدها نحو الإسطبل، تتوقف كلّ حين وتُتابع سيرها من جديد، إذ بدا مشيها غريبًا ومربكًا.
“المشي غير مريح قليلًا…”
حذاء الفروسية الغريب الذي أحضرته كوريل كان ملكًا لدوقة كينوولف، التي كانت لا تفوّت فرصة لركوب الخيل كلما زارت هذه الفيلا.
وبما أنّها كانت تُبقي دومًا زوجًا احتياطيًّا من أحذية الفروسية، كان الحذاء نظيفًا وجديدًا تمامًا. إلا أنّه كان كبيرًا جدًا على قدمي ريدين الصغيرتين، ما جعله غير مناسب تمامًا للمشي.
وحين وصلت أخيرًا إلى الإسطبل، استقبلها مارك بضحكةٍ لم يستطع كتمها.
كان لا يزال يرتدي القميص الأبيض ذاته من الصباح، وقد استبدل حذاءه فقط بحذاء الفروسية.
كان منهمكًا في تمشيط الحصان، لكنه التفت فور سماعه صوت الخطى المتعثرة، وما إن رأى مشية ريدين المرتبكة حتى دار برأسه وضحك خفية.
كان هو نفسه من اقترح عليها ركوب الخيل، لذا شعر أنّ الضحك عليها فور وصولها قد يجرح مشاعرها.
“ساعدتك.”
“كح، نعم؟”
“تظنّ أنني لم أرَ؟ لقد رأيتُ ضحكتك.”
“ضحكتُ لأنّ حذاء الفروسية يليق بكِ كثيرًا.”
أجاب ببرودٍ لا يخلو من جرأة، لكن هناك حدودًا لما يمكن التغطية عليه بالوقاحة.
فمن يملك قدمًا بمقاس 230 مثل ريدين، ويضطرّ لارتداء حذاء مقاس 260 ويتمايل كالبطة، لا يمكن أن يُقال عنه إنّ الحذاء “يليق به” مهما حاولنا تغليف الحقيقة.
“رأيتُ قدميك الصغيرتين من قبل، لكني نسيت أنّ والدتي قدماها كبيرتان… لا عجب أنّ الناس يقولون إن الأبناء لا يُجدى نفعهم.”
“بل أظنّ أنك تهتمّ بوالدتك كثيرًا، يا سعادة الكونت.”
“حقًا ترين ذلك؟”
لأنّها كانت تظنّ ذلك فعلًا، أومأت ريدين بصمت.
ضحك مارك ضحكة صافية، وكأنّه تلقّى مجاملة لطيفة.
“آه، ثمة أمر آخر عليّ الاعتذار عنه. لقد استدرجتُ مربيتكِ واستخرجتُ منها بعض المعلومات عنكِ. هل جاءت لتعترف لكِ؟”
بالطبع، كوريل قالت كلّ شيء منذ فترة.
لقد أعطى مربيتها كعكة حلوة كرشوة وانتزع منها كلّ ما يريد معرفته.
“أخبرتني بكلّ ما سألت عنه، دون أن تُخفي شيئًا.”
“اعتراف سريع كهذا يدلّ على أنكِ أحطتِ نفسكِ بأناس يمكن الوثوق بهم… أو أنّ حيلتي كانت ضعيفة.”
ختم كلامه بابتسامة مألوفة، ثم ساد الصمت لبرهة.
وبينما كانت ريدين تحدّق في جانبه وهو يُمشّط الحصان، قالت فجأة:
“يبدو أنّ الحصان يليق بكَ أيضًا.”
“حقًا؟”
كان اسم الحصان غولدن فري، يملك جسدًا بلون العسل، وبدةً ذهبية.
ربما لأنّ اسمه يتضمّن كلمة “صلاة”-فري يعني صلاة-، بدا هادئًا ومهيبًا، وكأنّه يتضرّع بخشوع تحت لمسات مارك.
“بحسب ما عرفته من المربية، لم تتعلّمي ركوب الخيل بعد، لكنّكِ تحبينها. أهذا صحيح؟”
“نعم، أحبّها.”
وكأنّ الحصان فهم ما قالت، رمش بعينيه البنيّتين الداكنتين وأطلق صوتًا خافتًا.
“لكن مجرد قول (أحبّ) لا يكفي، لا بد أن تُظهري ذلك بنفسك، كما يقول.”
ناولها مارك المشط.
وأشار إلى المنطقة الممتدة من وجه الحصان إلى عنقه ثم كتفيه.
“فري هادئ الطبع، لكنه خجول قليلًا. لا تمشّطي مؤخرته، وإلا فستتلقّين ركلة موجعة.”
ثم تمثّل وكأنّه تلقّى ركلة حقيقية، وترنّح مازحًا.
“سأحرص على ذلك.”
رغم أنّها شعرت بالقلق من احتمال أن تتعرض للركل فعلًا، بدأت ريدين التمشيط وهي تشعر بنوع من الحماسة.
فأطلق الحصان أنفاسًا دافئة من منخريه.
