من خلال رسم خط هش بينهما، هدأت لورينا أفكارها المضطربة. لم يكن الأمر أنها لم تكن تثق به. بل كان سبب عدم رغبتها في مواجهته أمرًا آخر تمامًا.
‘لا، سأتوقف هنا.’
طوّت لورينا الكلمات التي ترددت في قولها ودفنتها في أعماق قلبها. في الحقيقة، كان هناك شيءٌ ما أرادت أن تقترحه.
في اللحظة التي رأته فيها سابقًا في الكنيسة، جاذبًا انتباه الجميع، شعرت برغبة ملحة في الاقتراب منه. ولهذا السبب تبعته إلى كرسي الاعتراف.
كان الرجال مثله، في قمة السلطة، نادرين. كانت خطط الانتقام التي استطاعت تدبيرها باستخدامه لا تُحصى. حتى دخولها إلى غرفة الاعتراف، كانت تُخطط لكسبه إلى صفها. ولكن الآن، عندما التقت به مرة أخرى، أدركت شيئًا ما.
“شكرًا لك.” ما أرادته حقًا هو أن تقول هذا.
“شكراً جزيلاً.”
بالنسبة له، ربما لم يكن الأمر أكثر من مجرد لحظة غير معتادة من التدخل، لكن بالنسبة لها، كان الأمر بمثابة الخلاص في حد ذاته.
لو لم يُحطم أوهامها ذلك اليوم، لكانت لا تزال تعيش في ذلك الجحيم. كانت ممتنة لأنه لم يتجاهلها.
لأول مرة منذ فترة طويلة، تسارع قلبها.
لولاك، لما نجوت. لما استطعت بدء هذه الحياة الجديدة.
وهكذا قررت لورينا ألا تكشف له هويتها. كانت مستعدة لاستخدام أي شيء وأي شخص عند الضرورة، حتى نفسها. لكن الرجل الوحيد في هذا البلد الذي ساعدها دون أي دوافع خفية – لم ترغب في معاملته كقطعة شطرنج.
“ارجو أن تكون نعمة الحاكم معك دائمًا.”
“…”
(م: “Deus ubique est.”
عبارة لاتينية تعني “الحاكم في كل مكان”، مقترنة بنظيرتها الأكثر قتامة: “لا يوجد إله”.
ربما لا يؤمن بوجود الله، لكن لورينا اليوم صلت من أجله. صلت أن لا يغفل الحاكم عنه إذا ما وجد نفسه في نفس الجحيم الذي عانته.
“هذا كل ما أردت قوله.”
أملت لورينا أن يصل صدقها إلى السماء.
* * *
لقد كان الوقت متأخرًا بعد الظهر، وكان الحشد الضخم الذي ملأ الكاتدرائية الكبرى قد تراجع مثل المد والجزر.
وبينما كان الأسقف عائداً من الكنيسة إلى حجرات الكهنة، رأى رجلاً يخرج من قاعة الاعتراف تحت الأرض، فتجمد في مكانه من الصدمة.
“لماذا تخرج من هنا يا صاحب السمو الماركيز؟ هذا هو كرسي الاعتراف!”.
لم يكن الرجل، الذي لوّح بيده بلا مبالاة، من الأشخاص الذين يُقدمون على شيءٍ كالاعتراف، حتى مع طعنة سكين في حلقه. أما الأسقف، فقد كاد أن يُغمى عليه، فارتجف.
“لقد غادرت أحدى بنات الرعية للتو غرفة الاعتراف، فلماذا كنت… تخرج من نفس المكان؟”.
وبدلا من الإجابة، طرح الرجل سؤالا غير ذي صلة.
“من كانت؟”.
“اعذرني؟”.
“من كانت السيدة التي غادرت للتو؟ بدت كأنها نبيلة.”
التقط شعر الرجل الأشعث الذهبي البني الضوء المتسلل عبر الزجاج الملون، متلألئًا بخفّة. وقف الرجل بكسل تحت هذا الوهج المقدس بنظراته المنخفضة، وكان في غاية الروعة…
“أنا أسألك، أيها الرجل العجوز.”
…إن لم يكن بسبب عدم احترامه.
تنهد الأسقف يأسًا. كيف لشخصٍ باسمه الملائكي ووجهه كغابرييل أن يكون بهذا التجديف؟.
لو ضمّ يديه في الصلاة وأغمض عينيه برفق، لبدا كتمثال حيّ من لا شيء. للأسف، كان الرجل كافرًا مشهورًا.
“كان وجهها مُغطّىً بغطاء، فلم أرها. وحتى لو رأيتها، لما أخبرتك.”
انخفض صوت الأسقف بشكل ملحوظ، خوفًا من أن المارة قد يطرقون أذنه.
“إن سماع اعترافٍ لشخصٍ غير كاهنٍ خطيئةٌ جسيمة. هل تريد أن تُجرّ إلى الفاتيكان؟ لا تطيق هذا المكان، وبالتأكيد لا تريد أن تُعيد إحياء كفارات الماضي.”
“لا تُلحّ عليّ كثيرًا. لم أُنصت إليها لأني أردتُ ذلك. علاوةً على ذلك، كانت تعرفني تمامًا قبل أن تأتي.”
“…ماذا؟”.
كانت حجرات الاعتراف تحت الأرض في الكاتدرائية مُرتبةً في صفٍّ من ثلاثة. إلا أن الحجرة الواقعة في أقصى اليسار كان من المفترض أن تكون محظورةً بسبب عيبٍ ما: فقد انفكّ الشبك المعدني الفاصل بين الكاهن والمُعرّف عند مفصلاته.
بالنسبة للعين غير المدربة، كان الخلل غير مرئي، ولم يكن أي من الكهنة في الكاتدرائية على علم به.
لم يكن الأسقف يعلم كيف استُخدم كرسي الاعتراف سرًا لشهور، فما كان منه إلا أن رسم إشارة الصليب والتزم الصمت. ظن أن المرأة لا بد أنها مجنونة كالماركيز.
“مع ذلك، هذا لا يُعفيك من خطاياك يا صاحب الجلالة. يبدو أن دورك قد حان للاعتراف الآن. من فضلك، اذهب إلى كرسي الاعتراف. إن تبتَ بصدق، فسأتلو عليك فعل الندم”.
لوح الرجل بيده رافضًا، ومن الواضح أنه غير مهتم، مما دفع الأسقف إلى التنهد بعمق من أعماق قلبه.
“… إذن، هل تخطط لملاحقة السيدة التي غادرت للتو؟”.
“لا، أنا فقط فضولي.”
كان هناك شيءٌ ما في وجودها بقي عالقًا، حتى بعد الفاصل. شعر أنها تشبهه بشكلٍ لافت في بعض النواحي. لم يأخذ ادعائها بالعودة من الموت حرفيًا، لكن هذا لم يُهم.
ما بقي في ذهنه أكثر هو الإحساس الناعم بيدها تحت شفتيه.
“أنا قلقٌ من أن تُصابَ بعقابٍ إلهيٍّ يومًا ما. لم يفت الأوان بعد، من فضلك، اذهب إلى غرفة الاعتراف.”
“لو أراد الحاكم أن يعاقبني، لفعل ذلك منذ زمن بعيد. ما كان ينبغي له أن يدعني أولد أصلًا.”
“ششش، اصمت…!”
قاطعه الأسقف مذهولاً. كان الوحيد على قيد الحياة الذي يعرف سرّ الرجل – سرّ لا يمكن لأحدٍ آخر في العالم اكتشافه. وُلِد طفل لغابرييل نتيجة لخطأ رومانسي غير حكيم، من النوع الذي حتى الحاكم قد يعترض عليه.
“إذا كان والدي لا يزال على قيد الحياة وبصحة جيدة، فهذا يعني أن خطاياي ليست كافية لتبرير العقاب الإلهي حتى الآن.”
وهكذا، كشخصٍ وُلِدَ في الفساد الأخلاقي، لم يخشَ شيئًا. ربت الرجل على ذقنه، وأخرج كلماته براحة.
“ما الضرر في إضافة خطيئة أخرى إلى القائمة…؟”.
“من أجل السماء، يا صاحب السمو!”