بدأت بتمشيط كتفيه، ثم انتقلت بهدوء إلى عنقه، ثم وجهه.
وبدا أنّ فري استمتع بالأمر شيئًا فشيئًا.
فقد بدأ جسده الضخم يميل قليلًا باتجاه ريدين، ثم مدّ عنقه الطويل ودلّك كتفها.
وكانت أذناه تنتصبان للأمام كلما مرّت على موضع يعجبه.
‘إنّه شعور طيّب…’
مع أنها من تقوم بالتمشيط، فإن قلبها، الذي كان منكمشًا ومثقلاً، بدأ يرتاح تدريجيًّا.
يبدو أنّها كانت متوترة جدًا صباح اليوم.
حين لم يكن هناك من يضغط عليها أو يُرغمها على اتخاذ قرارات صعبة، وجدت ريدين نفسها تمشّط بهدوء، فبدأت الفوضى التي كانت تضجّ في داخلها تهدأ رويدًا رويدًا.
“التمشيط… شعور جميل فعلًا.”
تمتمت ريدين وكأنها تحدّث نفسها، ثم صاحت فجأة بحماس:
“آه! أظنني عرفت!”
“عرفتِ ماذا؟”
“أيّ المواضع يُحبها. انظر، أيها الكونت!”
قالت ذلك بفخر، وبدأت تمشّط برفق تحت فكّ فري، في الجزء السفلي من عنقه.
وكان كلّما وصلت الفرشاة من أسفل الفك حتى نهاية العنق، راح ذيله يتحرك ببطء يمينًا ويسارًا في تعبير واضح عن الرضا.
ولكي يضيف إلى شعورها بالفخر، أسرع مارك بإبداء مديح صغير:
“يبدو أنّ لديكِ موهبة في التمشيط.”
“هيهي.”
“أكاد أرغب في توظيفكِ كمُعتنيةٍ خاصّة بالإسطبل.”
“هم؟”
“لكن إن فعلتُ، فستوبخني والدتي بشدة، لذا لا يمكنني ذلك.”
كانت ريدين تجد صعوبة أحيانًا في مواكبة مزاح أخ خطيبها المستقبلي.
ابتسمت بصمت، ثم استدارت لتُمشّط ما لم تصل إليه بعد، بدقة واهتمام.
“أوه؟”
فجأة، شعرت بجسدها يُرفع عاليًا عن الأرض.
رفعها مارك من خلفها بخفة، ووضعها بلطف على ظهر الحصان.
“لقد أثبتتِ حسن نيّتكِ تجاه فري بما يكفي، أظن أنّ الوقت قد حان للانطلاق. أليس كذلك، فري؟”
أمسك مارك بلجام الحصان باسترخاء، ثم أدخل قدمه اليسرى في الرِكاب بمرونة.
وبحركةٍ انسيابية كالماء، جلس خلف ريدين على السرج.
ارتبكت ريدين قليلًا، فاعتدلت في جلستها قائلة:
“هـ-هل كنا سنركب معًا من البداية؟”
لاحظت الآن أنّ السرج مزوّد بأربعة ركائب، مما يدل على كونه مخصصًا لشخصين.
“نعم.”
أجابها بنبرة مقتضبة على غير عادته، ثم سرعان ما غيّر نبرته إلى نغمة أكثر نعومة:
“أنا لا أمتلك المهارة الكافية لأُعلّم أحدًا ركوب الخيل بحيث يستطيع التنقل بمفرده، ثم إنني… همم…”
“……؟”
“لا أظنّ أنّكِ تملكين موهبة في الأمور الجسدية.”
رغم رقة نبرته، فإن كلماته وخزت قلبها كإبرة.
فانحنت ريدين بخيبة، بعد أن كانت قد جلست منتصبة.
“آه… هل كُشف أمري؟”
لكنها لم تكذب، فما من داعٍ للشعور بالإحباط.
في حياتها السابقة والحالية على حدّ سواء، لم تكن تمتلك ذرّة موهبة في الرياضة، وهذا على الأقل كان ثابتًا.
تساءل مارك باستغراب:
“لكن… لا أظنّكِ حاولتِ إخفاء ذلك أصلًا. هل نعتبرها (فضيحة مكشوفة) إذًا؟”
“نعم! سيكون من اللطيف أن نُعاملها على أنها سرٌ كنتُ أُخفيه بعناية ثم انكشف.”
“كما تشائين.”
أمسك مارك باللجام وتحرك بتناغم مع الحصان كأنهما جسد واحد.
وفي تلك اللحظة، لفت انتباه ريدين حصان آخر.
“ذاك الحصان…”
وأشارت إليه.
كان حصانًا أبيض ناصعًا، يلمع تحت أشعة الشمس الذهبية التي تسلّلت مائلة من النافذة.
“ذلك حصان والدتي.”
أجاب مارك باختصار، ثم أضاف:
“رغم أنه جميل، إلّا أن طبعه سيّئ جدًّا. ليس من النوع الذي يُمكن أن تسمحي له بتمشيطة عابرة ثم يسمح لكِ بركوبه مثل فري.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 23"