“لا تكن متوترًا جدًا. أنا فقط أشعر ببعض الفضول، هذا كل شيء.”
“فضول بشأن ماذا بالضبط؟”.
بدأ الرجل بالسير نحو مدخل الكاتدرائية، وقبل أن يدرك ذلك، وجد الأسقف نفسه يتبعه.
ازداد الظل الدائري عند قدمي الرجل عمقًا وهو يخطو نحو أشعة الشمس المائلة شبرًا إلى الغرب. حجب عينيه بيده، وهمس بهدوء.
“صوتها كان…”.
“اعذرني؟”
“دافيء.”
مسحت عيناه ذات اللون البني المحمر الشارع الصاخب في الأسفل.(مو كتبت أول برتقالي المهم طلع اللون بالمانهوا احمر مع انه بالرواية برتقالي محمر زي ذيك الفاكهة يلي تشبه البرتقال)
كبطانية قطنية جفّت تحت الشمس في يومٍ صافٍ ومشرق. نظيفة وناعمة، رقيقة جدًا.
كانت كلماتها بصوتها الجميل لافتة للنظر، كل كلمة منها جوهرة. وبينما كان يفكر في المرأة الجريئة التي تجرأت على تمني رحمته، وجد نفسه فجأة في مزاج جيد على غير عادته.
كان يأمل أن تعود إلى هذا المكان. ربما عليه أن ينتظرها.
‘أو ربما العثور عليها بنفسي لن يكون فكرة سيئة.’
لم يكن هناك داعٍ للاختيار بين الاثنين، كان بإمكانه فعل كليهما. التفت إلى الأسقف، ووجهه يملؤه عبث صبياني وفضول جامح. ومع ذلك، كانت كلماته بعيدة كل البعد عن البراءة.
“بين النبلاء الكبار ذوي الزيجات المتوترة، هل هناك سيداتٌ ذوات أصواتٍ هادئةٍ كالقطن على وشك الطلاق؟ كما تعلم، أيها الكاهن الحقيقي.”
لم يكن بوسع الأسقف أن يفعل شيئًا سوى الضغط بيده على جبهته في حالة من الغضب.
* * *
بعد عودتها من الكاتدرائية، مرّت الأيام في لمح البصر. أمضت لورينا عدة أيام تُمعن النظر في الوثائق المحفوظة في قبو الدوق، وتُصنّفها، وتُدوّن التفاصيل اللازمة بدقة.
ومع ذلك، اختفت وثيقة بالغة الأهمية: شهادة الإيداع التي تُؤكد إيداع عائلة ليفانتيس خمسين مليون بيسكا في بنك كلاين. اختفت هذه الوثيقة دون أثر.
كنتُ هناك عندما كُتبت. هنا تمامًا.
وكان ذلك لأن تلك الوثيقة تم إعدادها بالتزامن مع تسجيل زواجهما.
كان يوم زفافهما الكبير، والذي صادف أيضًا عيد ميلاد لورينا. في ذلك المساء، حرر فيتشنزو كلاين شهادة الإيداع وسلمها إلى فاي. وقّع فاي على كلٍّ من شهادة الزواج وشهادة الإيداع، وختمهما بشعار الدوق. تذكرت لورينا بوضوح أنه وضع الوثائق المختومة في درج مكتبه.
لكن حتى بعد البحث في مكتب الدوق، وممتلكاته المخفية، والمخزن تحت الأرض، وقلب القصر بالكامل تقريبًا، لم يتم العثور على الشهادة في أي مكان.
عند هذه النقطة، تخلّت لورينا عن بحثها العقيم. فالعثور على وثيقة مخفية عمدًا أشبه بالبحث عن إبرة في جوف الأرض.
في تلك بعد الظهر، بدأ الضيوف الجدد في الوصول إلى القصر.
“ألم يكن صاحب السمو الدوق هو الذي استدعاني؟”.
ستيفاني كونفينو، عازفة البيانو التي حافظت على علاقة وطيدة بالدوق حتى عامين مضيا، نظرت إلى لورينا بدهشة. كانت تظهر في صالة راقية بشارع ديلجادو.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات